[ 71 ]
[ وكان كعب بن مالك من شيعة عثمان ]
وقال الاشتر إلى علي ( عليه السلام ) فكلمه بكلام يحضه على أهل الوقوف
فكره ذلك علي عليه السلام حتى شكاه وكان من رأي علي ( عليه السلام ) أن
لا يذكرهم بشئ فقال الاشتر : يا أمير المؤمنين إنا وإن لم نكن من المهاجرين
والانصار فإنا فيهم وهذه بيعة عامة والخارج منها عاص المبطئ عنها مقصر
وإن أدبهم اليوم باللسان وغدا بالسيف وما من ثقل عنك كمن خف معك
وإنما أرادك القوم لانفسهم فاردهم لنفسك .
فقال علي عليه السلام : يا مالك
دعي .
وأقبل علي عليه السلام عليهم فقال : أرأيتم لو أن من بايع أبا بكر أو
عمر أو عثمان ثم نكث بيعته أكنتم تستحلون قتالهم ؟ قالوا : نعم .
قال :
وكيف تحرجون من القتال معي وقد بايعتموني ؟ قالوا : إنا لا نزعم أنك
مخطئ وأنه لا يحل لك قتال من بايعك ثم نكث بيعتك ولكن نشك في قتال
أهل الصلاة .
فقال الاشتر : دعني يا أمير المؤمنين أوقع بهؤلاء الذين يتخلفون عنك
فقال له : كف عني فانصرف الاشتر وهو مغضب ! !
ثم إن قيس بن سعد لقي مالكا الاشتر في نفر من المهاجرين والانصار
فقال قيس للاشتر : يا مالك كلما ضاق صدرك بشئ أخرجته ؟ وكلما
استبطأت أمرا استعجلته إن أدب الصبر التسليم وأدب العجلة الاناة وإن شر
القول ما ضاهى العيب وشر الرأي ما ضاهى التهمة فإذا ابتليت فاسأل ، وإذا
أمرت فأطع ولا تسأل قبل البلاء ولا تكلف قبل أن ينز ؟ الامر فإن في أنفسنا
ما في نفسك فلا تشق على صاحبك فغضب اشتر ثم أن الانصار مشوا إلى
الاشتر في ذلك فرضوه من غضبه فرضي .
فلما هم علي ( عليه السلام ) بالشخوص قام أبوأيوب خالدبن زيد
صاحب منزل رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا أمير المؤمنين إن أقمت
بهذه البلدة فإنها مهاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وبها قبره ومنبره فإن
[ 72 ]
استقامت لك العرب كنت كمن كان قبلك ، وإن وكلت إلى المسير فقد
أعذرت .
فأجابه ( عليه السلام ) بعذره في المسير ثم خرج لما سمع توجه طلحة
والزبير إلى البصرة وتمكث حتى عظم جيشه وأغد السير في طلبهم فجعلوا لا
يرتحلون من منزل إلا نزله ( 1 ) حتى نزل بذي قار فقال : والله إنه ليحزنني أن
أدخل على هؤلاء في قلة من معي فأرسل إلى الكوفة الحسن بن علي ( عليه
السلام ) وعمار بن ياسر وقيس بن سعد وكتب إليهم كتابا .
فقدموا الكوفة فخطب الناس الحسن بن علي عليهما السلام فحمد الله
وأثنى عليه وذكر عليا وسابقته في الاسلام وبيعة الناس له وخلاف من خالفه
-بحار الانوار مجلد: 29 من ص 72 سطر 10 الى ص 80 سطر 10
ثم أمر بكتاب علي عليه السلام فقرئ عليهم :
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني أخبركم عن أمر عثمان حتى يكون
سمعه عيانه إن الناس طعنوا عليه وكنت رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه
وأقل عيبه ، وكان هذان الرجلان أهون سيرهما فيه الوجيف وقد كان من أمر
عائشة فلتة على غضب فأتيح له قوم فقتلوه .
ثم إن الناس بايعوني غير مستكرهين وكان هذان الرجلان أول من فعل
على ما بويع عليه من كان قبلي .
ثم إنهما استأذناني في العمرة وليسا يريدانها فنقضا العهد وآذنا بحرب
وأخرجا عائشة من بيتهما ليتخذانها فئة وقد سارا إلى البصرة اختيارا لها وقد
سرت إليكم اختيارا لكم ولعمري ما إياي تجيبون ما تجيبون إلا الله رسوله
ولن أقاتلهم وفي نفسي منهم حاجة .
وقد بعثت إليكم بالحسن بن علي وعمار بن ياسر وقيس بن سعد
___________________________________________________________
( 1 ) في اللفظ تسامح ، والمستفاد من كتب التاريخ أن البعد بينهما في الارتحال والاقامة كان أكثر
من منزل ورحيل .
( * )
[ 73 ]
مستنفرين فكونوا عند ظني بكم ولا حول ولا قوة إلا بالله ( 1 ) .
فلما قرء الكتاب على الناس قام خطباء الكوفة شريح بن هاني وغيره
فقالوا : والله لقد أردنا أن نركب إلى المدينة حتى نعلم علم عثمان فقد أنبأنا
الله به في بيوتنا ثم بذلوا السمع والطاعة وقالوا : رضينا بأمير المؤمنين ونطيع
أمره ولا نتخلف عن دعوته والله لو لم يستنصرنا لنصرناه سمعا وطاعة .
فلما سمع الحسن بن علي عليهما السلام ذلك قام خطيبا فقال : أيها الناس
إنه قد كان من أمير المؤمنين علي ما تكفيكم جملته وقد أتيناكم مستنفرين لكم
لانكم جبهة الامصار ورؤساء العرب وقد كان من نقض طلحة والزبير بيعتهما
وخروجهما بعائشة ما قد بلغكم وهو ضعف النساء وضعف رأيهن وقد قال الله
تعالى : * ( الرجال قوامون على النساء ) * [ 34 / النساء ] وأيم الله لو لم ينصره
أحد لرجوت أن يكون له فيمن أقبل معه من المهاجرين والانصار ومن يبعث
الله له من نجباء الناس كفاية فانصروا الله ينصركم .
ثم جلس .
وقام عمار بن ياسر فقال : يا أهل الكوفة إن كانت غابت
عنكم أبداننا فقد انتهت إليكم أمورنا إن قاتلي عثمان لا يعتذرون إلى الناس
وقد جعلوا كتاب الله بينهم وبين محاجيهم أحيى من أحيى وقتل من قتل وإن
طلحة والزبير أول من طعن وآخر من أمر ثم بايعا أول من بايع فلما أخطأهما
ما أملا نكثا بيعتهما على غير حدث كان وهذا ابن الرسول يستنفركم في
المهاجرين والانصار فانصروا ينصركم الله .
وقام قيس بن سعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس إن هذا
الامر لو استقبلنا به الشورى لكان علي أحق الناس به في سابقته وهجرته
وعلمه وكان قتال من أبى ذلك حلالا وكيف والحجة قامت على طلحة والزبير
وقد بايعاه وخلعاه حسدا .
___________________________________________________________
( 1 ) ولفظ كتابه عليه السلام هذا قريب جدا مما رواه السيد الرضي وفي المختار الاول من
باب الكتب من نهج البلاغة .
( * )
[ 74 ]
فقام خطباؤهم فأسرعوا الرد بالاجابة فقال النجاشي في ذلك :
رضينا بقسم الله إذ كان قسمنا * علي وأبناء النبي محمد
وقلنا له أهل وسهلا ومرحبا * نقبل يديه من هوى وتودد
فمرنا بما ترضى نجبك إلى الرضا * بصم العوالي والصفيح المهند
وتسويد من سودت غير مدافع * وإن كان من سودت غير مسود
فإن نلت ما تهوى فذاك نريده * وإن تخط ما تهوى فغير تعمد
وقال قيس بن سعد حين أجاب أهل الكوفة :
جزى الله أهل الكوفة اليوم نصرة * أجابوا ولم يأتوا بخذلان من خذل
وقالوا : علي خير حاف وناعل * رضينا به من ناقض العهد من بدل
هما أبرزا زوج النبي تعمدا * يسوق بها الحادي المنيخ على جمل
فما هكذا كانت وصاة نبيكم * وما هكذا الانصاف أعظم بذا المثل
فهل بعد هذا من مقال لقائل * ألا قبح الله ألاماني والعلل
فلما فرغ الخطباء وأجاب الناس قام أبوموسى فخطب الناس وأمرهم
بوضع السلاح والكف عن القتال ثم قال : أما بعد فإن الله حرم علينا دماءنا
وأموالنا فقال : * ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ولا
تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) * [ 29 / النساء : 4 ] وقال : * ( ومن يقتل
مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ) * [ 93 / النساء : 4 ] يا أهل الكوفة .
[ هذا ] تمام الحديث .
بيان شقة الثوب والعصا بالكسر : ما شق منه مستطيلا ولعلها كناية
استعيرت هنا للاولاد .
وترقرق ، تحرك .
والشئ : لمع .
والشمس : صارت كأنها
تدور .
قوله ( عليه السلام ) : " في نفسي منهم حاجة " أي لا أعلمهم مسلمين ولا
أنتظر رجوعهم .
وعالية الرمح : ما دخل في السنان إلى ثلثه .
والصفيحة :
السيف العريض .
والمهند : السيف المطبوع من حديد الهند .
[ 75 ]
49 - نهج ومن كلام له ( عليه السلام ) قال لعبد الله بن العباس لما أنفذه
إلى الزبير يستفيئه إلى طاعته قبل حرب الجمل :
لا تلقين طلحة فإنك إن تلقه تجده كالثور عاقصا قرنه يركب الصعب
ويقول هو الذلول ولكن ألق الزبير فإنه ألين عريكة فقل له : يقول لك ابن
خالك : عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق فما عدا مما بدا .
قال السيد رضي الله عنه : هو أول من سمعت منه هذه الكلمة أعنى :
فما عدا مما بدا .
بيان يستفيئه أي يسترجعه .
" إن تلقه تجده " [ و ] في رواية : " إن تلفه "
تلفه بالفاء أي تجده " عاقصا " أي عاطفا قد التوى قرناه على أذنيه يقال :
عقص شعره أي ضفره وفتله الاعقص من التيوس وغيرها : ما التوى قرناه على
أذنيه من خلفه .
" وعاقصا " إما مفعول ثان لتجده أو حال عن الثور .
" يركب
الصعب " أي يستهين المستصعب من الامور .
والعريكة : والطبيعة .
والتعبير بان الخال كقول هارون لموسى : " يا بن أم " للاستمالة بالاذكار
بالنس والرحم .
قوله ( عليه السلام ) : " فما عدا مما بدا " قال ابن أبي الحديد : معنى
الكلام : فما صرفك عما بدا منك أي ظهر أي ما الذي صدك عن طاعتي بعد
إظهارك لها " ومن " ها هنا بمعنى " عن " وقد جاءت في كثير من كلامهم
وحذف ضمير المفعول كثير جدا .
وقال الراوندي له : معنيان : أحدهما : ما الذي منعك مما كان قد بدا منك
من البيعة قبل هذا الحالة .
الثاني : ما الذي عاقك من البداء الذي يبدو
___________________________________________________________
49 - ذكره السيد الرضي رحمه الله في المختار : ( 31 ) من كتاب نهج البلاغة .
وللكلام مصادر وأسانيد ذكر بعضها في المختار : ( 94 ) من كتاب نهج السعادة :
ج 1 ، ص 306 ط 2 .
( * )
[ 76 ]
للانسان ويكون المفعول الاول لعدا محذوفا يدل عليه الكلام أي ما عداك يريد
ما منعك عما كان بدا لك من نصرتي .
وقال ابن ميثم : أقول هذه الوجوه وإن احتملت أن تكون تفسيرا إلا أن
في كل منها عدولا عن الظاهر والحق أن يقال : إن " عدا " بمعنى جاوز و " من "
لبيان الجنس والمراد ما الذي جاوز لك عن بيعتي مما بدا لك بعدها من الامور
التي ظهرت لك وتبقى الالفاظ على أوضاعها الاصلية مع استقامة المعنى
وحسنه .
وروي عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام قال :
سألت ابن عباس عن تلك الرسالة ؟ فقال : بعثني فأتيت الزبير فقلت له
فقال : إني أريد ما تريد .
كأنه يقول : ولم يزدني على ذلك فرجعت إلى
أمير المؤمنين فأخبرته .
50 - نهج ومن خطبة له ( عليه السلام ) عند خروجه لقتال أهل البصرة
قال عبدالله بن العباس دخلت على أمير المؤمنين بذي قار وهو يخصف نعله
فقال لي : ما قيمة هذه النعل ؟ فقلت لا قيمة لها .
قال : والله لهي أحب إلى
من إمرتكم إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا ثم خرج فخطب الناس فقال :
إن الله سبحانه بعث محمدا ( صلى الله عليه وآله ) وليس أحد من العرب
يقرأ كتابا ولا يدعي نبوة فساق الناس حتى بوأهم محتلهم وبلغهم منجاتهم
فاستقامت قناتهم واطمأنت صفاتهم .
أما والله إن كنت لفي ساقتها حتى تولت بحذافيرها ما عجزت ولا جبنت
وأن مسيري هذا لمثلها فلانقبن الباطل حتى يخرج الحق من جنبه .
ما لي ولقريش والله لقد قاتلتهم كافرين ولاقاتلنهم مفتونين وإني لصاحبهم
بالامس كما أنا صاحبهم اليوم .
___________________________________________________________
50 - ذكره السيد الرضي رفع الله مقامة في المختار : ( 33 ) من نهج البلاغة .
( * )
[ 77 ]
بيان : ذو قار موضع قريب من البصرة .
" حتى بوأهم " أي أسكنهم
محلتهم أي ضرب الناس بسيفه على الاسلام حتى أوصلهم إليه .
وقال ابن ميثم : المراد بالقناة القوة والغلبة والدولة التي حصلت لهم مجازا
من باب إطلاق السبب على المسبب فإن الرمح أو الظهر سبب للقوة والغلبة .
والصفاة : الحجارة اللمساء أي كانوا قبل الاسلام متزلزلين في أحوالهم بالنهب
والغارة وأمثالها .
" إن كنت لفي ساقتها " هي جمع سائق كحائك وحاكة ثم استعملت
للاخير لان السائق إنما يكون في آخر الركب والجيش وشبه أمر الجاهلية إما
بعجاجة ثائرة أو بكتيبة مقبلة للحرب فقال : إني طردتها فولت بين يدي أطردها
حق لم يبق منها شئ .
" لمثلها " أي لمثل تلك الحالة التي كنت عليها معهم في
زمن الرسول صلى الله عليه وآله " فلانقبن " [ و ] في بعض النسخ : " لابقرن
الباطل حتى أخرج الحق من خاصرته " شبه عليه السلام الباطل بحيوان ابتلع
جوهرا ثمينا أعن منه فاحتيج إلى شق بطنه في استخلاص ما ابتلع .
وفي نسخة ابن أبي الحديد بعد قوله ( عليه السلام ) صاحبهم اليوم :
والله ما تنقم منا قريش إلا أن اله اختارنا عليهم فأدخلناهم في حيزنا
كما قال الاول :
أدمت لعمري شربك المحض صابحا * وأكلك بالزبد المقشرة البجرا
ونحن وهبناك العلاء ولم تكن * عليا وحطنا حولك الجرد والسمرا
أقول : المقشرة : التمرة التي أخرج منها نواتها .
والبجر بالضم : الامر
العظيم والعجب ولعله هنا كناية عن الكثرة أو الحسن أو اللطافة .
ويحتمل أن
يكون مكان المفعول المطلق يقال : بجر كفرح - فهو بجر - : امتلا بطنه من
اللبن والماء ومل يرو .
وتبجر النبيذ : الح في شربه .
وكثير بجير اتباع .
والجرد
بالضم : جمع الاجرد وهو الفرس الذي رقت شعرته وقصرت وهو مدح .
والسمر جمع الاسمر وهو الرمح .
[ 78 ]
51 - نهج ومن كلام له ( عليه السلام ) في معنى طلحة والزبير : والله ما
أنكروا علي منكرا ولا جعلوا بيني وبينهم نصفا وإنهم ليطلبون حقا تركوه ودما
سفكوه ، فإن كنت شريكهم فيه فإن لهم نصيبهم منه وإن كانوا ولوه دوني فما
الطلبة إلا قبلهم وإن أول عدلهم للحكم على أنفسهم .
وإن معي لبصيرتي والله ما لبست ولا لبس علي وإنها للفئة الباغية فيها
الحماء والحمة والشبهة المغدفة وإن الامر لواضح وقد زاح الباطل عن نصابه
وانقطع لسانه عن شغبه .
وأيم الله لافرطن لهم حوضا أنا ماتحه لا يصدرون عنه بري ولا يعبون
بعده في حسي .
[ و ] منها :
فأقبلتم إلي إقبال العوذ المطافيل على أولادها تقولون : البيعة البيعة قبضت
كفي فبسطتموها ونازعتكم يدي فجاذبتموها اللهم إنهما قطعاني وظلماني ونكثا
بيعتي وألبا الناس علي فاحلل ما عقدا ولا تحكم لهما ما أبرما وأرهما المساءة فيما
أملا وعملا ولقد استثبتهما قبل القتال واستأنيت بهما أمام الوقاع فغمطا النعمة
وردا العافية ( 1 ) .
تبيين النصف بالكسر والتحريك : الانصاف والعدل أي إنصافا أو حكما
ذا إنصاف ويقال : ولي أمرا أي قام به .
" والطلبة " بكسر اللام : ما طلبته من
شئ .
وقال في النهاية : لبست الامر بالفتح إذا خلطت بعضه ببعض وربما
شدد التكثير .
وقال ابن أبي الحديد : الحماء : الطين الاسود .
وحمة العقرب : سمها أي في
هذه الفئة الضلال والفساد .
ويروى " الحما " بألف مقصورة وهو كناية عن الزبير
___________________________________________________________
51 - أورده السيد الرضي رفع الله مقامه في المختار : ( 135 ) من كتاب نهج البلاغة .
( 1 ) الوقاع على زنة القتال لفظا ومعنى .
( * )
[ 79 ]
لان كل من كان نسيب الرجل فهم الاحماء وأحدهم حما مثل قفا وأقفاء وما
كان نسيب المرأة فهم الاحمأة فأما الاصهار فيجمع الجهتين وكان الزبير ابن
عمة رسول الله صلى الله علهى وآله وقد كان النبي صلى الله عليه وآله أعلم
عليا بأن فئة تبغي عليه في أيام خلافته فيها بعض زوجاته وبعض أحمائه .
فكنى
( عليه السلام ) عن الزوجة بالحمة وهي سم للعقرب " والحماء " يضرب مثلا
لغير الطيب الغير الصافي .
وقال ابن ميثم : المغدفة : الخفية وأصله المرأة تغدف وجهها أي تستره
وروي " المغذفة " بكسر الذال من أغذف أي أظلم وهي إشارة إلى شبهتهم
في الطلب بدم عثمان .
" وقد زاح الباطل " أي بعد وذهب " عن نصابه " أي
مركزه ومقره .
" والشغب " بالتسكين : تهييج الشر وقد يحرك .
" والعب " :
الشرب بلا مص " والحسي " ماء كامن في رمل يحفر عنه فيستخرج ويكون
باردا عذبا ( 1 ) وهذه كناية عن الحرب والهيجاء وتهديد بهما وما يتعقبهما من
القتل والهلاك .
وقال الجوهري : العوذ : حديثات النتايج من الظباء والخيل والابل
واحدها : عائد مثل حائل وحول وذلك إذا ولدت عشرة أيام أو خمسة عشر يوما
ثم هي مطفل .
وفي القاموس المطفل كمحسن : ذات الطفل من الانس والوحش والجمع
مطافيل .
وقيل : إن في الجمع بين الوصفين تجوز .
وعلى ما في القاموس لا يحتاج إلى
ذلك .
" والبا " بتشديد اللام من التأليب وهو التحريص " قوله واستثبتهما "
استفعال من ثاب يثوب إذا رجع أي طلبت منهما أن يرجعا وروي بالتاء المثناة
من التوبة .
" واستانيت " أي انتظرت من الاناءة " فغمطا " بالكسر أي حقرا .
___________________________________________________________
( 1 ) وقال ابن ميثم : و " الحسي " بكسر الحاء وسكون السين : الماء الذي يشربه الرمل .
فينتهي إلى أرض صلبة تحفظه ثم يحفر عنه فيستخرج .
( * )
[ 80 ]
52 - نهج [ و ] من خطبة له عليه السلام في ذكر أهل البصرة ( 1 ) :
كل واحد منهما يرجو الامر له ويعطفه عليه دون صاحبه لا يمتان
بحبل ولا يمدان إليه بسبب كل واحد منهما صاحب حامل [ " خ " ] ضب
لصاحبه وعما قليل يكشف قناعه به .
والله لئن أصابوا الذي يريدون لينتزعن هذا نفس هذا وليأتين هذا على
هذا .
قد قامت الفئة الباغية فأين المحتسبون وقد سنت لهم السنن وقدم لهم
الخبر ولكل ضلة علة ولكل ناكث شبهة والله لا أكون كمستمع اللدم يسمع
الناعي ويحضر الباكي ثم لا يعتبر .
إيضاح : [ قوله عليه السلام ] : " كل واحد منهما " أي طلحة والزبير " لا
-بحار الانوار مجلد: 29 من ص 80 سطر 11 الى ص 88 سطر 11
يمتان " قال في النهاية : المت التوسل والتوصل بحرمة أو قرابة أو غير ذلك .
وقال : السبب في الاصل : الحبل الذي يتوصل به إلى ماء ثم استعير لكل ما
يتوصل به إلى شئ كقوله تعالى : * ( وتقطعت بهم الاسباب ) * أي الوصل
والمودات .
وقال : الضب : الغضب والحقد .
والظاهر أن الضمير المجرور في
" قناعه " راجع إلى كل واحد منهما والباء في " به " للسببية ، والضمير للضب
" يكشف قناعه " الذي استتر به ويظهر حاله بسبب حقده وبغضه .
" فأين
المحتسبون " أي العاملون لله والطالبون للاجر ويقال أيضا : احتسب عليه أي
أنكر .
وتقديم الخبر : هو إخبار النبي صلى الله عليه وآله بقتال الناكثين
والقاسطين والمارقين .
وضمير [ في قوله ] " لهم " في الموضعين للمحتسبين أو للفئة
الباغية وعلة ضلتهم هي البغي والحسد وشبهتهم في نكث البيعة الطلب بدم
___________________________________________________________
52 - رواه السيد الرضي قدس الله نفسه في المختار : ( 146 ) من كتاب نهج البلاغة .
( 1 ) كذا في طبع الكمباني من البحار والمذكور فيما لدي من نسخ المطبوعة من نهج
البلاغة : " ومن كلام له عليه السلام ... " .
( * )