[ 11 ]


شهيدا .
قال : قلت في نفسي : ماتكون منزلة أعظم من هذه المنزلة فالتفت إلي فقال : لعلك تقول مثل الثلاثة هيهات هيهات قال : قلت : وما علمه أنه يقتل في ذلك اليوم ؟ قال : إنه لما رأى الحرب لايزداد إلا شدة والقتل لايزداد إلا كثرة ترك الصف وجاء إلى أميرالمؤمنين فقال : يا أميرالمؤمنين هو هو ؟ قال : ارجع إلى صفك فقال له ذلك ثلاث مرات كل ذلك يقول له : ارجع إلى صفك فلما أن كان في الثالثة قال له : نعم فرجع إلى صفه وهو يقول : اليوم ألقى الاحبة * محمدا وحزبه بيان : الثلاثة سلمان وأبوذر ومقداد رضي الله عنهم قوله : ( هو هو ) أي هذا وقت الوعد الذي وعدت من الشهادة .
كش : خلف بن محمد عن عبيد بن محمود عن هاشم بن القاسم ، عن شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد قال : سمعت قيس بن أبي حازم قال : قال عمار بن ياسر : ادفنوني في ثيابي فإني مخاصم .
توضيح : أي إني أريد أن أخاصم قاتلي عندالله فلا تسلبوني ثيابي لتكون لي شاهدا وحجة أو هو كناية عن الشهادة بالحق فإنه يلزمه المخاصمة أي إني شهيد حقيقة وحكمه أن يدفن بثيابه .
373 - كش : خلف عن عبيد بن حميد عن أبي نعيم عن سفيان عن حبيب عن أبي البختري قال : أتي عمار يومئذ بلبن فضحك ثم قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : آخر شراب تشربه من الدنيا مذقة من لبن حتى تموت .
في خبر آخر أنه قال : آخر زادك من الدنيا ضياح من لبن .

[ 12 ]


توضيح : المذقة بالفتح والضم : اللبن الممذوق أي المخلوط بالماء قال في النهاية : المذق : المزج والخلط يقال : مذقت اللبن فهو مذيق إذا خلطته بالماء والمذقة : الشربة من اللبن الممذوق .
والضياح بالفتح أيضا : اللبن الرقيق الممزوج بالماء .
374 - كش : خلف عن الفتح بن عمرو الوراق عن يزيد بن هارون عن العوام بن حوشب عن أسود بن مسعدة عن حنظلة بن خويلد قال : إني لجالس عند معاوية إذ أتاه رجلان يختصمان في رأس عمار يقول كل واحد منهما أنا قتلته فقال عبدالله بن عمرو : ليطب به أحدكم نفسا لصاحبه فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : تقتله الفئة الباغية .
فقال معاوية لاتغني عنا بجنونك يابن عمرو فما بالك معنا قال إني معكم ولست أقاتل إن أبي شكاني إلى النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فقال لي رسول الله أطع أباك مادام حيا ولا تعصه فإني معكم ولست أقاتل .
بيان : قال في النهاية : يقال : أغن عني شرك أي اصرفه وكفه .
375 - كشف : في هذا الحرب قتل أبواليقظان عمار بن ياسر رضي الله عنه وقد تظاهرت الروايات أن النبي صلى الله عليه وآله قال : عمار بن ياسر جلدة بين عيني تقتله الفئة الباغية .
وفي صحيح مسلم ( 1 ) عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال

________________________________________________________
374 - نفس الهامش رقم 371 .
375 - رواه الاربلي رحمه الله في أواخر ماذكره في حرب صفين من كتاب كشف الغمة : ج 1 ، ص 258 - 261 ط بيروت .
( 1 ) رواه مسلم بأسانيد في الباب ( 18 ) من كتاب الفتن وأشراط الساعة تحت الرقم : ( 2915 ) وما بعده من صحيحه : ج 4 ص 2235 .

[ 13 ]


لعمار : يقتلك الفئة الباغية .
قال ابن الاثير وخرج عمار بن ياسر على الناس فقال : اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته اللهم إنك تعلم لو أني أعلم أن رضاك في أن أضع ظبة سيفي في بطني ثم انحنى عليها حتى تخرج من ظهري لفعلت وإني لا أعلم اليوم عملا أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين ولو أعلم عملا هو أرضى لك منه لفعلته والله إني لارى قوما ليضربنكم ضربا يرتاب منه المبطلون والله لو ضربونا حتى بلغونا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل ( 1 ) .
ثم قال : من يبتغي رضوان ربه فلا يرجع إلى مال ولا ولد .
فأتاه عصابة فقال : اقصدوا بنا هؤلاء القوم الذين يطلبون بدم عثمان والله ما أرادوا الطلب بدمه ولكنهم ذاقوا الدنيا واستحقبوها وعلموا أن الحق إذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرغون فيه منها ولم يكن لهم سابقة يستحقون بها طاعة الناس والولاية عليهم فخذعوا أتباعهم بأن قالوا : إمامنا قتل مظلوما ليكونوا بذلك جبابرة وملوكا فبلغوا ماترون ولولا هذه الشبهة ما تبعهم رجلان من الناس اللهم إن تنصرنا فطالما نصرت وإن تجعل لهم الامر فاذخر لهم بما أحدثوا في عبادك العذاب الاليم .
ثم مضى ومعه العصابة فكان لايمر بواد من أودية صفين إلا تبعه من كان هناك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله .
ثم جاء إلى هاشم بن عتبة بن أبي الوقاص وهو المرقال وكان صاحب راية علي عليه السلام فقال : يا هاشم أعورا وجبنا ؟ لاخير في أعور لايغشى

________________________________________________________
- ورواه أيضا بأسانيد النسائي في الحديث : ( 157 ) وما بعده من كتاب خصائص أميرالمؤمنين عليه السلام وعلقنا عليه أيضا عن مصادر كثيرة .
( 1 ) ورواه أيضا محمد بن عبدالله الاسكافي المتوفى عام : ( 240 ) في كتاب المعيار والموازنة ص 136 ، ط 1 .

[ 14 ]


الناس اركب يا هاشم فركب ومضى معه وهو يقول : أعور يبغي أهله محلا * قد عالج الحياة حتى ملا وعمار يقول : تقدم يا هاشم الجنة تحت ظلال السيوف والموت تحت أطراف الاسل وقد فتحت أبواب السماء وزينت الحور العين العيوم ألقى الاحبة محمدا وحزبه .
وتقدم حتى دنا من عمرو بن العاص فقال : يا عمرو بعت دينك بمصر تبا لك تبا لك فقال : لاولكن أطلب بدم عثمان .
قال له : [ هيهات ( خ ل ) ] أشهد على علمي فيك أنك لا تطلب بشئ من فعلك وجه الله تعالى وأنك إن لم تقتل اليوم تمت غدا فانظر إذا أعطي الناس على قدر نياتهم ما نيتك لغد فإنك صاحب هذه الراية ثلاثا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهذه الرابعة ماهي بأبر ولا أتقى ثم قاتل عمار ولم يرجع وقتل .
قال حبه بن جوين العرني قلت لحذيفة بن اليمان : حدثنا فإنا نخاف الفتن .
فقال : عليكم بالفئة التي فيها ابن سمية فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : يقتله الفئة الباغية الناكبة عن الطريق وإن آخر رزقه ضياح من لبن .
قال حبة فشهدته يوم قتل يقول : إئتوني بآخر رزق لي من الدنيا .
فأتي بضياح من لبن في قدح أروح بحلقة حمراء ! فما أخطأ حذيفة مقياس شعرة فقال : اليوم ألقى الاحبة * محمدا وحزبه وقال : والله لو ضربونا حتى بلغونا سعفات هجر لعلمت أننا على الحق وأنهم على الباطل .
ثم قتل رضي الله عنه قيل قتله أبوالعادية واجتز رأسه ابن جوى السكسكي وكان ذو الكلاع سمع عمرو بن العاص يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعمار بن ياسر : تقتلك الفئة الباغية وآخر شربة تشربها ضياح من لبن .

[ 15 ]


ونقلت من مناقب الخوارزمي ( 1 ) قال : شهد خزيمة بن ثابت الانصاري الجمل وهو لايسل سيفا وصفين وقال : لا أصلي أبدا خلف إمام حتى يقتل عمار فانظر من يقتله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : تقتله الفئة الباغية .
قال : فلما قتل عمار قال خزيمة : قد حانت لي الصلاة ثم اقترب فقاتل حتى قتل .
وكان الذي قتل عمارا أبوعادية المري طعنه برمح فسقط وكان يومئذ يقاتل وهو ابن أربع وتسعين سنة فلما وقع أكب عليه رجل فاجتز رأسه فأقبلا يختصمان كلاهما يقول : أنا قتلته .
فقال عمرو بن العاص : والله إن يختصمان إلا في النار ! فسمعها معاوية فقال لعمرو : وما رأيت مثل ما صنعت قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما : إنكما تختصمان في النار فقال عمرو : هو والله ذلك وإنك لتعلمه ولوددت اني مت قبل هذا بعشرين سنة .
وبالاسناد عن أبي سعيد الخدري قال : كنا نعمر المسجد وكنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين فرآه النبي صلى الله عليه وآله فجعل ينفض التراب عن رأس عمار ويقول : يا عمار ألا تحمل كما يحمل أصحابك ؟ قال : إني أريد الاجر من الله تعالى قال : فجعل ينفض التراب عنه ويقول : ويحك نقتلك

________________________________________________________
( 1 ) رواه الخوارزمي بسنده عن البيهقي عن الحاكم في الحديث : ( 6 ) من الفصل ( 3 ) من الفصل ( 16 ) من كتاب مناقب أميرالمؤمنين عليه السلام ص 123 .
ورواه الحاكم في مناقب عمار ، وبسند آخر في مناقب خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين من كتاب مناقب الصحابة من المستدرك : ج 3 ص 385 و 397 ولم يصرح بصحة الحديثين .
وسند الحديث ضعيف ، ولا يظن بمثل خزيمة أن لايبصر نور شمس الحق والحقيقة علي بن أبي طالب ، ويستدل عليه ويهتدي به بواسطة نور عمار قدس الله نفسه ، ولاتنافي بين عرفانه الحق أولا وبين جديته في محاربة المردة بعد شهادة عمار إذ هذه شأن كل مؤمن ولايختص به .

[ 16 ]


الفئة الباغية تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار وقال عمار : أعوذ بالرحمن - أظنه قال : - من الفتن .

.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 16 سطر 3 الى ص 24 سطر 3 قال أحمد بن الحسين البيهقي : وهذا صحيح على شرط البخاري .
وقال عبدالله بن عمرو بن العاص لابيه عمرو حين قتل عمار : أقتلتم عمارا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما قال ؟ فقال عمرو : لمعاوية أتسمع ما يقول عبدالله ؟ فقال : إنما قتله من جاء به وسمعه أهل الشام فقالوا : إنما قتله من جاء به فبلغت عليا عليه السلام فقال : [ إذا ] يكون النبي صلى الله عليه وآله قاتل حمزة رضي الله عنه لانه جاء به .
ونقلت عن مسند أحمد بن حنبل ( 1 ) عن عبدالله بن الحارث قال : إني لاسير مع معاوية في منصرفه من صفين بينه وبين عمرو بن العاص قال : فقال عبد الله بن عمرو : يا أبه أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعمار : ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية ؟ قال : فقال عمرو لمعاوية : ألا تسمع ما يقول هذا ؟ فقال معاوية : ما يزال يأتينا بهنة أنحن قتلناه ؟ إنما قتله الذين جاؤا به ! .
ومن مسند أحمد أيضا عن محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت [ قال ] ما زال جدي كافا سلاحه يوم الجمل حتى قتل عمار بصفين فسل سيفه فقاتل حتى قتل قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : يقتل عمارا الفئة الباغية .
ومن المسند عن علي عليه السلام أن عمارا استأذن على النبي صلى الله عليه وآله فقال : الطيب المطيب ائذن له .
ومن المناقب ( 2 ) عن علقمة والاسود قالا : أتينا أبا أيوب الانصاري فقلنا :

________________________________________________________
( 1 ) وانظر مسند خزيمة بن ثابت من مسند أحمد : ج 5 ص 213 ، وباب مناقب عمار من المستدرك : ج 3 ص 385 .
( 2 ) رواه الخوارزمي في ح 9 من الفصل المتقدم الذكر من المناقب ص 124 .

[ 17 ]


يا أبا أيوب إن الله أكرمك بنبيه صلى الله عليه وآله إذ أوحى إلى راخلته فبركت على بابك وكان رسول الله صلى الله عليه وآله ضيفأ لك فضيلة فضلك الله بها اخبرنا عن مخرجك مع علي ؟ قال : فإني أقسم لكما إنه كان رسول الله في هذا البيت الذي أنتما فيه وليس في البيت غير رسول الله وعلي جالس عن يمينه وأنا عن يساره وأنس قائم بين يديه إذ تحرك الباب فقال عليه السلام : أنظر من بالباب فخرج أنس وقال : هذا عمار بن ياسر فقال : افتح لعمار الطيب المطيب .
ففتح أنس ودخل عمار فسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله فرحب به وقال : إنه ستكون بعدي في أمتي هنات حتى يختلف السيف فيما بينهم وحتى يقتل بعضهم بعضا وحتى يبرأ بعضهم من بعض فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الاصلع عن يميني علي بن ابي طالب عليه السلام وإن سلك الناس كلهم واديا وسلك علي واديا فاسلك وادي علي وخل عن الناس إن عليا لايردك عن هدى ولا يدلك على ردي .
يا عمار طاعة علي طاعتي وطاعتي طاعة الله .
توضيح : قوله عليه السلام ( جلدة بين عيني ) وفي بعض الروايات ( جلدة مابين عيني وأنفي ) وعلى التقديرين كناية عن غاية الاختصاص وشدة الاتصال .
وقال في النهاية : في حديث عمار : ( لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر ) السعفات جمع سعفة بالتحريك وهي أغصان النخيل .
وقيل : إذا يبست سميت سعفة فإذا كانت رطبة فهي شطبة .
وإنما خص ( هجر ) للمباعدة في المسافة ولانها موصوفة بكثرة النخل ( وهجر ) اسم بلد معروف بالبحرين .
وفي القاموس : احتقبه واستحقبه : ادخره .
وفي الصحاح : احتقبه واستحقبه بمعنى أي احتمله ومنى قيل : احتقب فلان الاثم كأنه جمعه واحتقبه من خلفه .
وفي النهاية : العوار بالفتح وقد يضم العيب وقيل : انهم يقولون للردئ من كل شئ من الامور والاخلاق أعور وكل عيب وخلل في شئ فهو عورة .
والاسل محركة : الرماح .
قوله : ( أظنه ) أي قال الخدري أظن أن عمارا قال :

[ 18 ]


أعوذ بالرحمن من الفتن .
وفي النهاية فيه : ( ستكون هنات وهنات ) أي شرور وفساد يقال : في فلان هنات : أي خصال شر ولا يقال في الخير وواحدها هنت وقد يجمع على هنوات وقيل واحدها هنة تأنيث هن وهو كناية عن كل اسم جنس .
376 - نص : أبوالمفضل الشيباني عن محمد بن الحسين بن حفص عن عباد بن يعقوب عن علي بن هاشم عن محمد بن عبدالله عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار عن أبيه عن جده عمار قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض غزواته وقتل علي عليه السلام أصحاب الالوية وفرق جمعهم وقتل عمرو بن عبدالله الجمحي وقتل شيبة بن نافع أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت : يا رسول الله إن عليا قد جاهد في الله حق جهاده فقال : لانه منى وأنا منه وارث علمي وقاضي ديني ومنجز وعدي والخليفة بعدي ولولاه لم يعرف المؤمن المحض بعدي حربه حربي وحربي حرب الله وسلمه سلمي وسلمي سلم الله ألا أنه أبوسبطي والائمة بعدي من صلبه يخرج الله تعالى الائمة الراشدين ومنهم مهدي هذه الامة فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا المهدي قال : يا عمار إن الله تبارك وتعالى عهد إلي أنه يخرج من صلب الحسين أئمة تسعة والتاسع من ولده يغيب عنهم وذلك قوله عزوجل : * ( قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ) * [ 30 / الملك ] يكون له غيبة طويلة يرجع عنها قوم ويثبت عليها آخرون فإذا كان في آخر الزمان يخرج فيملا الدنيا قسطا وعدلا ويقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل وهو سميي وأشبه الناس بي .
يا عمار سيكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فاتبع عليا وحزبه فإنه مع الحق والحق معه .

________________________________________________________
376 - رواه الخزاز رحمه الله فيما جاء عن عمار في الباب ( 17 ) من كتاب كفاية الاثر ، ص 120 ، ط 2 .

[ 19 ]


يا عمار إنك ستقاتل بعدي مع علي صنفين الناكثين والقاسطين ثم يقتلك الفئة الباغية .
قلت : يا رسول الله أليس ذلك على رضا الله ورضاك ؟ قال : نعم على رضا الله ورضاي ويكون آخر زادك شربة من لبن تشربه .
فلما كان يوم صفين خرج عمار بن ياسر إلى أميرالمؤمنين عليه السلام فقال له يا أخا رسول الله أتأذن لي في القتال ؟ قال : مهلا رحمك الله فلما كان بعد ساعة أعاد عليه الكلام فأجابه بمثله فأعاده ثالثا فبكى أميرالمؤمنين عليه السلام فنظر إليه عمار فقال : يا أميرالمؤمنين إنه اليوم الذي وصف لي رسول الله صلى الله عليه وآله فنزل أميرالمؤمنين صلوات الله عليه عن بغلته وعانق عمارا وودعه ثم قال : يا أبا اليقظان جزاك الله عن الله وعن نبيك خيرا فنعم الاخ كنت ونعم الصاحب كنت ثم بكا عليه السلام وبكا عمار ثم قال : والله يا أميرالمؤمنين ما تبعتك إلا ببصيرة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم حنين : يا عمار ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فاتبع عليا وحزبه فإنه مع الحق والحق معه وستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين .
فجزاك الله يا أميرالمؤمنين عن الاسلام أفضل الجزاء فلقد أديت وبلغت ونصحت ثم ركب وركب أميرالمؤمنين عليه السلام ثم برز إلى القتال .
ثم دعا بشربة من ماء فقيل : مامعنا ماء فقام إليه رجل من الانصار فأسقاه شربة من لبن فشربه ثم قال : هكذا عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة من اللبن .
ثم حمل على القوم فقتل ثمانية عشر نفسا فخرج إليه رجلان من أهل الشام فطعنا فقتل رحمه الله .
فلما كان الليل طاف أميرالمؤمنين في القتلى فوجد عمارا ملقى فجعل رأسه على فخذه ثم بكا عليه السلام وأنشأ يقول : أيا موت كم هذا التفرق عنوة * فلست تبقى لي خليل خليل أراك بصيرا بالذين أحبهم * كأنك تمضي نحوهم بدليل

[ 20 ]


بيان : الشعر في الديوان هكذا : ألا أيها الموت الذي ليس تاركي * أرحني فقد أفنيت كل خليل أراك مضرا بالذين أحبهم * كأنك تنحو نحوهم بدليل وروى الشارح عن ابن أعثم أن عمارا رضي الله عنه لما برز يوم صفين قال : أيها الناس هل من رائح إلى الله تطلب الجنة تحت ظلال الاسنة اليوم ألقى الاحبة محمدا وحزبه .
فطعنه ابن جون في صدره فرجع وقال : اسقوني شربة من ماء فأتاه راشد مولاه بلبن فلما رآه كبر وقال : هذا ما أخبرني به حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله بأن آخر زادي من الدنيا ضياح من لبن فلما شرب خرج من مكان الجرح وسقط وتوفي رضي الله عنه فأتاه علي عليه السلام وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون إن أمرءا لم يدخل عليه مصيبة من قتل عمار فما هو في الاسلام من شئ ثم صلى عليه وقرأ هاتين البيتين .
377 - ختص : عن محمد بن الحسن عن محمد بن أبي القاسم عن محمد بن علي عن نصر بن أحمد عن أبي مخنف لوط بن يحيى عن محمد بن إسحاق عن صالح بن إبراهيم عن عبدالرحمن بن عوف قال : حدثني شيخ من أسلم شهد صفين مع القوم قال : والله إن الناس على سكناتهم فما راعنا إلا صوت عمار بن ياسر حين اعتدلت الشمس أو كادت تعتدل وهو يقول : أيها الناس من رائح إلى الجنة كالظمآن يرى الماء ؟ ما الجنة إلا تحت أطراف العوالي اليوم ألقى الاحبة محمدا وحزبه .
يا معشر المسلمين أصدقوا الله فيهم فإنهم والله أبناء الاحزاب دخلوا في هذا الدين كارهين حين أذلتهم حد السيوف وخرجوا منه طائعين حتى أمكنتهم الفرصة .

________________________________________________________
377 - رواه الشيخ المفيد في الحديث : ( 26 ) من كتاب الاختصاص ص 10 ، ط النجف .