[ 21 ]
وكان يومئذ ابن تسعين سنة قال : فوالله ماكان إلا الالجام والاسراج .
وقال عمار حين نظر إلى راية عمرو بن العاص إن هذه الراية قد قاتلتنا
ثلاث عركات وما هي بأرشدهن ثم حمل وهو يقول :
نحن ضربناكم على تنزيله * فاليوم نضربكم على تأويله
ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل على خليله
أو يرجع الحق إلى سبيله * يارب إني مؤمن بقيله
ثم استسقى عمار واشتد ظمأؤه فأتته امرأة طويلة اليدين ما أدري أعس
معها أم إداوة فيها ضياح من لبن [ فشربه ] وقال الجنة تحت الاسنة اليوم ألقى
الاحبة محمدا وحزبه .
والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وأنهم
على الباطل .
ثم حمل وحمل عليه ابن جوين السكسكي وأبوالعادية الفزاري فأما أبو
العادية فطعنه وأما ابن جوين اجتز رأسه لعنهما الله .
إيضاح : العالية : أعلى الرمح والجمع : العوالي .
وفي الصحاح : لقيته
عركة بالتسكين أي مرة ولقيته عركات أي مرات .
378 - مد : من صحيح مسلم بأسانيد عن أبي سعيد الخدري قال :
________________________________________________________
378 - رواه يحيى بن الحسن بن البطريق رحمه الله في الحديث : ( 540 ) وتواليه في أواسط
الفصل : ( 36 ) من كتاب العمدة ص 168 .
وقد رواه مسلم بأسانيد كثيرة في الباب : ( 18 ) من كتاب الفتن وأشراط الساعة
تحت الرقم : ( 2915 ) وما بعده من صحيحه : ج 4 ص 2235 من الطبعة المرقمة .
وقد رواه أيضا بأسانيد كثيرة الحافظ النسائي تحت الرقم : ( 157 ) وما بعده من
كتاب خصائص أميرالمؤمنين عليه السلام ص 289 بيروت .
وقد رواه الحافظ ابن عساكر على وجه بديع بأسانيد كثيرة في ترجمة عمار من
كتاب تاريخ دمشق : ج 11 / الورق .
.
من مخطوطة المكتبة الظاهرية .
[ 22 ]
أخبرني من هو خير مني أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعمار حين
جعل يحفر الخندق وجعل يمسح رأسه ويقول : أبشر ابن سمية يقتلك فئة
باغية .
وبأسانيد أيضا عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال
لعمار : تقتلك الفئة الباغية .
وبسند آخر عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله يقتل
عمارا الفئة الباغية .
ومن الجمع بين الصحيحين للحميدي الحديث السادس عشر من إفراد
البخاري من الصحيح عن عكرمة قال : قال لي ابن عباس ولابنه علي : انطلقا
إلى أبي سعيد الخدري واسمعا من حديثه .
فانطلقنا فإذا هو في حائط له
يصلحه فأخذ رداءه واحتبى ثم أنشأ يحدثنا حتى أتى على ذكر بناء المسجد
فقال : كنا نحمل لبنة لبنة وعمار إثنتين إثنتين فرآه النبي صلى الله عليه وآله
فجعل ينفض التراب عنه ويقول : ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى
النار وكان يقول عمار : أعوذ بالله من الفتن .
ثم ذكر الخبر بسند آخر عن عكرمة مثله .
ثم قال : قال الحميدي وفي هذا الحديث زيادة مشهورة لم يذكرها
البخاري أصلا في طريق هذا الحديث ولعلها لم تقع إليه أو وقعت فحذفها
لغرض قصده ( 1 ) .
وأخرجه أبوبكر البرقاني وأبوبكر الاسماعيلي قبله وفي هذا الحديث
عندهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ويح عمار تقتله الفئة الباغية
________________________________________________________
( 1 ) قصد البخاري على ما هو المستفاد من مواضع عديدة من كتبه هو إخفاء معالي أولياء
الله وفضائح الفئة الباغية وإمامه معاوية ! !
والحديث رواه مع بعض تلك الزيادة الحاكم النيسابوري وصححه والذهبي في
كتاب قتال أهل البغي من المستدرك : ج 2 ص 14 .
[ 23 ]
ويدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار .
قال أبومسعود الدمشقي في كتابه : لم يذكر البخاري هذه الزيادة وهي في
حديث عبدالله بن المختار وخالد بن عبدالله الواسطي ويزيد بن زريع
ومحبوب بن الحسن وشعبة كلهم عن خالد الحذاء وروى إسحاق عن عبد
الوهاب هكذا .
قال : وأما حديث عبدالوهاب الذي أخرجه البخاري [ من ] دون [ تلك ]
الزيادة فلم يقع إلينا من غير حديث البخاري .
هذا آخر معنى ما قاله أبومسعود .
أقول : قال [ ابن الاثير ] في [ مادة : ( ويح - ويس ) ( 1 ) من كتاب ] النهاية :
فيه قال لعمار : ( ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية ) ويح كلمة ترحم وتوجع
تقال لمن وقع في هلكة لايستحقها .
وقد يقال بمعنى المدح والتعجب وهي
منصوبة على المصدر وقد ترفع وتضاف ولا تضاف يقال : ويح زيد وويحا له
وويح له .
ثم قال : وفيه قال لعمار : ( ويس ابن سمية ) وفي رواية ( يا ويس ابن
سمية ) ويس كلمة [ تقال ] لمن يرحم ويرفق [ به ] مثل ( ويح ) وحكمها حكمها .
379 - كش : جعفر بن معروف عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير
عن حسين بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن أقواما
يزعمون أن عليا صلوات الله عليه لم يكن إماما حتى أشهر سيفه : [ قال ] :
خاب إذن عمار وخزيمة بن ثابت وصاحبك أبوعمرة وقد خرج يومئذ صائما
بين الفئتين بأسهم فرمى بها قربي يتقرب بها إلى الله حتى قتل يعني عمارا .
بيان : لعل المعنى أنهم [ ما ] كانوا يعتقدون إمامته عليه السلام قبل أن
________________________________________________________
( 1 ) وأيضا ذكر الحديث في مادة ( بغى ) من كتاب النهاية وفسره .
379 - الحديث رواه الكشي بزيادة في أوله غير مرتبطة بالمقام - في أواسط ترجمة عمار من
رجاله ص 35 ط النجف .
[ 24 ]
يشهر سيفه فيكونوا من الخائبين بتلك العقيدة ولعل التخصيص لانهم كانوا
أعرف بهذا الوصف عند السائل من غيرهم والظاهر أن الزاعمين [ هم ] الزيدية
المشترطون في الامامة الخروج بالسيف .
.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 24 سطر 4 الى ص 32 سطر 4
قوله عليه السلام : ( صائما ) يمكن أن يكون صائما ابتداء ثم اضطر إلى شرب
اللبن أو شربه تصديقا لقول النبي صلى الله عليه وآله .
وقال السيد الداماد قدس سره : ( صائما ) أي قائما واقفا ثابتا للقتال من
الصوم بمعنى القيام والوقوف يقال : صام الفرس صوما أي قام على غير
اعتلاف وصام النهار صوما إذا قام قائم الظهيرة واعتدل .
والصوم : ركود
الريح ومصام الفرس ومصامته موقفه والصوم أيضا الثبات والدوام والسكون
وما صائم ودائم وقائم وساكن بمعنى .
والباء في ( بأسهم ) للملابسة والمصاحبة .
أو خرج بين الفئتين وكان صائما
بالصيام الشرعي والباء أيضا للملابسة أو من الصوم بمعنى البيعة أي خرج
مبايعا على بذل المهجة في سبيل الله أو خرج بين صفي الفئتين داميا بأسهم
من قولهم صام النعام أي رمى بذرقه وهو صومه فالباء للصلة أو الدعامة فقد
جاء الصوم بهذه المعاني كلها في الصحاح وأساس البلاغة والمعرب والمغرب
والقاموس والنهاية انتهى .
أقول : قد مضى كثير من أخبار هذا الباب في باب فضائل عمار وفي باب
مطاعن عثمان .
380 - كتاب صفين لنصر بن مزاحم عن سفيان الثوري وقيس بن
________________________________________________________
380 - رواه نصر بن مزاحم في أواسط الجزء ( 6 ) من كتاب صفين ص 323 - 359 ط
مصر .
والحديث الاول منه رواه ابن ماجة القزويني في باب فضل عمار تحت الرقم :
( 146 ) في مقدمة سننه ج 1 ، ص 44 ، قال :
حدثنا عثمان بن أبي شيبة وعلي بن محمد ، قالا : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن
أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ .
.
[ 25 ]
الربيع عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ عن علي عليه السلام قال جاء
عمار بن ياسر يستأذن على النبي صلى الله عليه وآله : فقال : إئذنوا له مرحبا
بالطيب المطيب .
وعن سفيان بن سعيد عن سلمة بن كهيل عن مجاهد عن النبي صلى الله
عليه وآله حين رآهم يحملون الحجارة حجارة المسجد فقال : ما لهم ولعمار
يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار وذاك دأب الاشقياء الفجار .
وعن سفيان عن الاعمش عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل عن رجل
من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله قال : لقد ملئ عمار إيمانا إلى مشاشه .
وعن الحسن بن صالح عن أبي ربيعة الايادي عن الحسن عن أنس عن
النبي صلى الله عليه وآله قال : إن الجنة لتستاق إلى ثلاثة علي وعمار وسلمان .
وعن عبدالعزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال : لما بني المسجد
جعل عمار يحمل حجرين حجرين فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : يا
أبا اليقظان لا تشق على نفسك .
قال : يا رسول الله إني أحب أن أعمل في
هذا المسجد قال : ثم مسح ظهره ثم قال : إنك من أهل الجنة تقتلك الفئة
الباغية .
وعن حفص بن عمران الازرق البرجمي عن نافع بن عمر الجمحي عن
ابن مليكة قال : قال عبدالله بن عمرو بن العاص لابيه : لولا أن رسول الله
صلى الله عليه وآله أمر بطواعيتك ما سرت هذا المسير أما سمعت رسول الله
صلى الله عليه وآله يقول لعمار : تقتلك الفئة الباغية .
وعن حفص بن عمران البرجمي عن عطاء بن السائب عن أبي البختري
قال : أصيب أويس القرني مع علي بصفين .
________________________________________________________
- ثم روى بسند آخر قريبا منه عن علي عليه السلام أنه دخل عليه عمار فقال :
مرحبا بالطيب المطيب سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول : ملئ
عمارا إيمانا إلى مشاشه .
[ 26 ]
وعن عمر بن سعد عن مالك بن أعين عن زيد بن وهب الجهني أن
عمار بن ياسر نادى يومئذ : أين من يبغي رضوان ربه ولا يؤب إلى مال ولا
ولد ؟ قال : فأتته عصابة من الناس فقال : يا أيها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء
القوم الذين يبغون دم عثمان ويزعمون أنه قتل مظلوما والله إن كان إلا ظالما
لنفسه الحاكم بغير ما أنزل الله .
ودفع علي الراية إلى هاشم بن عتبة وكان عليه درعان فقال له علي عليه
السلام كهيئة المازح : أيا هاشم أيا تخشا على نفسك أن تكون أعورا جبانا ؟
قال : ستعلم يا أميرالمؤمنين والله لالفن بين جماجم القوم لف رجل ينوي
الآخرة .
فأخذ رمحا فهزه فانكسر ثم أخذ آخر فوجده جاسيا فألقاه ثم دعا برمح
لين فشد به لواءه .
ولما دفع علي عليه السلام الراية إلى هاشم قال له رجل من بكر بن وائل
من أصحاب هاشم : اقدم ما لك يا هاشم قد انتفخ سحرك عورا وجبنا قال :
من هذا قالوا فلان قال : أهلها وخير منها إذا رأيتني صرعت فخذها ثم قال
لاصحابه : شدوا شسوع نعالكم وشدوا أزركم فإذا رأيتموني قد هززت الراية
ثلاثا فاعلموا أن أحدا منكم لايسبقني إليها ثم نظر هاشم إلى عسكر معاوية
فرأى جمعا عظيما فقال : من اولئك ؟ قالوا : أصحاب ذي الكلاع ثم نظر فرأى
جندا آخر فقال : من أولئك قالوا : جند أهل المدينة قريش قال : قومي لا
حاجة لي في قتالهم قال : من عند هذه القبة البيضاء ؟ قيل معاوية وجنده
فحمل حينئذ يرقل إرقالا .
وعن عبدالعزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال : لما كان قتال
صفين والراية مع هاشم بن عتبة جعل عمار بن ياسر يتاوله بالرمح ويقول :
اقدم يا أعور .
لاخير في أعور لايأتي الفزع .
قال : فجعل يستحيي من عمار وكان عالما بالحرب فيتقدم فيركز الراية إذا
[ 27 ]
سامت إليه الصفوف قال عمار : اقدم يا أعور لاخير في أعور لايأتي الفزع .
فجعل عمرو بن العاص يقول : إني لارى لصاحب الراية السوداء عملا
لئن دام على هذا لتفنين العرب اليوم .
فاقتتلوا قتالا شديدا .
وجعل عمار يقول : صبرا عبادالله الجنة في ظلال البيض .
قال : وكانت علامة أهل العراق بصفين الصوف الابيض قد جعلوه في
رؤوسهم وعلى أكتافهم وشعارهم يا الله يا أحد يا صمد يا رحيم .
وكانت علامة أهل الشام خرقا بيضا قد جعلوها على رؤوسهم وأكتافهم
وكان شعارهم نحن عبادالله حقا يا لثارات عثمان .
قال : فاجتلدوا بالسيوف وعمد الحديد فما تحاجزنا حتى حجز بينا سواد
الليل وما يرى رجلا منا ولا منهم موليا فلما أصبحوا وذلك اليوم الثلاثاء
خرج الناس إلى مصافهم فقال أبونوح : فكنت في خيل علي عليه السلام
فإذا أنا برجل من أهل الشام يقول : من يدلني على الحميري أبي نوح ؟ قال :
قلت : فقد وجدته فمن أنت ؟ قال : أنا ذو الكلاع سر إلي فقال أبونوح :
معاذالله أن أسير إليك إلا في كتيبة قال ذو الكلاع : سرفلك ذمة الله وذمة رسوله
وذمة ذي الكلاع حتى ترجع إلى خيلك فإنما أريد بذلك أن أسألك عن أمر
فيكم تمارينا فيه .
فسارا حتى التقيا فقال ذوالكلاع : إنما دعوتك أحدثك حديثا حدثنا
عمرو بن العاص في إمارة عمر بن الخطاب .
قال أبونوح : وما هو ؟ قال :
حدثنا عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : يلتقي أهل
الشام وأهل العراق وفي إحدى الكتيبتين الحق وإمام الهدى ومعه عمار بن
ياسر قال أبونوح : لعمروالله إنه لفينا .
قال : أجاد هو على قتالنا ؟ قال أبونوح :
نعم ورب الكعبة لهو أشد على قتالكم مني .
فقال ذوالكلاع : هل تستطيع أن تاتي معي صف أهل الشام فأنا لك
جار منهم حتى تلقى عمرو بن العاص فتخبره عن عمار وجده في قتالنا لعله
[ 28 ]
يكون صلحا بين هذين الجندين فقال له أبونوح : إنك رجل غادر وأنت في
قوم غدور وإن لم تكن تريد الغدر أغدروك وإني أن أموت أحب إلي من أن
أدخل مع معاوية وأدخل في دينه وأمره .
فقال ذو الكلاع : أنا جار لك من ذلك
أن لاتقتل ولا تسلب ولا تكره على بيعة ولا تحبس عن جندك وإنما هي كلمة
تبلغها عمرا لعل الله أن يصلح بين هذين الجندين ويضع عنهم الحرب
والسلاح .
فسار معه حتى أتى عمرو بن العاص وهو عند معاوية وحوله الناس وعبد
الله بن عمرو يحرض الناس فلما وقفا على القوم قال ذو الكلاع لعمرو : يا [ أ ] با
عبدالله هل لك في رجل ناصح لبيب شفيق يخبرك عن عمار بن ياسر ولا
يكذبك ؟ قال عمرو : من هذا معك ؟ قال : هذا ابن عمي وهو من أهل
الكوفة فقال له عمرو : إني لارى عليك سيماء أبي تراب .
قال أبونوح : علي
سيماء محمد صلى الله عليه وآله وأصحابه وعليك سيماء أبي جهل وسيماء
فرعون .
فقام أبوالاعور فسل سيفه ثم قال : لا أرى هذا الكذاب يشاتمنا بين
أظهرنا وعليه سيماء أبي تراب فقال ذو الكلاع : أقسم بالله لئن بسطت يدك
إليه لاحطمن أنفك بالسيف ابن عمي وجاري عقدت له ذمتي وجئت به
إليكم ليخبركم عمار تماريتم فيه .
فقال له عمرو : أذكرك بالله يا أبا نوح إلا ما صدقت أفيكم عمار بن
ياسر ؟ فقال له أبونوح : ما أنا بمخبرك عنه حتى تخبرني لم تسأل عنه ؟ فإن معنا
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله غيره وكلهم جاد على قتالكم .
قال
عمرو : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إن عمارا تقتله الفئة
الباغية وإنه ليس ينبغي لعمار أن يفارق الحق ولن تأكل النار منه شيئا .
فقال أبونوح : لا إله إلا الله والله أكبر والله إنه لفينا جاد على قتالكم
فقال عمرو : والله إنه لجاد على قتالنا ؟ قال : نعم والله الذي لا إله إلا هو لقد
حدثني يوم الجمل أنا سنظهر عليهم ولقد حدثني أمس أن لو ضربونا حتى
[ 29 ]
يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وأنهم على باطل ولكانت قتلانا في
الجنة وقتلاهم في النار .
فقال له عمرو : هل تستطيع أن تجمع بينه وبيني ؟ قال : نعم فلما أراد أن
يبلغه أصحابه ركب عمرو بن العاص وابناه وعتبة بن أبي سفيان وذو الكلاع
وأبوالاعور السلمي وحوشب والوليد بن أبي معيط فانطلقوا حتى أتوا خيولهم .
وسار أبونوح ومعه شرحبيل بن ذي الكلاع حتى انتهى إلى أصحابه فذهب
أبونوح إلى عمار فوجده قاعدا مع أصحابه مع ابني بديل وهاشم والاشتر
وجارية بن المثنى وخالد بن المعمر وعبدالله بن حجل وعبدالله بن العباس
فقال أبونوح : إنه دعاني ذو الكلاع وهو ذو رحم فذكر ما جرى بينه وبينهم
وقال : أخبرني عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول :
عمار تقتله الفئة الباغية .
فقال عمار : صدق وليضر به ما سمع ولا ينفعه فقال أبونوح : إنه يريد
أن يلقاك فقال عمار لاصحابه : اركبوا قال : ونحن إثنا عشر رجلا بعمار ( 1 )
فسرنا حتى لقيناهم ثم بعثنا إليم فارسا من عبدالقيس يسمى عوف بن بشر
فذهب حتى كان قريبا من القوم ثم نادى أين عمرو بن العاص ؟ قالوا : هاهنا
فأخبره بمكان عمار وخيله فقال عمرو : فليسر إلينا فقال عوف : إني أخاف
غدراتك ثم جرى بينهما كلمات تركتها إلى أن قال :
أقبل عمار مع أصحابه فتوافقا فقال عمرو : يا أبا اليقظان اذكرك الله إلا
كففت سلاح أهل هذا العسكر وحقنت دمائهم فعلام تقاتلنا أو لسنا نعبد إلها
واحدا ونصلي قبلتكم وندعو دعوتكم ونقرأ كتابكم ونؤمن برسولكم ؟ قال : الحمد
________________________________________________________
( 1 ) كذا في ط الكمباني من أصلي وفيه اختلال ، فيحتمل أن يكون من خطأ الكتاب أو
المطبعة ، أو من جهة تلخيص المصنف العلامة وإليك نص كتاب صفين ط مصر :
ثم قال أبونوح لعمار - ونحن إثنا عشر رجلا - : فإنه يريد أن يلقاك .
فقال عمار
لاصحابه : اركبوا .
فركبوا وساروا ثم بعثنا إليهم فارسا من عبدالقيس يسمى
عوف بن بشر .
.
[ 30 ]
لله الذي أخرجها من فيك إنها لي ولاصحابي القبلة والدين وعبادة الرحمن والنبي
والكتاب من دونك ودون أصحابك وجعلك ضالا مضلا لا تعلم هاد أنت
أم ضال وجعلك أعمى وسأخبرك على ما قاتلتك عليه أنت وأصحابك أمرني
رسول الله صلى الله عليه وآله أن أقاتل الناكثين ففعلت وأمرني أن أقاتل
القاسطين فأنتم هم .
وأما المارقون فما أدري أدركهم أم لا .
أيها الابتر ألست تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي : ( من
كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ) وأنا مولى الله
ورسوله وعلي بعده وليس لك مولى .
فقال له عمرو : فما ترى في قتل عثمان ؟ قال : فتح لكم باب كل سوء
قال عمرو : فعلي قتله ؟ قال عمار : بل الله رب علي قتله وعلي معه قال
عمرو : أكنت فيمن قتله ؟ قال : أنا مع من قتله وأنا اليوم أقاتل معه .
قال :
فلم قتلتموه ؟ قال : أراد أن يغير ديننا فقتلناه .
قال عمرو : ألا تستمعون قد اعترف بقتل إمامكم ؟ قال عمار : وقد قالها
فرعون قبلك : ( ألا تستمعون ) .
فقال أهل الشام ولهم زجل فركبوا خيولهم ورجعوا فبلغ معاوية ماكان
بينهم فقال له : هلكت العرب إن أخذتهم خفة العبد الاسود يعني عمارا .
وخرج [ عمار ] إلى القتال وصفت الخيول بعضها لبعض وزحف الناس
وعلى عمار درع وهو يقول : أيها الناس الرواح إلى الجنة .
فاقتتل الناس قتالا
شديدا لم يسمع الناس بمثله وكثرت القتلى حتى أن كان الرجل ليشد طنب
فسطاطه بيد الرجل أو برجله فقال الاشعث : لقد رأيت أخبية صفين وأروقتهم
وما منها خباء ولا رواق ولا بناء ولا فسطاط إلا مربوطا بيد رجل أو رجله .
وجعل أبوسماك الاسدي يأخذ إداوة من ماء وشفرة حديد فيطوف في
القتلى فإذا رأى رجلا جريحا وبه رمق أقعده وسأله من أميرالمؤمنين عليه