[291]


فلما علم الطرماح بذلك أناخ راحلته ونزل عنها وعقلها وجلس مع القوم الذين يتحدثون .
فلما بلغ الخبر إلى معاوية أمر ابنه يزيد أن يخرج ويضرب المصاف على باب داره فخرج يزيد وكان على وجهه أثر ضربة فإذا تكلم كان جهير الصوت فأمر بضرب المصاف ففعلوا ذلك وقالوا للطرماح : هل لك أن تدخل على باب اميرالمؤمنين فقال : لهذا جئت وبه أمرت فقام إليه ومشى فلما رأى أصحاب المصاف وعليهم ثياب سود فقال : من هؤلاء القوم كأنهم زبانية لالك على ضيق المسالك فلما دنى من يزيد نظر إليه فقال : من هذا الميشوم ابن الميشوم الواسع الحلقوم المضروب على الخرطوم ؟ ! فقالوا : مه يا أعرابي ابن الملك يزيد فقال : ومن يزيد لا زاد الله مزاده ولا بلغه مراده ومن أبوه ؟ كانا قدما غائصين في بحر الجلافة واليوم استويا على سرير الخلافة فسمع [ يزيد ] ذلك واستشاط وهم بقتله غضبا ثم كره أن يحدث دون إذن أبيه فلم يقتله خوفا منه وكظم غيظه وخبا ناره وسلم عليه فقال : يا أعرابي إن أميرالمؤمنين يقرأ عليك السلام فقال : سلامه معي من الكوفة فقال يزيد : سلني عما شئت فقد أمرني أميرالمؤمنين بقضاء حاجتك فقال : حاجتي إليه أن يقوم من مقامه حتى يجلس من هو أولى منه بهذا الامر ! قال : فماذا تريد آنفا قال : الدخول عليه فأمر برفع الحجاب وأدخله إلى معاوية وصواحبه .
فلما دخل الطرماح وهو متنعل قالوا له : اخلع نعليك فالتفت يمينا وشمالا ثم قال : هذا رب الواد المقدس فأخلع نعلي فنظر فإذا هو معاوية قاعد على السرير مع قواعده وخاصته ومثل بين يديه خدمه فقال : السلام عليك أيها الملك العاصي فقرب إليه عمرو بن العاص فقال : ويحك يا أعرابي ما منعك أن تدعوه بأميرالمؤمنين ؟ فقال الاعرابي : ثكلتك أمك يا أحمق نحن المؤمنون فمن أمره علينا بالخلافة .
فقال معاوية : ما معك يا أعرابي ؟ فقال : كتاب مختوم من إمام معصوم فقال : ناولنيه .
قال : أكره أن أطأ بساطك .
قال : ناوله وزيري هذا وأشار إلى

[292]


عمرو بن العاص .
فقال : هيهات هيهات ظلم الامير وخان الوزير .
فقال : ناوله ولدي هذا وأشار إلى يزيد .
فقال : ما نرضى بإبليس فكيف بأولاده ؟ فقال : ناوله مملوكي هذا وأشار إلى غلام له قائم على رأسه .
فقال الاعرابي : مملوك اشتريته [ من ] غير حل وتستعمله في غير حق ! قال : ويحك يا أعرابي فما الحيلة وكيف نأخذ الكتاب ؟ فقال الاعرابي : أن تقوم من مقامك وتأخذه ؟ يدك على غير كره منك فإنه كتاب رجل كريم وسيد عليم وحبر حليم بالمؤمنين رؤوف رحيم .
فلما سمع منه معاوية وثب من مكانه وأخذ منه الكتاب بغضب وفكه وقرأه ووضعه تحت ركبتيه ثم قال : كيف خلفت أبا الحسن والحسين ؟ قال : خلفته بحمدالله كالبدر الطالع حواليه أصحابه كالنجوم الثواقب اللوامع إذا أمرهم بأمر ابتدروا إليه وإذا نهاهم عن شئ لم يتجاسروا عليه وهو من بأسه يا معاوية في تجلد بطل شجاع سيد سميدع إن لقي جيشا هزمه وأراده وإن لقي قرنا سلبه وأفناه وإن لقي عدوا قتله وجزاه .
قال معاوية : كيف خلفت الحسن والحسين ؟ قال : خلفتهما بحمدالله شابين نقيين تقيين زكيين عفيفين صحيحين سيدين طيبين فاضلين عاقلين عالمين مصلحين في الدنيا والآخرة .
فسكت معاوية ساعة فقال : ما أفصحك يا اعرابي ؟ قال : لو بلغت باب أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لوجدت الادباء الفصحاء البلغاء الفقهاء النجباء الاتقياء الاصفياء ولرأيت رجالا سيماهم في وجوههم من أثر السجود حتى إذا استعرت نار الوغى قذفوا بأنفسهم في تلك الشعل لابسين القلوب على مدارعهم قائمين ليلهم صائمين نهارهم لاتأخذهم في الله ولا في ولي الله علي لومة لائم فإذا أنت يا معاوية رأيتهم على هذه الحال غرقت في بحر عميق لاتنجو من لجته .
فقال عمرو بن العاص لمعاوية سرا : هذا رجل أعرابي بدوي لو أرضيته بالمال لتكلم فيك بخير .

[293]


فقال معاوية : يا أعرابي ما تقول في الجائزة أتأخذها مني أم لا ؟ قال : بل آخذها فوالله أنا أريد استقباض روحك من جسدك فكيف باستقباض مالك من خزانتك فأمر له بعشرة آلاف درهم ثم قال : أتحب أن أزيدك ؟ قال : زد فإنك لاتعطيه من مال أبيك وإن الله تعالى ولي من يزيد قال : أعطوه عشرين ألفا قال الطرماح : اجعلها وترا فإن الله تعالى هو الوتر ويحب الوتر قال : أعطوه ثلاثين ألفا فمد الطرماح بصره إلى إيراده فأبطأ عليه ساعة فقال : يا ملك تستهزئ بي على فراشك ؟ فقال : لماذا يا أعرابي ؟ قال : إنك أمرت لي بجائزة لا أراها ولاتراها فإنها بمنزلة الريح التي تهب من قلل الجبال ! فأحضر المال ووضع بين يدي الطرماح فلما قبض المال سكت ولم يتكلم بشئ .
[ ف ] قال عمرو بن العاص : يا أعرابي كيف ترى جائزة أميرالمؤمنين فقال الاعرابي : هذا مال المسلمين من خزانة رب العالمين أخذه عبد من عباد الله الصالحين .
فالتفت معاوية إلى كاتبه وقال : اكتب جوابه فوالله لقد أظلمت الدنيا علي وما لي طاقة فأخذ الكاتب القرطاس فكتب .
بسم الله الرحمن الرحيم من عبدالله وابن عبده معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فإني أوجه إليك جندا من جنود الشام مقدمته بالكوفة وساقته بساحل البحر ولارمينك بألف حمل من خردل تحت كل خردل ألف مقاتل فإن أطفأت نار الفتنة وسلمت إلينا قتلة عثمان وإلا فلا تقل غال ابن أبي سفيان ولا يغرنك شجاعة أهل العراق واتفاقهم فإن اتفاقهم نفاق فمثلهم كمثل الحمار الناهق يميلون مع كل ناعق والسلام .
فلما نظر الطرماح إلى ما يخرج تحت قلمه قال : سبحان الله لا أدري أيكما أكذب أنت بادعائك أم كاتبك فيما كتب ! لو اجتمع أهل الشرق والغرب من الجن والانس لم يقدروا به على ذلك فنظر معاوية فقال : والله لقد كتب من غير أمري فقال : ان كنت لم تأمره فقد اضتعفك وإن كنت أمرته فقد استفضحك .

[294]


أو قال : إن كتب من تلقاء نفسه فقد خانك ، وإن أمرته بذلك فأنتما خائنان كاذبان في الدنيا والآخرة ثم قال الطرماح : يا معاوية أظنك تهدد البط بالشط .
فدع الوعيد فما وعيدك ضائر * أطنين أجنحة الذباب يضير والله إن لامير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لديكا علي الصوت عظيم المنقار يلتقط الجيش بخيشومه ويصرفه إلى قانصته ويحطه إلى حوصلته فقال معاوية : والله كذلك هو مالك بن الاشتر النخعي ثم قال : ارجع بسلام مني .
وفي رواية أخرى : خذ المال والكتاب وانصرف فجزاك الله عن صاحبك خيرا فأخذ الطرماح الكتاب وحمل المال وخرج من عنده وركب مطيته وسار .
ثم التفت معاوية إلى أصحابه فقال : لو أعطيت جميع ما أملك لرجل منكم لم يؤد عني عشر عشير ما أدى هذا الاعرابي عن صاحبه .
فقال عمرو بن العاص : لو أن لك قرابة كقرابة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وكان معك الحق كما هو معه لادينا عنك أفضل من ذلك أضعافا مضاعفة فقال معاوية : فض الله فاك وقطع شفتيك والله لكلامك علي أشد من كلام الاعرابي ولقد ضاقت علي الدنيا بحذافيرها .
توضيح : الزعزعة : تحريك الرياح لشجرة ونحوها ذكره الفيروز آبادي وقال : وقب الظلام : دخل والشمس وقبا ووقوبا : غابت : والوثيق : المحكم .
والمصاف : جمع المصف وهو موضع الصف .
والسميدع بفتح السين والميم بعدها مثناة تحتانية : السيد الكريم الشريف السخي الموطأ الاكتاف والشجاع وفي الصحاح : ضاره يضوره ويضيره ضورا وضيرا أي ضره .
551 - 552 - أقول : نقل من خط الشهيد قدس سره أنه قال : [ قال ]

________________________________________________________
552 - للحديث - عدا بعض خصوصياته - مصادر كثيرة وأسانيد يجد الباحث كثيرا منها

[295]


معاوية لابي المرقع الهمداني : اشتم عليا .
قال : بل أشتم شاتمه وظالمه .
قال : أهو مولاك ؟ قال : ومولاك إن كنت من المسلمين ! قال : فادع عليه قال : بل أدعو على من هو دونه .
قال : ما تقول في قاتله ؟ قال : هو في النار مع من سره ذلك قال : من قومك ؟ قال : الزرق من همدان الذين أسحبوك يوم صفين .
ومن خطه أيضا قال : روى أبوعمر الزاهد في كتاب فائت الجمهرة أن رجلا سأل معاوية يوم صفين عن مسألة فقال له : سل عليا فإنه أعلم مني قال : فقال له الرجل : جوابك أحب إلي من جوابه فقال له : لقد كرهت رجلا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يغره [ بالعلم غرا ] ولقد رأيت عمر إذا أشكل عليه الشئ قال : أهاهنا أبوالحسن ؟ قم لا أقام الله رجليك ومحا اسمه من الديوان .
قال ابن عباس : فكنت جالسا عند أميرالمؤمنين عليه السلام فجاءنا الرجل وقد سبقه خبره إلينا فقال : يا أميرالمؤمنين قد جئتك مستأمنا فقال له : أنت صاحب الكلام أنت تعرف معاوية من أنا ؟ فكيف رأيت جواب المنافق قم لا أقام الله رجليك .
فبقي مذبذبا .
وذكر ابن النديم في الفهرست أن هذا أبا عمر كان نهاية في النصب والميل على علي عليه السلام .

________________________________________________________
تحت الرقم : ( 401 ) وتاليه وتعليقهما من ترجمة أميرالمؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق : ج 1 ، ص 369 ط 2 .

[297]


الباب الواحد والعشرون : باب بدو قصة التحكيم والحكمين وحكمهما بالجور رأي العين وقد مر بعض ذلك فيما مضى من قصص صفين 

553 - قال ابن أبي الحديد : قال نصر : روى عمر بن سعد عن مجالد عن الشعبي عن زياد بن النضر أن عليا عليه السلام بعث أربع مائة عليهم شريح بن هانئ ومعه عبدالله بن العباس يصلي بهم ومعهم أبوموسى الاشعري وبعث معاوية عمرو بن العاص في أربع مائة ثم إنهم خلوا بين الحكمين فكان رأي عبدالله بن قيس في [ عبدالله بن ] عمر بن الخطاب وكان يقول : والله إن استطعت لاحيين سنه عمر .
قال نصر : وفي حديث محمد بن عبيدالله عن الجرجاني قال : لما أراد أبو موسى المسير قام إليه شريح بن هانئ فأخذ بيده وقال : يا أبا موسى إنك قد نصبت لامر عظيم لايجبر صدعه ولا يستقال فتنته ومهما تقل من شئ عليك أو لك تثبت حقه وترى صحته وإن كان باطلا وإنه لا بقاء لاهل العراق إن

________________________________________________________
553 - رواه ابن أبي الحديد في أواسط شرحه على المختار : ( 35 ) من نهج البلاغة : ج 1 ، ص 444 ط الحديث ببيروت .

[298]


ملكهم معاوية ولا بأس على أهل الشام إن ملكهم علي وقد كانت منك تثبيطة
.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 297 سطر 18 الى ص 305 سطر 18

[298]


ملكهم معاوية ولا بأس على أهل الشام إن ملكهم علي وقد كانت منك تثبيطة أيام الكوفة والجمل وإن تشفعها بمثلها يكن الظن بك يقينا والرجاء منك يأسا .
فقال أبوموسى : ما ينبغي لقوم اتهموني أن يرسلوني لادفع عنهم باطلا أو أجر إليهم حقا .
وروى المدائني في كتاب صفين قال : لما اجتمع أهل العراق على طلب أبي موسى وأحضروه للتحكيم على كره من علي عليه السلام له أتاه عبدالله بن العباس وعنده وجوه الناس والاشراف فقال له : يا أبا موسى إن الناس لم يرضوا بك و [ لم ] يجتمعوا عليك لفضل لاتشارك فيه وما أكثر أشباهك من المهاجرين والانصار المتقدمين قبلك ولكن أهل العراق أبوإلا أن يكون الحكم يمانيا ورأوا أن معظم أهل الشام يمان وأيم الله إني لاظن ذلك شرا لك ولنا فإنه قد ضم إليك داهية العرب وليس في معاوية خلة يستحق بها الخلافة فإن تقذف بحقك على باطله تدرك حاجتك منه وإن يطمع باطله في حقك يدرك حاجته منك .
واعلم يا أبا موسى أن معاوية طليق الاسلام وأن أباه رأس الاحزاب وأنه يدعي الخلافة من غير مشورة ولا بيعة فإن زعم لك أن عمر وعثمان استعملاه فلقد صدق استعمله عمر وهو الوالي عليه بمنزلة الطبيب يحميه ما يشتهي ويوجره ما يكره ثم استعمله عثمان برأي عمر ، وما أكثر ما استعملا ممن لم يدع الخلافة واعلم أن لعمرو مع كل شئ يسرك خبيئا يسؤك ، ومهما نسيت فلا تنس أن عليا عليه السلام بايعه القوم الذين بايعوا أبابكر وعمر وعثمان وإنها بيعة هدى وأنه لم يقاتل إلا العاصين والناكثين .
فقال أبوموسى : رحمك الله والله مالي إمام غير علي وإني لواقف عند ما رآى وإن حق الله أحب إلي من رضا معاوية وأهل الشام وما أنت وأنا إلا بالله .
وروى البلاذري في كتاب أنساب الاشراف قال : قيل لعبدالله بن

[299]


ملكهم معاوية ولا بأس على أهل الشام إن ملكهم علي وقد كانت منك تثبيطة أيام الكوفة والجمل وإن تشفعها بمثلها يكن الظن بك يقينا والرجاء منك يأسا .
فقال أبوموسى : ما ينبغي لقوم اتهموني أن يرسلوني لادفع عنهم باطلا أو أجر إليهم حقا .
وروى المدائني في كتاب صفين قال : لما اجتمع أهل العراق على طلب أبي موسى وأحضروه للتحكيم على كره من علي عليه السلام له أتاه عبدالله بن العباس وعنده وجوه الناس والاشراف فقال له : يا أبا موسى إن الناس لم يرضوا بك و [ لم ] يجتمعوا عليك لفضل لاتشارك فيه وما أكثر أشباهك من المهاجرين والانصار المتقدمين قبلك ولكن أهل العراق أبوإلا أن يكون الحكم يمانيا ورأوا أن معظم أهل الشام يمان وأيم الله إني لاظن ذلك شرا لك ولنا فإنه قد ضم إليك داهية العرب وليس في معاوية خلة يستحق بها الخلافة فإن تقذف بحقك على باطله تدرك حاجتك منه وإن يطمع باطله في حقك يدرك حاجته منك .
واعلم يا أبا موسى أن معاوية طليق الاسلام وأن أباه رأس الاحزاب وأنه يدعي الخلافة من غير مشورة ولا بيعة فإن زعم لك أن عمر وعثمان استعملاه فلقد صدق استعمله عمر وهو الوالي عليه بمنزلة الطبيب يحميه ما يشتهي ويوجره ما يكره ثم استعمله عثمان برأي عمر ، وما أكثر ما استعملا ممن لم يدع الخلافة واعلم أن لعمرو مع كل شئ يسرك خبيئا يسؤك ، ومهما نسيت فلا تنس أن عليا عليه السلام بايعه القوم الذين بايعوا أبابكر وعمر وعثمان وإنها بيعة هدى وأنه لم يقاتل إلا العاصين والناكثين .
فقال أبوموسى : رحمك الله والله مالي إمام غير علي وإني لواقف عند ما رآى وإن حق الله أحب إلي من رضا معاوية وأهل الشام وما أنت وأنا إلا بالله .
وروى البلاذري في كتاب أنساب الاشراف قال : قيل لعبدالله بن

[299]


العباس : ما منع عليا أن يبعثك مع عمرو يوم التحكيم قال : منعه حاجز القدر ومحنة الابتلاء وقصر المدة أما والله لو كنت لقعدت على مدارج أنفاسه ناقضا ما أبرم ومبرما ما نقض أطير إذا أسف وأسف إذا طار ولكن سبق قدر وبقي أسف ومع اليوم غد والآخرة خير لاميرالمؤمنين .
قال نصر : وفي حديث عمرو بن شمر قال : أقبل أبوموسى إلى عمرو فقال : يا عمرو هل لك في أمر هو للامة صلاح ، ولصلحاء الناس رضا نولي هذا الامر عبدالله بن عمر بن الخطاب الذي لم يدخل في شئ من هذه الفتنة ولا في هذه الفرقة قال : وكان عبدالله بن عمرو بن العاص وعبدالله بن الزبير قريبين يسمعان الكلام فقال عمرو : فأين أنت يا أبا موسى عن معاوية فأبى عليه أبوموسى فقال عمرو : ألست تعلم أن عثمان قتل مظلوما ومعاوية ولي عثمان وقد قال الله : * ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) * [ 33 / الاسراء : 17 ] ثم إن بيت معاوية في قريش ما قد علمت وهو أخو أم حبيبة أم المؤمنين وزوج النبي صلى الله عليه وآله وقد صحبه وهو أحد الصحابة ثم عرض له بالسلطان فقال له : إن هو ولي الامر أكرمك كرامة لم يكرمك أحد قط بمثلها .
فقال أبوموسى : اتق الله يا عمرو فإن هذا الامر ليس على الشرف إنما هو لاهل الدين والفضل مع أني لو كنت أعطيته أفضل قريش شرفا لاعطيته علي بن أبي طالب .
وأما قولك إنه ولي عثمان فإني لم أكن أوليه إياه لنسبه من عثمان وادع المهاجرين الاولين .
وأما تعريضك لي بالامرة والسلطان فوالله لو خرج لي من سلطانه ما وليته ولا كنت أرتشي في الله ولكنك إن شئت أحيينا سنة عمر بن الخطاب .
وروى أنه كان يقول غير مرة : والله إن استطعت لاحيين اسم عمر بن الخطاب .

[300]


فقال عمرو بن العاص : إن كنت إنما تريد أن تبايع ابن عمر لدينه فما يمنعك من ابني عبدالله وأنت تعرف فضله وصلاحه ! فقال : إن ابنك لرجل صدق ولكنك قد غمسته في هذه الفتنة .
قال نصر وروي عن النضر بن صالح قال : كنت مع شريح بن هانئ في غزوة سجستان فحدثني أن عليا عليه السلام أوصاه بكلمات إلى عمرو بن العاص وقال له : قل لعمرو إذا لقيته إن عليا يقول لك : إن أفضل الخلق عندالله من كان العمل بالحق أحب إليه وإن نقصه وأن أبعد الخلق من الله من كان العمل بالباطل أحب إليه وإن زاده والله يا عمرو إنك لتعلم أين موضع الحق فلم تتجاهل أبأن أوتيت طمعا يسيرا صرت لله ولاوليائه عدوا فكأن ما أوتيت قد زال عنك فلا تكن للخائنين خصيما ولا للظالمين ظهيرا أما إني أعلم أن يومك الذي أنت فيه نادم هو يوم وفاتك ، وسوف تتمنى أنك لم تظهر لي عداوة ولم تأخذ على حكم الله رشوة .
قال شريح : فأبلغته ذلك يوم لقيته فتمعر وجهه وقال : متى كنت قابلا مشورة علي أو منيبا إلى رأيه أو معتدا بأمره ! ! .
فقلت : وما يمنعك يا ابن النابغة أن تقبل من مولاك وسيد المسلمين بعد نبيهم مشورته لقد كان من هو خير منك أبوبكر وعمر يستشيرانه ويعملان برأيه فقال : إن مثلي لا يكلم مثلك فقلت بأي أبويك ترغب عن كلامي بأبيك الوشيظ أم بأمك النابغة فقام من مكانه وقمت .
قال نصر : وروى أبوجناب الكلبي أن عمرا وأبا موسى لما التقيا بدومة الجندل أخذ عمرو يقدم أبا موسى في الكلام ويقول : إنك صحبت رسول الله صلى الله عليه وآله قبلي وأنت أكبر مني سنا فتكلم أنت ثم أتكلم أنا فجعل ذلك سنة وعادة بينهما وإنما كان مكرا وخديعة واغترارا له بأن يقدمه فيبدأ بخلع علي ثم يرى رأيه .
قال ابن ديزيل في كتاب صفين : أعطاه عمرو صدر المجلس وكان لا يتكلم قبله وأعطاه النقدم في الصلاة وفي الطعام لايأكل حتى يأكل وإذا