[301]
خاطبه فإنما يخاطبه بأجل الاسماء ويقول له : يا صاحب رسول الله حتى اطمأن
إليه وظن أنه لايغشه فلما انمخضت الزبدة بينهما قال له عمرو : أخبرني ما
رأيك يا أبا موسى قال : أرى أن أخلع هذين الرجلين ونجعل الامر شورى
بين المسلمين يختارون من يشاؤون ! فقال عمرو : الرأي والله ما رأيت .
فأقبلا إلى الناس وهم مجتمعون فتكلم أبوموسى فحمدالله وأثنى عليه ثم
قال : إن رأيي ورأي عمرو قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح الله به شأن هذه
الامة فقال عمرو : صدق ثم قال له : تقدم يا أبا موسى فتكلم .
فقام [ أبوموسى ] ليتكلم فدعاه ابن عباس فقال : ويحك والله إني لاظنه
خدعك إن كنتما قد اتفقتما على أمر فقدمه قبلك ليتكلم به ثم تكلم أنت بعده
فإنه رجل غدار ولا آمن أن يكون أعطاك الرضا فيما بينك وبينه فإذا قمت به
في الناس خالفك - وكان أبوموسى رجلا مغفلا - فقال : إيها عنك إنا قد
اتفقنا .
فتقدم أبوموسى فحمدالله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس إنا قد نظرنا
في أمر هذه الامة فلم نر شيئا هو أصلح لامر هؤلاء ولا ألم لشعثها من أن لا
يبين أمورها ( 1 ) وقد اجتمع رأيي ورأي صاحبي على خلع علي ومعاوية وأن
يستقبل هذا الامر فيكون شورى بين المسلمين يولون أمورهم من أحبوا وإني
قد خلعت عليا ومعاوية فاتسقبلوا أموركم وولوا من رأيتموه لهذا الامر أهلا .
[ ثم تنحى ] .
فقام عمرو بن العاص في مقامه فحمدالله وأثنى عليه ثم قال : إن هذا
قد قال ما سمعتم وخلع صاحبه وأنا أخلع صاحبه كما خلعه وأثبت صاحبي
معاوية في الخلافة فإنه ولي عثمان والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه .
فقال له أبوموسى : مالك لا وفقك الله قد غدرت وفجرت إنما مثلك
________________________________________________________
( 1 ) كذا في ط الكمباني من الاصل ، وفي طبع الحديث ببيروت من شرح ابن أبي الحديد :
ج 1 ، ص 451 : ( من أن لاتتباين أمورها ) .
[302]
كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث وإن تتركه يلهث .
فقال له عمرو : إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا .
وحمل شريح بن هانئ على عمرو فقنعه بالسوط وحمل ابن لعمرو على
شريح فقنعه بالسوط وقام الناس فحجزوا بينهما فكان شريح بعد ذلك يقول :
ما ندمت على شئ ندامتي أن لا أكون ضربت عمرا بالسيف بدل السوط
لكن أتى الدهر بما أتى به .
والتمس أصحاب علي عليه السلام أبا موسى فركب ناقته ولحق بمكة
فكان ابن عباس يقول : قبح الله أبا موسى لقد حذرته وهديته إلى الرأي فما
عقل وكان أبوموسى يقول : لقد حذرني ابن عباس غدرة الفاسق ولكن
اطمأننت إليه [ وظننت ] أنه لا يؤثر شيئا على نصيحة الامة .
قال نصر : ورجع عمرو إلى منزله من دومة الجندل فكتب إلى معاوية :
أتتك الخلافة مزفوفة * هنيئا مريئا تقر العيونا
تزف إليك زفاف العروس * بأهون من طعنك الدار عينا
إلى آخر الابيات .
فقام سعيد بن قيس الهمداني وقال : والله لو اجتمعتما على الهدى ما زدتما
على مانحن الآية عليه وما ضلالكما بلازم لنا وما رجعتما إلا بما بدأتما به وإنا
اليوم لعلى ما كنا عليه أمس .
وقام كردوس بن هانئ مغضبا وأنشد أبياتا في الرضا بخلافة علي عليه
السلام وإنكار خلافة معاوية وحكم الحكمين وتكلم جماعة أخرى بمثل ذلك
قال نصر : وكان علي عليه السلام لما سمع ما خدع به عمرو أبا موسى
غمه ذلك وساءه وخطب الناس وقال :
الحمدلله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح والحدث الجليل .
إلى آخر ما سيأتي برواية السيد [ الرضي ] رضي الله عنه وقال :
[303]
ألا ان هذين الرجلين الذين اخترتموهما قد نبذا حكم الكتاب وأحييا ما
أمات واتبع كل واحد منهما هواه وحكم بغير حجة ولا بينة ولا سنة ماضية
واختلفا فيما حكما فكلاهما لم يرشد الله فاستعدوا للجهاد وتأهبوا للمسير
وأصبحوا في معسكركم يوم كذا ( 1 ) .
قال نصر : فكان علي عليه السلام بعد الحكومة إذا صلى الغداة والمغرب
وفرغ من الصلاة وسلم قال : اللهم العن معاوية وعمرا وأبا موسى
وحبيب بن مسلمة وعبدالرحمان بن خالد والضحاك بن قيس والوليد بن عقبة
فبلغ ذلك معاوية فكان إذا صلى لعن عليا وحسنا وحسينا وابن عباس
وقيس بن سعد بن عبادة والاشتر .
وزاد ابن ديزيل في أصحاب معاوية أبا الاعور السلمي .
وروى ابن ديزيل أيضا أن أبا موسى كتب من مكة إلى علي عليه السلام أما بعد
فإني قد بلغني أنك تلعنني في الصلاة ويؤمن خلفك الجاهلون وإني أقول كما قال
موسى عليه السلام ( رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين ) .
بيان : قال في القاموس : الدهاء : النكر وجودة الرأي والادب ورجل داه
وده وداهية .
وقال في النهاية : أسف الطائر إذا دنى من الارض .
وأسف الرجل
للامر إذا قاربه .
وفي الصحاح : تمعر لونه عند الغضب : تغير .
وفي القاموس :
الوشيظ كأمير : الاتباع والخدم والاجلاف ولفيف من الناس ليس أصلهم
واحدا .
وهم وشيظة في قومهم : حشوفهم .
وقال : غفل عنه غفولا : تركه وسها
عنه كأغفله والمغفل كمعظم : من لا فطنته له .
وقال : إيها بالفتح وبالنصب أمر
بالسكوت .
وقال : قنع رأسه بالسوط : غشاه بها .
________________________________________________________
( 1 ) وهذا هو المختار : ( 35 ) من كتاب نهج البلاغة ، وله مصادر كثيرة ذكر بعضها في
المختار ( 259 ) وما قبله من نهج السعادة : ج 2 ص 356 ط 1 .
والحديث رواه ابن أبي الحديد في أواخر شرحه على المختار : ( 35 ) من نهج البلاغة
ج 1 ، ص 454 .
[304]
أقول : رجعنا إلى كتاب نصر فوجدنا ما أخرجه ابن أبي الحديد موافقا له
في المعنى .
554 - نهج : ومن كتاب له عليه السلام أجاب به أبا موسى الاشعري
عن كتاب كتبه إليه من المكان الذي اتعدوا فيه للحكومة وذكر هذا الكتاب
سعيد بن يحيى الاموي في كتاب المغازي فإن الناس قد تغير كثير منهم عن
كثير من حظهم فمالوا مع الدنيا ونطقوا بالهوى وإني نزلت من هذا الامر منزلا
معجبا اجتمع به أقوام أعجبتهم أنفسهم فإني أداوي منهم قرحا أخاف أن يعود
علقا وليس رجل - فاعلم - أحرص على جماعة أمة محمد صلى الله عليه وآله
وألفتها مني أبتغي بذلك حسن الثواب وكرم المآب وسأفي بالذي وأيت على
نفسي وإن تغيرت عن صالح ما فارقتني عليه فإن الشقي من حرم نفع ما أوتي
من العقل والتجربة وإني لاعبد أن يقول قائل بباطل وأن أفسد أمرا قد
أصلحه الله فدع ما لا تعرف فإن شرار الناس طائرون إليك بأقاويل السوء
والسلام .
[ قوله عليه السلام ] ( من حظهم ) أي من الاخرة .
[ وقوله عليه السلام ] : ( منزلا
قال ابن أبي الحديد : أي يعجب من رآه أي يجعله متعجبا منه وهذا
الكلام شكوى من أصحابه ونصاره من أهل العراق فإنه كان اختلافهم عليه
واضطرابهم شديدا جدا .
والمنزل والنزول هاهنا مجاز واستعارة والمعنى إني حصلت في هذا الامر
الذي حصلت فيه على حال معجبة لمن تأملها .
وقال الجوهري : العجيب : الامر يتعجب منه وعجبت من كذا وتعجبت
بمعنى وأعجبني هذا الشئ لحسنه وقد أعجب فلان بنفسه فهو معجب بنفسه
________________________________________________________
554 - رواه السيد الرضي رحمه الله في المختار ما قبل الاخير من الباب الثاني من كتاب نهج
البلاغة .
[305]
وبرأيه والاسم : العجب بالضم انتهى .
فإني أداوي منهم قرحا قال ابن ميثم : استعار لفظ القرح لما فسد من
حاله باجتماعهم على التحكيم ولفظ المداواة لاجتهاده في إصلاحهم وروي
( أداري ) وكذلك استعار لفظ العلق وهو الدم الغليظ لما يخاف من تفاقم
أمرهم وقوله : ( فاعلم ) اعتراض حسن بين ( ليس ) وخبرها .
بالدي وأيت أي
وعدت وضمنت من شرط الصلح على ما وقع عليه .
عن صالح ما فارقتني
عليه أي من وجوب الحكم بكتاب الله وعدم إتباع الهوى والاغترار بمقارنة
الاشرار .
وقال ابن أبي الحديد : يجوز أن يكون قوله عليه السلام : ( وإن تغيرت )
من جملة قوله عليه السلام فيما بعد : ( فإن الشقي ) كما تقول : إن خالفتنى
فإن الشقي من يخالف الحق لكن تعلقه بالسابق أحسن لانه أدخل في مدح أمير
المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه كأنه يقول : أنا أفي وإن كنت لاتقي والضد
يظهر حسن الضد ( وإني لاعبد ) أي إني لآنف من أن يقول غيري قولا باطلا
فكيف لاآنف ذلك أنا من نفسي .
وقال الجوهري : قال أبوزيد : العبد بالتحريك : الغضب والانف
والاسم : العبدة مثل الانفة وقد عبد أي أنف .
( فدع مالا تعرف ) أي لاتبن
أمرك إلا على اليقين .
( فإن شرار الناس ) أي لاتصغ إلى أقوال الوشاة فإن
الكذب يخالط أقوالهم كثيرا فلا تصدق ما عساه يبلغك عني فإنهم سراع إلى
.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 305 سطر 19 الى ص 313 سطر 18
أقاويل السوء .
555 - ما : المفيد عن علي بن مالك النحوي عن جعفر بن محمد الحسني عن
عيسى بن مهران عن يحيى بن عبدالحميد عن شريك عن عمران بن طفيل
عن أبي نجبة قال : سمعت عمار بن ياسر رحمه الله يعاتب أبا موسى الاشعري
________________________________________________________
555 - رواه الشيخ الطوسي رفع الله مقامه في الحديث : ( 6 ) من الجزء السابع من أماليه :
ج 1 ، ص 184 ، ط بيروت .
[306]
ويوبخه على تأخره عن علي بن أبي طالب عليه السلام وقعوده عن الدخول في
بيعته ويقول له : يا با موسى ما الذي أخرك عن أميرالمؤمنين عليه السلام
فوالله لئن شككت فيه لتخرجن عن الاسلام وأبوموسى يقول له : لاتفعل
ودع عتابك لي فإنما أنا أخوك فقال له عمار رحمه الله : ما نالك بأخ سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يلعنك ليلة العقبة وقد هممت مع القوم بما
هممت فقال له أبوموسى : أفليس قد استغفر لي ؟ قال عمار : قد سمعت
اللعن ولم أسمع الاستغفار .
556 - نهج [ و ] من كلامه عليه السلام لما اضطرب عليه أصحابه
في أمر الحكومة :
أيها الناس إنه لم يزل أمري معكم على ما أحب حتى نهكتكم الحرب
وقد والله أخذت منكم وتركت وهي لعدوكم أنهك ولقد كنت أمس أميرا
فأصبحت اليوم مأمورا وكنت أمس ناهيا فأصبحت اليوم منهيا وقد أحببتم
البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون .
توضيح : قال الجوهري : نهكت الثوب بالفتح نهكا : لبسته حتى خلق
ونهكت من الطعام : بالغت في أكله .
ونهكته الحمى إذا اجهدته وأضنته ونقضت
لحمه وفيه لغة أخرى نهكته الحمى تنهكه نهكا ونهكة .
قوله عليه السلام : ( وتركت ) أي لم يستأصلكم بل فيكم بعد بقية وهي
لعدوكم أنهك لان القتل في اهل الشام كان أشد استحرارا والوهن [ كان ] فيهم
أظهر .
قوله عليه السلام : ( وليس لي أن أحملكم ) أي لاقدرة لي عليه وإن كان
يجب عليكم اطاعتي .
557 - نهج [ و ] من كتاب له عليه السلام إلى أهل الامصار يقص فيه
________________________________________________________
556 - رواه السيد الرضي رحمه الله في المختار : ( 206 ) من كتاب نهج البلاغة .
ورويناه
عن مصادر في المختار : ( 223 ) من نهج السعادة : ج 2 ص 254 ط 1 .
[307]
ما جرى بينه وبين أهل صفين :
وكان بدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام والظاهر أن ربنا واحد
ونبينا واحد ودعوتنا في الاسلام واحدة لانستزيدهم في الايمان بالله والتصديق
لرسوله صلى الله عليه وآله ولا يستزيدوننا الامر واحد إلا ما اختلفنا فيه
من دم عثمان ونحن منه براء فقلنا : تعالوا نداوي مالا يدرك اليوم بإطفاء
النائرة وتسكين العامة حتى يشتد الامر ويستجمع فتقوى على وضع الحق في
مواضعه فقالوا : بل نداويه بالمكابرة فأبوا حتى جنحت الحرب وركدت ووقدت
نيرانها وحمشت فلما ضرستنا وإياهم ووضعت مخالبها فينا وفيهم أجابوا عند
ذلك إلى الذي دعوناهم إليه فأجبناهم إلى ما دعوا وسارعناهم إلى ما طلبوا
حتى استبانت عليهم الحجة وانقطعت منهم المعذرة فمن تم على ذلك منهم فهو
الذي أنقذه الله من الهلكة ومن لج وتمادى فهو الراكس الذي ران الله على قلبه
وصارت دائرة السوء على رأسه .
توضيح : قوله عليه السلام : ( والقوم ) عطف على الضمير في
( التقينا )
[ قوله عليه السلام : ] ( والظاهر أن ربنا واحد ) .
قال ابن أبي الحديد : لم
يحكم لاهل صفين بالاسلام بل بظاهره .
( ولا نستزيدهم ) أي لانطلب منهم زيادة في الايمان في الظاهر ( حتى
يشتد الامر ) أي يستحكم بأن يتمهد قواعد الخلافة .
وقال الجوهري : جنوح الليل : إقباله .
وركدت أي دامت وثبتت .
ووقدت
كوعدت أي اشتعلت .
وحمشت أي استقرت وثبتت .
وروى ( واستحمشت ) وهو
أصح ذكره ابن أبي الحديد وقال : ومن رواها بالسين المهملة أراد اشتدت
وصلبت .
557 - رواه السيد الرضي قدس الله سره في المختار : ( 56 ) من باب كتب أميرالمؤمنين
عليه السلام من كتاب نهج البلاغة .
[308]
وقال الجوهري : أحمشت القدر : أشبعت وقودها .
وقال : الاحمس : الشديد
الصلب وقد حمس بالكسر .
( فلما صرستتنا ) أي عضتنا بأصراسها ويقال : ضرسهم الدهر أي اشتد
عليهم والضرس : العض بالاضراس ولعل التشديد هاهنا للمبالغة ويقال :
ضرسته الحرب أي جربته وأحكمته .
وأنفذت فلانا من الشر واستنقذنه وتنقذته
وانتقذته خلصته .
فنقذ كفرح .
والركس رد الشئ مقلوبا [ و ] ( ران الله على قلبه ) أي
طبع وختم .
و [ قال الطبرسي ] في مجمع البيان : الدائرة هي الراجعة بخير أو شر
ودائرة السوء : العذاب والهلاك .
وقال ابن أبي الحديد : السوء المصدر والسوء الاسم والدوائر أيضا :
الدواهي .
558 - نهج [ و ] من كتاب له عليه السلام إلى معاوية : وإن البغي
والزور يوتغان المرء في دينه ودنياه ويبديان خلله عند من يعيبه وقد علمت أنك
غير مدرك ما قد قضي فواته وقد رام أقوام أمرا بغير الحق فتأولوا على الله
فأكذبهم .
فاحذر يوما يغتبط فيه من أحمد عاقبة عمله ويندم من أمكن الشيطان من
قياده فلم يجاذبه .
وقد دعوتنا إلى حكم القرآن ولست من أهله ولسنا إياك أجبنا ولكن أجبنا
القرآن إلى حكمه .
بيان يوتغان أي يهلكان وفي بعض النسخ : ( يذيعان ) أي يظهران
سره ويفضحانه وقال الجوهري : الخلل : فساد في الامر .
قوله عليه السلام : ( فتأولوا ) قال الراوندي : معناه قد طلب قوم أمر هذه
________________________________________________________
558 - رواه السيد الرضي رضوان الله عليه في المختار : ( 47 ) من الباب الثاني من كتاب
نهج البلاغة .
[309]
الامة فتأولوا القرآن كقوله تعالى : * ( وأولي الامر منكم ) * فسموا من نصبوه من
الامراء أولى الامر متحكمين على الله فأكذبهم الله بكونهم ظالمين بغاة ولا يكون
الوالي من قبل الله كذلك .
وقال ابن ميثم بغوا على سلطان الله وهي الخلافة الحقة فجعلوا لخروجهم
وبغيهم تأويلا وهو الطلب بدم عثمان ونحوه من الشبه الباطلة فأكذبهم الله
بنصره عليهم ورد مقتضى شبههم والاكذاب كما يكون بالقول يكون بالفعل .
وقال ابن أبي الحديد : في بعض النسخ : ( فتألوا على الله ) أي حلفوا أي
من أقسم تجبرا واقتدارا لافعلن كذا أكذبه الله ولم يبلغه أمله .
وروي ( تأولوا
على الله ) أي حرفوا الكلام عن مواضعه وتعلقوا بشبهة في تأويل القرآن
انتصارا لمذاهبهم فأكذبهم الله بأن ظهر للعقلاء فساد تأويلاتهم والاول أصح .
قوله عليه السلام : يغتبط فيه .
أي يتمنى مثل حاله .
من أحمد عاقبة عمله
أي وجدها محمودة وقياد الدابة : ما تقاد به .
وقال ابن ميثم : كتب عليه السلام هذا الكتاب بعد التحكيم أو عند
إجابته للتحكيم .
559 - شا : من كلام أميرالمؤمنين صلوات الله عليه حين رجع أصحابه
عن القتال بصفين لما - اغترهم - معاوية برفع المصاحف فانصرفوا عن الحرب :
لقد فعلتم فعلة ضعضعت من الاسلام قواه وأسقطت منته ، وأورثت وهنا
وذلة ، لما كنتم الاعلين وخاف عدوكم الاجتياح واستحربهم القتل ووجدوا ألم
الجراح رفعوا المصاحف ودعوكم إلى ما فيها ليفثؤكم عنها ، ويقطعوا الحرب
فيما بينكم وبينهم ويتربصوا بكم ريب المنون خديعة ومكيدة فما أنتم
________________________________________________________
559 - رواه الشيخ المفيد رحمه الله في الفصل : ( 36 ) من مختار كلام أميرالمؤمنين في كتاب
الارشاد ص 143 .
وذكره الطبري في ج 4 من تاريخه ص 40 عن أبي مخنف
والحديث التالي رواه أيضا في ص 42 منه .
[310]
إن جامعتموهم على ما أحبوا وأعطيتموهم الذي سألوا إلا مغرورين وأيم الله ما
أظنكم بعدها موافقي رشد ولا مصيبي حزم .
بيان : المنة بالضم : القوة .
واستحر القتل : اشتد ذكرهما الجوهري وقال :
فثأت القدر : سكت غليانها بالماء .
وفثأت الرجل عني إذا كسرته بقول أو غيره
وسكنت غضبه .
وريب المنون : حوادث الدهر .
والمنون : الموت أيضا .
560 - شا : ومن كلامه عليه السلام بعد كتب صحيفة الموادعة والتحكيم
وقد اختلف عليه أهل العراق على ذلك فقال :
والله ما رضيت ولا أحببت أن ترضوا فإذا أبيتم إلا أن ترضوا فقد رضيت
وإذا رضيت فلا يصلح الرجوع بعد الرضا ولا التبديل بعد الاقرار إلا أن
يعصى الله بنقض العهد ويتعدى كتابه بحل العقد فقاتلوا حينئذ من ترك أمر
الله .
وأما الذي أنكرتم على الاشتر من تركه أمري بخط يده في الكتاب
وخلافه ما أنا عليه فليس من أولئك ولا أخافه على ذلك وليت فيكم مثله
إثنين بل ليت فيكم مثله واحدا يرى في عدوكم ما يرى إذا لخفت علي مؤنتكم
ورجوت أن يستقيم لي بعض أودكم وقد نهيتكم عما أتيتم وعصيتموني فكنت
أنا وأنتم كما قال أخو هوازن :
وهل أنا إلا من غزية إن غوت * غويت وإن ترشد غزية أرشد
بيان : قال الجوهري غزية قبيلة قال دريد بن الصمة وذكر البيت .
________________________________________________________
560 - رواه الشيد المفيد رحمه الله في الفصل : ( 37 ) مما اختار من كلام أميرالمؤمنين عليه
السلام في كتاب الارشاد ، ص 143 .
وتقدم أيضا هاهنا آخر الصفحة 505 من طبعة الكمباني ، وفي هذه الطبعة
ص .
.
برواية نصر في كتاب صفين .
ورواه أيضا الطبري في أواخر قصة صفين من تاريخ الامم والملوك : ج 4 ص 42
ط مصر .