[351]
فقال : لي برسول الله صلى الله عليه وآله أسوة حين أبى عليه سهيل بن
عمرو أن يكتب ( هذا ما كتبه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو ) وقال له : لو
أقررت بأنك رسول الله صلى الله عليه وآله ما خالفتك ولكني أقدمك لفضلك
فاكتب ( محمد بن عبدالله ) فقال لي : يا علي امح رسول الله صلى الله عليه
وآله قلت لاتشجعني نفسي على محو اسمك من النبوة قال : فقفني عليه
فمحاه بيده ثم قال : اكتب ( محمد بن عبدالله ) ثم تبسم إلى وقال يا علي أما
إنك ستسام مثلها فتعطى
فرجع معه منهم ألفان من حروراء وقد كانوا تجمعوا بها فقال لهم علي : ما
نسميكم ثم قال : أنتم الحرورية لاجتماعكم بحروراء .
وروى أهل السير كافة أن عليا عليه السلام لما طحن القوم طلب ذا الثدية
طلبا شديدا وقلب القتلى ظهرا لبطن فلم يقدر عليه فساءه ذلك وجعل يقول والله
ما كذبت ولا كذبت اطلبوا الرجل وإنه لفي القوم فلم يزل يتطلبه حتى وجده
وهو رجل مخدج اليد كأنها ثدي في صدره .
وروى ابن ديزيل عن الاعمش عن زيد بن وهب قال : لما شجرهم علي عليه السلام
بالرماح قال : اطلبوا ذا الثدية فطلبو .
طلبا شديدا حتى وجدوه في وهدة من
الارض تحت ناس من القتلى فأتي به وإذا رجل على يديه مثل سبلات السنور
فكبر علي عليه السلام وكبر الناس معه سرورا بذلك .
وروى أيضا عن مسلم الضبي عن حبة العرني قال : كان
رجلا أسود منتن الريح له يد كثدي المرأة إذا مدت كانت بطول اليد الاخرى
وإذا تركت اجتمعت وتقلصت وصارت كثدي المرأة عليها شعرات مثل
شوراب الهرة فلما وجدوه قطعوا يده ونصبوها على رمح ثم جعل علي عليه
السلام ينادي صدق الله وبلغ رسوله لم يزل يقول ذلك هو وأصحابه بعد
العصر إلى أن غربت الشمس أو كادت .
وروى أيضا أنه قال : لما عيل صبر علي عليه السلام في طلب المخدج
قال : ائتوني ببغلة رسول الله صلى الله عليه وآله فركبها واتبعه الناس فرأى
[352]
القتلى وجعل يقول : اقلبوا فيقلبون قتيلا عن قتيل حتى استخرجه فسجد علي
عليه السلام .
وروى كثير من الناس أنه لما دعى بالبلغة قال : ائتوني بها فإنها هادية فوقفت
به على المحدج فأخرجه من تحت قتلى كثيرين .
وروى العوام بن حوشب عن أبيه عن جده يزيد بن رويم قال : قال علي
عليه السلام يقتل اليوم أربعة آلاف من الخوارج أحدهم ذو الثدية فلما طحن
القوم ورام استخراج ذي الثدية فأتعبه أمرني أن أقطع له أربعة آلاف قصبة
فركب بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وقال : اطرح على كل قتيل منهم
قصبة فلم أزل كذلك وأنا بين يديه وهو راكب خلفي والناس يتبعونه
حتى بقيت في يدي واحدة فنظرت إليه وإذا وجهه أربد وإذا هو يقول : والله ما
كذبت ولا كذبت فإذا خرير ماء عند موضع دالية فقال : فتش هذا ففتشته
فإذا قتيل قد صار في الماء وإذا رجله في يدي فجذبتها وقلت هذه رجل إنسان
فنزل عن البلغة مسرعا فجذب الرجل الاخرى وجررناه حتى صار على التراب
فإذا هو المخدج فكبر علي عليه السلام بأعلى صوته ثم سجد فكبر الناس
كلهم .
وقد روى كثير من المحدثين أن النبي صلى الله عليه وآله لاصحابه
يوما : إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله فقال أبوبكر :
أنا يا رسول الله قال : لا .
فقال عمر : أنا يا رسول الله ؟ قال : لا بل هو
خاصف النعل وأشار إلى علي عليه السلام .
وقد روى المحدثون أن رجلا تلا بحضرة علي عليه السلام * ( قل هل
ننبئكم بالاخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون
أنهم يحسنون صنعا ) * [ 104 / الكهف : 18 ] فقال علي عليه السلام : أهل
حروراء منهم .
قال المبرة : ومن شعر أميرالمؤمنين الذي لااختلاف فيه أنه قاله وكان
[353]
يردده أنهم لما ساموه أن يقر بالكفر ويتوب حتى يسيروا معه إلى الشام فقال :
أبعد صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله والتفقه في دين الله أرجع كافرا ثم
قال :
يا شاهد الله علي فاشهد * أني على دين النبي أحمد
من شك في الله فإني مهتدي * يا رب فاجعل في الجنان موردي
وروى أيضا في الكامل أن عليا عليه السلام في أول خروج القوم عليه
دعا صعصعة بن صوحان العبدي وقد كان وجهه إليهم زياد بن النضر الحارثي
مع عبدالله بن عباس فقال لصعصعة بن صوحان : بأي القوم رأيتهم أشد إطافة ؟
فقال بيزيد بن قيس الارحبي .
فركب علي عليه السلام إلى حروراء فجعل يتخللهم حتى صار إلى
مضرب يزيد بن قيس فصلى فيه ركعتين ثم خرج فاتكأ على قوسه وأقبل
على الناس فقال : هذا مقام من فلج فيه فلج إلى يوم القيامة ثم كلمهم
وناشدهم فقالوا : إنا أذنبنا ذنبا عظيما بالتحكيم وقد تبنا فتب إلى الله كما تبنا
نعدلك .
فقال علي عليه السلام : أنا أستغفر الله من كل ذنب .
فرجعوا وهم ستة آلاف فلما استقروا بالكوفة أشاعوا أن عليا عليه السلام
رجع عن التحكيم ورآه ضلالا وقالوا : إنما ينتظر أميرالمؤمنين أن يسمن
الكراع ويجبي المال ثم ينهض بنا إلى الشام .
فأتى الاشعث عليا عليه السلام فقال : يا أميرالمؤمنين إن الناس قد
.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 353 سطر 19 الى ص 361 سطر 18
تحدثوا أنك رأيت الحكومة ضلالا والاقامة عليها كفرا .
فقام علي عليه السلام فخطب فقال : من زعم أني رجعت عن الحكومة
فقد كذب ومن رآها ضلالا فقد ضل .
فخرجت حينئذ الخوارج من المسجد
فحكمت .
ثم قال ابن أبي الحديد : كل فساد كان في خلافة أميرالمؤمنين عليه السلام
وكل اضطراب حدث فأصله الاشعث ولو لامحاقة أميرالمؤمنين عليه السلام
[354]
في معنى الحكومة في هذه المرة لم يكن حرب النهروان ولكان عليه السلام
ينهض بهم إلى معاوية ويملك الشام فإنه صلوات الله عليه حاول أن يسلك معهم
مسلك التعريض والمواربة وفي المثل النبوي : الحرب خدعة .
وذلك أنهم قالوا :
تب إلى الله مما فعلت كما تبنا ننهض معك إلى الحرب فقال لهم كلمة مرسلة
يقولها الانبياء والمعصومون فرضوا بها وعدوها إجابة لهم إلى سؤالهم وصفت له
عليه السلام نياتهم واستخلص بها ضمائرهم من غير أن تتضمن تلك الكلمة
اعترافا بكفر أو ذنب فلم يتركه الاشعث وجاء إليه مستفسرا فأفسد الامر
ونقض ما دبره عليه السلام وعادت الخوارج إلى شبهتها الاولى وهكذا الدول
التي تظهر فيها أمارات الزوال يتاح لها أمثال الاشعث من أولى الفساد في
الارض سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا .
ثم قال : قال المبرد ثم مضى القوم إلى النهروان وقد كانوا أرادوا المضي
إلى المدائن فمن طريف أخبارهم أنهم أصابوا في طريقهم مسلما ونصرانيا
فقتلوا المسلم لانه عندهم كافر واستوصوا بالنصراني وقالوا : احفظوا ذمة
نبيكم .
قال ولقيهم عبدالله بن خباب في عنقه مصحف على حمار ومعه امرأته
وهي حامل فقالوا له : إن هذا الذي في عنقك ليأمرنا بقتلك ! فقال لهم : ما
أحياه القرآن فأحيوه وما أماته فأميتوه .
فوثب رجل منهم على رطبة سقطت من نخلة فوضعها في فيه فصاحوا به
فلفظها تورعا .
وعرض لرجل منهم خنزير فضربه فقتله فقالوا : هذا فساد في الارض
وأنكروا قتل الخنزير !
ثم قالوا لابن خباب : حدثنا عن أبيك فقال : سمعت أبي يقول : قال
رسول الله صلى الله عليه وآله : ستكون بعدي فتنة يموت فيها قلب الرجل كما
يموت بدنه يمسي مؤمنا ويصبح كافرا فكن عبدالله المقتول ولاتكن القاتل .
[355]
قالوا : فما تقول في أبي بكر وعمر فأثنى خيرا قالوا : فما تقول في علي بعد
التحكيم وفي عثمان في السنين الست الاخيرة فأثنى خيرا .
قالوا : فما تقول في
التحكيم والحكومة ؟ قال : إن عليا أعلم بالله منكم وأشد توقيا على دينه وأنفذ
بصيرة .
فقالوا : إنك لست بمتبع الهدى إنما تتبع الرجال على إيمانهم ثم قربوه إلى
النهر فأضجعوه وذبحوه .
قال وساوموا رجلا نصرانيا بنخلة له فقال : هي لكم فقالوا : ما كنا
لنأخذها إلا بثمن .
فقال : واعجباه أتقتلون مثل عبدالله بن خباب ولاتقبلون
جنا نخلة .
وروى أبوعبيدة قال : طعن واحد من الخوارج يوم النهروان فمشى في
الرمح وهو شاهر سيفه إلى أن وصل إلى طاعنه فقتله وهو يقرأ ( وعجلت إليك
رب لترضى ) .
قال : استنطقهم علي عليه السلام بقتل ابن خباب فأقروا به فقال :
انفردوا كتائب لاسمع قولكم كتيبة كتيبة فتكتبوا كتائب وأقرت كل كتيبة بما
أقرت به الاخرى من قتل ابن خباب وقالوا : لنقتلنك كما قتلناه .
فقال : والله لو أقر أهل الدنيا كلهم بقتله هكذا وأنا أقدر على قتلهم
لقتلتهم ثم التفت إلى أصحابه فقال : شدوا عليهم فأنا أول من يشد عليهم
وحمل بذي الفقار حملة منكرة ثلاث مرات كل حملة يضرب به حتى يعوج متنه
ثم يخرج فيسويه بركبتيه ثم يحمل به حتى أفناهم .
وروى محمد بن حبيب قال : خطب علي عليه السلام الخوارج يوم النهر
فقال لهم :
نحن أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة وعنصر الرحمة
ومعدن العلم والحكمة نحن أفق الحجاز بنا يلحق البطئ والينا يرجع التائب
أيها الناس إني نذير لكم أن تصبحوا صرعى بأهضام هذا الوادي .
[356]
إلى آخر ما أورده السيد [ الرضي ] رحمه الله [ في المختار 36 من كتاب
نهج البلاغة الآتي قريبا .
]
588 - كتاب الغارات لابراهيم بن محمد الثقفي عن إبراهيم بن المبارك
وإبراهيم بن العباس عن بكر بن عيسى عن اسماعيل بن خالد البجلي عن
عمرو بن قيس عن المنهال بن عمرو :
عن زر بن حبيش قال : سمعت عليا يقول : أنا فقأت عين الفتنة ولولا
أنا ما قوتل أهل النهروان ولا أصحاب الجمل ولولا أني أخشى أن تتكلوا
فتدعوا العمل لاخبرتكم بالذي قضى الله على لسان نبيكم لمن قاتلهم مبصرا
بضلالهم عارفا للهدى الذي نحن عليه .
وعن عبيد بن سليمان النخعي عن سعيد الاشعري قال : استخلف علي
عليه السلام حين سار إلى النهروان رجلا من النخع يقال له هانئ بن هوذة فكتب
إلى علي عليه السلام أن غنيا وباهلة فتنوا فدعوا الله عليك أن يظفر بك .
قال : فكتب إليه علي عليه السلام : أجلهم عدوك من الكوفة ولاتدع منهم أحدا .
وعن علي بن قادم عن شريك بن عبدالله عن ليث عن أبي يحيى قال :
سمعت عليا يقول : أغدوا خذوا حقكم مع الناس والله يشهد أنكم تبغضوني
وأني أبغضكم .
589 - نهج قال عليه السلام وقد مر بقتلى الخوارج يوم النهر : بؤسا
لكم لقد ضركم من غركم .
فقيل له : من غرهم يا أميرالمؤمنين فقال عليه
السلام : الشيطان المضل والانفس الامارة بالسوء غرتهم بالاماني وفسحت لهم
في المعاصي ووعدتهم الاظهار فاقتحمت بهم النار .
________________________________________________________
588 - الاحاديث الثلاثة رواه الثقفي رحمه الله في الحديث : ( 2 - 4 ) من كتاب الغارات على
ما في تلخيصه .
589 - رواه السيد الرضي رفع الله مقامه في المختار : ( 323 ) من الباب الثالث من نهج
البلاغة .
[357]
بيان : ( وفسحت ) أي أوسعت لهم بالرخصة في المعاصي ( ووعدتهم
الاظهار ) أي أن يظهرهم ويغلبهم علينا .
590 - نهج : [ و ] قال عليه السلام لما سمع قول الخوارج ( لا حكم إلا لله ) :
كلمة حق يراد بها باطل .
بيان : قال ابن ابي الحديد : قال الله تعالى * ( إن الحكم إلا لله ) * أي إذا
أراد الله شيئا من أفعاله فلا بد من وقوعه بخلاف غيره من القادرين وتمسكت
الخوارج به في إنكارهم عليه عليه السلام في القول بالتحكيم مع عدم رضاه
عليه السلام كما ذكر في السير وأراد الخوارج نفي كل ما يسمى حكما وهو
باطل لان الله تعالى قد أمضى حكم كثير من المخلوقين في كثير من الشرائع .
591 - نهج [ و ] سمع عليه السلام رجلا من الحرورية يتهجد ويقرأ
فقال : نوم على يقين خير من صلاة في شك .
592 - نهج [ و ] من خطبة له عليه السلام في تخويف أهل النهروان :
فأنا نذير لكم أن تصبحوا صرعى بأثناء هذا النهر وبأهشام هذا الغائط
على غير بينة من ربكم ولا سلطان مبين معكم قد طوحت بكم الدارو
احتبلكم المقدار .
وقد كنت نهيتكم عن هذه الحكومة فأبيتم علي إباء المخالفين المنابذين حتى
صرفت رأيي إلى هواكم وأنتم معاشر أخفاء الهام سفهاء الاحلام ولم آت لا أبا
لكم بجرا ولا أردت بكم ضرا .
بيان : الاهضام : جمع هضم وهو المطمئن من الوادي .
والغائط : ما
سفلت من الارض .
والسلطان : الحجة ولعل المراد بالبينة الحجة الشرعية وبالسلطان
الدليل العقلى .
وقال الجوهري : طاح يطوح ويطيح : هلك
________________________________________________________
590 - رواه السيد الرضي مع زيادات في ذيله في المختار : ( 40 ) من كتاب نهج البلاغة .
591 - رواه السيد الرضي رحمه الله في المختار : ( 97 ) من باب قصار نهج البلاغة .
592 - رواه السيد قدس الله نفسه في المختار : ( 36 ) من نهج البلاغة .
[358]
وسقط وكذلك إذا تاه في الارض وطوحه أي توهه وذهب
به هاهنا وها هنا والمراد ( بالدار ) الدنيا ( واحتبلكم ) أي أوقفكم في الحبال
( والمقدار ) قضاء الله وقدره ( والهام ) جمع الهامة وهي الرأس وخفتها كناية
عن قلة العقل أو عن الطيش وعدم الثبات في الرأي .
والاحلام جمع حلم
بالكسر وهر الاناة والعقل ( ولا أبا لك ) كلمة تستعمل في المدح كثيرا وفي
الذم أيضا ، وفي معرض التعجب والظاهر هنا الذم أو التعجب ( والبجر ) :
الامر العظيم والداهية .
ويروى ( هجرا ) وهو الساقط من القول .
ويروى
( عرا ) والعرو المعرة : الاثم .
593 - نهج : ومن كلام له عليه السلام في الخوارج لما سمع قولهم :
( لا حكم إلا لله ) قال : كلمة حق يراد بها باطل نعم إنه لا حكم إلا لله
ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة وإنه لابد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في
إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر ويبلغ الله فيها الاجل ويجمع به الفئ ويقاتل
به العدو وتأمن به السبل ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح بر
ويستراح من فاجر .
وفي رواية أخرى أنه لما سمع تحكيمهم قال : حكم الله انتظر فيكم وقال : أما
الامرة البرة فيعمل فيها التقي وأما الامرة الفاجرة فيتمتع فيها الشقي إلى أن تنقطع
مدته وتدركه منيته .
بيان : قوله عليه السلام : ( كلمة حق ) الظاهر أن المراد بالكلمة قولهم :
( لا حكم إلا لله ) والباطل الذي أريد بها المعنى الذي قصدوه لا ما يفهم من
كان بعض الشارحين أن دعاء أصحاب معاوية إياكم إلى كتاب الله كلمة حق
لكن مقصودهم بها ليس العمل بكتاب الله بل فتوركم عن الحرب وتفرق
أهوائكم ومعناها الحق حصر الحكم حقيقة فيه سبحانه إذ حكم غيره تعالى
إنما يجب متابعته لانه حكمه تعالى ( 1 ) .
________________________________________________________
593 - رواه السيد الرضي رفع الله مقامه في المختار : ( 40 ) من كتاب نهج البلاغة .
( 1 ) ويمكن أن يكون المعنى [ من ] الحق الذي لم يريدوه حصر الحق الذي يجب إطاعته من حيث إنه
[359]
قوله عليه السلام : ( وإنه لابد للناس ) الخ قال بعض الشارحين :
الالفاظ كلها ترجع إلى إمرة الفاجر قال : ( يعمل فيها المؤمن ) أي ليست
بمانعة للمؤمن من العمل ( ويستمتع فيها الكافر ) أي يتمتع بمدته ( ويبلغ الله
فيها الاجل ) لان إمارة الفاجر كإمارة البر في أن المدة المضروبة فيها تنتهي إلى
الاجل الموقت للانسان .
وقال بعضهم : الضمير في ( إمرته ) راجع إلى الامير مطلقا فالامرة التي
يعمل فيها المؤمن الامرة البرة والتي يستمتع فيها الكافر [ الامرة ] الفاجرة والمراد
بعمل المؤمن في إمرة البر عمله على وفق أوامر الله ونواهيه وباستمتاع الكافر
في إمرة الفاجر انهما كه في اللذات الحاضرة ( ويبلغ الله فيها الاجل ) أي
في إمرة الامير سواء كان برا أو فاجرا وفائدتها تذكير العصاة ببلوغ الاجل
وتخويفهم به .
ويؤيد هذا الوجه الرواية الاخرى .
ويمكن أن يكون المعنى أنه لابد في انتظام أمور المعاش أمير بر أو فاجر ليعمل المؤمن
بما يستوجب به جنات النعيم ويتمتع فيها الكافر ليكون حجة عليه ولعله أظهر لفظا
ومعنى .
قوله عليه السلام ( حتى يستريح ) كلمة حتى إما لبيان الغاية والمعنى تستمر
تلك الحال حتى يستريح البر من الامراء وهو الظاهر أو مطلقا ويستريح الناس من
الفاجر أو مطلقا بالموت أو العزل وفيهما راحة للبر لان الآخرة خير من الاولى
ولايجري الامور غالبا على مراده ولايستلذ كالفاجر بالانهماك في الشهوات ،
وراحة للناس من الفاجر لخلاصهم بن جوره وإن انتظم به نظام الكل في
المعاش .
وإما لترتب الغاية أي حتى يستريح الب من الناس في دولة البر من
الامراء ويستريح الناس مطلقا من بغى بعض الفجار ومن الشرور والمكاره في
________________________________________________________
حكم به ذلك الحاكم فلا ينافي صدق الحكم من غير تجوز على حكم الرسول والامام وقضاة
العدل لاطلاق الحكم مطلقا على حكمهم في كثير من الاحاديث والاخبار ، وقد شنعوا تجويز
الحكم مطلقا ونفي الامرة من لوازمه ، فتدبر .
منه رحمه الله .
[360]
دولة الامير مطلقا برا كان أو فاجرا ولا ينافي ذلك إصابة المكروه من فاجر
أحيانا .
قوله عليه السلام ( حكم الله انتظر ) أي جريان القضاء بقتلهم وحلول
وقته .
قوله عليه السلام ( إلى أن تنقطع مدته ) أي مدة دولته أو حياته .
594 - 595 - نهج ومن كلام له عليه السلام كلم به الخوارج :
أصابكم حاصب ولا بقي منكم آبرأ بعد إيماني بالله وجهادي مع رسول
الله صلى الله عليه وآله أشهد على نفسي بالكفر ؟ لقد ضللت إذا وما أنا من
المهتدين فأبوا شر مآب وارجعوا على أثر الاعقاب أما إنكم ستلقون بعدي
ذلا شاملا وسيفا قاطعا وأثرة يتخذها الظالمون فيكم سنة .
قال السيد رضي الله عنه قوله عليه السلام : ( ولا بقي منكم آبر )
يروى على ثلاثة أوجه أحدها بالراء من قولهم رجل آبر للذي يأبر النخل أي
يصلحه .
ويروى آثر وهو الذي يأثر الحديث أي يحكيه ويرويه وهو أصح الوجوه
عندي كأنه عليه السلام قال : ولا بقي منكم مخبر .
ويروى آبز بالزاء المعجمة وهو الواثب .
والهالك أيضا يقال له : آبز .
وقال عليه السلام لما عزم على حرب الخوارج وقيل له : إنهم [ إن القوم
( ح ) ] قد عبروا جسر النهروان :
مصارعهم دون النطفة والله لاي ؟ لت منهم عشرة ولا يهلك منكم عشرة
قال الرضي رحمه الله : يعني بالنطفة ماء النهر وهو أفصح كناية عن الماء
وإن كان كثيرا جما .
________________________________________________________
594 - 595 - رواه السيد الرضي في المختار : ( 58 ) و ( 59 ) من نهج البلاغة .