[361]
بيان : روى أنه كلمهم بهذا الكلام لما اعتزلوه وتنادوا من كل ناحية لا
حكم إلا لله الحكم لله يا علي لالك وقالوا : بان لنا خطاؤنا فرجعنا وتبنا
فارجع إليه أنت وتب ! ! وقال بعضهم : اشهد على نفسك بالكفر ثم
تب منه حتى نطيعك ( والحاصب ) الريح الشديدة التي تثير الحصباء وهي
صغار الحصى وإصابة الحاصب كناية عن العذاب .
وقيل : أي أصابكم حجارة
من السماء ( والاوب ) بالفتح ( والاياب ) بالكسر : الرجوع ( والاعقاب )
مؤخر الاقدام .
وأثرها بالتحريك : علامتها .
والرجوع على العقب هو القهقرى
فهو كالتأكيد للسابق قيل هو أمر لهم بالاياب والرجوع إلى الحق من حيث
خرجوا منه قهرا كأن القاهر يضرب في وجوههم يردهم على أعقابهم والرجوع
هكذا شر الانواع وقيل هو دعاء عليهم بالذل وانعكاس الحال .
أقول : ويحتمل أن يكون الامر على التهديد كقوله تعالى * ( قل اعملوا
فسيرى الله عملكم ) * ( والاثرة ) بالتحريك الاسم من قولك : فلان يستأثر
على أصحابه أي يختار لنفسه أشياء حسنة ويخص نفسه بها .
والاستيثار : الانفراد
بالشي ء .
أو من آثر يؤثر إيثارا إذا أعطى أي يفضل الظالمون غيركم عليكم في
نصيبكم ويعطونهم دونكم .
وقيل : يجوز أن يكون المراد بالاثرة النمام .
والنهروان بفتح النون والراء وجوز تثليث الراء ثلاث قرى أعلى
وأوسط وأسفل بين واسط وبغداد .
والصرع : الطرح على الارض والمصرع يكون مصدرا وموضعا والمراد هنا
.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 361 سطر 19 الى ص 369 سطر 18
مواضع هلاكهم .
والافلات والتفلت والانفلات : التخلص من الشئ فجأة
من غير تمكث .
وهذا الخبر من معجزاته [ عليه السلام ] المتواترة وري أنه لما قتل الخوارج
وجدوا المفلت منهم تسعة تفرقوا في البلاد ووجدوا المقتول من أصحابه عليه
السلام ثمانية .
ويمكن أن يكون خفي على القوم مكان واحد من المقتولين أو يكون التعبير
بعدم هلاك العشرة للمشاكلة والمناسبة بين القرينتين .
[362]
596 - نهج [ و ] من كلام له عليه السلام لبعض أصحابه لما عزم على
المسير إلى الخوارج فقال له : يا أميرالمؤمنين إن سرت في هذا الوقت خشيت
أن لاتظفر بمرادك من طريق علم النجوم فقال عليه السلام :
أتزعم أنك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء وتخوف
من الساعة التي من سار فيها حاق به الضر فمن صدقك بهذا فقد كذب القرآن
واستغنى عن الاستعانة بالله تعالى في نيل المحبوب ودفع المكروه .
وينبغي في قولك للعامل بأمرك أو يوليك الحمد دون ربه لانك بزعمك
أنت هديته إلى الساعة التي نال فيها النفع وآمن الضر .
ثم أقبل عليه السلام على الناس فقال : أيها الناس إياكم وتعلم النجوم
إلا ما يهتدى به في بر أو بحر فإنها تدعو إلى الكهانة المنجم كالكاهن والكاهن
كالساحر والساحر كالكافر والكافر في النار سيروا على اسم الله وعونه .
597 - نهج : ومن كلام له عليه السلام وقد قام إليه رجل من أصحابه
فقال : نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها فما تدري أي الامرين أرشد فصفق عليه
السلام إحدى يديه على الاخرى ثم قال :
هذا جزاء من ترك العقدة أما والله لو أني حين أمرتكم بما أمرتكم به حملتكم على
المكروه الذي يجعل الله فيه خيرا فإن استقمتم هديتكم وإن اعوججتم قومتكم وإن
أبيتم تداركتكم لكانت الوثقى ولكن بمن وإلى من ؟ أريد أن أداوي بكم وأنتم دائي
كناقش الشوكة بالشوكة وهو يعلم أن ضلعها معها .
اللهم قد ملت أطباء هذا الداء الدوي وكلت النزعة بأشطان الركي أين القوم
الذين دعوا إلى الاسلام فقبلوه وقرؤا القرآن فأحكموه وهيجوا إلى الجهاد فولهوا
اللقاح إلى أولادها ( 1 ) وسلبوا السيوف أغمادها وأخذوا بأطراف الارض زحفا
________________________________________________________
596 - رواه السيد الرضي رضوان الله تعالى عليه في المختار : ( 77 ) من كتاب نهج
البلاغة .
597 - رواه السيد الرضي قدس الله نفسه في المختار : ( 119 ) من كتاب نهج البلاغة .
( 1 ) كذا في طبع الكمباني من البحار - غير أن كلمة ( إلى ) كانت محذوفة منها - وفيما عندي
[363]
زحفا وصفا صفا بعض هلك وبعض نجا لا يبشرون بالاحياء ولايعزون عن
الموتى مره العيون من البكاء خمص البطون من الصيام ذبل الشفاه من الدعاء
صفر الالوان من السهر على وجوههم غبرة الخاشعين أولئك إخواني الذاهبون
فحق لنا أن نظمأ إليهم ونعض الايدي على فراقهم .
إن الشيطان يسني لكم طرقه ويريد أن يحل دينكم عقدة عقدة ويعطيكم
بالجماعة الفرقة وبالفرقة الفتنة فاصدفوا عن نزعاته ونفثاته واقبلوا النصيحة ممن
أهداها إليكم واعقلوها على أنفسكم .
إيضاح : قوله عليه السلام : ( هذا جزاء من ترك العقدة ) أي الرأي
والحزم وقيل مراده عليه السلام هذا جزاؤكم حين تركتم الرأي الاصوب
فيكون هذا إشارة إلى حيرتهم التي دل عليها قولهم : ( فما ندري أي الامرين
أرشد ) فيكون ترك العقدة منهم لامنه عليه السلام .
ويمكن حمله على ظاهره الالصق بقوله عليه السلام بعد ذلك ( حملتكم
على المكروه ) الخ ولا يلزم خطاؤه كما توهمه الخوارج بأن يكون المراد كان هذا
جزائي حين تركت العقدة أي هذا مما يترتب على ترك العقدة وإن كان تركها
إضطرارا لا اختيار ولا عن فساد رأي كما يدل عليه صريح قوله عليه السلام
بعد ذلك ( ولكن بمن وإلى من ) فإن ترك الاصلح إذا لم يمكن العمل بالاصلح
مما لافساد فيه ، ولاريب في عدم إمكان حربه عليه السلام بعد رفعهم
المصاحف وافتراق أصحابه .
قوله عليه السلام ( على المكروه ) أي الحرب إشارة إلى قوله تعالى :
* ( فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) * والمكروه مكروه لهم لا
له عليه السلام .
قوله ( وإن اعوججتم ) لعل المراد بالاعوجاج اليسير من العصيان لا الاباء
________________________________________________________
من نسخ نهج البلاغة : ( فولهوا وله اللقاح إلى أولادها ) .
وقد أشار المصنف في شرحه
الآتي الآن أن في بعض النسخ الذي كان عنده كان كذلك .
[364]
المطلق ، وبالتقويم الارشاد والتحريض والتشجيع وبالاباء الاباء المطلق ، وبالتدارك
الاستنجاد بغيرهم من قبائل العرب وأهل الحجاز وخراسان فإن كلهم كانوا
من شيعته عليه السلام كذا ذكره ابن أبي الحديد .
قوله عليه السلام ( ولكن بمن ) أي بمن استعين في هذا الامر الذي لابد
له من ناصر ومعين وإلى من أرجع في ذلك ؟ .
قوله عليه السلام ( كناقش الشوكة ) هذا مثل للعرب لاتنقش الشوكة
بالشوكة فإن ضلعها معها أي إذا استخرجت الشوكة بمثلها فكما أن الاولى
انكسرت في رجلك وبقيت في لحمك كذلك تنكسر الثانية ( فإن ضلعها )
بالتحريك أي ميلها معها أي سباع بعضكم يشبه طباع بعض ويميل إليها كما
تميل الشوكة إلى مثلها .
وقال [ ابن الاثير ] في [ مادة نقش من ] النهاية : نقش الشوكة إذا استخرجها
من جسمه وبه سمى المنقاش الذي ينقش به .
و ( الداء الدوي ) الشديد من دوي إذا مرض ( والنزعة ) جمع نازع وهو
الذي يستقي الماء ( والشطن ) هو الحبل و ( الركي ) جميع الركية وهي البئر
كأنهم عن المصلحة في قعر بئر عميق وكل عليه السلام من جذبهم إليه أو شبه
عليه السلام وعظه لهم وقلة تأثيره فيهم بمن يستقي من بئر عميقة لارض
وسيعة وعجز عن سقيها .
قوله عليه السلام : ( فولهوا اللقاح ) اللقاح بكسر اللام : الابل الواحدة
لقوح وهي الحلوب أي جعلوا اللقاح والهة إلى أولادها بركوبهم إياها عند
خروجهم إلى الجهاد .
وفي بعض النسخ : ( فولهوا وله اللقاح إلى أولادها ) و
الوله إلى الشئ : الاشتياق إليه .
( وأخذوا بأطراف الارض ) أي أخذوا الارض بأطرافها كما قيل
أو أخذوا على الناس بأطراف الارض أي حصروهم يقال لمن استولى على
غيره وضيق عليه : قد أخذ بأطراف الارض .
وأخذوا أطرافها من قبيل أخذت
[365]
بالخطام .
والزحف : الجيش يزحفون إلى العدو أي يمشون .
ويكون مصدرا
كالصف ونصبهما على الحالية أي حفا بعد زحف وصفا بعد صف في
الاطراف أو المصدرية أي يزحفون زحفا .
قوله : ( لايبشرون ) أي لشدة ولههم
إلى الجهاد لايفرحون ببقاء حيهم حتى يبشروا به ولا يحزنون لقتل قتيلهم حتى
يعزوا به أو لما قطعوا العلائق الدنيوية إذا ولد لاحدهم مولود لم يبشر به وإذا
مات منهم أحد لم يعزوا عنه والاول أظهر لاسيما على نسخة القيل .
وقال في النهاية المره : مرض في العين الكحل .
وقال : الخمص :
الجوع والمجاعة ورجل خمص إذا كان ضامر البطن .
وذبل أي قل ماؤه وذهبت
نضارته .
وقال الجوهري : يقال : حق لك أن تفعل أي خليق بك .
وقال :
سناه أي فتحه وسهله .
ويقال : صدف عن الامر أي انصرف عنه .
ونزغ
الشيطان بينهم أي أفسد وأغرى ونفثاته : وساوسه التي ينفث بها .
598 - نهج [ و ] من كلام له عليه السلام قاله للبرج بن مسهر الطائي
وقد قال [ له ] بحيث يسمعه ( لا حكم إلا لله ) وكان من الخوارج :
اسكت قبحك الله يا أثرم فوالله لقد ظهر الحق فكنت فيه ضئيلا
شخصك خفيا صوتك حتى إذا نعر الباطل نجمت نجوم قرن الماعز .
بيان : ( قبحك الله ) بالتخفيف والتشديد أي نحاك عن الخير .
وقيل :
كسرك يقال : قبحت الجوزة أي كسرتها .
والثرم : سقوط الاسنان .
والضئيل :
الدقيق النحيف الخفي .
و ( نعر ) أي صاح كناية عن ظهور الباطل وقوة أهله .
ونجم : طلع أي طلعت بلا شرف ولا شجاعة ولا قدم بل على غفلة .
والماعز
واحد المعز من الغنم وهو خلاف الضأن .
599 - كتاب الغارات : لابراهيم ابن محمد الثقفي عن إسماعيل بن
أبان ، عن عبدالغفار بن القاسم ، عن المنصور بن عمر ، عن زر بن حبيش .
________________________________________________________
598 - رواه السيد الرضي رحمه الله في المختار : ( 182 ) من كتاب نهج البلاغة .
599 - رواه الثقفي رضوان الله عليه في الحديث الاول من كتاب الغارات .
[366]
وعن أحمد بن عمران بن أبي ليلى عن أبيه عن ابن أبي ليلى عن المنهال بن
عمرو ، عن زر بن حبيش قال : خطب علي عليه السلام بالنهروان فحمدالله
وأثنى عليه ثم قال :
أيها الناس أما بعد أنا فقأت عين الفتنة لم يكن أحد ليجتزي عليها غيري
- وفي حديث ابن أبي ليلى لم يكن ليفقأها أحد غيري - ولو لم أك فيكم ما
قوتل أصحاب الجمل وأهل النهروان وأيم الله لولا أن تتكلوا وتدعوا العمل
لحدثتكم بما قضى الله على لسان نبيكم صلى الله عليه وآله لمن قاتلهم مبصرا
لضلالتهم عارفا للهدى الذي نحن عليه .
ثم قال : سلوني قبل أن تفقدوني سلوني عما شئتم سلوني قبل أن تفقدوني
إني ميت أو مقتول بل قتلا ماينتظر أشقاها أن يخضبها من فوقها بدم ؟ وضرب
بيده إلى لحيته .
والذي نفسي بيده لاتسألوني عن شئ فيما بينكم وبين الساعة ولا عن
فئة تضل مائة أو تهدي مائة إلا نبأتكم بناعقها وسائقها .
فقام إليه رجل فقال : حدثنا يا أميرالمؤمنين عن البلاء .
قال : إنكم في زمان إذا سأل سائل فليعقل وإذا سئل مسؤول فليثبت .
ألا وإن من ورائكم أمورا أتتكم جللا مزوجا وبلاء مكلحا ملحا والذي
فلق الحبة وبرئ النسمة أن لوقد فقد تموني ونزلت [ بكم ] كراهية الامور
وحقايق البلاء لقد أطرق كثير من السائلين ( 1 ) وفشل كثير من المسؤولين وذلك
إذا قلصت حربكم وشمرت عن ساق ، وكانت الدنيا بلاء عليكم وعلى أهل
بيتي حتى يفتح الله لبقية الابرار ( 2 ) .
________________________________________________________
( 1 ) ما بين المعقوفين مأخوذ من المختار : ( 90 ) من نهج البلاغة ، وفيه : ( ولو فقدتموني
ونزلت بكم كرائه الامور ، وحوازب الخطوب لاطرق كثير من السائلين .
.
) .
( 2 ) وفي المختار المشار إليه من نهج البلاغة : ( وشمرت عن ساق ، وضاقت الدنيا عليكم
ضيقا تستطيلون معه أيام البلاء عليكم حتى يفتح الله لبقية الابرار منكم ) .
[367]
فانصروا أقواما كانوا أصحاب رايات يوم بدر ويوم حنين تنصروا
وتوجروا ولاتسبقوهم فتصرعكم البلية ( 1 )
فقام إليه رجل آخر فقال : يا أميرالمؤمنين حدثنا عن الفتن .
قال : إن
الفتنة إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت استقرت يشبهن مقبلات ويعرفن مدبرات
إن الفتن تحوم كالرياح يصبن بلدا ويخطئن أخرى .
ألا إن خوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية إنها فتنة عمياء مظلمة
مطينة عمت فتنتها وخصت بليتها وأصاب البلاء من أبصر فيها وأخطأ البلاء
من عمي عنها يظهر أهل باطلها على أهل حقها حتى تملا الارض عدوانا وظلما
وبدعا .
ألا وإن أول من يضع جبروتها ويكسر عمدها وينزع أوتادها الله رب العالمين .
وأيم الله لتجدن بني أمية أرباب سوءلكم بعدي كالناب الضروس تعض
بفيها وتخبط بيديها وتضرب برجليها وتمنع درها لايزالون بكم حتى لايتركوا في
مصركم إلا تابعا لهم أو غير ضار ولايزال بلاؤهم بكم حتى لايكون انتصار
أحدكم منهم إلا مثل انتصار العبد من ربه إذا رآه أطاعه وإذا توارى عنه
شتمه .
وأيم الله لو فرقوكم تحت كل حجر لجمعكم الله لشر يوم لهم .
ألا إن من بعدي جماع شتى ألا إن قبلتكم واحدة وحكم واحد
وعمرتكم واحدة والقلوب مختلفة .
ثم أدخل [ عليه السلام ] أصابعه بعضها في بعض .
فقام رجل فقال : ما هذا يا أميرالمؤمنين ؟ قال : هذا هكذا يقتل هذا
هذا ويقتل هذا هذا قطعا جاهلية ليس فيها هدى ولا علم يرى نحن أهل
________________________________________________________
( 1 ) كذا في اصلي ، وفيه حذف وتقديم والسياق يستدعي أن يكون محل هذا الكلام بعد قوله عليه
السلام الاتي قريبا : ( الله رب العالمين ) كما هو كذلك في شرح المختار ) ( 90 ) من نهج البلاغة
من شرح ابن ابي الحديد وهذا لفظه : ( ألا وإنكم مدركوها فانصروا قوما كانوا أصحاب
رايات بدر وحنين تؤجروا ) .
.
[368]
البيت منها بمنجاة ولسنا فيها بدعاة .
فقام رجل فقال : يا أميرالمؤمنين ما نصنع في ذلك الزمان ؟ قال : انظروا
أهل بيت نبيكم فإن لبدوا فلبدوا ، وإن استصرخوكم فانصروهم توجروا ولا
تسبقوهم فتصرعكم البلية .
فقام رجل آخر فقال : ثم مايكون بعد هذا يا أميرالمؤمنين قال : ثم إن
الله يفرج الفتن برجل منا أهل البيت كتفريج الاديم - بأبي ابن خيرة الاماء -
يسومهم خسفا ويسقيهم بكأس مصبرة فلا يعطيهم إلا السيف هرجا هرجا يضع
السيف على عاتقه ثمانية أشهر ودت قريش عند ذلك بالدنيا وما فيها لو يروني
مقاما واحدا قدر حلب شاة أو جزر جزور لاقبل منهم بعض الذي يرد عليهم
حتى تقول قريش : لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا فيغريه الله ببني أمية
فيجعلهم ملعونين أينما ثقفوا [ أخذوا ] وقتلوا تقتيلا سنة الله في الذين خلوا من
قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا .
بيان : الجلل محركة : الامر العظيم ( مزوجا ) أي مقرونا بمثله .
والكلوح :
العبوس يقال : كلح وأكلح .
و ( قلصت ) بالتشديد أي انضمت واجتمعت
وبالتخفيف أي كثرت وتزايدت من قلصت البئر إذا ارتفع ماؤها ( وشمرت
عن ساق ) أي كشفت عن شدة .
وحام الطائر وغيره حول الشئ : دار
( مطينة ) أي مخفية ( والناب ) الناقة المسنة ( والضروس ) السيئة الخلق تعض
حالبها .
وجماع الناس كرمان : أخلاطهم من قبائل شتى .
وكلما تجمع وانضم
بعضه إلى بعض ( ولبد ) كنصر وفرح : أقام ولزق ( كتفريج الاديم ) أي
الجلد عن اللحم .
و ( ابن خيرة الاءماء ) القائم عليه السلام ( يسومهم خسفا ) أي
يوليهم ذلا و ( كأس مصبرة ) ممزوجة بالصبر وفي النهاية : فيه ( بين يدي
الساعة هرج ) أي قتال واختلاط واصل الهرج : الكثيرة في الشئ والاتساع .
أقول : وقد مضى بعض هذه الخطبة مشروحا .
600 - نهج : من كلام له عليه السلام قاله للخوارج وقد خرج إلى معسكرهم
وهم مقيمون على إنكار الحكومة فقال عليه السلام : أكلكم شهد معنا صفين
[369]
قالوا : منا من شهد ومنا من لم يشهد .
قال عليه السلام : فامتازوا فرقتين فليكن
من شهد صفين فرقة ومن لم يشهدها فرقة حتى أكلم كلا بكلامه ونادى الناس
فقال : امسكوا عن الكلام وانصتوا لقولي وأقبلوا بأفئدتكم إلي فمن نشدناه
شهادة فليقل بعلمه فيها ثم كلمهم عليه السلام بكلام طويل منه .
ألم تقولوا عند رفعهم المصاحف حيلة وغيلة ومكرا وخديعة : إخواننا
وأهل دعوتنا استقالونا واستراحوا إلى كتاب الله سبحانه فالرأى القبول منهم
والتنفيس عنهم ! فقلت لكم : هذا أمر ظاهره إيمان وباطنه عدوان وأوله رحمة
وآخره ندامة فأقيموا على شأنكم والزموا طريقتكم وعضوا على الجهاد
بنواجذكم ولا تلتفتوا إلى ناعق نعق إن أجيب أضل وإن ترك ذل ، وقد كانت
هذه الفعلة وقد رأيتكم أعطيتموها والله لئن أبيتها ما وجبت علي فريضتها ولا
حملني الله ذنبها ووالله إن جئتها إني للمحق الذي يتبع وإن الكتاب لمعي ما
فارقته مذ صحبته .
فلقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وإن القتل ليدور بين الآباء
والابناء والاخوان والقرابات فما نزداد على كل مصيبة وشدة إلا إيمانا ومضيا على
الحق وتسليما للامر وصبرا على مضض الجراح ولكنا إنما أصبحنا نقاتل إخواننا
في الاسلام على ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج والشبهة والتأويل فإذا
طمعنا في خصلة يلم الله بها شعثنا ونتدانى بها إلى البقية فيما بيننا رغبنا فيها
وأمسكنا عما سواها .
.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 369 سطر 19 الى ص 377 سطر 18
601 - ج ( ألم تقولوا ) إلى آخر الكلام .
توضيح : قوله عليه السلام ( بكلامه ) أي بالكلام الذي يليق به .
وقال في النهاية فيه : ( نشدتك الله والرحم ) أي سألتك بالله وبالرحم .
وقال
الجوهري : الغيلة بالكسر : الخديعة .
ونفس تنفيسا : فرج تفريجا [ قوله عليه
________________________________________________________
600 - رواه السيد الرضي رحمه الله في المختار : ( 120 ) من كتاب نهج البلاغة .
601 - رواه الطبرسي رحمه الله في عنوان : ( احتجاجه عليه السلام على الخوارج .
.
) من
كتاب الاحتجاج : ج 1 ، ص 185 ، ط بيروت .
[370]
السلام : ] ( أوله رحمة ) لانه كان وسيلة إلى حقن الدماء .
و ( الفعلة ) بالفتح
المرة من الفعل والمراد بها الرضا بالحكومة ( وفريضتها ) ما وجب بسببها وترتب
عليها ( وإن الكتاب لمعي ) أي لفظا ومعنى .
والمضض : وجع المصيبة قوله عليه
السلام : ( إلى البقية ) أي إلى بقاء ما بقي فيما بيننا من الاسلام كما ذكره ابن
ميثم .
والاطهر عندي أنه من الابقاء بمعنى الرحم ولاشفاق والاصلاح كما في
الصحيفة لاتبقى على من تضرع إليها .
وقال في القاموس : أبقيت ما بيننا : لم أبالغ في فساده والاسم البقية
( وأولو بقية ينهون عن الفساد ) أي ابقاء .
وقال ابن أبي الحديد : هذا الكلام ليس يتلو بعضه بعضا ولكنه ثلاثة فصول
لايلتصق أحدها بالاخر آخر الفصل الاول قوله عليه السلام : ( وإن ترك ذل ) .
وآخر الفصل الثاني قوله : ( على مضض الجراح ) .
والفصل الثالث ينتهي
آخر الكلام ( 1 ) .
602 - نهج ومن كلام له عليه السلام في التحكيم إنا لم نحكم الرجال وإنما
حكمنا القرآن وهذا القرآن إنما هو خط مسطور بين الدفتين لاينطق بلسان
ولابد له من ترجمان وإنما ينطق عنه الرجال ، ولما دعانا القوم إلى أن نحكم بيننا
القرآن لم نكن الفريق المتولي عن كتاب الله تعالى وقد قال الله سبحانه : ( فإن
تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ) [ 59 / النساء : 4 ] فرده إلى الله أن
نحكم بكتابه ورده إلى الرسول أن نأخذ بسنته فإذا حكم بالصدق في كتاب
الله فنحن أحق الناس به وإن حكم بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله فنحن
[ أحق الناس و ] أولاهم به .
________________________________________________________
( 1 ) هذا مختار كلام ابن أبي الحديد في شرح المختار : ( 121 ) من نهج البلاغة من شرحه :
ج 2 ص 790 من ط الحديث ببيروت .
602 - رواه السيد الرضي رحمه الله في المختار : ( 122 ) من كتاب نهج لبلاغة وما وضعناه
بين المعقوفات مأخوذ منه .