[371]


وأما قولكم : ( لم جعلت بينك وبينهم أجلا في التحكيم ) فإنما فعلت ذلك ليتبين الجاهل ويتثبت العالم ولعل الله أن يصلح في هذه الهدنة أمر هذه الامة ولا يؤخذ بأكظامها فتعجل عن تبين الحق وتنقاد لاول الغي .
إن أفضل الناس عندالله من كان العمل بالحق أحب إليه - وإن نقصه وكرثه - من الباطل وإن جر إليه فائدة وزاده .
فأين يتاه بكم ومن أين أتيتم استعدوا للمسير إلى قوم حيارى عن الحق لايبصرونه وموزعين بالجور لايعدلون عنه جفاة عن الكتاب نكب عن الطريق .
ما أنتم بوثيقة يعلق بها ولا زوافر [ عز ] يعتصم إليها لبئس حشاش نار الحرب أنتم أف لكم لقد لقيت منكم برحا يوما أناديكم ويوما أناجيكم فلا أحرار صدق عند النداء ولا إخوان ثقة عند النجاء .
603 - ج قال عليه السلام : ( إنا لم نحكم الرجال ) إلى قوله ( وتنقاد لاول الغي ) .
توضيح : قوله عليه السلام : ( إنا لم نحكم ) حاصل الجواب أنا لم نرض بتحكيم الرجلين مطلقا بل على تقدير حكمهما بالصدق في الكتاب والسنة لان القوم دعونا إلى تحكيم القرآن لاتحكيم الرجلين وإنما رضينا بتحكيم الرجلين لحاجة القرآن إلى الترجمان فالحاكم حقيقة هو القرآن لا الرجلان فإذا خالف الرجلان حكم الكتاب والسنة لم يجب علينا قبول قولهما .
مع أن رضاه عليه السلام كان اضطرارا كما عرفت مرارا .
قوله عليه السلام ( فإذا حكم بالصدق ) أي إذا حكم بالصدق في الكتاب والسنة فيجب أن يحكم بخلافتنا لانا أحق الناس بالكتاب والسنة وإذا حكم بالصدق فيهما فنحن أولى الناس باتباع حكمهما فعدم اتباعنا لعدم

________________________________________________________
603 - رواه الطبرسي رضوان الله عليه في عنوان : ( احتجاجه عليه السلام على الخوارج .
.
) من كتاب الاحتجاج : ج 1 ، ص 186 ، ط بيروت .

[372]


حكمهم بالصدق وإلا لاتبعناه وإذا حكم بالصدق فيهما فنحن أحق الناس بهذا الحكم فيجب عليهم اتباع قولنا لاعلينا إتباع قولهم .
والضمير في قوله : ( أحق الناس به ) عائد إلى الكتاب أو إلى الله أو إلى الحكم وفي [ قوله : ] ( أولاهم به ) إلى الرسول أو إلى الحكم .
قوله عليه السلام : ( ليتبين الجاهل ) أي ليظهر للجاهل وجه الحق والتبين يكون لازما ومتعديا ويتثبت العالم بدفع الشبهة ويطمئن قلبه .
قوله عليه السلام : ( ولا يؤخذ بأكظامها ) معطوف على ( يتبين ) .
وقال [ ابن الاثير ] في [ ( كظم ) من كتاب ] النهاية [ و ] في حديث علي ( بأكظامها ) هي جمع كظم بالتحريك وهو مخرج النفس من الحلق .
( وأول الغي ) هو أول شبهة عرضت لهم من رفع المصاحف .
وكرنه الغم وأكرثه أي اشتد عليه وبلغ منه المشقة .
وتاه يتيه تيها : تحير وضل أو تكبر ( ومن أين أتيتم ) أي هلكتم أو دخل عليكم الشيطان والشبهة والحيلة .
وقال الجوهري : أوزعته بالشئ أغريته به ( لايعدلون به ) أي ليس للجور عندهم عديل ويروي : ( لايعدلون عنه ) أي لايتركونه إلى غيره .
والجفاء : البعد عن الشئ .
ونكب عن الطريق ينكب نكبا : عدل .
( ما أنتم بوثيقة ) أي بعروة وثيقة أو بذي وثيقة والوثيقة : الثقة وعلق بالشئ كفرح وتعلق به أي نشب واستمسك .
وزافرة الرجل : أنصاره وخاصته .
والحشاش بضم الحاء وتشديد الشين جمع حاش وهو الموقد للنار وكذلك الحشاش بالكسر والتخفيف وقيل : هو ما يحش به النار أي يوقد .
والبرح : الشدة وفي بعض النسخ بالتاء وهو الحزن ( يوما أناديكم ) أي جهرا ( ويوما أناجيكم ) أي سرا ( فلا أحرار ) أي لاتنصرون ولاتحمون ( ولا إخوان ثقة ) أي لاتكتمون السر ولا تعملون بلوازم الاخاء .
604 - نهج [ و ] من كلام له عليه السلام للخوارج :

________________________________________________________
604 - رواه السيد رضي الله عنه في المختار : ( 127 ) من كتاب نهج البلاغة .

[373]


فإن أبيتم إلا أن تزعموا أني أخطأت وضللت فلم تضللون عامة أمة محمد صلى الله عليه وآله بضلالي وتأخذونهم بخطأي وتكفرونهم بذنوبي ؟ سيوفكم على عواتقكم تضعونها مواضع البراءة والسقم وتخلطون من أذنب بمن لم يذنب وقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله رجم الزاني ثم صلى الله عليه ثم ورثه أهله وقتل القاتل وورث ميراثه أهله وقطع السارق وجلد الزاني غير المحصن ثم قسم عليهما من الفئ ونكحا المسلمات فأخذهم رسول الله صلى الله عليه وآله بذنوبهم وأقام حق الله فيهم ولم يمنعهم سهمهم من الاسلام ولم يخرج أسماءهم من بين أهله .
ثم أنتم شرار الناس ومن رمى به الشيطان مراميه وضرب به تيهه .
وسيهلك في صنفان محب مفرط يذهب به الحب إلى غير الحق ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق وخير الناس في حالا النمط الاوسط فالزموه والزموا السواد الاعظم فإن يد الله على الجماعة وإياكم والفرقة فإن الشاذ من الناس للشيطان كما أن الشاذة من الغنم للذئب .
ألا من دعا إلى هذا الشعار فاقتلوه ولو كان تحت عمامتي هذه وإنما حكم الحكمان ليحييا ما أحيا القرآن ويميتا ما أمات القرآن وإحياؤه الاجتماع عليه وإماتته الافتراق عنه ، فإن جرنا القرآن إليهم اتبعناهم وإن جرهم إلينا القرآن إتبعونا فلم آت لا أبا لكم بجرا ولاختلتكم عن أمركم ولا لبسته عليكم وإنما اجتمع رأي ملائكم على اختيار رجلين أخذنا عليهما أن لا يتعديا القرآن فتاها عنه وتركا الحق وهما يبصرانه وكان الجور هواهما فمضيا عليه وقد سبق استثناؤنا عليهما في الحكومة بالعدل والصمد للحق سوء رأيهما وجور حكمهما .
إيضاح : قوله عليه السلام ( وضللت ) بكسر اللام وفتحها .
أقول : لما قالت الخوارج لعنهم الله : إن الدار دار كفر لايجوز الكف عن أحد من أهلها قتلوا الناس حتى الاطفال وقتلوا البهائم وذهبوا إلى تكفير أهل الكبائر مطلقا ولذا أكفروا أميرالمؤمنين صلوات الله عليه ومن تبعه على تصويب التحكيم فلذا احتج عليه السلام عليهم بأنه لو كان صاحب الكبيرة كافرا لما صلى عليه

[374]


رسول الله صلى الله عليه وآله ولاورثه من المسلم ولا مكنه من نكاح المسلمات ولا قسم عليهم من الفئ ولاخرجه من [ إطلاق ] لفظ الاسلام [ عليه ] .
وقوله عليه السلام ( وورث ميراثه ) يدل ظاهرا على عدم ارث المسلم من الكافر ولعله إلزام عليهم .
قوله عليه السلام : ( ونكحا ) أي السارق والزاني المسلمات ولم يمنعهما رسول الله صلى الله عليه وآله من ذلك .
قوله عليه السلام : ( من بين أهله ) أي أهل الاسلام .
( ومرامي الشطان ) طرق الضلال التي يسوق الانسان إليها بوساوسه .
( وضرب به تيهه ) أي وجهه إليه من ضربت في الارض إذا سافرت والباء للتعدية والتيه بالكسر والفتح : الحيرة .
وبالكسر : المفازة يتاه فيها .
وتقييد البغض بالافراط لعله لتخصيص اكمل الافراد بالذكر أو لان المبغض مطلقا مجاوز عن الحد أو لان الكلام إخبار [ عما ] سيوجد منهم مع أن فيه رعاية الازدواج والتناسب بين الفقرتين .
وقال في النهاية : في حديث علي عليه السلام : ( خير هذه الامة النمط الاوسط ) النمط : الطريقة من الطرائق والضرب من الضروب يقال ليس هذا من ذلك النمط أي من ذلك الضرب .
والنمط الجماعة من الناس أمرهم واحد .
وقال فيه : ( عليكم بالسواد الاعظم ) أي جملة الناس ومعظمهم الذين يجتمعون على طاعة السلطان وسلوك المنهج المستقيم .
وقال : إن يد الله على الجماعة أي ان الجماعة من أهل الاسلام في كنف الله ويدالله كناية عن الحفظ والدفاع عنهم .
قوله عليه السلام : ( إلى هذا الشعار ) قال ابن ميثم أي مفارقة الجماعة والاستبداد بالرأي .
وقوله عليه السلام : ( ولو كان تحت عمامتي ) كناية عن أقصى القرب من عنايته أي ولو كان ذلك الداعي في هذا الحد من عنايتي به .

[375]


وقال ابن أبي الحديد : كان شعارهم أن يحلقوا وسط رؤسهم ويبقوا الشعر مستديرا حوله كالاكليل وقال ( ولو كان تحت عمامتي ) أي ولو اعتصم واحتمى بأعظم الاشياء حرمة فلاتكفوا عن قتله .
أقول ويحتمل أن يكون شعارهم قولهم : ( لا حكم إلا لله ) وأن يكون كنى بقوله ( تحت عمامتي ) عن نفسه .
قوله عليه السلام .
( وإحياؤه الاجتماع عليه ) أي ما يحييه القرآن هو الاجتماع عليه وما يميته هو الافتراق عنه أو أن الاجتماع على القرآن إحياؤه إذ به يحصل الاثر والفائدة المطلوبة منه والافتراق عنه إماتة له .
والبجر بالضم والفتح : الداهية والامر العظيم .
والختل : الخداع .
قوله عليه السلام ( وإنما اجتمع ) يظهر منه جوابان عن شبهتهم أحدهما أني ما اخترت التحكيم بل اجتمع رأي ملائكم عليه وقد ظهر أنه عليه السلام كان مجبورا في التحكيم .
وثانيهما أنا اشترطنا عليهما في كتاب التحكيم أن لايتجاوزا حكم القرآن فلما تعديا لم يجب علينا إتباع حكمهما .
والملا : أشراف الناس ورؤسائهم ومقدموهم الذين يرجع إلى قولهم ذكره في النهاية .
الصمد : القصد .
و ( سوء رأيهما ) مفعول سبق أو الاستثناء أيضا على التنازع أي ذكرنا أولا أنا إنما نتبع حكمهما إذا لم يختارا سوء الرأي والجور في الحكم .
605 - نهج : ومن كلام له عليه السلام في معنى الحكمين : فأجمع رأي ملائكم على أن اختاروا رجلين فأخذنا عليهما أن يجعجعا عند القرآن ولا

________________________________________________________
605 - رواه السيد الرضي رفع الله مقامه في المختار : ( 175 ) من كتاب نهج البلاغة .
وجملة منه رواه الهروي في مادة : ( جعجع ) من كتاب غريب الحديث ورواها عنه ابن الاثير في نفس المادة من كتاب النهاية .

[376]


يجاوزاه ويكون ألسنتهما معه وقلوبهما تبعه فتاها عنه وتركا الحق وهما يبصرانه وكان الجور هواهما والاعوجاج رأيهما وقد سبق استثناؤنا عليهما في الحكم بالعدل والعمل بالحق سوء رأيهما وجور حكمهما والثقة في أيدينا لانفسنا حين خالفا سبيل الحق وأتيا بما لا يعرف من معكوس الحكم .
إيضاح : قال في النهاية في حديث علي عليه السلام ( فأخذنا عليهما أن يجعجعا عند القرآن ) أي يقيما عنده يقال : جعجع القوم إذا أناخوا بالجعجاع وهي الارض والجعجاع أيضا الموضع الضيق الخشن .
وقال في القاموس : التبع - محركة - : التابع يكون واحدا وجمعا ويجمع على أتباع .
قوله عليه السلام ( والثقة في أيدينا ) أي إنا على برهان وثقة في أمورنا قوله عليه السلام ( بما لا يعرف ) أي لا يصدق به .
606 - نهج من وصيته عليه السلام لعبدالله بن العباس لما بعثه للاحتجاج على الخوارج : لاتخاصمهم بالقرآن فإن القرآن حمال ذو وجوه تقول ويقولون ولكن حاجهم بالسنة فإنهم لن يجدوا عنها محيصا .
بيان : [ قوله عليه السلام ] ( ولكن حاجهم بالسنة ) قال ابن أبي الحديد كقول النبي صلى الله عليه وآله : ( علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار ) وغير ذلك من النصوص .
وقال الجوهري : يقال : ما عنه محيص أي محيد ومهرب .
607 - نهج : ومن كلام له عليه السلام وقد أرسل رجلا من أصحابه يعلم له علم قوم من جند الكوقة هموا باللحاق بالخوارج وكانوا على خوف منه

________________________________________________________
606 - رواه السيد الرضي رحمه الله في المختار ما قبل الاخير من باب كتب أميرالمؤمنين عليه السلام من نهج البلاغة .
607 - رواه السيد الرضي رضوان الله عليه في المختار : ( 179 ) من كتاب نهج البلاغة .
وقريبا منه رويناه مسندا في المختار : ( 297 ) من كتاب نهج السعادة : ج 2 ص 482 ط 1 .

[377]


عليه السلام فلما عاد إليه الرجل قال له : أمنوا فقطنوا أم جبنوا فظعنوا ؟ فقال الرجل : بل ظعنوا يا أميرالمؤمنين فقال عليه السلام : بعدا لهم كما بعدت ثمود أما لو أشرعت الاسنة إليهم وصبت السيوف على هاماتهم لقد ندموا على ما كان منهم إن الشيطان اليوم قد استفلهم وهو غدا مبترئ منهم ومخل عنهم فحسبهم بخروجهم من الهدى وارتكاسهم في الضلال والعمى وصدهم عن الحق وجماحهم في التيه .
بيان : قطن بالمكان : أقام .
وقوله : ( بعدا ) منصوب على المصدر وهو ضد القرب والهلاك قوله عليه السلام : ( قد استفلهم ) في بعض النسخ بالقاف أي حملهم أو اتخذهم قليلا وسهل عليه أمرهم .
وفي أكثر النسخ بالفاء أي وجدهم فلا لاخير فيهم أو مفلولين منهزمين وفي بعضها ( استفزهم ) أي استخفهم وفي بعضها ( استقبلهم ) أي قبلهم .
والمراد بالغد اليوم الذي تصب السيوف على هاماتهم أو يوم القيامة .
وقال الجوهري : الركس : رد الشئ مقلوبا .
وارتكس فلان في أمر كان قد نجا منه وجمح الفرس كمنع : اعتر فارسه وغلبه .
والتيه : المفازة والضلال .
608 - ج : روي أن أميرالمؤمنين عليه السلام أرسل عبدالله بن عباس إلى الخوارج وكان بمرأى منهم ومسمع [ ليسألهم ماذا الذي نقموا عليه ؟ فقال لهم ابن عباس : ماذا نقمتم على أميرالمؤمنين ؟ ] قالوا له في الجواب : نقمنا يا ابن العباس على صاحبك خصالا كلها مكفرة موبقة تدعو إلى النار .

.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 377 سطر 19 الى ص 385 سطر 18 أما أولها فإنه محى اسمه من امرة المؤمنين ثم كتب بينه وبين معاوية فإذا لم يكن أميرالمؤمنين فنحن المؤمنون فلسنا نرضى أن يكون أميرنا .
وأما الثانية فإنه شك في نفسه حين قال للحكمين : أنظرا فإن كان معاوية أحق بها فأثبتاه ، وإن كنت أولى بها فأثبتاني ) فإذا هو شك في نفسه فلم يدر

________________________________________________________
608 - رواه الطبرسي رحمه الله في عنوان : ( احتجاجه عليه السلام على الخوارج .
.
) من كتاب الاحتجاج : ج 1 ، ص 187 ، ط بيروت .

[378]


أهو المحق أم معاوية فنحن فيه أشد شكا .
والثالثة أنه جعل الحكم إلى غيره وقد كان عندنا أحكم الناس .
والرابعة أنه حكم الرجال في دين الله ولم يكن ذلك إليه .
والخامسة أنه قسم بيننا الكراع والسلاح يوم البصرة ومنعنا النساء والذرية .
والسادسة أنه كان وصيا فضيع الوصية .
قال ابن عباس : قد سمعت يا أميرالمؤمنين مقالة القوم فأنت أحق بجوابهم فقال : نعم ثم قال : يا ابن عباس قل لهم : ألستم ترضون بحكم الله وحكم رسوله ؟ قالوا نعم .
قال أبدأ على ما بدأتم به في بدء الامر .
ثم قال : كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وآله الوحي والقضايا والشروط والامان يوم صالح أبا سفيان وسهيل بن عمرو فكتب : بسم الله الرحمان الرحيم هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وآله أبا سفيان وسهيل بن عمرو .
فقال سهيل : انا لا نعرف الرحمان الرحيم ولا نقر أنك رسول الله ولكنا نحسب ذلك شرفا لك أن تقدم اسمك قبل أسمائنا وإن كنا أسن منك وأبي أسن من أبيك ! فأمرني رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : أكتب مكان ( بسم الله الرحمان الرحيم ) باسمك اللهم فمحوت ذلك وكتبت باسمك اللهم ومح ؟ وت ( رسول الله ) وكتبت ( محمد بن عبدالله ) فقال لي : ( إنك تدعى إلى مثلها فتجيب وأنت مكره ) وهكذا كتبت بيني وبين معاوية وعمرو بن العاص : ( هذا ما اصطلح عليه أميرالمؤمنين عليه السلام ومعاوية وعمرو بن العاص ) فقالا : لقد ظلمناك بأن أقررنا بأنك أميرالمؤمنين وقاتلناك ولكن اكتب علي بن أبي طالب فمحوت كما محى رسول الله صلى الله عليه وآله فإن

[379]


أبيتم ذلك فقد جحدتم .
فقالوا : هذه لك خرجت منها .
فقال : ( وأما قولكم ( إني شككت في نفسي حيث قلت للحكمين : أنظرا فإن كان معاوية أحق بها مني فاثبتاه ) فإن ذلك لم يكن شكا مني ولكني أنصفت في القول قال الله تعالى : * ( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) * [ 24 / السبأ : 34 ] ولم يكن ذلك شكا وقد علم الله أن نبيه على الحق .
قالوا : وهذه لك .
قال : وأما قولكم : ( إني جعلت الحكم إلى غيري وقد كنت عندكم أحكم الناس ) فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله قد جعل الحكم إلى سعد يوم بني قريظة وقد كان أحكم الناس .
وقد قال الله تعالى : * ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) * [ 21 / الاحزاب : 33 ] فتأسيت برسول الله صلى الله عليه وآله .
قالوا : وهذه لك بحجتنا .
قال : وأما قولكم : ( اني حكمت في دين الله الرجال ) فما حكمت الرجال وإنما حكمت كلام ربي الذي جعله الله حكما بين أهله وقد حكم الله الرجال في طائر فقال : * ( ومن قتله منكم متعمدا فجزا مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم ) * [ 95 / المائدة : 5 ] فدماء المسلمين أعظم من دم طائر .
قالوا : وهذه لك بحجتنا .
قال : وأما قولكم : ( إني قسمت يوم البصرة لما أظفرني الله بأصحاب الجمل الكراع والسلاح ومنعتكم النساء والذرية ) فإني مننت على أهل البصرة كما من رسول الله صلى الله عليه وآله على أهل مكة فإن عدوا علينا أخذناهم بذنوبهم ولم نأخذ صغيرا بكبير ؟ ! وبعد فأيكم كان يأخذ عائشة في سهمه قالوا : وهذه لك بحجتنا .
قال : وأما قولكم : ( إني كنت وصيا فضيعت الوصية ) فأنتم كفرتم وقدمتم علي وأزلتم الامر عني وليس على الاوصياء الدعاء إلى أنفسهم إنما يبعث الله الانبياء صلوات الله عليهم فيدعون إلى أنفسهم والوصي مدلول عليه مستغن عن الدعاء إلى نفسه وذلك لمن آمن بالله ورسوله صلى الله عليه

[380]


وآله ولقد قال الله عز ذكره : * ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) * [ 79 / آل عمران : 3 ] فلو ترك الناس الحج لم يكن البيت ليكفر بتركهم إياه ولكن [ الناس ] كانوا يكفرون بتركهم [ البيت ] لان الله تعالى نصبه لهم علما وكذلك نصبني علما حيث قال رسول الله صلى الله عليه وآله ( يا علي أنت مني [ بمنزلة هارون من موسى وأنت مني ] بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتي ) ( 1 ) فقالوا : وهذه لك بحجتنا فأذعنوا فرجع بعضهم وبقي منهم أربعة آلاف لم يرجعوا ممن كانوا قعدوا عنه فقاتلهم فقتلهم .
بيان : قوله عليه السلام ( فدماء المسلمين ) لعل المراد أن تحكيم الرجال في الطائر لما كان لجهل الناس والاضطرار فالضرورة هنا أشد فالكلام على التنزل فإنه عليه السلام منع أولا تحكيم الرجال وقال بعد التسليم لافساد فيه ويحتمل أن يكون مؤيدا لاول الكلام ردا لشبهة أصحاب معاوية بالمقايسة بالطائر أي لم تحكم الرجال لان التحكيم إنما ورد في الامور الجزئية التي لا مفسدة كثيرا في الخطأ فيها ولا يمكن مقايسة دماء المسلمين بها فإنه قياس مع الفارق .
[ و ] لكنه بعيد ولا يجري في بعض الاخبار التي وردت بهذا الوجه .
609 - ب : اليقطيني عن القداح عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أن عليا

________________________________________________________
( 1 ) ما بين المعقوفين غير موجود في سبعة الكمباني من البحار ، وأخذناه من كتاب الاحتجاج ط بيروت ص 189 .
وقوله صلى الله عليه وآله : ( أنت بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتي .
.
) رواه أيضا ابن الاثير في ترجمة أميرالمؤمنين عليه السلام من كتاب أسد الغابة : ( ج 4 ص 131 ط 1 .
وأيضا روى ما في معناه ابن عساكر في الحديث : ( 912 ) من ترجمة أميرالمؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق : ج 2 ص 407 ط 2 .
ورواه ابن المغازلي في الحديث : ( 149 ) من كتابه : مناقب أميرالمؤمنين عليه السلام : ص 106 ، ط 1 .
وليلاحظ ما رواه السيوطي نقلا عن اليلمي في ذيل كتاب اللآلي المصنوعة : ج 1 ، 62 .