[381]


عليه السلام كان يباشر القتال بنفسه وأنه نادى ابنه محمد بن الحنفية يوم النهروان : قدم يا بني اللواء فقدم ثم قال : قدم يا بني اللواء فقدم ثم وقف فقال له : قدم يا بني فتكعكع الفتى فقال : قدم يا ابن اللخناء ثم جاء علي حتى أخذ منه اللواء فمشى به ما شاءالله ثم أمسك ثم تقدم علي بين يديه فضرب قدما .
إيضاح : قال الجوهري .
كعكعته فتكعكع أي حبسته فاحتبس وتكعكع أي جبن ورجل كعكع بالضم أي جبان ضعيف وقال : لخن السقاء بالكسر أي أنتن ومنه قولهم : أمة لخناء .
ويقال : اللخناء : التي لم تختن .
وقال : مضى قدما : لم يعرج ولم ينثن .
610 - يد : الدقاق عن الاسدي عن البرمكي عن جعفر بن سليمان الجعفري عن أبيه عن عبدالله بن الفضل الهاشمي عن سعد الخفاف عن الاصبغ بن نباتة قال : لما وقف أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على الخوارج ووعظم وذكرهم وحذرهم القتال قال لهم : ما تنقمون مني إلا أني أول من آمن بالله وبرسوله فقالوا : أنت كذلك ولكنك حكمت في دين الله أبا موسى الاشعري فقال عليه السلام : والله ما حكمت مخلوقا وإنما حكمت القرآن ولولا أني غلبت على أمري وخولفت في رأببي لما رضيت أن تضع الحرب أوزارها بيني وبين أهل حرب الله حتى أعلى كلمة الله وأنصر دين الله ولوكره الجاهلون والكافرون .
611 - ب هارون عن ابن صدقة عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام كان يدعو على الخوارج فيقول في دعائه :

________________________________________________________
609 - رواه الحميري رحمه الله في الحديث : ( 90 ) من كتاب قرب الاسناد ، ص 14 ، ط 1 .
610 - رواه الشيخ الصدوق قدس الله نفسه في الحديث : ( 6 ) من الباب : ( 30 ) من كتاب التوحيد .
611 - رواه الحميري رحمه الله في الحديث : ( 37 ) من كتاب قرب الاسناد ، ص 8 .

[382]


اللهم رب البيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور والكتاب المسطور أسألك الظفر على هؤلا الذين نبذوا كتابك وراء ظهورهم وفارقوا أمة أحمد صلى الله عليه وآله عتوا عليك .
612 - مد : بإسناده إلى أحمد بن حنبل من مسنده بإسناده عن زيد بن وهب قال : قدم على علي عليه السلام قوم من أهل البصرة من الخوارج فيهم رجل يقال له الجعد بن بعجة فقال له : اتق الله يا علي فإنك ميت فقال علي عليه السلام : بل مقتول قتلا ضربة على هذا يخضب هذه - يعني لحيته ورأسه - عهد معهود وقضاء مقضى وقد خاب من افترى .
وعاتبه في لباسه فقال : ما يمنعك أن تلبس ؟ فقال مالك وللباسي ! هو أبعد من الكبر وأجدر أن يقتدي بي المسلم .
613 - ل : في خبر اليهودي السائل أميرالمؤمنين عما فيه من خصال الاوصياء قال عليه السلام : وأما السابعة يا أخا اليهود فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان عهد إلي أن أقاتل في آخر الزمان من أيامي قوما من أصحابي يصومون النهار ويقومون الليل ويتلون الكتاب يمرقون بخلافهم علي ومحاربتهم إياي من الدين

________________________________________________________
612 - رواه ابن البطريق رحمه الله في الفصل الاخير في عنوان : ( فصل في شئ من الاحداث [ الطارئة ] بعد رسول الله صلى الله عليه وآله .
.
) في الحديث : ( 821 ) من كتاب العمدة ص 233 والحديث رواه عبدالله بن أحمد تحت الرقم : ( 32 ) من باب فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام من كتاب الفضائل ص 23 ط 1 .
ورواه أيضا في الحديث : ( 31 و 47 ) ص 30 بأسانيد أخر ، وقد ذكر الطباطبائي له مصادر اخر في تعليقه .
وأيضا رواه عبدالله بن أحمد تحت الرقم : 703 من كتاب المسند : ج 1 ، ص 91 ط 1 .
613 - رواه الشيخ الصدوق رفع الله مقامه في آخر الحديث : ( 58 ) من باب السبعة من كتاب الخصال : ج 1 ، ص 381 .

[383]


مروق السهم من الرمية فيهم ذو الثدية يختم لي بقتلهم بالسعادة .
فلما انصرفت إلى موضعي هذا يعني بعد الحكمين أقبل بعض القوم على بعض باللائمه فيما صاروا إليه من تحكيم الحكمين فلم يجدوا لانفسهم من ذلك مخرجا إلا أن قالوا : كان ينبغي لاميرنا أن لا يتابع من أخطأ وأن يقضي بحقيقة رأيه على قتل نفسه وقتل من خالفه منا فقد كفر بمتابعته إيانا وطاعته لنا في الخطأ وأحل لنا بذلك قتله وسفك دمه .
فتجمعوا على ذلك وخرجوا راكبين رؤوسهم ينادون بأعلى أصواتهم ( لا حكم إلا لله ) ثم تفرقوا فرقة بالنخيلة وأخرى بحروراء وأخرى راكبة رأسها تخبط الارض شرقا حتى عبرت دجلة فلم تمر بمسلم إلا امتحنته فمن تابعها استحيته ومن خالفها قتلته .
فخرجت إلى الاوليين واحدة بعد أخرى أدعوهم إلى طاعة الله عزوجل والرجوع إليه ؟ أبيا إلا السيف لايفنعهما غير ذلك فلما أعيت الحيلة فيهما حاكمتهما إلى الله عزوجل فقتل الله هذه وهذه كانوا يا أخا اليهود لولا ما فعلوا لكانوا ركنا قويا وسدا منيعا فأبى الله إلا ما صاروا إليه .
ثم كتبت إلى الفرقة الثالثة ووجهت تترى وكانوا من جلة أصحابي وأهل التعبد منهم والزهد في الدنيا فأبت إلا إتباع أختيها والاحتذاء على مثالهما وأشرعت في قتل من خالفها من المسلمين وتتابعت إلى الاخبار بفعلهم فخرجت حتى قطعت إليهم دجلة أوجه السفراء والنصحاء وأطلب العتبى بجهدي بهذا مرة وبهذا مرة وأومئ بيده إلى الاشتر والاحنف بن قيس وسعيد بن قيس الارحبي والاشعث بن قيس الكندي - فلما أبوا إلا تلك ركبتها منهم فقتلهم الله يا أخا اليهود عن آخرهم وهم أربعة آلاف أو يزيدون حتى لم يفلت منهم مخبر ( 1 ) فاستخرجت ذا الثدية من قتلاهم بحضرة من ترى له

________________________________________________________
( 1 ) كذا في هذه الرواية والظاهر أنه من سهو الراوي إذ ورد عن أميرالمؤمنين عليه السلام بنحو الاستفاضة أنه قال : ( لايفلت منهم عشرة ولا يقتل منكم عشرة ) وذكر

[384]


ثدي كثدي المرأة ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال : أليس كذلك قالوا : بلى يا أميرالمؤمنين .
بيان : [ قال الفيروز آبادي ] في القاموس : جل الشئ وجلاله بضمها : معظمه .
وقوم جلة بالكسر عظماء سادة ذوو أخطار .
614 - يج : روي عن أبي حمزة عن علي بن الحسين عليهما السلام عن أبيه قال : لما أراد علي عليه السلام أن يسير إلى النهروان استنفر أهل الكوفة وأمرهم أن يعسكروا بالمدائن فتأخر عنه شبث بن ربعي وعمرو بن حريث والاشعث بن قيس وجرير بن عبدالله ( 1 ) وقالوا : إئذن لنا أياما نتخلف عنك في بعض حوائجنا ونلحق بك فقال لهم : قد فعلتموه ؟ سوأة لكم من مشايخ فوالله ما لكم من حاجة تتخلفون عليها وإني لاعلم ما في قلوبكم وسأبين لكم تريدون أن تثبطوا عني الناس وكأني بكم بالخورنق وقد بسطتم سفرتكم للطعام إذ يمر بكم ضب فتأمرون صبيانكم فيصيدونه فتخلعوني وتبايعونه .
ثم مضى إلى المدائن وخرج القوم إلى الخورنق وهيئوا طعاما فبينما هم كذلك على سفرتهم وقد بسطوها إذ مر بهم ضب فأمروا صبيانهم فأخذوه وأوثقوه ومسحوا أيديهم على يده كما أخبر علي عليه السلام وأقبلوا على المدائن فقال لهم أميرالمؤمنين عليه السلام : بئس للظالمين بدلا ليبعثنكم الله يوم القيامة مع إمامكم الضب الذي بايعتم كأني أنظر إليكم يوم القيامة مع إمامكم وهو يسوقكم إلى النار .
ثم قال : لئن كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله منافقون فإن معي منافقين أما والله يا شبث ويا ابن حريث لتقاتلان ابني الحسين هكذا أخبرني رسول الله صلى الله عليه واله .

________________________________________________________
المؤرخون والمحدثون أنه أفلت منهم تسعة .
614 - رواه مع التوالي قطب الدين الراوندي رحمه الله في كتاب الخرائج .
( 1 ) كذا في هذه الرواية ، وهذا أيضا سهو من راوي الحديث إذ جرير بن عبدالله فارق الامام عليه السلام قبل وقعة صفين ولم يعد إليه إلى أن استشهد الامام عليه السلام .

[385]


615 - يج روي أن عليا عليه السلام لما سار إلى النهروان شك رجل يقال له جندب فقال له علي عليه السلام : ألزمني ولا تفارقني فلزمه فلما دنوا من قنطرة النهروان نظر علي عليه السلام قبل زوال الشمس إلى قنبر يؤذنه بالصلاة فنزل وقال : ائتني بماء فقعد يتوضأ فأقبل فارس وقال : قد عبر القوم فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ما عبروا ولا يعبرونها ولا يفلت منهم إلا دون العشرة ولايقتل منكم إلا دون العشرة والله ماكذبت ولا كذبت .
فتعجب الناس فقال جندب : إن صح ما قال علي [ عليه السلام ] فلا أحتاج إلى دليل غيره فبينما هم كذلك إذ أقبل فارس فقال : يا أميرالمؤمنين القوم على ماذكرت لم يعبروا القنطرة فصلى بالناس الظهر وأمرهم بالمسير إليهم فقال جندب : قلت لايصل إلى القنطرة قبلي أحد فركضت فرسي فإذا هم دون القنطرة وقوف فكنت أول من رمى فقتلوا كلهم إلا تسعة وقتل من أصحابنا تسعة .
ثم قال علي عليه السلام : أطلبوا ذا الثدية فطلبوه فلم يجدوه فقال : أطلبوا فوالله ما كذبت ولا كذبت ثم قام فركب البغلة نحو قتلى كثير فقال : اقلبوها فاستخرجوا ذا الثدية فقال : الحمدلله [ الذى ] عجلك إلى النار .
وقد كان الخوارج خرجوا عليه قبل ذلك بجانب الكوفة في حروراء وكانوا إذ ذاك اثنى عشر الفا قال : فخرج اليهم أميرالمؤمنين عليه السلام في ازاره وردائه راكبا البغلة ! فقيل [ له ] : القوم شاكون في السلاح أتخرج إليهم كذلك ؟ قال : إنه
.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 385 سطر 19 الى ص 393 سطر 18 ليس بيوم قتالهم وصار إليهم بحروراء وقال لهم : ليس اليوم أوان قتالكم وستفترقون حتى تصيروا أربعة آلاف فتخرجون علي في مثل هذا اليوم في مثل هذا الشهر فأخرج إليكم بأصحابي فأقاتلكم حتى لايبقى منكم إلا دون عشرة ويقتل من أصحابي يومئذ دون عشرة هكذا أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يبرح من مكانه حتى تبرأ بعضهم من بعض وتفرقوا إلى أن صاروا أربعة آلاف بالنهروان .
616 - يج : روي عن جندب بن زهير الازدي قال : لما فارقت الخوارج

[386]


عليا خرج عليه السلام إليهم وخرجنا معه فانتهينا إلى عسكرهم فإذا لهم دوي كدوي النحل في قرائة القرآن وفيهم اصحاب البرانس وذوو الثفنات فلما رأيت ذلك دخلني شك فتنحيت ونزلت عن فرسي وركزت رمحي ووضعت ترسي ونثرت عليه درعي وقمت أصلي وأنا أقول في دعائي : اللهم إن كان قتال هؤلاء رضا لك فأرني من ذلك ما أعرف به أنه الحق وإن كان لك سخطا فاصرف عني إذ أقبل علي عليه السلام فنزل عن بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وقام يصلي إذ جاءه رجل فقال : قطعوا النهر ثم جاء آخر يشتد به دابته فقال : قطعوه وذهبوا .
فقال أميرالمؤمنين عليه السلام : ما قطعوه ولا يقطعونه وليقتلن دون النطفة عهد من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وقال لي : يا جندب ترى التل قلت : نعم .
قال : [ إن ] رسول الله صلى الله عليه واله حدثني أنهم يقتلون عنده ثم قال : إنا نبعث إليهم رسولا يدعوهم إلى كتاب الله وسنة نبيه فيرشقون وجهه بالنبل وهو مقتول قال : فانتهينا إلى القوم فإذا هم في معسكرهم لم يبرحوا ولم يترحلوا فنادى الناس وضمهم ثم أتى الصف وهو يقول : من يأخذ هذا المصحف فيمشي به إلى هؤلاء القوم فيدعوهم إلى كتاب الله وسنة نبيه وهو مقتول وله الجنة ؟ فما أجابه أحد إلا شاب من بني عامر بن صعصعة فلما رأى حداثة سنه : ( قال له ارجع إلى موقفك ) ثم أعاد فما أجابه أحد إلا ذلك الشاب قال : خذه أما إنك مقتول .
فمشى به حتى إذا دنا من القوم حيث يسمعهم ناداهم إذ رموا [ فرموا ( خ ل ) ] وجهه بالنبل فأقبل علينا ووجهه كالقنفذ فقال علي عليه السلام : دونكم القوم فحملنا عليهم قال جندب : ذهب الشك عني وقتلت بكفي ثمانية .
ولما قتل الحرورية قال علي عليه السلام : التمسوا في قتلاهم رجلا مخدوجا حدى يديه مثل ثدي المرأة فطلبوه فلم يجدوه فقام فأمر بهم فقلب بعضهم على بعض فإذا حبشي إحدى عضديه مثل ثدي المرأة عليه شعرات كسبال السنور

[387]


فكبر وكبر الناس معه وقال : هذا شيطان لولا أن تتكلوا لحدثتكم بما أعد الله على لسان نبيكم لمن قاتل هؤلاء .
617 - شا : من كلام أميرالمؤمنين عليه السلام للخوارج حين رجع إلى الكوفة وهو بظاهرها قبل دخوله إياها بعد حمدالله والثناء عليه : اللهم إن هذا مقام من فلج فيه كان أولى بالفلج يوم القيامة ومن نطف فيه أو عنت فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا .
نشدتكم بالله أتعلمون أنهم حين رفعوا المصاحف فقلتم ( نجيبهم إلى كتاب الله ) قلت لكم : إني أعلم بالقوم منكم إنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن إني صحبتهم وعرفتهم أطفالا ورجالا فكانوا شر أطفال وشر رجال امضوا على حقكم وصدقكم إنما رفعوا القوم لكم هذه المصاحف خديعة ووهنا ومكيدة فرددتم علي رأيي وقلتم : لابل نقبل منهم فقلت لكم : اذكروا قولي لكم ومعصيتكم إياي فلما أبيتم إلا الكتاب اشترطت على الحكمين أن يحيا ما أحياه القرآن وأن يميتا ما أماته القرآن فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكم من حكم بما في الكتاب وإن أبيا فنحن من حكمهما براء .
قال بعض الخوارج : فخبرنا أتراه عدلا يحكم [ تحكيم ( خ ل ) ] الرجال في الدماء .
فقال عليه السلام إنا لم نحكم الرجال إنما حكمنا القرآن وهذا القرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين لاينطق وإنما يتكلم به الرجال .
قالوا له : فخبرنا عن الاجل الذي جعلته فيما بينك وبينهم ! قال : ليتعلم الجاهل ويثبت العالم ولعل الله أن يصلح في هذه الهدنة أمر هذه الامة ادخلوا مصركم رحمكم الله ورحلوا من عند آخرهم .
بيان : [ قوله عليه السلام : ] ( كان أولى بالفلج ) أي من ظفر في هذا

________________________________________________________
617 - رواه الشيخ المفيد رحمه الله في الفصل ( 38 ) مما اختار من كلام أميرالمؤمنين عليه السلام من كتاب الارشاد ، ص 144 .

[388]


الحرب وفي هذه القضية لاخبار النبي صلى الله عليه وآله بكون القاتلين أولى بالحق من المقتولين وغير ذلك مما مر أو المعنى أن حجة أهل الحق تكون أغلب دائما وقال الجوهري : نطف الرجل بالكسر إذا اتهم بريبة .
ونطف الشئ أيضا فسد .
والنطق : التلطخ بالعيب .
وقال العنت : الاثم .
وقد عنت الرجل [ أي أثم ] والعنت أيضا : الوقوع في أمر شاق وقد عنت وأعنته غيره .
618 - قب : لما دخل أميرالمؤمنين عليه السلام الكوفة جاء إليه زرعة بن البرج الطائي وحرقوص بن زهير التميمي ذو الثدية فقال : لا حكم إلا لله فقال عليه السلام : كلمة حق يراد بها باطل .
قال حرقوص : فتب من خطيئتك وارجع عن قصتك واخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم حتى نلقى ربنا فقال علي عليه السلام : قد أردتكم على ذلك فعصيتموني وقد كتبنا بيننا وبين القوم كتابا وشروطا وأعطينا عليها عهودا ومواثيقا وقد قال الله تعالى : * ( وأوفوا بعد الله إذا عاهدتم ) * الآية فقال حرقوص : ذلك ذنب ينبغي أن نتوب عنه فقال علي عليه السلام : ما هو بذنب ولكنه عجز من الرأي وضعف في العقل وقد تقدمت فنهيتكم عنه .
فقال ابن الكواء : الآن صح عندنا أنك لست بإمام ولو كنت إماما لما رجعت فقال علي عليه السلام : ويلكم قد رجع رسول الله صلى الله عليه وآله عام الحديبية عن قتال أهل مكة .
ففارقوا أميرالمؤمنين عليه السلام وقالوا : لاحكم إلا لله ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وكانوا إثني عشر ألفا من أهل الكوفة والبصرة وغيرهما ونادى مناديهم إن أمير القتال شبث بن ربعي وأمير الصلاة عبدالله بن الكواء والامر شورى بعد الفتح والبيعة لله على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .
واستعرضوا الناس وقتلوا عبدالله بن خباب بن الارت وكان عامله على

________________________________________________________
618 - رواه ابن شهر آشوب رحمه الله في آخر عنوان : ( في الحكمين والخوارج ) من كتاب مناقب آل أبي طالب : ج 2 ص 369 ط النجف .

[389]


النهروان .
فقال أميرالمؤمنين عليه السلام : يا ابن عباس امض إلى هؤلاء القوم فانظر ما هم عليه ولماذا اجتمعوا فلما وصل إليهم قالوا : ويلك يا ابن عباس أكفرت بربك كما كفر صاحبك علي بن أبي طالب وخرج خطيبهم عتاب بن الاعور الثعلبي فقال ابن عباس : من بنى الاسلام فقال : الله ورسوله فقال : النبي أحكم أموره وبين حدوده أم لا ؟ قال : بلى قال : فالنبي بقي في دار الاسلام أم ارتحل قال : بل ارتحل قال : فأمور الشرع ارتحلت معه أم بقيت بعده قال : بل بقيت .
قال : وهل قام أحد بعده بعمارة ما بناه ؟ قال : نعم الذرية والصحابة .
قال : أفعمروها أو خربوها ؟ قال : بل عمروها قال : فالآن هي معمورة أم خراب ؟ قال : بل خراب .
قال : خربها ذريته ام أمته ؟ قال بل أمته قال : وأنت من الذرية أو من الامة ؟ قال : من الامة قال : أنت من الامة وخربت دار الاسلام فكيف ترجو الجنة ؟ وجرى بينهم كلام كثير .
فحضر أميرالمؤمنين عليه السلام في مائة رجل فلما قابلهم خرج إليه ابن الكواء في مائة رجل فقال عليه السلام : أنشدكم الله هل تعلمون حيث رفعوا المصاحف فقلتم نجيبهم إلى كتاب الله فقلت لكم إني أعلم بالقوم منكم وذكر مقاله إلى أن قال : فلا أبيتم إلا الكتاب اشترطت على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن وأن يميتا ما أمات القرآن فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكمه وإن أبيا فنحن منه براء .
فقالوا له : أخبرنا أتراه عدلا تحكيم الرجال في الدماء ؟ فقال : إنا لسنا الرجال حكمنا وإنما حكمنا القرآن والقرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق إنما يتكلم به الرجال قالوا : فأخبرنا عن الاجل لم جعلته فيما بينك وبينهم ؟ قال : ليعلم الجاهل ويتثبت العالم ولعل الله يصلح في هذه المدة هذه الامة .

[390]


وجرت بينهم مخاطبات فجعل بعضهم يرجع .
فأعطى أميرالمؤمنين عليه السلام راية أمان مع أبي أيوب الانصاري فناداهم أبوأيوب من جاء إلى هذه الراية أو خرج من بين الجماعة فهو آمن فرجع منهم ثمانية آلاف رجل فأمرهم أميرالمؤمنين عليه السلام أن يتميزوا منهم وأقام الباقون على الخلاف وقصدوا إلى نهروان .
فخطب أميرالمؤمنين عليه السلام [ أهل الكوفة ] واستنفرهم فلم يجيبوه فتمثل : أمرتكم أمري بمنعرج اللوى * فلم تستبينوا النصح إلا ضحى الغد ثم استنفرهم فنفر ألفا رجل يقدم عدي بن حاتم وهو يقول : إلى شر خلق من شراة تحزبوا * وعادوا إله الناس رب المشارق فوجه اميرالمؤمنين عليه السلام نحوهم وكتب إليهم على يدي عبدالله بن أبي عقب : والسعيد من سعدت به رغبته ، والشقي من شقيت به رغبته ( 1 ) وخير الناس خيرهم لنفسه ، وشر الناس شرهم لنفسه وليس بين الله وبين أحد [ من خلقه ] قرابة ، وكل نفس بما كسبت رهينة .
فلما أتاهم أميرالمؤمنين فاستعطفهم أبوا إلا قتاله وتنادوا أن دعوا مخاطبة علي و أصحابه وبارزوا الجنة ( 2 ) وصاحوا : الروح الرواح إلى الجنة .
و [ كان ] أميرالمؤمنين عليه السلام يعبئ أصحابه ونهاهم أن يتقدم إليهم أحد .
وكان أول من خرج [ من الخوارج للبراز ] أخنس بن العزير الطائي ( 3 ) وجعل يقول :

________________________________________________________
( 1 ) كذا في ط الكمباني من كتاب البحار ، وفي كتاب مناقب آل أبي طالب في كلى الموردين : ( رعيته .
.
) .
( 2 ) كذا في أصلي ، وفي مناقب آل أبي طالب : ( وبادروا الجنة ) .
( 3 ) كذا في أصلي ، وفي مناقب آل أبي طالب : ج 2 ص 371 : أخنس بن العيزار .