[431]
أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) فأنصت علي عليه السلام
تعظيما للقرآن حتى فرغ من الآية ثم عاد في قراءته ثم أعاد ابن الكواء الآية
فأنصت علي أيضا ثم قرأ فأعاد ابن الكواء فانصت علي ثم قال : * ( فاصبر إن
وعدالله حق ولا يستخفنك الذين لايوقنون ) * ثم أتم السورة ثم ركع .
640 - نهج من كلام له عليه السلام قال للاشعث بن قيس وهو على
منبر الكوفة يخطب فمضى في بعض كلامه شئ اعترضه الاشعث فقال : يا
أميرالمؤمنين هذه عليك لالك : فخفض إليه بصره ثم قال له عليه السلام : وما
يدريك ما علي مما لي ؟ عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين حائك بن حائك منافق بن
كافر والله لقد أسرك الكفر مرة والاسلام أخرى فما فداك من واحدة منهما مالك
ولا حسبك وإن امرأ دل على قومه السيف وساق إليهم احتف لحري أن يمقته
الاقرب ولا يأمنه الابعد .
قال السيد رضي الله عنه يريد عليه السلام أنه أسر في الكفرة مرة وفي
الاسلام مرة .
وأما قوله : ( دل على قومه السيف ) فأراد به حديثا كان للاشعث مع
خالد بن الوليد باليمامة غر فيه قومه ومكر بهم حتى أوقع بهم خالد وكان قومه
يسمونه بعد ذلك عرف النار وهو اسم للغادر عندهم .
بيان : قال الشراح : الكلام الذي اعترضه الاشعث أنه عليه السلام
كان يذكر في خطبته أمر الحكمين فقام رجل من أصحابه وقال له : ( نهيتنا عن
الحكومة ثم أمرتنا به فما ندري أي الامرين أرشد ) فصفق عليه السلام إحدى
يديه على الاخرى وقال : ( هذا جزاء من ترك العقدة ) وكان مراده عليه
السلام هذا جزاؤكم إذ تركتم الرأي والحزم فظن الاشعث أنه عليه السلام
أراد هذا جزائي حيث تركت الحزم والرأي .
وقيل : كان مراده عليه السلام هذا جزائي حيث وافقتكم على ما ألزمتموني
________________________________________________________
640 - رواه السيد الرضي رضوان الله عليه في المختار : ( 19 ) من كتاب نهج البلاغة .
[432]
من التحكيم وكان موافقته عليه السلام لهم خوفا منهم على أن يقتلوه فجهل
الاشعث أو تجاهل أن المصلحة قد تترك لامر أعظم منها فاعترضه .
قوله عليه السلام : ( حائك بن حائك ) قيل : كان الاشعث وأبوه
ينسجان برود اليمن .
وقيل إنه كان من أكابر كندة وأبناء ملوكها وإنما عبر عنه عليه السلام
بذلك لانه كان إذا مشى يحرك منكبيه ويفحج بين رجليه وهذه المشية تعرف
بالحياكة وعلى هذا فلعل الاقرب أنه كناية عن نقصان عقله .
وذكر ابن أبي الحديد ( 1 ) : أن أهل اليمن يعيرون بالحياكة وليس هذا مما
يخص الاشعث .
وأما التعبير بالحياكة فقيل : إنه لنقصان عقولهم .
وقيل : لانه مظنة الخيانة
والكذب .
ويمكن أن يكون المراد بالحياكة نسج الكلام فيكون كناية عن كونه كذابا .
كما روي عن أبي عبدالله عليه السلام أنه ذكر عنده عليه السلام أن الحائك
ملعون فقال : إنما ذاك الذي يحوك الكذب على الله وعلى رسوله .
قوله عليه السلام : ( أسرك ) إلى قوله : ( فما فداك ) أي ما نجاك من الوقوع
فيها مالك ولا حسبك .
ولم يرد الفداء الحقيقي فإن مرادا لما قتلت أباه خرج الاشعث طالبا بدمه
فأسر ففدى نفسه بثلاثة آلاف بعير وهذا هو المراد بأسره في الكفر .
وأما أسره في الاسلام فإنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله ارتد
بحضر موت ومنع أهلها تسليم الصدقة فبعث أبوبكر إليه زياد بن لبيد ثم
أردفه بعكرمة بن أبي جهل في جم غفير من المسلمين فقاتلهم الاشعث بقبائل
________________________________________________________
( 1 ) ذكره وما بعده ابن أبي الحديد في شرح المختار : ( 19 ) من نهج البلاغة : ج 1 ،
ص 239 ط الحديث ببيروت .
[433]
كندة قتالا شديدا فالتجأ بقومه إلى حصنهم وبلغ بهم جهد العطش فبعث إلى
زياد يطلب منه الامان لاهله ولبعض قومه ولم يطلبه لنفسه فلما نزل أسره زياد
وبعث به مقيدا إلى أبي بكر فأطلقه أبوبكر وزوجه أخته أم فروة .
قوله عليه السلام : ( دل على قومه ) قال ابن ميثم : إشارة إلى غدره بقومه
فإن الاشعث لما طلب الامان من زياد طلبه لنفر يسير من وجوه قومه فظن
الباقون أنه طلبه لجميعهم فنزلوا على ذلك الظن فلما دخل زياد الحصن ذكروه
الامان فقال : إن الاشعث لم يطلب الامان إلا لعشرة من قومه فقتل منهم من قتل
حتى وافاه كتاب أبي بكر بالكف عنهم وحملهم إليه فحملهم .
وقال ابن أبي الحديد فيما ذكره السيد لم نعرف في التواريخ هذا ولا شبهه
وابن كندة واليمامة ، كندة باليمن واليمامة لبني حنيفة ولا أعلم من أين نقله السيد رضي -
الله عنه .
641 - نهج وقال عليه السلام لما قتل الخوارج فقيل له : يا أمير
المؤمنين هلك القوم بأجمعهم فقال عليه السلام : كلا والله إنهم نطف في
أصلاب الرجال وقرارات النساء وكلما نجم منهم قرن قطع حتى يكون آخرهم
لصوصا سلابين .
توضيح : القرار والقرارة بالفتح ما قر فيه شئ وسكن .
والمراد هنا
الارحام .
ونجم كنصر : ظهر وطلع .
والقرن كناية عن الرئيس .
وهو في
الانسان موضع قرن الحيوان من رأسه ، وقطع القرن : استيصال رؤسائهم
.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 433 سطر 19 الى ص 441 سطر 18
وقتلهم .
واللصوص بالضم جمع لص مثلثة .
والسلب : الاختلاس .
روي أن جماعة من الخوارج لم يحضروا القتال ولم يظفر بهم أميرالمؤمنين
عليه السلام وأما المفلتون من القتل فانهزم إثنان منهم إلى عمان واثنان إلى كرمان
واثنان إلى سجستان وإثنان إلى الجزيرة وواحد إلى تل موزن فظهرت بدعهم في البلاد
وصاروا نحوا من عشرين فرقة .
________________________________________________________
641 - رواه السيد الرضي رضوان الله عليه في المختار : ( 60 ) من كتاب نهج البلاغة .
[434]
وكبارها ست : الازارقة أصحاب نافع بن الازرق وهم أكبر الفرق غلبوا على
الاهواز وبعض بلاد فارس وكرمان في أيام عبدالله بن الزبير .
والنجدات رئيسهم نجدة بن عامر الحنفي .
والبيهسية أصحاب أبي بيهس هيصم بن جابر وكان بالحجاز وقتل في زمن
الوليد .
والعجاردة أصحاب عبدالكريم بن عجرد .
والاباضية أصحاب عبدالله بن أباض قتل في أيام مروان بن محمد .
والثعالبة أصحاب ثعلبة بن عامر
وتفصيل خرافاتهم مذكور في كتب المقالات .
642 - نهج : وقال عليه السلام في الخوارج : لاتقتلوا الخوارج بعدي
فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه - يعني معاوية
وأصحابه .
بيان : لعل المراد : لاتقتلوا الخوارج بعدي ما دام ملك معاوية وأضرابه
كما يظهر من التعليل وقد كان يسبه عليه السلام ويبرأ منه في الجمع والاعياد
ولم يكن إنكاره للحق عن شبهة كالخوارج ولم يظهر منهم من الفسوق ما ظهر
منه ولم يكن مجتهدا في العبادة وحفظ قوانين الشرع مثلهم فكان أولى
بالجهاد .
643 - نهج : روي أنه عليه السلام كان جالسا في أصحابه إذ مرت به
إمرأة جميلة فر ممها القوم بأبصارهم فقال عليه السلام :
إن أبصار هذا الفحول طوامح ، وإن ذلك سبب هبابها ، فإذا نظر أحدكم
________________________________________________________
642 - رواه السيد الرضي رحمه الله في المختار : ( 61 ) من كتاب نهج البلاغة .
643 - رواه السيد الرضي رفع الله مقامه في المختار : ( 420 ) من باب قصار كلام أمير
المؤمنين عليه السلام من نهج البلاغة .
[435]
إلى إمرأة تعجبه فليلمس أهله فإنما هي أمرأة كامرأة .
فقال رجل من الخوارج : قاتله الله كافرا ما أفقهه ! فوثب القوب ليقتلوه
فقال عليه السلام : رويدا إنما هو سب بسب أو عفو عن ذنب .
بيان : فلمح بصره : امتد وعلا ذكره في النهاية وقال : هب التيس أي
هاج للسفاد يقال هب يهب هبيبا وهبابا .
644 - كتاب الغارات لابراهيم بن محمد الثقفي عن زيد بن وهب
قال : قدم على علي عليه السلام وفد من أهل البصرة فيهم رجل من رؤساء
الخوارج يقال له الجعد بن نعجة وقال له في لباسه فقال : هذا أبعد لي من
الكبر وأجدر أن يقتدي بي المسلم .
فقال له اتق الله فإنك ميت قال : ميت بل
والله قتلا ضربة على هذه تخضب هذه قضاءا مقضيا وعهدا معهودا وقد خاب
من افترى .
________________________________________________________
644 - ذكره الثقفي رحمه الله في الحديث : ( 65 ) من كتاب تلخيص الغارات : ج 1 ،
ص 108 ، ط 1 .
وذكر ذيله في الحديث الاول منه ص 7 ، وفي ص 30 .
ورواه عنه الشيخ النوري رحمه الله في عنوان : ( استحباب التواضع في الملابس )
من كتاب الصلاة من المستدرك : ج 1 ، ص 210 .
وللحديث مصادر كثيرة يجد الباحث بعضها في الحديث : ( 31 ) وما بعده من
فضائل علي عليه السلام وتعليقها من كتاب الفضائل ص 22 ط 1 ، وفيه : ( الجعد بن
بعجة ) .
[437]
645 - ما المفيد عن علي بن بلال عن إسماعيل بن علي الخزاعي عن
أبيه عن عيسى بن حميد الطائي عن أبيه عن علي بن الحسين بن علي بن
الحسين عن أبيه قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول :
إن أميرالمؤمنين عليه السلام لما رجع من وقعة الخوارج اجتاز بالزوراء
فقال للناس : إنها الزوراء فسيروا وجنبوا عنها فإن الخسف أسرع إليها من
الوتد في النخالة فلما أتى موضعا من أرضها قال : ما هذه الارض ؟ قيل : أرض
( نجرا ) فقال : أرض سباخ جنبوا ويمنوا فلما أتى يمنة السواد إذا هو براهب
في صومعة فقال له : يا راهب أنزل ها هنا ؟ فقال له الراهب : لا تنزل هذه
________________________________________________________
645 - رواه الشيخ الطوسي رحمه الله في الحديث : ( 42 ) من الجزء ( 7 ) من أماليه : ج 1 ،
ص 202 ط بيروت .
ورواه أيضا ابن شهر اشوب على وجوه في عنوان : ( إخباره [ عليه السلام ]
بالغيب ) من مناقب آل أبي طالب : ج 2 ص 100 .
[438]
الارض بجيشك .
قال : ولم ؟ لانه لا ينزلها إلا نبي أو وصي بني بجيشه
يقاتل في سبيل الله عزوجل هكذا نجد في كتبنا .
فقال أميرالمؤمنين عليه
السلام فأنا وصي سيد الانبياء وسيد الاوصياء .
فقال له الراهب : فأنت إذن
أصلع قريش ووصي محمد صلى الله عليه وآله فقال له أميرالمؤمنين عليه
السلام : أنا ذلك فنزل الراهب إليه فقال : خذ علي شرائع الاسلام إني
وجدت في الانجيل نعتك وأنك تنزل أرض براثا بيت مريم وأرض عيسى
عليه السلام فقال أميرالمؤمنين عليه السلام : قف ولا تخبرنا بشئ ثم أتى
موضعا فقال : الكزوا هذا فلكزه برجله عليه السلام فانبجست عين خرارة
فقال : هذه عين مريم التي انبعث لها ثم قال : اكشفوا هاهنا على سبعة عشر
ذراعا فكشف فإذا بصخرة بيضاء فقال عليه السلام : على هذه وضعت مريم
عيسى من عاتقها وصلت هاهنا فنصب أميرالمؤمنين عليه السلام الصخرة
وصلى إليها وأقام هناك أربعة أيام يتم الصلاة وجعل الحرم في خيمة من
الموضع على دعوة ثم قال : أرض براثا هذا بيت مريم عليها السلام هذا
الموضع المقدس صلى فيه الانبياء .
قال أبوجعفر محمد بن علي عليه السلام ولقد وجدنا أنه صلى فيه إبراهيم
قبل عيسى عليه السلام .
توضيح [ قال الفيروزآبادي ] في القاموس : الزوراء : دجلة وبغداد لان
أبوابها الداخلة جعلت مزورة عن الخارجة والبعيدة : من الاراضي .
وقال :
الصلع محركة : إنحسار شعر مقدم الرأس .
وقال : براثا قرية من نهر الملك أو
محلة عتيقة بالجانب الغربي وجامع براثا معروف .
واللكز : الدفع بالكف
استعمل هنا مجازا في الضرب بالرجل .
وقال في النهاية : فيه : وإذا بعين خرارة أي كثيرة الجريان .
قوله : ( على دعوة ) أي مقدار ما يسمع دعاء رجل رجل .
646 - يب روى جابر بن عبدالله الانصاري أنه قال : صلى بنا علي
عليه السلام براثا بعد رجوعه من قتال الشراة ونحن زهاء مائة ألف رجل
[439]
فنزل نصراني من صومعته فقال : أين عميد هذا الجيش ؟ فقلنا : هذا فأقبل
إليه فسلم عليه ثم قال : يا سيدي أنت نبي ؟ قال : لا النبي سيدي قد مات .
قال : فأنت وصي نبي قال : نعم ثم قال : اجلس كيف سألت عن هذا ؟
قال : إنما بنيت هذه الصومعة من أجل هذا الموضع وهو براثا وقرأت في
الكتب المنزلة أنه لايصلي في هذا الموضع بذا الجمع إلا نبي أو وصي نبي
وقد جئت أن أسلم فأسلم وخرج معنا إلى الكوفة .
فقال له علي عليه السلام :
فمن صلى هاهنا ؟ قال : صلى عيسى بن مريم وأمه فقال له عليه السلام :
فأفيدك من صلى هاهنا ؟ قال : نعم قال : الخليل عليه السلام .
بيان : قال الجوهري : الشراة : الخوارج الواحد شار سموا بذلك
لقولهم : إنا شرينا أنفسنا في طاعة الله أي بعناها بالجنة حين فارقنا الائمة
الجائرة .
وقال : هم زهاء مائة أي قدر مائة .
وقال عميد القوم وعمودهم :
سيدهم .
647 - كنز محمد بن العباس عن أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن
عيسى عن الحسين بن سعيد عن عبدالله بن يحيى عن ابن مسكان عن أبي
بصير عن أبي المقدام :
عن جويرية بن مسهر قال : أقبلنا مع أميرالمؤمنين صلوات الله عليه بعد
قتل الخوارج حتى إذا صرنا في أرض بابل حضرت صلاة العصر فنزل أمير
المؤمنين عليه السلام ونزل الناس فقال : أيها الناس إن هذه أرض ملعونة وقد
عذبت من الدهر ثلاث مرات وهي إحدى المؤتفكات وهي أول أرض عبد
فيها وثن وإنه لايحل لنبي ولا وصي نبي أن يصلي بها فأمر الناس فمالوا إلى
جنبي الطريق يصلون وركب بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله فمضى
________________________________________________________
646 - رواه الشيخ في التهذيب ، ج 3 ، ص 264 ، ط النجف .
647 - تأويل الآيات الباهرة للنجفي في ذيل الآية 52 من سورة الحاقة .
ورواه المجلسي ثانية في البحار ،
ج 41 ، ص 168 عنه وعن الروضة والفضائل لابن شاذان والبصائر والعلل ، فراجع .
ورواه
الراوندي في الخرائج ، ص 206 .
[440]
عليها .
قال جويرية : فقلت والله لاتبعن أمير المؤمنين ولاقلدنه صلاتي اليوم قال :
فمضيت خلفه فوالله ما جزنا جسر سوراء حتى غابت الشمس قال : فسببته أو
هممت أن أسبه قال فالتفت وقال : جويرية ؟ قلت : نعم يا أميرالمؤمنين قال :
فنزل ناحية فتوضأ ثم قام فنطق بكلام لا أحسبه إلا بالعبرانية ثم نادى
بالصلاة قال : فنظرت والله إلى الشمس قد خرجت من جبلين لها صرير
فصلى العصر وصليت معه فلما فرغنا من صلاتنا عاد الليل كما كان فالتفت إلي
فقال : يا جويرية إن الله تبارك وتعالى يقول : * ( فسبح باسم ربك العظيم ) *
وإني سألت الله سبحانه باسمه العظيم فرد علي الشمس .
أقول : سيأتى تلك الاخبار بأسانيد جمة في أبواب معجزاته .