[521]
المعنى لانه يكون حينئذ من قبيل إسناد الشئ إلى الحالة التي المفعول عليها كما
يسند إلى الزمان والمكان فيكون المفاد : الاستلاب وقت العزة والاقتحام ووقت
الغفلة وإنما نسب إليهما مبالغة لبيان أن علة الاستلاب والاقتحام لم يكن إلا
الغرة والغفلة فكأنهما وقعا عليهما .
ويمكن أن يكون المفعول محذوفا ويكون الغرة والغفلة منصوبتين بنزع
الخافض أي يقتحم عليه في حال غفلته ويستلب لبه في حال غرته .
والفلته الامر الذي يصدر فجأة من غير تدبر وروية ( ونزع الشيطان
بينهم ) أفسد وعدم ثبوت النسب بها لقول النبي صلى الله عليه السلام ( الولد
للفراش وللعاهر الحجر ) .
وفي النهاية الشرب بفتح الشين وسكون الراء : الجماعة يشربون الخمر
وقال في حديث علي عليه السلام : ( المتعلق بها كالنوط المذبذب ) أراد ما يناط
برحل الراكب من قعب أو غيره فهو أبدا يتحرك إذا حث ظهره أي دابته .
وقال في المستقصى : شالت نعامتهم أي تفرقوا وذهبوا لان النعامة
موصوفة بالخفة وسرعة الذهاب والهرب .
وقيل : النعامة : جماعة القوم .
وقال
الجوهري : النعامة : الخشبة المعترضة على الزرنوقين ويقال للقوم إذا ارتحلوا
عن منهلهم أو تفرقوا : قد شالت نعامتهم والنعامة ما تحت القدم .
714 - نهج : ومن كتاب له عليه السلام إلى سهل بن حنيف الانصاري
وهو عامله على المدينة في معنى قوم من أهلها لحقوا بمعاوية بن أبي سفيان : أما
.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 521 سطر 19 الى ص 529 سطر 18
بعد فقد بلغني أن رجالا ممن قبلك يستللون إلى معاوية فلا تأسف على ما
يفوتك من عددهم ويذهب عنك من مددهم فكفى لهم غيا ولك منهم شافيا
فرارهم من الهدى والحق وإيضاعهم إلى العمى والجهل وإنما هم أهل دنيا
مقبلون عليها ومهطعون إليها قد عرفوا العدل ورأوه وسمعوه ووعوه وعلموا أن
________________________________________________________
714 - رواه السيد الرضي رحمه الله في المختار : ( 70 ) من الباب الثاني من كتاب نهج
البلاغة .
[522]
الناس عندنا في الحق أسوة فهربوا إلى الاثرة فبعدا لهم وسحقا إنهم والله لم ينفروا
من جور ولم يلحقوا بعدل وأنا لنطمع في هذا الامر أن يذلل الله لنا صعبه
ويسهل لنا حزنه ، إنشاءالله والسلام عليك .
بيان : [ قوله : ] ( في معنى قوم ) أي في شأنهم وأمرهم ( يتسللون ) أي
يخرجون إلى معاوية هاربين في خفية واستتار قال الفيروزآبادي : انسل وتسلل
انطلق في استخفاء .
وقال الجوهري : انسل من بينهم : خرج وتسلل مثله .
وقال : وضع البعير وغيره أي أسرع في سيره وأوضعه راكبه وفي النهاية :
الاهطاع : الاسراع في العدو وأهطع إذا مدعنقه وصوب رأسه ( في الحق أسوة ) أي
لانفضل بعضهم على بعض في العطاء كما يفعل معاوية .
وفي النهاية : فيه أنه
قال للانصار : إنكم ستلقون بعدي أثره فاصبروا .
الاثرة بفتح الهمزة والثاء
الاسم من آثر يؤثر إيثارا إذا أعطى أراد أنه يستأثر عليكم فيفضل غيركم في
نصيبه من الفئ .
والاستيثار : الانفراد بالشئ .
والسحق : بالضم : البعد .
والحزن من الارض ضد السهل .
715 - نهج : ومن كتاب له عليه السلام إلى كميل بن رياد النخعي
- وهو عامله على هيت - ينكر عليه تركه دفع من يجتاز به من جيش العدو
طالبا للغارة : أما بعد فإن تضييع المرء ماولي وتكلفه ماكفي لعجز حاضر ورأي
مثبر وإن تعاطيك الغارة على أهل قرقيسيا وتعطيلك مسالحك التي وليناك ليس
لها من يمنعها ولا يرد الجيش عنها لرأي شعاع فقد صرت جسرا لمن أراد الغارة
من أعدائك على وليائك غير شديد المنكب ولا مهيب الجانب ولا ساد ثغرة ولا
كاسر لعدو شوكة ولا مغن عن أهل مصره ولا مجز عن أميره .
بيان : قال ابن أبي الحديد : كان كميل من صحابة علي عليه السلام
وشيعته وخاصته وقتله الحجاج على المذهب فيمن قتل من الشيعة وكان عامل
________________________________________________________
715 - رواه الشريف الرضي رفع الله مقامه في المختار : ( 61 ) من باب كتب أميرالمؤمنين
عليه السلام من نهج البلاغة .
[523]
علي عليه السلام على هيت وكان ضعيفا يمر عليه سرايا معاوية بنهب أطراف
العراق فلا يردها ويحاول أن يجبر ما عنده من الضعف بأن يغير على أطراف
أعمال معاوية مثل قرقيسيا وما يجري مجراها من القرى التي على الفرات فأنكر
عليه السلام ذلك من فعله .
[ قوله عليه السلام : ] ( ماولي ) على صيغة المعلوم المجرد من وليت الامر
كرضيت ولاية إذا توليته واستبددت به وفي بعض النسخ على صيغة المجهول
من التفعيل من قولهم : وليته البلد إذا جعلته واليا عليه .
والتكلف : التجشم .
والتكلف : العريض لما لا يعنيه ( وكفاه مؤنته ) أي قام بأمره .
[ قوله عليه السلام : ] ( متبر ) قال في النهاية أي مهلك يقال : تبره تتبيرا
أي كسره وأهلكه والتبار : الهلاك .
وقال : التعاطي التناول والجرأة على الشئ
من عطا الشئ يعطوه إذا أخذه وتناوله .
( وقرقيسيا ) في النسخ بالفتح
مقصورا وفي القاموس : قرقيسياء بالكسر ويقصر : بلد على الفرات .
ويقال :
شعاع أي متفرق .
وشدة المنكب كناية عن القوة والحمية .
وهيبة الجانب
[ كناية ] عن شدة البطش .
والثغرة : الثلمة .
( ولا مجز عن أميره ) أي كاف ومغن
والاصل مجزئ بالهمزة فخفف .
716 - نهج : [ و ] من حلف كتبه عليه السلام بين اليمن وربيعة نقل
من خط هشام بن الكلبي :
هذا ما اجتمع عليه أهل اليمن حاضرها وباديها وربيعة حاضرها وباديها
أنهم على كتاب الله يدعون اليه ويأمرون به ويجيبون من دعا إليه وأمر به لا
يشترون به ثمنا [ قليلا ( خ ) ] ولا يرضون به بدلا وأنهم يد واحدة على من
خالف ذلك وتركه أنصار بعضهم لبعض دعوتهم واحدة لاينقضون عهدهم
لمعتبة عاتب ولا لغضب غاضب ولا لاستذلال قوم قوما ولا لمسبة قوم قوما على
________________________________________________________
716 - رواه السيد الرضي رحمه الله في المختار : ( 74 ) من الباب الثاني من كتاب نهج
البلاغة .
[524]
ذلك شاهدهم وغائبهم وحليمهم وجاهلهم ثم إن عليهم بذلك عهدالله
وميثاقه ان عهدالله كان مسئولا .
وكتب علي بن أبي طالب عليه السلام .
بيان : قال ابن أبي الحديد : الحلف : العهد .
وقال : اليمن كل من ولده
قحطان نحو حمير وعك وجذام وكندة والازد وغيرهم وربيعة هو ربيعة بن
نزار بن معد بن عدنان وهم بكر وتغلب وعبدالقيس .
والحاضر : ساكن الحضر
والبادي : ساكن البادية ( أنهم على كتاب الله ) أي مجتمعون عليه ( لا يشترون
ثمنا ) أي لايتعوضون عنه بثمن ( وأنهم يد واحدة ) أي لاتخالف بينهم وفعلهم
فعل واحد .
وقال الجوهري : عتب عليه أي وجد عليه يعتب وتعتب عتبا
ومعتبا والاسم المعتبة والمعتبة .
( ولا لمسبة قوم ) أي لان إنسانا منهم سب
وهجا بعضهم والمسبة والسب : الشتم .
والحليم : العاقل بقرينة الجاهل أو ذو
الاناة فإن ترك الاناة من الجهل ( إن عهدالله كان مسئولا ) أي مطلوبا يطلب
من العاهد أن لايضيعه ويفي به أو مسئولا عنه يسئل الناكث ويعاتب عليه
وقيل : أي إن صاحب العهد كان مسئولا .
وقال ابن ميثم في رواية : وكتب علي بن أبوطالب وهي المشهورة عنه
ووجهها أنه جعل هذه الكنية علما بمنزلة لفظة واحدة لا يتغير إعرابها
717 - نهج : ومن وصية له صلوات الله عليه كان يكتبها لمن يستعمله
على الصدقات وإنما ذكرنا منها جملا ليعلم أنه عليه السلام كان يقيم عماد الحق
ويشرع أمثلة العدل في صغير الامور وكبيرها ودقيقها وجليلها .
انطلق على تقوى الله وحده لاشريك له ولا ترو عن مسلما ولاتجتازن
عليه كارها ولا تأخذن منه أكثر من حق الله في ماله فإذا قدمت على الحي
فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم ثم امض إليهم بالسكينة والوقار حتى
________________________________________________________
717 - رواه الشريف الرضي رضي الله تعالى عنه في المختار : ( 25 ) من الباب الثاني من
كتاب نهج البلاغة .
[525]
تقول بينهم فتسلم عليهم ولاتخدج بالتحية لهم ثم تقول : عبادالله أرسلني
إليكم ولي الله وخليفته لآخذ منكم حق الله في أموالكم فهل لله في أموالكم
من حق فتؤدوه إلى وليه فإن قال قائل : لا فلا تراجعه وإن أنعم لك منعم
فانطلق معه من غير أن تخيفه أو توعده أو تعسفه أو ترهقه فخذ ما أعطاك من
ذهب أو فضة وإن كانت له ماشية أو إبل فلا تدخلها إلا بإذنه فإن أكثرها له
فإذا أتيتها فلا تدخلها دخول متسلط عليه ولا عنيف به ، ولا تنفرن بهيمة ولا
تفزعنها ولا تسؤن صاحبها فيها واصدع المال صدعين ثم خيره فإذا اختار فلا
تعرضن لما اختار ثم اصدع الباقي صدعين ثم خيره فإذا اختار فلا تعرضن لما
اختار فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله في ماله فاقبض حق الله
منه .
فإن استقالك فأقله ثم اخلطهما ثم اصنع مثل الذي صنعت أولا حتى
تأخذ حق الله في ماله .
ولا تأخذن عودا ولا هرمة ولا مكسورة ولا مهلوسة ولا ذات عوار ولا
تأمنن عليها إلا من نثق بدينه رافقا بمال المسلمين حتى يوصله إلى وليهم
فيقسمه بينهم ولا توكل بها إلا ناصحا شفيقا وأمينا حفيظا غير معنف ولا
مجحف ولا ملغب ولامتعب .
ثم احدر إلينا ما اجتمع عندك نصيره حيث أمرالله به .
فإذا أخذها أمينك فأوعز إليه أن لايحول بين ناقة وبين فصيلها ولايمصر
لبنها فيضر ذلك بولدها ولا يجهدنها ركوبا وليعدل بين صواحباتها في ذلك
وبينها وليرفه على اللاغب وليستأن بالنقب والظالع وليوردها ما تمر به من
الغدر ولا يعدل بها عن نبت الارض إلى جواد الطرق وليروحها في الساعات
وليمهلها عند النطاف والاعشاب حتى يأتينا بها باذن الله بدنا منقيات غير
متعبات ولا مجهودات لنقسمها على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله فإن
ذلك أعظم لاجرك وأقرب لرشدك إنشاءالله تعالى .
[526]
[ قوله عليه السلام : ] ( على تقوى الله ) حال أي مواظبا على التقوى
ومعتمدا عليها ( ولا تروعن ) بالتخفيف وفي بعض النسخ بالتشديد والروع :
الخوف أو شدته يقال : رعت فلانا كقلت وروعته فارتاع .
قوله : ( ولا تجتازن ) أي لاتمرن ببيوت المسلمين وهم يكرهون مرورك
عليها .
وروي بالخاء المعجمة والراء المهلمة : أي لاتقسم ماله وتحتار أحد
القسمين بدون رضاه .
والضمير في ( عليه ) راجع إلى ( مسلما ) والحي القبيلة
ومن عادة العرب أن تكون مياههم بارزة عن بيوتهم .
قوله عليه السلام ( ولا تخدج بالتحية ) الباء زائدة وفي بعض النسخ
بدونها أي لاتنقصها من قولهم : خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوانه
( وأنعم لك ) أي قال نعم قوله : ( أو تعسفه ) أي لاتطلب منه الصدقة عسفا
أي جبرا وطلما وأصله الاخذ على غير الطريق وقال الجوهري : يقال : لا
ترهفني لا آرهفك الله أي لاتعسرني ولا أعسرك الله .
[ قوله عليه السلام : ] ( من ذهب أو فضة ) أي إذا وجبت عليه زكاة أحد
النفدين أو حد من زكاة الغلات نقدا إذا أعطاك القيمة .
والمراد بالماشية هنا :
العنم والبقر وسؤت الرجل أي ساءه ما رأى مني .
والصدع : الشق .
والعود :
بالفتح : المسن من الابل والهرمة أيضا المسنة لكنها أكبر من العود .
والمكسورة التي
انكسرت إحدى فوائمها أو ظهرها .
والمهلوسة : المريضة التي قد هلسها المرض
وأفنى لحمها والهلاس : السل .
والعوار بفتح العين وقد يضم : العيب .
قوله عليه السلام ( ولا مجحف ) أي الذي يسوق المال سوقا عنيفا
فيجحف به أي يهلكه أو يذهب بكثير من لحمه ويحتمل أن يكون المراد من
يحون فيه ويستلبه .
واللغوب : التعب والاعياء ولغبت على القوم ألغب بالفتح
فيهما : أفسدت عليهم .
واحدره : أرسله .
وأوعزت إليه في كذا وكذا أي تقدمت
والفصيل : ولد الناقة إذا فصل عن أمه .
والمصر : حلب ما في الضرع جمعه
[527]
والفعل كنصر .
والجهد : المشقة يقال جهد دابته وأجهدها إذا حمل عليها في
السير فوق طاقتها .
قوله عليه السلام ( وليعدل ) أي لايخص بالركوب واحدة
بعينها ليكون ذلك أروح لهن وقال الجوهري : إستأنى به أي انتظر به .
وقال :
نقب البعير بالكسر إذا رقت أخفاقه .
وقال الجزري : في حديث علي عليه
السلام : ( وليستأن بذات النقب والظالع ) أي بذات الجرب والعرجاء .
والظلع بالسكون : العرج .
والغدر جمع غدير الماء ( وليروحها ) أي يتركها
حتى تستريح في الاوقات المناسبة لذلك .
أو من الرواح ضد الغدو أي يسيرها
في ساعات الرواح ويتركها في حر الشمس حتى تستريح .
والنطاف : جمع
النطفة وهي الماء الصافي القليل .
والبدن بالتشديد : السمان واحدها بادن
والنقي : مخ العظم وشحم العين من السمن وأنقت الابل أي سمنت وصار
فيه نقي وكذلك غيرها ذكرها الجوهري .
أقول : أخرجته من الكافي في كتاب أحواله عليه السلام بتعيير ما ( 1 )
________________________________________________________
718 - [ و ] [ أيضا إبراهيم بن محمد الثقفي ] في كتاب الغارات عن
________________________________________________________
( 1 ) رواه ثقة الاسلام الكليني قدس الله روحه في الحديث الاول من الباب : ( 22 ) من
كتاب الزكاة من الكافي : ج 3 ص 536 ط الحديث .
ورواه عنه المصنف رحمه الله في الحديث : ( 26 ) من الباب : ( 107 ) من بحار
الانوار : ج 41 126 .
وقد رويناه عن الكافي ومصادر أخر في المختار : ( 25 ) من باب الوصايا من كتاب
نهج السعادة : ج 8 ص 110 ، ط 1 .
718 - رواه الثقفي رحمه الله في الحديث : ( 76 ) من كتاب الغارات .
ورواه عنه المصنف ولكن بنحو الاشارة في الحديث : ( 24 ) من الباب ( 9 ) من
كتاب الزكاة من بحار الانوار : ج 20 ص 24 .
ورواه أيضا الشيخ النوري وساق الكلام سندا ومتنا نقلا عن كتاب الغارات في
الحديث الاول من الباب : ( 12 ) من كتاب الزكاة من مستدرك الوسائل : ج 1 ،
ص 516 .
[528]
يحيى بن صالح عن الوليد بن عمرو عن عبدالرحمان بن سليمان عن جعفر بن
محمد قال : بعث علي عليه السلام مصدقا من الكوفة إلى باديتها فقال :
عليك يا عبدالله بتقوى الله ولا تؤثرن دنياك على آخرتك وكن حافظا لما
ائتمنتك عليه راعيا لحق الله حتى تأتي نادي بني فلان فإذا قدمت عليهم فانزل
بفنائهم من غير أن تخالط أبياتهم .
ثم ساق الحديث نحوا مما مر إلى قوله عليه السلام ( وأقرب لرشدك فينظر
الله إليها وإليك وإلى جهدك ونصيحتك لمن بعثك وبعثت في حاجته فإن
رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ما نظر الله إلى ولي يجهد نفسه لامامه
بالطاعة والنصيحة إلا كان معنا في الرفيق الاعلى .
719 - نهج : ومن عهد له عليه السلام إلى بعض عماله وقد بعثه على
الصدقة في مثله :
أمره بتقوى الله في سرائر أموره وخفيات أعماله حيث لاشهيد غيره ولا
وكيل دونه .
وأمره أن لايعمل بشئ من طاعة الله فيما ظهر فيخالف إلى غيره فيما أسر
ومن لم يختلف سره وعلانيته وفعله ومقالته فقد أدى الامانة وأخلص العبادة
وأمره أن لايجبههم ولايعضههم ولايرغب عنهم تفضلا بالامارة عليهم فإنهم
الاخوان في الدين والاعوان على استخراج الحقوق .
وإن لك في هذه الصدقة نصيبا مفروضا وحقا معلوما وشركاء أهل مسكنة
وضعفاء ذوي فاقة وإنا موفوك حقك فوفهم حقوقهم وإلا فإنك من أكثر
الناس خصوما يوم القيامة وبؤسا لمن خصمه عندالله الفقراء والمساكين
والسائلون والمدفوعون والغارم وابن السبيل .
________________________________________________________
719 - رواه السيد الرضي رفع الله مقامه في المختار : ( 26 ) من الباب الثاني من كتاب نهج
البلاغة .
[529]
ومن استهان بالامانة ورتع في الخيانة ولم ينزه نفسه ودينه عنها فقد أحل
بنفسه الذل والخزي في الدنيا وهو في الآخرة أذل وأخزى وإن أعظم الخيانة
خيانة الامة وأفظع الغش غش الائمة والسلام .
بيان : قوله عليه السلام ( حيث لاشهيد ) كأنه إشارة إلى موضع إسرار
العمل وإخفاء الامور .
وقيل يعني يوم القيامة .
والشهيد : الشاهد والحاضر
والوكيل : من يفوض إليه الامور أو الشاهد والحفيظ كما فسر به قوله تعالى :
* ( والله على ما نقول وكيل ) * .
[ قوله عليه السلام : ] ( فقد أدى الامانة ) أي أمانة الله التي أخذها على
العباد في عبادته .
[ قوله عليه السلام : ] ( أن لايجبههم ) قال في النهاية أي لايواجههم بما
يكرهونه وأصل الجبه لقاء الجبهة أو ضربها فلما كان المواجه غيره بالكلام
القبيح كالضارب جبهته به سمي ذلك جبها .
وقال الجوهري : عضهه عضها :
رماه بالبهتان وقد اعضهت أي جئت بالبهتان .
[ قوله عليه السلام : ] ( ولا يرغب عنهم ) أي عن مخالطتهم ومعاشرتهم
تحقيرا لهم .
وقوله : ( أهل مسكنة ) منصوب بكونه صفة ( لشركاء ) وقيل بدل
( وبؤسا ) قال ابن أبي الحديد هو بؤسي على وزن فعلى والبؤس : الخضوع
وشدة الحاجة .
.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 529 سطر 19 الى ص 537 سطر 18
و [ المذكور في ] النسخ [ بؤسا ] بالتنوين .
وكذا صححه الراوندي فيكون انتصابه على
المصدر كما يقال سحقا لك وبعدا لك ويقال : خصمه أي غلبه في الخصومة :
والسائلون ) قيل المراد بهم هنا الرقاب وهم المكاتبون يتعذر عليهم مال
الكتابة فيسألون .
وقيل : هم الاسارى .
وقيل العبيد تحت الشدة .
والمدفوعون هم
الذين عناهم الله بقوله : * ( في سبيل الله ) * [ 60 / التوبة : 9 ] وهم فقراء الغزاة
والمدفوع الفقير لان كل أحد يكرهه ويدفعه عن نفسه .
[530]
وقيل هم الحجيج المنقطع بهم لانهم دفعوا عن إتمام حجهم أو دفعوا عن
العود إلى أهلهم .
وفي بعض النسخ ( المدقعون ) بالقاف قال في القاموس : المدقع كمحسن
الملصق بالدقعاء وهو التراب .
وأما سهم العاملين فقد ذكره عليه السلام بقوله : ( وإنا موفوك حقك )
مع أن العامل لايخاصم نفسه وأقول هذه التكلفات ( 1 ) إنما نحتاج إليها إذا حملنا
الكلام على استيفاء الاقسام ولاضرورة فيه فيمكن أن يكون المراد بالسائلين
والمدفوعين أو المدقعين الموصوفين بتلك الصفات من أصناف المستحقين
للصدقات .
ورتع كمنع أي أكل وشرب ما شاء في خصب وسعة .
قوله عليه السلام : ( فقد أحل بنفسه ) قال ابن أبي الحديد : أي جعل
نفسه محلا للذل والخزي .
ويروى ( فقد أخل بنفسه ) بالخاء المعجمة ولم يذكر
الذل والخزي ومعناه جعل نفسه فقيرا يقال : خل الرجل إذا افتقر وأخل به
وبغيره أي جعله فقيرا ويروى ( أحل بنفسه ) بالحاء المهملة ولم يذكر الذل
والخزي أي أباح دمه والرواية الاولى أصح لقوله عليه السلام بعدها ( وهو في
الآخرة أذل وأخزى ) قوله عليه السلام خيانة الامة مصدر مضاف إلى المفعول
[ به ] لان الساعي إذا خان فقد خان الامة كلها وكذا إذا غش في الصدقة فقد
غش الامام .
( 2 ) .
وجوز بعضهم أن يكون مضافا إلى الفاعل فالمراد حينئذ أن إغماض
الائمة وترك النهي عن مثل تلك الخيانة أفظع الغش فلا يطمع العاملون في .
الاغماض فيها .
________________________________________________________
( 1 ) أي تكلف حمل كلام أميرالمؤمنين هذا على استيفائه لذكر جميع أصناف المستحقين للصدقات كما
ذكره ابن أبي الحديد في شرح كلام الامام عليه السلام .
( 2 ) إلى هنا يتم كلام ابن أبي الحديد بتلخيص بسيط جدا .