[301]
الحليفة ، فما رآه أبوبكر قال : أمير أو مأمور ؟ فقال علي عليه السلام : بعثني النبي صلى الله عليه وآله
لتدفع إلي براءة ، قال : فدفعها إليه ، وانصرف أبوبكر إلى رسول الله فقال : يا رسول الله :
مالي نزعت مني براءة ؟ أنزل في شئ ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله : إن جبرئيل نزل علي
فأخبرني أن الله يأمرني أنه لن يؤدي عني غيري أو رجل مني ، فأنا وعلي من شجرة
واحدة والناس من شجر شتى ، أما ترضى يا أبابكر أنك صاحبي في الغار ؟ قال : بلى با
رسول الله ، فلما كان ( 1 ) يوم الحج الاكبر وفرغ الناس من رمي الجمرة الكبرى قام
أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عند الجمرة فنادى في الناس ، فاجتمعوا إليه ، فقرأ
عليهم الصحيفة بهؤلاء الآيات ( براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين )
إلى قوله : ( فخلوا سبيلهم ) ثم نادى : ألا لايطوف ( 2 ) بالبيت عريان ، ولا يحجن مشرك
بعد عامه هذا ، وإن لكل ذي عهد عهده إلى مدته ، وإن الله لا يدخل الجنة إلا من كان
مسلما ، وإن أجلكم أربعة أشهر إلى أن تبلغوا بلدانكم ، فهو قوله تعالى : ( فسيحوا في
الارض أربعة أشهر ) وأذن الناس كلهم بالقتال إن لم يومنوا ، فهو قوله : ( وأذان من الله
ورسوله إلى الناس ) قال إلى أهل العهد : خزاعة وبني مدلج ( 3 ) ومن كان له عهد غيرهم
( يوم الحج الاكبر ) قال : فالاذان أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : النداء الذي
نادى به ، قال : فلما قال : ( فسيحوا في الارض أربعة أشهر ) قالوا : وعلى ما تسيرنا أربعة
أشهر فقد برئنا منك ومن ابن عمك ؟ إن شئت الآن الطعن والضرب ، ثم استثنى الله منهم
فقال : ( إلا الذين عاهدتم من المشركين ) فقال : العهد من كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله ولث
من عقود على الموادعة ( 4 ) من خزاعة وغيرهم ، وأما قوله : ( فسيحوا في الارض أربعة أشهر )
لكي يتفر قوا ( 5 ) عن مكة وتجارتها فيبلغوا إلى أهلهم ، ثم إن لقوهم بعد ذلك قتلوهم ،
والاربعة الاشهر التي حرم الله فيها دماءهم عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وربيع
_________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : قال : فلما كان اه .
( 2 ) في المصدر : لا يطوفن .
( 3 ) في المصدر : قال : اهل خزاعة وبنو مدلج اه .
( 4 ) الموادعة : المصالحة والمسالمة .
( 5 ) في المصدر : قال : هذا لمن كان له عهد ولمن خرج عهده في اربعة اشهر لكى يتفرقوا اه .
[302]
الاول وعشر من ربيع الآخر ، فهذه أربعة أشهر المسيحات من يوم قراءة الصحيفة التي
قرأها أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام (
ثم قال : ( واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين ) يا نبي الله ،
قال : فيظهر نبيه عليه وآله الصلاة والسلام ، قال : ثم استثنى فنسخ منها فقال : ( إلا
الذين عاهدتم من المشركين ) هؤلاء : بنوضمرة وبنو مدلج حيان ( 1 ) من بني كنانة ، كانوا
حلفاء النبي في غزوة بني العشيرة من بطن ينبع ( ثم لم ينقصوكم شيئا ) يقول : لم ينقضوا
عهدهم بغدر ( ولم يظاهروا عليكم أحدا ) قال : لم يظاهروا عدوكم عليكم ( فأتموا
إليهم عهدهم إلى مدتهم ) يقول : أجلهم الذي شرطتم لهم ( إن الله يحب المتقين ) قال :
الذين يتقون الله فيما حرم عليهم ، ويوفون بالعهد ، قال : فلم يعاهد النبي صلى الله عليه وآله بعد
هؤلاء الآيات أحدا ، قال : ثم نسخ ذلك فأنزل ( فإذا انسلخ الاشهر الحرم ) قال : هذا
الذي ذكرنا منذ يوم قرأ علي بن أبي طالب عليه السلام عليهم الصحيفة ، يقول : فإذا مضت
الاربعة الاشهر قاتلوا الذين انقضى عهدهم في الحل والحرم ( حيث وجدتموهم ) إلى آخر
الآية ، قال : ثم استثنى فنسخ منهم فقال : ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى بسمع
كلام الله ) قال : من بعث إليك من أهل الشرك يسألك لتؤمنه حتى يلقاك فيسمع
ما تقول ، ويسمع ما انزل إليك فهو آمن ( فأجره حتى يسمع كلام الله ) وهو كلامك
بالقرآن ( ثم أبلغه مأمنه ) يقول : حتى يبلغ مأمنه من بلاده ، ثم قال : ( كيف يكون
للمشركين عهد عندالله وعند رسوله ) إلى آخر الآية ، فقال : هما بطنان بنو ضمرة وبنو
مدلج ( 2 ) ، فأنزل الله هذا فيهم حين غدروا ، ثم قال تعالى : ( كيف وإن يظهروا عليكم
لا يرقبوا فيكم إلا ولاذمة ) إلى ثلاث آيات ، قال : هم قريش نكثوا عهد النبي صلى الله عليه وآله
يوم الحديبية ، وكانوا رؤوس العرب في كفرهم ، ثم قال : ( فقاتلوا أئمة الكفر ) إلى
( ينتهون ) ( 3 ) .
_________________________________________________________
( 1 ) الحى : البطن .
( 2 ) في المصدر : هما بطنا بنى خزاعة وبنى مدلج .
( 3 ) تفسير فرات : 58 - 60 .
[303]
بيان : الولث : العهد الغير الاكيد ، [ وفي القاموس : الحمس الامكنة الطلبة
جمع أحمس ، وبه لقب قريش وكنانة وجديلة ومن تابعهم في الجاهلية ، لتحمسهم في دينهم
أولا لتجائهم بالحمساء وهي الكعبة ، لان حجرها أبيض إلى السواد ( 1 ) ] والال بالكسر :
العهد .
وتفسير الآيات مذكور في مظانه لا نطيل الكلام بذكره لخروجه عن مقصودنا .
26 - قب : ولاه رسول الله في أداء سورة براءة ، وعزل به أبابكر بإجماع المفسرين
ونقلة الاخبار ، ورواه الطبري والبلاذي والترمذي والواقدي والشعبي والسدي و
الثعلبي والواحدي والقرظي والقشيري والسمعانى وأحمد بن حنبل وبن بطة ومحمد بن
إسحاق وأبويعلى الموصلي والاعمش وسماك بن حرب في كتبهم عن عروة بن الزبير وأبي
هريرة وأنس وأبي رافع وزيد بن نقيع وابن عمر وابن عباس - واللفظ له - إنه لما نزل
( براءة من الله ورسوله ) إلى تسع آيات أنفذ النبي صلى الله عليه وآله أبابكر إلى مكة لادائها ،
فنزل جبرئل عليه السلام فقال : إنه لا يؤديها إلا أنت أورجل منك ، فقال النبي صلى الله عليه وآله
لامير المؤمنين : اركب ناقتي العضباء والحق أبابكر وخذ براءة من يده ، قال : ولما رجع
أبوبكر إلى النبي صلى الله عليه وآله جزع وقال : يا رسول الله إنك أهلتني ( 2 ) لامر طالت الاعناق
فيه ، فلما توجهت له رددتني عنه ؟ ! فقال : الامين هبط إلي عن الله عزوجل أنه لا يودي
عنك إلا أنت أورجل منك ، وعلي مني ، ولا يؤدي عني إلا علي .
وفي خبر : أن عليا قال له : إنك خطيب وأنا حديث السن ، فقال : لابد من أن
تذهب بها أو أذهب بها ، قال : أما إذا كان كذلك فأنا أذهب يا رسول الله ، قال : اذهب
فسوف يثبت الله لسانك ويهدي قلبك .
أو بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : خطب علي الناس فاخترط سيفه وقال : لا
يطوفن بالبيت عريان ، ولا يحجن البيت مشرك ، ومن كان له مدة فهو إلى مدته ، ومن
لم يكن له مدة فمدته أربعة أشهر - زيادة في مسند الموصلي - : ولا يدخل الجنة إلا
نفس مؤمنة ، وهذا هو الذي أمر الله تعالى به إبراهيم حين قال : ( وطهر بيتي للطائفين و
_________________________________________________________
( 1 ) ما بين العلامتين يوجد في هامش ( ك ) فقط .
( 2 ) أهله للامر : صيره أو رآه أهلاله - أى صالحاله - .
[304]
القائمين والركع السجود ) فكان الله تعالى أمر إبراهيم الخليل بالنداء أولا قوله :
( وأذن في الناس بالحج ( 1 ) ) وأمر الولي بالنداء آخرا قوله : ( وأذان من الله ورسوله )
قال السدي وأبومالك وابن عباس وزين العابدين عليه السلام : الاذان علي بن أبي طالب
الذي نادى به .
تفسير القشيري : أن رجلا قال لعلي بن أبي طالب : فمن أراد منا أن يلقى رسول الله في
بعض الامر ( 2 ) بعد انقضاء الاربعة فليس له عهد ؟ قال علي عليه السلام : بلى لان الله تعالى
قال : ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره ) إلى آخر الآيات .
وفي الحديث عن الباقرين عليهما السلام قالا : قام خداش وسعيد أخوا عمرو بن عبدود فقالا :
وعلى ما تسيرنا أربعة أشهر ؟ بل برئنا منك ومن ابن عمك ، وليس بيننا وبين ابن عمك
إلا السيف والرمح ، وإن شئت بدأنا بك ، فقال علي عليه السلام : هلم ( 3 ) ، ثم قال : ( واعلموا
أنكم غير معجزي الله ) إلى قوله : ( إلى مدتهم ) .
تفسير الثعلبي : قال المشركون : نحن نبرءمن عهدك وعهد ابن عمك إلا من الطعن
والضرب ، وطفقوا ( 4 ) يقولون : اللهم إنا منعنا أن نبرك .
وفي رواية عن النسابة ابن الصوفي أن النبي صلى الله عليه وآله قال في خبر طويل : إن أخي موسى
ناجى ربه على جبل طور سيناء فقال في آخر الكلام : امض إلى فرعون وقومه القبط وأنا معك ،
لاتخف ، فكان جوابه ما ذكره الله تعالى ( إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون ( 5 ) ) و
هذا علي قد أنفذته ليسترجع براءة ويقرأها على أهل مكة وقد قتل منهم خلقا عظيما ،
فما خاف ولا توقف ولم تأخذه في الله لومة لائم ( 6 ) .
_________________________________________________________
( 1 ) الحج : 27 .
( 2 ) في المصدر : في بعض الامور .
( 3 ) في المصدر : هلموا .
( 4 ) طفق يفعل كذا : ابتد أو أخذ .
( 5 ) القصص : 33 .
( 6 ) ويناسب المقام قوله صلى الله عليه وآله : ( علماء امتى افضل من انبياء بنى اسرائيل ) وقد
عبر عن الائمة عليهم السلام بالعلماء كثيرا في الروايات .
[305]
وفي رواية : فكان أهل الموسم يتلهفون عليه ( 1 ) ، وما فيهم إلا من قتل أباه أو أخاه
أو حميمه ( 2 ) ، فصدهم الله عنه وعاد إلى المدينة وحده سالما ( 3 ) ، وكان عليه السلام أنفذه أول
يوم من ذي الحجة سنة تسع من الهجرة ، وأداها إلى الناس يوم عرفة ويوم النحر .
وأما
قول الجاحظ إنه كان عادة العرب في عقد الحلف وحل العقد أنه كان لا يتولى ذلك إلا
السيد منهم أو رجل من رهطه فإنه أراد أن يذمه فمدحه ( 4 ) .
27 - يف : روى أحمد بن حنبل في مسنده من طرق جماعة ، فمنها عن أنس بن مالك
أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث ببراءة مع أبي بكر إلى أهل مكة ، فلما بلغ إلى ذي الحليفة بعث
إليه فرده فقال : لا يذهب بها ( 5 ) إلا رجل من أهل بيتي ، فبعث عليا .
ومن مسند أحمد بن حنبل ، عن سماك ، عن حبيش يرفعه قال : لما نزلت عشر آيات
من سورة براءة على النبي صلى الله عليه وآله دعا النبي صلى الله عليه وآله أبابكر فبعثه بها ليقرأها على أهل
مكة ، ثم دعا النبي صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام فقال له : أدرك أبابكر ، فحيث ما لحقته
فخذ الكتاب منه ، فاذهب به إلى أهل مكة واقرءه عليهم ، قال : فلحقه بالجحفة فأخذ
الكتاب منه ، فرجع أبوبكر إلي النبي صلى الله عليه وآله وقال : يا رسول الله أنزل في
شئ ؟ قال : لا ولكن جبرئيل عليه السلام جاءني فقال : لم يكن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل
منك ( 6 ) .
أقول : روى ابن بطريق في المستدرك عن الحافظ أبي نعيم ، بإسناده عن محمد بن
جابر ، عن حبش ، عن علي عليه السلام مثله .
_________________________________________________________
( 1 ) لهف على مافات : حزن وتحسر .
اى يحزنون ويتحسرون بما قد أصابهم من على عليه السلام
-بحار الانوار جلد: 31 من صفحه 305 سطر 19 إلى صفحه 313 سطر 18
في الغزوات .
( 2 ) الحميم : الصديق .
( 3 ) في المصدر : وعاد إلى المدينة سالما .
( 4 ) مناقب آل أبي طالب : 1 : 326 - 328 .
أقول مضافا إلى ما سيأتى من أن هذا لم يكن
معهودا من العرب .
( 5 ) في المصدر : لا يؤدى عنى اه .
( 6 ) الطرائف : .
12 وفيه : لن يؤدى عنك .
[306]
وبالاسناد عن أنس قال : أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله أبابكر ببراءة يقرءها على أهل
مكة ، فنزل جبرئيل على محمد فقال : يا محمد لا يبلغ عن الله تعالى إلا أنت أو رجل منك ،
فلحقه علي عليه السلام فأخذها منه .
أقول : وروى ابن بطريق في الكتاب المذكور ما يؤدي هذا المعنى من أربعة طريق
من كتاب فضائل الصحابة للسمعاني وكتاب المغازي لمحمد بن إسحاق ، ومن خمسة
طرق من كتاب أحمد بن حنبل ، ومن طريق من صحيح البخاري وطريقين من تفسير الثعلبي
وطريقين من الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدري ، وطريق من سنن أبي داود ، و
طريق من صحيح الترمذي .
28 - يف : وروى البخاري في صحيحه في نصف الجزء الخامس في باب ( وأذان من
الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الاكبر أن الله برئ من المشركين ورسوله ) حديث
سورة براءة .
وزاد فيه : فأذن علي في أهل منى يوم النحر ألا لا يحج بعد العام مشرك ،
ولا يطوف بالبيت عريان ، ورواه أيضا في الجمع بين الصحاح الستة في الجزء الثاني في
تفسير سورة براءة من صحيح أبي داود وصحيح الترمذي في حديث يرفعونه إلى عبدالله بن
عباس قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وآله أبابكر وأمره أن ينادي في الموسم ببراءة ، ثم أردفه
عليا فبينا أبوبكر في بعض الطريق إذ سمع رغاء ( 1 ) ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله العضباء ، فقام
أبوبكر فزعا فظن أنه حدث أمر ، فدفع إليه علي كتابا من رسول الله صلى الله عليه وآله أن عليا ( 2 )
ينادي بهؤلاء الكلمات ، فإنه لا ينبغي أن يبلغ عني إلا رجل من أهل بيتي ، فانطلقا ،
فقام علي أيام التشريق ينادي : ذمة الله ورسوله بريئة من كل مشرك ، فسيحوا في الارض
أربعة أشهر ، ولا يحجن بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت بعد العام عريان ، ولا
يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة .
ورواه الثعلبي في تفسيره في تفسير سورة براءة ، وشرح الثعلبي كيف نقض المشركون
العهد الذي عاهدهم النبي صلى الله عليه وآله في الحديبية ، ثم قال الثعلبي في أواخر حديثه ما هذا
_________________________________________________________
( 1 ) رغا البعير رغاء : صوت وضج .
( 2 ) في المصدر : فيه أن عليا اه .
[307]
لفظه : فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله أبابكر في تلك السنة على الموسم ليقيم للناس الحج ، بعث
معه أربعين آية من صدر براءة ليقرأها على أهل الموسم ، فلما سار دعا رسول الله صلى الله عليه وآله
عليا عليه السلام فقال : اخرج بهذه القصة واقرء عليهم من صدر براءة ، وأذن بذلك في الناس
إذا اجتمعوا ، فخرج علي عليه السلام على ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله العضباء حتى أدرك أبابكر بذي
الحليفة ، فأخذها منه ، فرجع أبوبكر إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله بأبي أنت وامي
أنزل في شأني شئ ؟ فقال لا ولكن لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني ، ثم ذكر الثعلبي
صورة نداء علي عليه السلام وإبلاغه لما أمره الله به ورسوله ( 1 ) .
أقول : روى ابن بطريق ما رواه السيد وغيره من صحاحهم وتفاسيرهم في العمدة
بأسانيده لا نطيل الكلام بإيرادها ( 2 ) .
روى السيوطي في الدر المنثور قال : أخرج عبدالله بن أحمد بن حنبل في زوائد
المسند وأبوالشيح وابن مردويه عن علي عليه السلام قال : لما نزلت عشر آيات من براءة على
النبي صلى الله عليه وآله - وساق الحديث نحو مامر من رواية سماك ثم قال - : وأخرج ابن أبي شيبة
وأحمد والترمذي وأبوالشيخ وابن مردويه عن أنس قال : بعث النبي صلى الله عليه وآله ببراءة مع أبي
بكر ، ثم دعا فقال : لا ينبغي لاحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي ، فدعا عليا فأعطاه
إياه .
وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث أبابكر ببراءة
إلى أهل مكة ، ثم بعث عليا عليه السلام على أثره فأخذها منه ، فقال أبوبكر : وجد في نفسه ( 3 )
فقال النبي صلى الله عليه وآله : يا أبابكر إنه لا يودي عني إلا أنا أورجل مني .
وأخرج أحمد والنسائي وابن المنذر وابن مردويه عن أبي هريرة قال : كنت مع علي
حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى مكة ببراءة ، فكان ينادي ( 4 ) أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن
_________________________________________________________
( 1 ) الطرائف : 12 .
( 2 ) راجع العمدة : 80 - 83 .
( 3 ) كذا في نسخ الكتاب ، ومعنى ( وجد ) : غضب .
وفى المصدر : فكأن ابابكر وجد في
نفسه .
أى وجد في نفسه شيئا .
( 4 ) في المصدر : إلى أهل مكة ، فكنا ننادي .
[308]
ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله عهد فإن أجله إلى أربعة
أشهر ، فإذا مضت الاربعة الاشهر فإن الله برئ من المشركين ورسوله ، ولا يحج هذا
البيت بعد العام مشرك .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله بعث أبابكر بسورة التوبة و
بعث عليا عليه السلام على أثره ، فقال أبوبكر : لعل الله أمر نبيه سخطا علي ؟ فقال علي :
لا إن نبي الله قال : لا ينبغي أن يبلغ عني إلا رجل مني .
وأخرج ابن حبان وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري وذكر بعث علي عليه السلام
على أثر أبي بكر ورده ، وفى آخره : لا يبلغ غيري أو رجل مني .
وأخرج ابن مردويه عن أبي رافع قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وآله أبابكر ببراءة إلى
الموسم فأتى جبرئيل فقال له : إنه لا يؤديها ( 1 ) عنك إلا أنت أو رجل منك ، فبعث عليا في
أثره ( 2 ) حتى لحقه بين مكة والمدينة ، فأخذها فقرأ ( 2 ) على الناس في الموسم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن حكيم بن حميد قال : قال لي علي بن الحسين عليهما السلام :
إن لعلي في كتاب الله اسماو لكن لا تعرفونه ( 4 ) : قلت : وما هو ؟ قال : ألم تسمع قول
الله : ( وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الاكبر ) هو والله الاذان .
انتهى ما
نقلناه عن السيوطي ( 5 ) .
وقال صاحب الصراط المستقيم في ذكر فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام : منها توليته صلى الله عليه وآله
على أداء سورة براءة بعد بعث النبي صلى الله عليه وآله أبابكر بها ، فلحقه بالجحفة وأخذها منه ، و
نادى في الموسم بها ، ذكر ذلك أحمد بن حنبل في مواضع من مسنده ، والثعلبي في تفسيره
والترمذي في صحيحه ، وأبوداود في سننه ، ومقاتل في تفسيره ، والفراء في مصابيحه ، و
_________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : لن يؤديها .
( 2 ) في المصدر : على أثره .
( 3 ) في المصدر : فقرأها .
( 4 ) في المصدر : لا يعرفونه .
( 5 ) الدر المنثور 3 : 208 و 209 .
[309]
الجوزي في تفسيره ، والزمخشري في كشافه ( 1 ) ، وذكره البخاري في الجزء الاول من
صحيحه ( 2 ) في باب ما يستر العورة ، وفي الجزء الخامس في باب ( أذان من الله ورسوله ) ، و
ذكر الطبري والبلاذري والواقدي والشعبي والسدي والواحدي والقرطي والقشيري
والسمعاني والموصلي وابن بطة وابن إسحاق والاعمش وابن سماك في كتبهم انتهى ( 3 ) .
وذكر ابن الاثير في الكامل في أحداث سنة تسع من الهجرة أن فيها حج أبوبكر
بالناس ، ومعه عشرون بدنة لرسول الله صلى الله عليه وآله ولنفسه خمس بدنات ( 4 ) ، وكان في ثلاثمائة
رجل ، فلما كان بذي الحليفة أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله في أثره عليا عليه السلام وأمره بقراءة
سورة براءة على المشركين ، فعاد أبوبكر وقال : يا رسول الله أنزل في شئ ؟ قال : لا ولكن
لا يبلغ عني إلا أنا أورجل مني .
انتهى .
وروى صاحب جامع الاصول بإسناده عن أنس قال : بعث النبي صلى الله عليه وآله ببراءة مع
أبي بكر ثم دعا [ ه ] فقال : لا يبنغي لاحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي ، دعا عليا عليه السلام
فأعطاه إياه ، ثم قال : وزاد رزين وهو العبدري : فإنه لا ينبغي أن يبلغ عني إلا رجل
من أهل بيتي ، ثم اتفقا وانطلقا ، انتهى .
أقول : وروى نحوا مما أوردنا من الاخبار الطبرسي رحمه الله ( 5 ) وغيره وفيما
أوردته غنى عما تركته .
( تتميم )
أقول : بعد ما أحطت علما بما تلوت عليك من أخبار الخاص والعام فاعلم أن
أصحابنا رضوان الله عليهم استدلوا بها على خلافة مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام وعدم استحقاق
أبي بكر لها فقالوا : إن النبي صلى الله عليه وآله لم يول أبابكر شيئا من الاعمال مع أنه كان يوليها
_________________________________________________________
( 1 ) ج 2 ص 23 .
( 2 ) ج 1 ص 25 .
( 3 ) مخطوط ، ولم نظفر بنسخته إلى الان .
وقدمر آنفا عن المناقب ص 303 ( وسماك بن
حرب ) بدل ( ابن سماك ) .
( 4 ) قال الجزرى في النهاية ( 1 : 67 ) : وفيه ( اتى رسول الله بخمس بدنات ) البدنة تقع على
الجمل والناقة والبقرة ، وهى بالابل أشبه ، وسميت بدنة لعظمها وسمنها .
( 5 ) مجمع البيان 5 : 3 و 4 .
[310]
غيره ولما أنفذه لاداء سورة براءة إلى أهل مكة عزله وبعث عليا عليه السلام ليأخذها منه و
يقرأها على الناس ، فمن لم يستطح لاداء سورة واحدة إلى بلدة كيف يستصلح للرئاسة
العامة المتضمنة لاداء جميع الاحكام إلى عموم الرعايا في سائر البلاد ؟ .
وبعبارة اخرى نقول : لا يخلو إما أن يكون بعث أبي بكر أولا بأمر الله تعالى
كما هو الظاهر ، لقوله تعالى : ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ( 1 ) )
أو بعثه الرسول بغير وحي منه تعالى ، فعلى الاول نقول : لا ريب في أنه تعالى منزه عن
العبث والجهل ، فلا يكون بعثه وعزله قبل وصوله إلا لبيان رفعة شأن أميرالمؤمنين عليه السلام
وفضله وأنه خاصة يصلح للتبليغ عن الرسول الله صلى الله عليه وآله دون غيره ، وأن المعزول لا يصلح لهذا
ولا لما هو أعلا منه من الخلافة والرئاسة العامة ، ولوكان دفع براءة أولا إلى علي عليه السلام
لجاز أن يجول بخواطر الناس أن في الجماعة غير علي من يصلح لذلك .
وعلى الثاني فنقول : إن الرسول الله صلى الله عليه وآله إما أن يكون لم يتغير علمه - حين بعث أبابكر
أولا وحين عزله ثانيا - بحال أبي بكر وما هو المصلحة في تلك الواقعة أو تغير علمه ،
فعلى الاول عاد الكلام الاول بتمامه ( 2 ) ، وعلى الثاني فنقول : لا يريب عاقل في أن
الامر المستور أولا لا يجوز أن يكون شيئا من العادات والمصالح الظاهرة ، لا ستحالة أن
يكون خفي على الرسول الله صلى الله عليه وآله - مع وفور علمه - وعلى جميع الصحابة مثل ذلك ؟ فلا بد أن
يكون أمرا مستورا لا يطلع عليه إلا بالوحي الالهي : من سوء سريرة أبي بكر ونفاقه ، أوما
علم الله من أنه سيدعي الخلافة ظلما ، فيكون هذا ( 3 ) حجة وبرهانا على كذبه وأنه
لا يصلح لذلك ، ولو فرضنا في الشاهد أن سلطانا من السلاطين بعث رجلا لامر ثم أرجعه
_________________________________________________________
( 1 ) النجم : 3 و 4 .
( 2 ) لانا اذ علمنا ان الرسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلى عليه السلام حين عزل أبابكر :
( لا يبلغها الا أنا وأنت ) كما يستفاد من روايات الباب نستكشف على هذا القول - أى عدم
تغير علمه صلى الله عليه وآله اولا وثانيا بحال أبى بكر - أن عدم صلاحيته لذلك كان معلوما عند
رسول الله صلى الله عليه وآله وانما فعل ذلك لئلا يتوهم أحد ان في القوم من يصلح لذلك سوى
أميرالمؤمنين عليه السلام .
( 3 ) اى نزول الوحى الالهى على النبى وأمره بعزل أبى بكر .