[ 81 ]
عليه ( اصدع بما تؤمر ) الآية ( 1 ) .
21 ك : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن أيوب بن نوح ، عن العباس بن عامر ،
عن علي بن أبي سارة ، عن محمد بن مروان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن أبا طالب أظهر الشرك ( 2 ) .
وأسر الايمان ، فلما حضرته الوفاة أوحى الله عزوجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله : اخرج
منها فليس لك بها ناصر .
فهاجر إلى المدينة ( 3 ) .
22 ك : أحمد بن محمد الصائغ ، عن محمد بن أيوب ، عن صالح بن أسباط ، عن
إسماعيل بن محمد وعلي بن عبدالله ، عن الربيع بن محمد السلمي ، عن سعدبن طريف ، عن
الاصبغ بن نباتة قال : سمعت أميرالمؤمنين عليه السلام يقول : والله ماعبد أبي ولا جدي عبد
المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماقط ، قيل ( 4 ) : فما كانوا يعبدون ؟ قال : كانوا يصلون
إلى البيت على دين إبراهيم عليه السلام متمسكين به ( 5 ) .
-بحار الانوار جلد: 31 من صفحه 81 سطر 11 إلى صفحه 89 سطر 11
23 ير : إبراهيم بن هاشم ، عن علي بن أسباط ، عن بكربن جناح ، عن رجل ،
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما ماتت فاطمة بنت أسد أم أميرالمؤمنين عليه السلام جاء علي إلى
النبي صلى الله عليه وآله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : يا أبا الحسن مالك ؟ قال : امي ماتت ، قال : فقال
النبي صلى الله عليه وآله : وامي والله ، ثم بكى وقال : واماه ، ثم قال : لعلي عليه السلام : هذا قميصي
فكفنها فيه ، وهذا ردائي فكفنها فيه ، فإذا فرغتم فأذنوني ، فلما اخرجت صلى عليها
النبي صلى الله عليه وآله صلاة لم يصل قبلها ولا بعدها على أحد مثلها ، ثم نزل على قبرها فاضطجع
فيه ، ثم قال لها : يا فاطمة ، قالت : لبيك يا رسول الله ، فقال : فهل وجدت ما وعد ربك
حقا ؟ قالت : نعم فجزاك الله خير جزاء ( 6 ) ، وطالت مناجاته في القبر ، فلما خرج قيل :
يا رسول الله لقد صنعت بها شيئا في تكفينك إياها ثيابك ( 7 ) ودخولك في قبرها وطول
_________________________________________________________
( 1 ) تفسير القمى : 353 والاية في : الحجر : 94 .
( 2 ) في المصدر : اظهر الكفر .
( 3 و 5 ) كمال الدين : 103 و 104 .
( 4 ) في المصدر : قيل له .
( 6 ) في المصدر : و ( ت ) و ( د ) ، فجزاك الله جزاء .
( 7 ) في المصدر : في تكفينك ثيابك .
[ 82 ]
مناجاتك وطول صلاتك ما رأيناك صنعته ( 1 ) بأحد قبلها ، قال : أما تكفيني إياها فإني
لما قلت لها : يعرض الناس عراة يوم يحشرون من قبورهم ، فصاحت وقالت : واسو أتاه !
فألبستها ثيابي ، وسألت الله في صلاتى عليها أن لايبلي أكفانها حتى تدخل الجنة ،
فأجابني إلى ذلك ، وأما دخولي في قبرها فإني قلت لها يوما : إن الميت إذا أدخل ( 2 )
قبره وانصرف الناس عنه ، دخل عليه ملكان : منكر ونكير فيسألانه ، فقالت : واغوثاه بالله ،
فمازلت أسأل ربي في قبرها حتى فتح لها روضة من قبرها إلى الجنة ، وروضة من رياض
الجنة ( 3 ) .
24 ص : توفي أبوطالب عم النبي صلى الله عليه وآله ست وأربعون سنة وثمانية أشهر
وأربعة وعشرون يوما .
والصحيح أن أبا طالب توفي في آخر السنة العاشرة من مبعث
رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم توفيت خديجة بعدأبي طالب بثلاثة أيام ، فسمى رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك
العام عام الخزن ( 4 ) .
25 يج : روي أن النبي صلى الله عليه وآله لما رجع من السرى ( 5 ) نزل على ام هانئ
بنت أبي طالب فأخبرها فقالت : بأبي أنت وامي والله لئن أخبرت الناس بهذا ليكذبنك
من صدقك ، وكان أبوطالب قد فقده تلك الليلة فجعل يطلبه ، وجمع بني هاشم ثم أعطاهم
المدى وقال : إذا رأيتمونى أدخل وليس معي محمد للتضربوا وليضرب كل رجل منكم
جليسه ، والله لا نعيش نحن ولاهم وقد قتلوا محمدا ، فخرج في طلبه وهو يقول : يا لها عظيمة
إن لم يواف رسول الله مع الفجر ، فتلقاه على باب ام هانئ حين نزل من البراق فقال :
يا ابن أخي انطلق فادخل في بين يدي المسجد ، وسل سيفه عند الحجر وقال : يا بني هاشم
أخرجوا مداكم ، فقال : لولم أره ما بقي منكم سفر ولاعشنا ، فاتقته قريش منذ يوم أن
_________________________________________________________
( 1 ) في ( ك ) : صنعت .
( 2 ) في المصدر : اذا دخل .
( 3 ) بصائر الدرجات : 71 .
وفى ( ك ) حتى فتح لها روضة ( باب ظ ) من قبرها إلى الجنة ،
وقبرها روضة من رياض الجنة .
( 4 ) قصص الانبياء مخطوط وصدر الحديث في ( ك ) و ( ت ) : توفى ابوطالب عن النبى ( ب ) .
( 5 ) السرى بضم السين : السير في الليل .
والمرادهنا المعراج .
[ 83 ]
يغتالوه ( 1 ) ، ثم حد ثهم محمد ، فقالوا : صف لنا بيت المقدس ، قال : إنما أدخلته ليلا ،
فأتاه جبرئيل فقال : انظر إلى هناك ، فنظر إلى البيت فوصفه وهو ينظر إليه ، ثم نعت لهم
ما كان لهم من عير ( 2 ) ما بينهم وبين الشام .
بيان : المدى بضم الميم وكسرها جمع المدية مثلثة وهي السكين العظيم .
قوله : ( ما بقي منكم سفر ) أي من يسافر في البلاد .
26 يج : روي عن فاطمة بنت أسد أنه لما ظهرت أمارة وفاة عبدالمطلب قال لاولاده
من يكفل محمدا ؟ قالوا ( 3 ) هو أكيس منا فقل له يختار لنفسه ، فقال عبدالمطلب : يا محمد
جدك على جناح السفر إلى القيامة أي عمومتك وعماتك تريد أن يكفلك ؟ فنظر في
وجوههم ثم زحف إلى عند أبي طالب ( 4 ) فقال له عبدالمطلب : يا أبا طالب إني قد عرفت
ديانتك وأمانتك ، فكن له كما كنت له ، قالت : فلما توفي ( 5 ) أخذه أبوطالب ، وكنت
أخدمه وكان يدعوني الام ، وقالت : وكان في بستان دارنا نخلات وكان أول إدراك الرطب ( 6 )
وكان أربعون صبيا من أتراب محمد صلى الله عليه وآله يدخلون علينا كل يوم في البستان ويلتقطون
ما يسقط ( 7 ) ، فما رأيت قط محمدا يأخذ رطبة من يد صبي سبق إليها ، والآخرون يختلس
بعضهم من بعض ، وكنت كل يوم ألتقط لمحمد صلى الله عليه وآله خفنة ( 8 ) فما فوقه وكذلك جاريتي
فاتفق يوما ( 9 ) أن نسيت أن ألتقط له شيئا ونسيت جاريتي ، وكان محمد نائما .
ودخل الصبيان
وأخذوا كل ما سقط من الرطب وانصرفوا ، فنمت فوضعت الكم على وجهي حياء من محمد
_________________________________________________________
( 1 ) غاله يغيله : سرقه .
وفى ( ك ) : منذ اليوم أن يغتالوه .
( 2 ) العير : القافلة .
( 3 ) في المصدر : فقالوا .
( 4 ) في المصدر : ثم قال إلى ابى طالب قال بيده .
اهوى بها وأخذ .
قال برأسه : أشار
( 5 ) في المصدر : فلما توفى عبدالمطلب .
( 6 ) ادرك الثمر : نضج .
( 7 ) في المصدر : ما يسقط .
( 8 ) في ( ك ) والمصدر ( خفية ) وهو تصحيف ظاهر راجع ج 17 ص 363 .
( 9 ) في المصدر : فاتفق يوما لى .
[ 84 ]
إذا انتبه ، قالت : فانتبه محمد ودخل البستان فلم ير رطبة على وجه الارض ( 1 ) ، فانصرف
فقالت له الجارية : إنا نسينا أن نلتقط شيئا والصبيان دخلوا وأكلوا جميع ما كان
قد سقط ، قالت : فانصرف محمد إلى البستان وأشار إلى نخلة وقال : أيتها الشجرة أنا جائع ( 2 )
قالت : فرأيت الشجرة ( 3 ) قد وضعت أغصانها التي عليها الرطب ( 4 ) حتى أكل منها
محمد ما أراد ، ثم أرتفعت إلى موضعها ، قالت فاطمة : فتعجبت ، وكان أبوطالب قد خرج من
الدار ، وكل يوم إذا رجع وقرع الباب كنت أقول للجارية حتى ( 5 ) تفتح الباب ، فقرع
أبوطالب ( 6 ) فعدوت حافية إليه وفتحت الباب وحكيت له ما رأيت ، فقال : هو إنما يكون
نبيا وأنت ( 7 ) تلدين له وزيرا بعد يأس ، فولدت عليا عليه السلام كما قال ( 8 ) .
27 قب : كانت السباع تهرب من أبي طالب ، فاستقبله أسد في طريق الطائف
وبصبص له وتمرغ قبله ، فقال أبوطالب : بحق خالقك أن تبين لي حالك ، فقال الاسد :
إنما أنت أبوأسدالله ، ناصر نبي الله ، ومربيه ، فازداد أبوطالب في حب النبي صلى الله عليه وآله والايمان
به ، والاصل في ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله قال : أنا خلقت وعلي من نور واحد نسبح الله يمنة
العرش قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام ، الخبر .
28 قب : القاضي المعتمد في تفسيره عن ابن عباس أنه وقع بين أبي طالب وبين
يهودي كلام وهو بالشام ، فقال اليهودي : لم تفخر علينا وابن أخيك بمكة يسأل الناس ؟
فغضب أبوطالب وترك تجارته وقدم مكة فرأى غلمانا يلعبون ومحمد فيهم مختل الحال ،
فقال له : يا غلام من أنت ومن أبوك ؟ قال : أنا محمد بن عبدالله أنا يتيم لا أب لي ولا ام ،
_________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : على الارض .
( 2 ) في المصدر : ايتها النخلة إنى جائع .
( 3 ) في المصدر : فرايت النخلة .
( 4 ) في المصدر : عليها من الرطب .
( 5 ) ليست كلمة ( حتى ) في المصدر .
( 6 ) في المصدر : فقرع ابوطالب الباب في ذلك اليوم .
( 7 ) ليست كلمة ( انت ) في المصدر .
( 8 ) الخرائج والجرائح : 11 .
[ 85 ]
فعانقه أبوطالب وقبله ثم ألبسه جبة مصرية ودهن رأسه وشد دينارا في ردائه ونشر
قبله تمرا فقال : يا غلمان هلموا فكلوا ، ثم أخذ أربع تمرات إلى أم كبشة وقص
عليها ( 1 ) ، فقالت : فلعله أبوك أبوطالب ؟ قال : لا أدري رأيت شيخا بارا ، إذمر أبوطالب
فقالت : يا محمد كان هذا ؟ قال : نعم ، قلت : هذا أبوك أبوطالب ، فأسرع إليه النبي صلى الله عليه وآله
وتعلق به وقال : يا أبه الحمدلله الذي أرانيك ، لا تخلفني في هذه البلاد ، فحمله
أبوطالب ( 2 ) .
29 قب : الاوزاعي قال : كان النبي صلى الله عليه وآله في حجر عبدالمطلب ، فلما أتى عليه
إثنان ومائه سنة ورسول الله صلى الله عليه وآله ابن ثمان سنين جمع بنيه وقال : محمد يتيم فآووه ، وعائل
فأغنوه ، احفظوا وصيتي فيه ، فقال أبولهب : أنا له ، فال : كف شرك عنه ! فقال العباس
أنا له ، فقال : أنت غضبان لعلك تؤذيه ، فقال أبوطالب : أناله ، فقال : أنت له ، يا محمد أطع
له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا أبه لا تحزن فإن لي ربا لا يضيعني ، فأمسكه أبوطالب
في حجره وقام بأمره يحميه بنفسه وماله وجاهه في صغره ، من اليهود المرصدة له بالعداوة
ومن غيرهم من بني أعمامه ، ومن العرب قاطبة الذين يحسدونه على ما آتاه الله من النبوة .
وأنشأ عبدالمطلب .
أوصيك يا عبد مناف بعدي * بموحد بعد أبيه فرد
وقال :
وصيت من كفيته بطالب * عبد مناف وهو ذوتجارب
يا ابن الحبيب أكرم الاقارب * يا ابن الذي قد غاب غير آئب
فتمثل أبوطالب وكان سمع عن الراهب وصفه :
لا توصني بلازم وواجب * إني سمعت أعجب العجائب
_________________________________________________________
( 1 ) في ( ك ) : فقص عليها .
وقال في القاموس ( ج 2 : 285 ) : كان المشركون يقولون للنبى
صلى الله عليه وآله : ابن أبى كبشة .
كنية زوج حليمة السعدية .
( 2 ) مناقب آل أبي طالب 1 : 25 .
[ 86 ]
من كل حبر عالم وكاتب * بان بحمدالله قول الراهب ( 1 ) .
30 قب : أبوسعيد الواعظ في كتاب شرف المصطفى أنه لما حضرت عبدالمطلب
الوفاة ، دعا إبنه أبا طالب فقال له : يا بني قد علمت شدة حبني لمحمد ووجدي به ، انظر
كيف تحفظني فيه ، قال أبوطالب : يا أبه لا توصني بمحمد فإنه ابني وابن أخي ،
فلما توفى عبدالمطلب كان أبوطالب يؤثره بالنفقة والكسوة على نفسه وعلى جميع
أهله ( 2 ) .
31 قب : الطبري والبلاذري أنه لما نزل : ( فاصدع بما تؤمر ) صدع النبي صلى الله عليه وآله
ونادى قومه بالاسلام ، فلما نزل : ( إنكم وما تعبدون من دون الله ) الآيات ، أجمعوا على
خلافه ، فحدب عليه أبوطالب ومنعه ، فقام عتبة والوليد وأبوجعل والعاص إلى أبي طالب
فقالوا : إن ابن أخيك قدسب آلهتنا ، وعاب ديننا ، وسفه أحلامنا ، وظلل آباءنا ، فإما
أن تكفه عنا وإما أن تخلي بيننا وبينه ، فقال لهم أبوطالب قولا رقيقا وردهم ردا جميلا
فمضى رسول الله صلى الله عليه وآله على ما هو عليه ، ى ظهر دين الله ويدعو إليه ، أسلم بعض الناس ،
فاهتمشوا إلى أبي طالب مرة اخرى فقالوا : إن لك سنا وشرفا ومنزلة وإنا قد اشتهيناك ( 3 )
أن تنهى ابن أخيك فلم ينته ، وإنا والله نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا
وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين ، فقال أبوطالب
للنبي صلى الله عليه وآله : ما بال أقوامك يشكونك ؟ فقال صلى الله عليه وآله : إني اريدهم على كلمة واحدة
يقولونها تدين لهم ( 4 ) بها العرب وتؤدي إليهم بها العجم الجزية ، فقالوا : كلمة واحدة
نعم وأبيك عشرا ! قال أبوطالب : وأي كلمة هي يا ابن أخي ؟ قال : ( لا إله إلا الله )
فقاموا بنفضون ثيابهم ويقولن ( أجعل الآلة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب ) إلى
قوله : ( عذاب ) .
قال ابن إسحاق : إن أبا طالب قال له في السر : لا تحملني من الامر مالا
اطيق ، فظن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قد بدا لعمه ، وأنه خاذله ، وأنه قد ضعف عن
_________________________________________________________
( 1 و 2 ) مناقب آل أبي طالب 1 : 25 .
( 3 ) في هامش ( ك ) استنهيناك ظ استبهناك خ ل .
( 4 ) دان الرجل يدين ذل واطاع أى تصير العرب منقادا ومطيعالهم كالمملوك ببركة كلمة الاخلاص .
[ 87 ]
نصرته ، فقال : يا عماه لو وضعت الشمس في يميني والقمر في شمالي ما تركت هذا القول
حتى انفذه أو اقتل دونه ، ثم استعبر ( 1 ) فبكى ، ثم قام يولي ، فقال أبوطالب : امض لامرك
فوالله لا أخذلك أبدا .
وفي رواية أنه قال صلى الله عليه وآله : إن الله تعالى أمرني أن أدعو إلى دينه الحنيفية ، و
خرج من عنده مغضبا ، فدعاه أبوطالب وطيب قلبه ( 2 ) ووعده بالنصر ، ثم أنشأ يقول :
والله لن يصلوا إليم بجمعهم * حتى اوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ماعليك غضاضه * وابشر ( 3 ) بذاك وقر منك عيونا
ودعوتني وزعمت أنك ناصح * فلقد صدقت وكنت قدما أمينا ( 4 )
وعرضت دينا قد عرفت بأنه * من خير أديان البرية دينا
لولا المخافة أن يكون معرة * لوجدتني سمحا بذاك مبينا
الطبري والواحدي بإسنادهما عن السدي ، وروى ابن بابويه في كتاب النبوة عن
زين العابدين عليه السلام : أنه اجتمعت قريش إلى أبي طالب ورسول الله صلى الله عليه وآله عنده ، فقالوا :
نسألك من ابن أخيك النصف ( 5 ) ، قال : وما النصف منه ؟ قالوا : يكف عنا ونكف عنه ،
فلا يكلمنا ولا نكلمه ، ولا يقاتلنا ولا نقاتله ، ألا إن هذه الدعوة قد باعدت بين القلوب ،
وزرعت الشحناء ( 6 ) وأنبتت البغضاء ، فقال : يا ابن أخي أسمعت ؟ قال : يا عم لو أنصفني
بنو عمي لاجابوا دعوتي وقبلوا نصيحتي ، إن الله تعالى أمرني أن أدعو إلى دينه الحنيفية
ملة إبراهيم ، فمن أجابني فله عندالله الرضوان والخلود في الجنان ، ومن عصاني قاتلته
حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين .
_________________________________________________________
( 1 ) استعبر : جرت عبرته .
حزن .
( 2 ) طيب خاطره : سكنه وإمنه .
( 3 ) في المصدر : وانشر .
( 4 ) في المصدر : قبل أمينا .
( 5 ) النصف والنصفة : الانصاف والعدل .
( 6 ) الشحناء : العداوة امتلات منها النفس .
[ 88 ]
فقالوا : قل له : يكف عن شتم آلهتنا فلا يذكرها بسوء ، فنزل : ( أفغير الله تأمروني
أعبد ) قالوا ، إن كان صادقا فليخبرنا من يؤمن منا ومن يكفر ، فإن وجدناه صادقا آمنا
به ، فنزل : ( وما كان الله ليذر المؤمنين ) قالوا : والله لنشتمنك وإلهك ، فنزل : ( فانط
الملامنهم ) قالوا : قل له فليعبد ما نعبد ونعبد ما يعبد ، فنزلت سورة الكافرين ، فقالوا :
قل له : أرسله الله إلينا خاصة أم إلى الناس كافة ؟ قال : بل إلى الناس ارسلت كافة :
إلى الابيض والاسود ، ومن علي رؤوس الجبال ، ومن في لجج البحار ، ولادعون السنة
فارس والروم ( يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) فتجبرت قريش واستكبرت وقالت :
والله لو سمعت بهذا فارس والروم لاختطفتنا ( 1 ) من أرضنا ولقلعت الكعبة حجرا حجرا ،
فنزل : ( وقالوا إن نتبع الهدى معك ) وقوله : ( ألم تركيف فعل ربك ) فقال المطعم بن عدي :
والله يا باطالب لقد أنصفك قومك وجهدوا على أن يتخلصوا مما تكرهه ، فما أراك تريد أن تقبل
منهم شيئا .
فقال أبوطالب : والله ما أنصفوني ولكنك قد أجمعت ( 2 ) على خذلاني ومظاهرة
القوم علي ، فاصنع ما بدالك ، فوثب ( 3 ) كل قبيلة على ما فيها من المسلمين يعذبونهم
ويفتنونهم عن دينهم والاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وآله ، ومنع الله رسوله بعمه أبي طالب منهم ،
وقد قام أبوطالب حين رأى قريشا تصنع ما تصنع في بني هاشم فدعاهم إلى ما هو عليه من
منع رسول الله والقيام دونه إلا أبا لهب كما قال الله : ( ولينصرن الله من ينصره ) وقدم قوم
من قريش من الطائف وانكروا ذلك ووقعت فتنة ، فأمر النبي صلى الله عليه وآله المسلمين أن يخرجوا
إلى أرض الحبشة .
ابن عباس : دخل النبي صلى الله عليه وآله الكعبة وافتح الصلاة ، فقال أبوجهل : من يقوم إلى
هذا الرجل فيفسد عليه صلاته ؟ فقام ابن الزبعري وتناول فرثا ودما وألقى ذلك عليه ،
فجاء أبوطالب وقد سل سيفه ، فلما رأوه جعلوا ينهضون ، فقال : والله لئن قام أحد جللته
_________________________________________________________
( 1 ) اختلطف الشئ : اجتذبه وانتزعه .
( 2 ) في المصدر : قد اجتمعت .
( 3 ) وثب : نهض وقام .
[ 89 ]
بسيفي ، ثم قال : يا ابن أخي من الفاعل بك ؟ قال : هذا عبدالله ( 1 ) ، فأخذ أبوطالب فرثا
ودما وألقى عليه .
وفي رواية متواترة أنه أمر عبيده أن يلقوا السلى ( 2 ) عن ظهره ويغسلوه ، ثم أمرهم
أن يأخذوه فيمروا على أسبلة ( 3 ) القوم بذلك .
الطبري والبلاذري والضحاك قال : لما رأت قريش حمية قومه وذب عمه أبي طالب
عنه جاؤوا إليه وقالوا : جئناك بفتى قريش جمالا وجودا وشهامة : عمارة بن الوليد ، ندفعه إليك
يكون نصره وميراثه لك ، ومع ذلك من عندنا مال ، وتدفع إلينا ابن أخيك الذي فرق
جماعتنا وسفه أحلامنا فنقتله ! فقال : والله ما أنصفتموني ، أتعطونني ابنكم أغذوه لكم و
تأخذون ابني تقتلونه ؟ ! هذا والله ما لايكون أبدا ، أتعلمون أن الناقة إذا فقدت ولدها
لاتحن ( 4 ) إلى غيره ؟ ثم نهرهم فهموا باغتياله ، فمنعهم أبوطالب من ذلك وقال فيه .
حميت الرسول رسول الاله * ببيض تلالا مثل البروق
-بحار الانوار جلد: 31 من صفحه 89 سطر 12 إلى صفحه 97 سطر 12
أذب وأحمي رسول الاله * حماية عم عليه شفوق ( 5 )
وأنشد :
يقولون لي دع نصر من جاء بالهدى * وغالب لنا غلاب كل مغالب
وسلم إلينا أحمد واكفلن لنا * بنيا ولا تحفل بقول المعاتب
فقلت لهم : الله ربي وناصري * على كل باغ من لؤي بن غالب
مقاتل : لما رأت قريش يعلو أمره قالوا : لا نرى محمدا يزداد إلا كبرا وتكبرا ،
وإن هو إلا ساحر أو مجنون ، وتوعدوه وتعاقدوا لئن مات أبوطالب ليجمعن قبائل قريش
_________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : من الفاعل بك هذا ؟ قال : عبدالله .
( 2 ) قال الجزرى قى النهاية ( 2 : 179 ) فيه ( أن المشركين جاؤا بسلى جزور فطرحوه على
النبي صلى الله عليه وآله وهو يصلى ) السلى : الجلد الرقيق الذى يخرج فيه الولد من بطن امه
ملفوفا فيه .
( 3 ) السبلة : ما على الشارب من الشعر .
( 4 ) قال الجزرى في النهاية ( 1 : 266 ) اصل الحنين ترجيع الناقة صوتها .
( 5 ) في ( ك ) و ( ت ) شفيق وهو تصحيف ( ب ) .
[ 90 ]
كلها على قتله ، وبلغ ذلك أبا طالب فجمع بني هاشم وأحلافهم من قريش فوصاهم برسول
الله ، وقال : إن ابن أخي كما يقول ، أخبرنا بذلك آباؤنا وعلماؤنا إن محمدا نبي صادق
وأمين ناطق وإن شأنه أعظم شأن ومكانه من ربه أعلى مكان ، فأجيبوا دعوته ، واجتمعوا على
نصرته ، وراموا عدوه من وراء حوزته ، فإنه الشرف الباقي لكم الدهر ، وأنشأ
يقول :
اوصي بنصر النبي الخير مشهده * عليا ابني وعم الخير عباسا
وحمزة الاسد المخشي صولته * وجعفر أن تذودوا دونه الناسا
وهاشما كلها اوصي بنصرته * أن يأخذوا دون حرب القوم أمراسا
كونوا فدى لكم نفسي وماولدت * من دون أحمد عند الروع أتراسا ( 1 )
بكل أبيض مصقول عوارضه * تخاله في سواد الليل مقباسا
وحض أخاه حمزة على اتباعه إذ أقبل حمزة متوشحا بقوسه ، راجعا من قنص له ،
فوجد النبي صلى الله عليه وآله في دار اخته محموما وهي باكية ، فقال : ماشأنك ؟ قالت : ذل الحمى
يابا عمارة .
لو لقيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا من أبي الحكم بن هشام ، وجده ههنا جالسا
فآذاه وسبه وبلغ منه ما يكره ، فانصرف ودخل المسجد وشج رأسه شجة ( 2 ) منكرة ،
فهم قرباؤه بصربه فقال أبوجهل دعوا أبا عمارة لكيلا يسلم ! ثم عاد حمزة إلى النبي صلى الله عليه وآله
وقال : عز بما صنع بك ، ثم أخبره بصنيعه فلم يرض النبي ( 3 ) صلى الله عليه وآله وقال : يا عم لانت
منهم ، فأسلم حمزة ، فعرفت قريش أن رسول الله قد عزو أن حمزة سيمنعه .
قال ابن عباس فنزل : ( أو من كان ميتا فأحييناه ) وسر أبوطالب بإسلامه وأنشأ
يقول : صبرا أبا يعلى على دين أحمد * وكن مظهرا للدين وفقت صابرا
_________________________________________________________
( 1 ) الاتراس : جمع ترس ، وهو صفحة من الفولاد تحمل للوقاية من السيف ونحوه .
( 2 ) شج الرأس : جرحه وكسره .
( 3 ) في المصدر : فلم يهش النبى هش الرجل : ارتاح ونشط وتبسم .