[ 31 ]
القاسم [ ابن ] الفضل ، عن علي بن الحسين ، عن محمد بن يحيى بن أبي عمير ، عن محمد بن جعفر بن
محمد بن علي بن الحسين ( 1 ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله صالح المؤمنين : هو علي بن
أبي طالب عليه السلام .
[ وروى أبونعيم في كتاب ما نزل من القرآن في علي بإسناده ، عن أسماء بنت
عميس قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : صالح المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام .
وبإجماع الشيعة
على ذلك كما ادعاه السيد المرتضى رحمه الله ] .
بيان : قال العلامة في كشف الحق : أجمع المفسرون وروى الجمهور أن صالح
المؤمنين علي عليه السلام ( 2 ) .
وقال الطبرسي : ووردت الرواية من طريق الخاص والعام أن المراد بصالح
المؤمنين أمير المؤمنين عليه السلام وهو قول مجاهد ، وفي كتاب شواهد التنزيل بالاسناد عن
سدير الصيرفي عن أبي جعفر عليه السلام قال : لقد عرف رسول الله عليا أصحابه مرتين : أما
مرة فحيث قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، وأما الثانية فحيث نزلت هذه الآية أخذ
بيد علي عليه السلام فقال : أيها الناس هذا صالح المؤمنين .
وقالت أسماء بنت عميس : سمعت
النبي صلى الله عليه وآله يقول : صالح المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ( 3 ) انتهى .
فإذا علمت بنقل الخاص والعام بالطرق المتعددة أن صالح المؤمنين في الآية هو
أمير المؤمنين عليه السلام وبإجماع الشيعة على ذلك كما ادعاه السيد المرتضى - رحمه الله - فقد
ثبت فضله بوجهين :
الاول أنه ليس يجوز أن يخبر الله أن ناصر رسوله صلى الله عليه وآله إذا وقع التظاهر عليه
بعد ذكر نفسه وذكر جبرئيل عليه السلام إلا من كان أقوى الخلق نصرة لنبيه وأمنعهم جانبا
في الدفاع عنه ، ألا ترى أن أحد الملوك لو تهدد بعض أعدائه ممن ينازعه في سلطانه فقال :
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : على بن الحسين بن على بن أبى طالب عليهم السلام ، قال : حدثنى رجل ثقة
يرفعه إلى على بن أبى طالب عليه السلام اه .
( 2 ) كشف الحق : 94 .
( 3 ) مجمع البيان : 10 : 316 .
[ 32 ]
لا تطعموا في ولا تحدثوا أنفسكم بمغالبتي فإن معي من أنصاري فلانا وفلانا فإنه لا
يحسن أن يدخل في كلامه إلا من هو الغاية في النصرة ، والشهرة بالشجاعة ، وحسن
المدافعة وشدة معاونة ذلك السلطان ، فدل على أنه أشجع الصحابة وأعونهم للرسول .
الثاني أن قوله : " صالح المؤمنين " يدل على أنه أصلح من جميعهم بدلالة العرف
والاستعمال ، لان أحدنا إذا قال : فلان عالم قومه وزاهد أهل بلده لم يفهم من قوله إلا
كونه أعلمهم وأزهدهم ، فإذا ثبت فضله بهذين الوجهين ثبت عدم جواز تقديم غيره عليه
لقبح تفضيل المفضول .
1 - مد : بإسناده عن الثعلبي في قوله تعالى : " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم
ويحبونه " قال : علي بن أبي طالب عليه السلام .
( 1 )
أقول : قال العلامة - قدس الله روحه - في كشف الحق : قال الثعلبي : نزلت في علي
عليه السلام ( 2 ) ، وقال الشيخ الطبرسي - أعلى الله مقامه - : قيل : هم أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه
حين قاتل من قاتله من الناكثين والقاسطين والمارقين ، وروي ذلك عن عمار وحذيفة و
ابن عباس ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام ويويد هذا القول أن النبي
___________________________________________________________
* المائدة : 54 .
( 1 ) العمدة : 151 .
( 2 ) كشف الحق : 92 .
[ 33 ]
صلى الله عليه وآله وصفه بهذه الصفات المذكورة في الآية ، فقال فيه - وقد ندبه ( 1 ) لفتح خيبر بعد أن
رد عنها حامل الراية إليها مرة بعد اخرى وهو يجبن الناس ويجبنونه - : لاعطين
الراية غدا رجلا يجب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، كرارا غير فرار ، لا يرجع حتى
يفتح الله على يديه ، ثم أعطاها إياه .
وأما الوصف باللين على أهل الايمان والشدة
على الكفار والجهاد في سبيل الله مع أنه لا يخاف فيه لومة لائم فمما لايمكن أحدا دفع
علي عن استحقاق ذلك ، لما ظهر من شدته على أهل الشرك والكفر ونكايته فيهم ، و
مقاماته المشهورة في تشييد الملة ونصرة الدين والرأفة بالمؤمنين ، ويؤكد ذلك ( 2 ) إنذار
رسول الله صلى الله عليه وآله قريشا بقتال علي عليه السلام لهم من بعده ، حيث جاء سهيل بن عمرو في جماعة
منهم فقالوا له : يا محمد إن أرقاءنا لحقوا بك فارددهم علينا ، فقال رسول الله : صلى الله عليه وآله لتنتهن
يا معشر قريش أو ليبعثن الله عليكم رجلا يضربكم على تأويل القرآن كما ضربتكم على
تنزيله ، فقال له بعض أصحابه : من هو يا رسول الله ، أبوبكر ؟ قال لا ولكنه خاصف
النعل ( 3 ) في الحجرة - وكان علي على السلام يخصف نعل رسول الله صلى الله عليه وآله - وروي عن علي
عليه السلام أنه قال يوم البصرة : والله ما قوتل أهل هذه الآية حتى اليوم ، وتلا هذه الآية ،
ثم روى عن الثعلبي حديث الحوض الدال على ارتداد الصحابة إنتهى ( 4 ) .
أقول : ويؤيده أيضا ما أوردته في كتاب الفتن بأسانيد جمة عن جابر الانصاري
وأبي سعيد الخدري وابن عباس وغيرهم ، واللفظ لجابر قال : قام رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الفتح
خطيبا فقال : أيها الناس لا أعرفنكم ترجعون بعدي كفارا ، يضرب بعضكم رقاب بعض ،
ولئن فعلتم ذلك لتعرفنني في كتيبة أضربكم بالسيف ، ثم التفت عن يمينه ، فقال الناس ،
لقنه جبرئيل عليه السلام شيئا ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : هذا جبرئيل عليه السلام يقول : أو علي .
أقول : دعا النصب والعناد الرازي ( 5 ) إمام النواصب في هذا المقام إلى خرافات و
___________________________________________________________
( 1 ) ندب فلانا للامر : دعاه ورشحه للقيام به وحثه عليه .
( 2 ) في المصدر : ويؤيد ذلك ايضا .
( 3 ) خصف النعل : اطبق عليها مثلها وخرزها بالمخصف .
( 4 ) مجمع البيان 3 : 208 .
( 5 ) راجع مفاتيح الغيب 3 : 427 - 429 .
[ 34 ]
جهالات لا يبوح بها ( 1 ) خارجي ولا امي ، ولقد فضح نفسه وإمامه ، ولظهور بطلانها
أعرضنا عنها صفحا وطوينا عنها كشحا ( 2 ) ، فإن كتابنا أجل من أن يذكر فيه أمثال
تلك الهذيانات ، ولقد تعرض لها صاحب إحقاق الحق ( 3 ) وغيره ، ولا يخفى ما في هذه
الآية من الدلالة على رفعة شأنه وعلو مكانه ووصفه بكونه محبا ومحبوبا لربه ، ومجاهدا
في سبيله على الجزم واليقين ، بحيث لايبالي بلوم اللائمين ، ورحمته على المؤمنين ، وصولته
على الكافرين ، وتعقيب جميع ذلك بقوله : ذلك " فضل الله يؤتيه من يشاء " تعظيما لشأن
تلك الصفات وتفخيما لها ، فكيف لا يستحق الخلافة والامامة من هذه صفاته ويستحقهما
من اتصف بأضدادها ؟ كما أوضحناه في كتاب الفتن .
1 - فس : أبي ، عن صفوان ، عن ابن مسكان : عن أبي بصير ، عن أبي جعفر
عليه السلام قال : نزلت في علي والعباس وشيبة ، قال العباس : أنا أفضل لان سقاية الحاج
بيدي ، وقال شيبة : أنا أفضل لان حجاجة البيت بيدي ( 4 ) ، وقال علي : أنا أفضل فإني
___________________________________________________________
( 1 ) اى لا يتفوه بها .
( 2 ) يقال : ضرب عنه صفحا أى أعرض عنه .
وطوى كشحه عنه : أعرض عنه بوده مهاجرا .
( 3 ) راجع ج 3 : 204 - 243 ولقد أورد قدس سره على الرازى بعد مانقل كلامه 26 اشكالا
لا مفر له ولا مثاله من واحد منها .
* التوبة : 19 .
( 4 ) هو شيبة بن عثمان بن أبى طلحة بن عبدالعزى بن عبدالدار بن قصى ويكنى أبا عثمان و
قد كان دفع النبي صلى الله عليه وآله إلى ابن عمه عثمان بن طلحة بن أبى طلحة يوم فتح مكة مفتاح الكعبة فورث
المفتاح من ابن عمه أو دفع المفتاح إليهما وقال خذوها خالدة تالدة إلى يوم القيامة يا بنى أبى
طلحة لا ياخذها منكم إلا ظالم ( ب ) .
[ 35 ]
آمنت قبلكما ، ثم هاجرت وجاهدت ، فرضوا برسول الله صلى الله عليه وآله ( 1 ) فأنزل الله : " أجعلتم
سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر " إلى قوله : إن الله عنده
أجر عظيم " .
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزلت هذه الآية في علي
بن أبي طالب عليه السلام .
قوله : " كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون " [ وإن منهم أعظم
درجة ] " عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين " ثم وصف علي بن أبي طالب عليه السلام [ فقال ] " الذين
آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله واولئك هم
الفائزون ( 2 ) " ثم وصف ما لعلي عليه السلام عنده فقال : " يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان و
جنات لهم فيها نعيم مقيم * خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم " ( 3 ) .
2 - كشف : مما أخرجه العز المحدث الحنبلي قوله تعالى : " أجعلتم سقاية الحاج
وعمارة المسجد الحرام ، الآية نزلت في ملاحاة ( 4 ) العباس وعلي عليه السلام قال له العباس :
لئن سبقتمونا بالايمان والهجرة فقد كنا نسقي الحجيج ونعمر المسجد الحرام :
فنزلت ( 5 ) .
أقول : وروى عن أبي بكر بن مردويه أيضا نزولها فيه عليه السلام ( 6 ) .
3 - كا : أبوعلي الاشعري ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ،
عن أبي بصير ، عن أحدهما عليهما السلام في قول الله عزوجل : " أجعلتم سقاية الحاج " الآية ،
نزلت في حمزة وعلي وجعفر والعباس وشيبة ، إنهم فخروا بالسقاية والحجاجة فأنزل
الله عزوجل " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر "
___________________________________________________________
( 1 ) اى بحكمة .
( 2 ) التوبة : 20 ، وما بعدها 21 و 22 .
( 3 ) تفسير القمى : 260 .
( 4 ) الملاحاة : المنازعة ؤالمراد هنا المفاخرة .
( 5 ) كشف الغمة : 92 .
( 6 ) : 95 .
[ 36 ]
وكان علي وحمزة وجعفر الذين آمنوا بالله واليوم الآخر وجاهدوا في سبيل الله لا يستوون
عند الله ( 1 ) .
شى : عن أبي بصير بثلاثة أسانيد مثله ( 2 ) .
4 - فر : قدامة بن عبدالله البجلي معنعنا عن ابن عباس قال : افتخر شيبة بن
عبدالدار والعباس بن عبدالمطلب فقال شيبة : في أيدينا مفاتيح الكعبة نفتحها إذا شئنا و
-بحار الانوار مجلد: 32 من ص 36 سطر 6 الى ص 44 سطر 6
نغلقها إذا شئنا ، فنحن خير الناس بعد رسول الله ، وقال العباس : في أيدينا سقاية الحاج
وعمارة المسجد الحرام ( 3 ) ، فنحن خير الناس بعد رسول الله ، إذ مر عليهم ( 4 ) أمير المؤمنين علي
بن أبي طالب عليه السلام فأراد أن يفتخر فقالا له : يا أبا الحسن أنخبرك بخير الناس بعد رسول
الله ؟ ها أنا ذا ، فقال شيبة : في أيدينا مفايتح الكعبة نفتحها إذا شئنا ونغلقها إذا شئنا ،
فنحن خير الناس بعد النبي ، وقال العباس : في أيدينا سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام
فنحن خير الناس بعد رسول الله ، فقال لهما أمير المؤمنين عليه السلام : ألا أدلكما على من هو خير
منكما ؟ قالا له : ومن هو ؟ قال : الذي صرف رقبتكما ( 5 ) حتى أدخلكما في الاسلام
قهرا ، قالا : ومن هو ؟ قال أنا ، فقام العباس مغضبا حتى أتى النبي صلى الله عليه وآله وأخبره بمقالة
علي بن أبي طالب عليه السلام فلم يرد النبي صلى الله عليه وآله شيئا ، فهبط جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمد إن
الله يقرؤك السلام ويقول لك : " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام " فدعا النبي
صلى الله عليه وآله العباس فقرأ عليه الآية وقال : يا عم قم فاخرج ، هذا الرحمان ، ( 6 ) يخاصمك في
علي بن أبي طالب عليه السلام ( 7 ) .
___________________________________________________________
( 1 ) روضة الكافى : 203 و 204 .
( 2 ) مخطوط .
( 3 ) في ( ك ) : وعمارة المسجد الحرام في ايدينا .
( 4 ) في المصدر : عليهما .
( 5 ) : الذى ضرب رقابكما .
( 6 ) : هذا رسول الرحمان .
( 7 ) تفسير فرات : 56 .
[ 37 ]
فر : محمد بن عبيد الجعفي معنعنا عن الحارث الاعور مثله ( 1 ) .
5 - فر : محمد بن الحسين الخياط معنعنا عن ابن سيرين ، عن الحسين بن العباس ، و
جعفر الاحمسي معنعنا عن السدي قالا : قال عباس : أنا عم محمد ، وأنا صاحب سقاية
الحاج ، وأنا أفضل من علي ، وقال عثمان بن طلحة - أو شيبة - : أنا أفضل من علي ،
فنزلت هذه الآية ( 2 ) .
6 - فر : علي بن محمد الزهري معنعنا عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال : لما فتح رسول الله
صلى الله عليه وآله مكة أعطى العباس السقاية ، وأعطى عثمان بن طلحة الحجاجة ، ولم يعط عليا
شيئا ، فقيل لعلي بن أبي طالب عليه السلام : إن النبي أعطى العباس السقاية ، وأعطى عثمان
بن طلحة الحجاجة ، ولم يعطك شيئا ، قال : فقال : ما أرضاني بما فعل الله ورسوله ! ؟ فأنزل
الله ( 3 ) تعالى هذه الآية ( 4 ) .
أقول : روى ابن بطريق نزول الآية فيه عليه السلام في العمدة ( 5 ) بأسانيد جمة من
تفسير الثعلبي ومن الجمع بين الصحاح الستة .
وروى في المستدرك عن أبي نعيم بإسناده عن مجاهد قال : نزلت " أجعلتم سقاية
الحاج " الآية في علي والعباس .
وبإسناده عن الضحاك عن ابن عباس قال : نزلت
في علي بن أبي طالب عليه السلام .
وبإسناده عن الشعبي قال : تكلم علي والعباس وشيبة
في السقاية والسدانة ، فأنزل الله تعالى : " أجعلتم " إلى قوله : " حتى يأتي الله بأمره " :
حتى يفتح مكة فتنقطع الهجرة .
7 - يف : في الجميع بين الصحاح الستة من صحيح النسائي ، عن محمد بن كعب
القرظي ، قال : افتخر شيبة بن أبي طلحة ( 6 ) ورجل - ذكر اسمه - وعلي بن أبي طالب عليه السلام
___________________________________________________________
( 1 ) تفسير فرات : 54 .
( 2 ) : 52 .
وفيه " وبنو شيبة " وفى النسخ " وهو شيبة " وكلها مصحف ( ب )
( 3 ) في المصدر : قال فأنزل الله .
( 4 ) تفسير فرات : 58 .
( 5 ) ص : 18 .
( 6 ) في ( ك ) طلحة بن شيبة وفى ( ت ) شيبة بن طلحة وكلها مصحف ( ب ) .
[ 38 ]
فقال شيبة بن أبي طلحة : معي مفتاح البيت ولو أشاء بت فيه ، وقال ذلك الرجل : أنا صاحب
السقاية ( 1 ) ولو أشاء بت في المسجد ، وقال علي عليه السلام : ما أدري ما تقولان ! لقد صليت
إلى القبلة قبل الناس ، وأنا صاحب الجهاد ، فأنزل الله تعالى : " أجعلتم سقاية الحاج " .
و
رواه الثعلبي كذلك في تفسير هذه الآية عن الحسن والشعبي ومحمد بن كعب القرظي .
ورواه ابن المغازلي عن إسماعيل بن عامر وعن عبدالله بن عبيدة البريدي ( 2 ) .
بيان : لعل السيد اتقى في عدم التصريح بذكر العباس من خلفاء زمانه ورواه
السيوطي في الدر المنثور عن ابن جرير ، بإسناده عن محمد بن كعب مثله مصرحا باسم
العباس ، وقال : أخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنها نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام
والعباس .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن الشعبي قال : تفاخر علي والعباس و
شيبة في السقاية والحجاجة ، فأنزل الله تعالى : " أجلعتم سقاية الحاج " الآية .
وأخرج
عبدالرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبوا الشيخ عن الشعبي
قال : نزلت هذه الآية في العباس وعلي عليه السلام تكلما في ذلك .
وأخرج ابن مردويه عن
الشعبي قال : كان بين علي والعباس منازعة فقال العباس لعلي عليه السلام : أنا عم النبي و
أنت ابن عمه ، وإلي سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ، فأنزل الله هذه الآية .
وأخرج
عبدالرزاق عن الحسن قال : نزلت في علي والعباس وعثمان وشيبة ( 3 ) ، تكلموا في ذلك
وأخرج أبونعيم في فضائل الصحابة وابن عساكر عن أنس قال : قعد العباس وشيبة
يفتخران ، فقال العباس : أنا أشرف منك ، أنا عم رسول الله صلى الله عليه وآله وساقي الحاج
فقال شيبة : أنا أشرف منك ، أنا أمين الله على بيته وخزائنه ، فلا ائتمنك كما ائتمنني ، فأطلع
عليهما علي عليه السلام فأخبراه بما قالا ، فقال علي عليه السلام : أنا أشرف منكما ، أنا أول من
آمن وهاجر وجاهد ، فانطلقوا ثلاثتهم إلى النبي صلى الله عليه وآله فأخبروه ، فما أجابهم بشئ ،
فانصرفوا ، فنزل عليه الوحي بعد أيام ، فأرسل إليهم فقرأ عليهم : " أجعلتم سقاية الحاج "
إلى آخر العشر ( 4 ) .
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر بعد ذلك : والقائم عليها .
( 2 ) الطرائف : 13 .
( 3 ) هكذا في المصدر وهو الصحيح وفى ( ك ) عثمان بن شيبة وفى ( ت ) تصحيحا عثمان بن طلحة .
وكلها وهم ( ب ) ( 4 ) الدر المنثور 3 : 218 و 219 .
[ 39 ]
[ وأقول : روى صاحب جامع الاصول من صحيح النسائي نحو الحديث الاول
مصرحا باسم العباس ، إلا أن فيه : صليت إلى الكعبة ستة أشهر قبل الناس ، إلى آخر
الخبر .
وروى صاحب الفصول المهمة عن الواحدي في أسباب النزول مثل رواية أبي نعيم ( 1 )
وروى في فرائد السمطين أبسط من ذلك إلى أن قال علي عليه السلام ، أنا أشرف منكما أنا
أول من آمن بالوعيد من ذكور هذه الامة وهاجر وجاهد ، فانطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
فأخبره كل واحد منهم بفخره فما أجابهم بشئ ، فنزل الوحي بعد أيام ، فأرسل إلى
الثلاثة فأتوه ، فقرأ عليهم الآية .
وروى الشيخ في مجالسه عن أبي ذر أن عليا عليه السلام ذكر يوم الشورى نزول الآية
فيه فأقروا به .
وروى أبونعيم في كتاب ما نزل من القرآن في علي عليه السلام عن عامر قال : نزلت
الآية في علي والعباس وعن ابن عباس قال : نزلت في علي عليه السلام .
وبإسناده عن الشعبي
مثل ما مر إلى قوله : فتنقطع الهجرة .
]
وقال الشيخ الطبرسي - رحمه الله - : نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام والعباس بن
عبدالمطلب وشيب بن أبي طلحة ، عن الحسن والشعبي ومحمد بن كعب القرظي .
وروى الحاكم أبوالقاسم الحسكاني بإسناده عن ابن بريدة عن أبيه قال : بينا
شيبة والعباس يتفاخران إذ مر بهما علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : بماذا تتفاخران
فقال العباس : لقد اوتيت من الفضل ما لم يؤت أحد : سقاية الحاج ، وقال شيبة ، اوتيت
عمارة المسجد الحرام ، فقال عليه السلام : استحييت لكما ! فقد اوتيت على صغري مالم تؤتيا ،
فقالا : وما اوتيت يا علي ؟ قال : ضربت خراطيمكما بالسيف حتى آمنتما بالله ورسوله ،
فقال العباس مغضبا يجر ذيله ( 2 ) حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وقال : أما يرى إلى
ما استقبلني ( 3 ) به علي ؟ فقال صلى الله عليه وآله : ادعوا لي عليا ، فدعي له ، فقال : ماحملك على ما
___________________________________________________________
( 1 ) راجع الفصول المهمة : 106 .
واسباب النزول للواحدى : 182 .
( 2 ) في المصدر و ( ك ) طلحة بن شيبة وفى ( ت ) شيبة بن طلحة وكلها مصحف ( ب ) .
( 3 ) ذيل الثوب ما جر منه اذا اسبل .
( 4 ) في المصدر : يستقلبنى .
[ 40 ]
استقبلت به عمك ؟ فقال : يا رسول الله صدمته ( 1 ) بالحق فمن شاء فليغضب ومن شاء
فليرض ، فنزل جبرئيل عليه السلام وقال : يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول : اتل عليهم :
" أجعلتم سقاية الحاج " الآية ، فقال العباس : إنا قد رضينا - ثلاث مرات ( 2 ) .
أقول : نزولها في أمير المؤمنين عليه السلام مما أجمع عليه عامة المفسرين من المتقدمين
ومتعصبي المتأخرين كالبيضاوي والزمخشري والرازي وغيرهم ( 3 ) ، وسيأتي الاخبار [ فيه ]
في باب شجاعته عليه السلام ويدل على أن مناط الفضل والفخر والايمان والجهاد ، ولا ريب في
سبقه عليه السلام فيهما على سائر الصحابة كما سيأتي تفصيلهما ، فهو أولى بالامامة والخلافة
لقبح تفضيل المفضول كما يشهد به ألباب ذوي العقول .
1 - فس : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " قال : ذاك أمير المؤمنين
عليه السلام ومعنى يشري نفسه أي يبذل ( 4 ) .
2 - كشف : مما أخرجه شيخنا العز المحدث الحنبلي الموصلي في قوله تعالى :
" ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " نزلت في مبيت علي على فراش رسول الله
صلى الله عليه وآله ورواه أبوبكر بن مردويه أيضا ، وذكر ابن الاثير في كتابه كتاب الانصاف الذي
جمع فيه بين الكاشف والكشاف أنها نزلت في علي عليه السلام وذلك حين هاجر النبي صلى الله عليه وآله وترك عليا
في بيته بمكة ، وأمره أن ينام على فراشه ليوصل إذا أصبح ودائع الناس إليهم ، وقال الله
___________________________________________________________
( 1 ) اى دفعته .
( 2 ) مجمع البيان 5 : 14 و 15 .
( 3 ) راجع تفسير البيضاوى 1 : 191 والكشاف 2 : 27 .
ومفاتيح الغيب 4 : 422 و 423 .
* البقرة : 207 .
( 4 ) تفسير القمى : 61 .