[111]

ويكذبوني فهو أهون علي من أن تعاقبني العقوبة الموجعة في الدنيا والآخرة .
قال : وسلم جبرئيل على علي بإمرة المؤمنين فقال علي عليه السلام : يا رسول الله أسمع الكلام ولا أحس الرؤية ، فقال : يا علي هذا جبرئيل أتاني من قبل ربي بتصديق ما وعدني ، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله رجلا فرجلا من أصحابه حتى سلموا عليه بإمرة المؤمنين ، ثم قال : يا بلال ناد في الناس أن لا يبقي غدا أحد إلا عليل إلا خرج إلى غدير خم ، فلما كان من الغد خرج رسول الله صلى الله عليه وآله بجماعة أصحابه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس إن الله تبارك وتعالى أرسلني إليكم برسالة وإنى ضقت بها ذرعا ( 1 ) مخافة أن تتهموني وتكذبوني ، حتى أنز الله علي وعيدا بعد وعيد ، فكان تكذيبكم إياي أيسر علي من عقوبة الله إياي ، إن الله تبارك وتعالى أسرى بي وأسمعني وقال : يا محمد أنا المحمود وأنت محمد ، شققت اسمك من اسمي ، فمن وصلك وصلته ومن قطعك بتكته انزل إلى عبادي ( 2 ) فأخبرهم بكرامتي إياك وأني لم أبعث نبيا إلا جعلت له وزيرا وأنك رسولي وأن عليا وزيرك ، ثم أخذ صلى الله عليه وآله بيد علي بن أبي طالب فرفعها حتى نظر الناس إلى بياض أبطيهما ولم ير قبل ذلك ، ثم قال صلى الله عليه وآله أيها الناس إن الله تبارك وتعالى مولاي وأنا مولى المؤمنين ، فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله .
فلقال : الشكاك والمنافقون والذين في قلوبهم مرض وزيغ ( 3 ) : نبرأ إلى الله من مقالة ليس بحتم ، ولا نرضى أن يكون عليا وزيره ، هذه منه عصبية ، فقال سلمان والمقداد وأبوذر وعمار بن ياسر رضي الله عنهم : والله ما برحنا العرصة حتى نزلت هذه الآية " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا " ( 4 ) فكرر رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك ثلاثا ثم قال : إن كمال الدين وتمام النعمة ورضى الرب بإرسالي إليكم بالولاية بعدي لعلي بن أبي طالب صلوات الله

___________________________________________________________
ضقت بالامر ذرعا أى لم أقدر عليه .
( 2 ) في المصدر و ( م ) : انز على عبادي .
( 3 ) الزيغ : الميل عن الحق : الشك .
( 4 ) سورة المائدة : 3 .

[112]

وسلامه عليه ( 1 ) .
بيان : قوله عليه السلام : " ثم قال : تقدم " لعل هذا القول كان من وراء النهر كما دل عليه قوله فيما تقدم .
والبتك : القطع .
4 - لى : محمد بن عمر الحافظ ، عن محمد بن الحسين ( 2 ) ، عن حفص ، عن محمد بن هارون ، عن قاسم بن الحسن ، عن يحيى بن عبدالحميد ، عن قيس بن الربيع ، عن أبي هارون ، عن أبي سعيد قال : لما كان يوم غدير خم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله مناديا فنادى : الصلاة جامعة ، فأخذ بيد علي عليه السلام وقال : اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، فقال حسان بن ثابت : يا رسول الله أقول في علي عليه السلام شعرا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : افعل ، فقال : يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم وأكرم بالنبي مناديا يقول : فمن مولاكم ووليكم ؟ * فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا إلهك مولانا وأنت ولينا * ولن تجدن منالك اليوم عاصيا فقال له : قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا ( 3 ) وكان علي أرمد العين يبتغي * لعينيه مما يشتكيه مداويا ( 4 ) فداواه خير الناس منه بريقه * فبورك مرقيا وبورك راقيا ( 5 ) 5 - فس : أبي ، عن صفوان بن يحيى ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : آخر فريضة أنزلها الله تعالى الولاية ، ثم لم ينزل بعدها فريضة ، ثم نزل " اليوم أكملت لكم دينكم " بكراع الغميم ، ( 6 ) فأقامها رسول الله بالجحفة ، فلم ينزل بعدها فريضة ( 7 ) .

___________________________________________________________
( 1 ) امالى الصدوق : 213 و 214 .
( 2 ) في المصدر : عن محمد بن الحسين بن حفص .
( 3 ) : اوصيك من بعد إماما وهاديا .
( 4 ) رمدت العين : هاجت .
( 5 ) امالى الصدوق : 342 و 343 .
( 6 ) كراع الغميم : موضع بحجاز بين مكة والمدينة أمام عسفان بثمانية أميال ( مراصد الاطلاع 3 : 1153 ) .
( 7 ) تفسير القمى : 150 .

[113]

6 - فس : " يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك " قال : نزلت هذه الآية في علي ( 1 ) " وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " قال : نزلت هذه الآية في منصرف رسول الله صلى الله عليه وآله من حجة الوداع وحج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع لتماع عشر حجج من مقدمه المدينة ، وكان من قوله بمنى ( 2 ) أن حمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه عني ، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ، ثم قال : هل تعلمون أي يوم أعظم حرمة ؟ قال الناس : هذا اليوم ن قال : فأي شهر ؟ قال الناس : هذا ، قال صلى الله عليه وآله : وأي بلد أعظم حرمة ؟ قال الناس : بلدنا هذا ( 3 ) ، قال صلى الله عليه وآله : فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ، ألا هل بلغت أيها الناس ؟ قالوا : نعم ، قال : الله اشهد .
ثم قال صلى الله عليه وآله : ألا وكل مأثره أو بدع كانت في الجاهلية أودم أو مال فإنها ( 4 ) تحت قدمي هاتين ، ليس أحد أكرم من أحد إلا بالتقوى ، ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم ، قال : اللهم اشهد ، ثم قال : ألا وكل ربا كان في الجاهلية فهو موضوع وأول موضوع منه ربا العباس بن عبدالمطلب ألا وكل دم كانت في الجاهلية فهو موضوع وأول موضوع منه دم ربيعة ، ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم ، قال : اللهم اشهد .
ثم قال : ألا وإن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ، ولكنه راض بما تحتقرون من أعمالكم ، ألا وإنه إذا اطيع فقد عبد ، ألا يا أيا الناس إن المسلم أخو المسلم حقا ، ولا يحل لامرئ مسلم دم امرئ مسلم وماله إلا ما أعطاه بطينة نفس منه ، وإني امرت أن اقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها فقد عصوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ، ألا هل بلغت بها الناس ؟ قالوا : نعم ، قال : اللهم اشهد .

___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : قال نزلت في على .
( 2 ) : من قوله بمنى في خطبة ا ه .
( 3 ) : قالوا : بلدنا هذا .
( 4 ) : فهو .

[114]

ثم قال : أيها الناس احفظوا قولي تنتفعوا به بعدي وافقهوه تنتعشوا به بعدي ( 1 ) ، ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف على الدنيا ، فإن أنتم فعلتم ذلك ولتفعلن لتجدونني ( 2 ) في كتبية بين جبرئيل وميكائيل أضرب وجوهكم بالسيف ، ثم التفت عن يمينه وسكت ساعة ثم قال : إن شاء الله أو علي بن أبي طالب .
ثم قال : ألا وإني قد تركت فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، ألا فمن اعتصم بهما فقد نجا ومن خالفهما فقد هلك ، ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم ، قال : اللهم اشهد ، ثم قال : ألا وإنه سيرد علي الحوض منكم رجال فيدفعون عني ، فأقول : رب أصحابي ! ، فيقال : يا محمد إنهم أحدثوا بعدك وغيروا سنتك ، فأقول : سحقا سحقا .
فلما كان آخر يوم من أيام التشريق أنزل الله تعالى " إذا جاء نصر الله والفتح " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : نعيت إلي نفسي ، ثم نادى : الصلاة جامعة في مسجد الخيف ، فاجتمع الناس وحمد الله وأثنى عليه ثم قال : نضر الله امرء سمع مقالتي فوعاها وبلغها لمن لم يسمعها ، فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاث لايغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله ، والنصيحة لائمة المسلمين ، ولزوم جماعتهم ، فإن دعوتهم ( 3 ) محيطة من ورائهم ، المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم ، يسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم ، أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين ، قالوا : يا رسول الله وما الثقلان ؟ فقال : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كإصبعي هاتين - وجمع بين سبابتيه - ولا أقول كهاتين - وجمع بين سبابته والوسطى - فتفضل هذه على هذه .
فاجتمع قوم من أصحابه وقالو : يريد محمد صلى الله عليه وآله أن يجعل الامامة في أهل بيته ، فخرج منهم أربعة نفر إلى مكة ودخلوا الكعبة وتعاهدوا وتعاقدوا وكتبوا فيما بينهم كتابا إن أمات الله محمدا أو قتله ( 4 ) أن لا يردوا هذا الامر في أهل بيته أبدا ، فأنزل الله

___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : وافهموه تنعشوا .
( 2 ) : لتجدونى .
( 3 ) : فان دعوته .
( 4 ) : إن مات محمد او قتل .

[115]

تعالى على نبيه في ذلك " أم أبرموا فإنا مبرمون أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون ( 1 ) " فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله من مكة يريد المدينة حتى نزل منزلا يقال له : غدير خم ، وقد علم الناس مناسكهم وأوعز إليهم وصيته إذا نزل عليه هذه الآية ( 2 ) " يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وإن لم يفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : تهديد ووعيد ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس هل تعلمون من وليكم ؟ قالوا : نعم الله ورسوله ، قال : ألستم تعلمون أني أولى بكم منكم بأنفسكم ( 3 ) ؟ قالوا : بلى ، قال : اللهم اشهد ، فأعاد ذلك عليهم ثلاثا في كل ذلك يقول مثل قوله الاول ويقول الناس كذلك ويقول : اللهم اشهد ، ثم أخذ بيد أمير المؤمنين صلوات الله عليه فرفعها ( 4 ) حتى بدا للناس بياض إبطيهما ، ثم قال صلى الله عليه وآله : ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأحب من أحبه ، ثم قال : اللهم اشهد عليهم وأنا من الشاهدين .
فاستفهمه عمر بين أصحابه ( 5 ) فقال : يا رسول الله هذا من الله أو من رسوله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : نعم ( 6 ) من الله ومن رسوله ، إنه أمير المؤمنين ، إمام المتقين ، وقائد الغر المحجلين ، يقعده الله يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنة وأعداءه الناء ، فقال أصحابه الذين ارتدوا بعده : قد قال محمد صلى الله عليه وآله في المسجد الخيف ما قال وقال ههنا ما قال ، وإن رجع إلى المدينة يأخذنا بالبيعة له ، فاجتمعوا أربعة عشر نفرا وتآمروا على قتل رسول الله صلى الله وآله وسلم وقعدوا له في العقبة ، وهي عقبة أرشى بين الجحفة والابواء ( 7 ) ،

___________________________________________________________
( 1 ) سورة الزخرف .
79 و 80 .
( 2 ) في المصدر : اذ نزل جبرئيل هذه الاية .
( 3 ) : انى اولى بكم من انفسكم .
( 4 ) : فرفعه .
( 5 ) : فقام من بين اصحابه .
( 6 ) : هذا من الله ومن رسوله ؟ فقال : نعم اه .
( 7 ) : وبين الابواء .
وهى قرية من اعمال الفرع من المدينة ، بينها وبين الجحفة مما يلى المدينة ثلاثة وعشرون ميلا .
وبها قبر آمنة ام النبى صلى الله عليه وآله ( مراصد الاطلاع 1 : 19 )

[116]

فقعدوا سبعة عن يمين العقبة وسبعة عن يسارها لينفروا ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلما جن الليل تقدم رسول الله صلى الله عليه وآله في تلك الليلة العسكر ، فأقبل ينعس ( 1 ) على ناقته ، فلما دنا من العقبة ناداه جبرئيل : يا محمد إن فلانا وفلانا وفلانا قد قعدوا لك ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من هذا خلفي ؟ فقال خديفة بن اليمان : أنا حديفة بن اليمان يا رسول الله ، قال : سمعت ما سمعت ؟ قال : بلى ، قال : فاكتم ، ثم دنا رسول الله صلى الله عليه وآله منهم فناداهم بأسمائهم ، فلما سمعوا نداء رسول الله فروا ( 2 ) ودخلوا في غمار الناس ( 3 ) ، وقد كانوا عقلوا رواحلهم فتركوها ، ولحق الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وطلبوهم ، وانتهى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى رواحلهم فعرفها ، فلما نزل قال : ما بال أقوام تحالفوا في الكعبة إن أمات الله محمدا أو قتله ( 4 ) أن لايردوا هذا الامر في أهل بيته أبدا ؟ فجاوؤا إلى رسول الله فحلفوا أنهم لم يقولوا من ذلك شيئا ولم يريدوه ولم يهموا بشئ من رسول الله صلى الله عليه وآله ! فأنزل الله " يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا " ( 5 ) من قتل رسول الله صلى الله عليه وآله " وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوايك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة ومالهم في الارض من ولي ولا نصير ( 6 ) " فرجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة وبقي بها المحرم والنصف من صفر لا يشتكي شيئا ، ثم ابتدأ به الوجع الذي توفي فيه صلى الله عليه وآله ( 7 ) .
توضيح : قال الجزري : في الحديث " ألا إن كل دم ومأثره كانت في الجاهلية فإنها تحت قدمي هاتين " مآثر العرب : مكارمها ومفاخرها التي تؤثر عنها أي تروى وتذكر ، ( 8 ) أراد إخفاءها وإعدامها وإذلال أمر الجاهلية ونقض سنتها .
وقال : فلا أنتعش

___________________________________________________________
( 1 ) نعس الرجل : اخذته فترة في حواسه فقارب النوم .
( 2 ) في المصدر : مروا .
( 3 ) الغمار - بضم الغين وفتحها - جماعة الناس ولفيفهم .
( 4 ) في المصدر : ان مات محمد او قتل .
( 5 و 6 ) سورة التوبة : 74 .
( 7 ) تفسير القمى : 159 - 162 .
( 8 ) النهاية 1 : 16 .

[117]

أي فلا أرتفع ، وانتعش العاثر إذا نهض من عثرته ( 1 ) .
وقال : الكتيبة القطعة العظيمة من الجيش ( 2 ) .
قوله صلى الله عليه وآله : " أو علي بن أبي طالب " عطف على الياء في قوله : ( لتجدوني ) وسكونه والتفاته كان لاستماع الوحي ، حيث اوحي إليه أنه يفعل ذلك علي عليه السلام ، وقال الجزري : في حديث الحوض " فأقول : سحقا سحقا " أي بعدا بعدا ( 3 ) .
قوله : " نعيت إلي نفسي " قال الطبرسي : اختلف في أنهم من أي وجه علموا ذلك وليس في ظاهره نعي ( 4 ) ؟ فقيل : لان التقدير : فسبح بحمد ربك فإنك حينئذ لاحق بالله وذائق الموت كما ذاق من قبل من الرسل ، وعند الكمال يرقب الزوال ، كما قيل : إذا تم أمر دنا نقصه ( 5 ) * توقع زوالا إذا قيل تم وقيل : لانه سبحانه أمره بتجديد التوحيد واستدراك الفائت بالاستغفار ، وذلك مما يلزم عند الانتقال من هذه الدار إلى دار الابرار ( 6 ) .
وقال الجزري : فيه " نضر الله امرء سمع مقالتي فوعاها " نضره ونضره وأنضره أي نعمه ، ويروى بالتخفيف والتشديد من النضارة ، وهي في الاصل حسن الوجه والبريق ، وإنما أراد : حسن خلقه وقدره ( 7 ) .
وقال في قوله " يغل " : هو من الاغلال : الخيانة في كل شئ .
ويروى يغل بفتح الياء من الغل وهو الحقد والشحناء ، أي لا يدخله حقد يزيله عن الحق ، وروى يغل بالتخفيف من الوغول في الشر ( 8 ) والمعنى أن هذه الخلال الثلاث تستصلح بها القلوب ، فمن تمسك بها طهر قلبه من الخيانة والدغل
-بحار الانوار مجلد: 33 من ص 117 سطر 18 الى ص 125 سطر 18 والشر .
و " عليهن " في موضع الحال ، تقديره : لا يغل كائنا عليهن قلب مؤمن ( 9 ) .

___________________________________________________________
( 1 ) النهاية 4 : 157 .
( 2 ) : 4 : 7 .
( 3 ) 2 : 150 .
( 4 ) نعى لنا فلانا : اخبرنا بوفاته .
( 5 ) في المصدر : بدا نقصه .
( 6 ) مجمع البيان : 10 : 554 .
( 7 ) النهاية : 3 : 152 .
( 8 ) في المصدر : من الوغول : الدخول في الشر .
( 9 ) النهاية 3 : 168 .

[118]

وقال : فيه " فإن دعوتهم تحيط من وراءهم " أي تحوطهم وتكفيهم وتحفظهم ( 1 ) .
أقول : ويمكن أن يكون " من " على صيغة الموصول أو بالكسر حرف جر ، وعلى التقديرين يحتمل أن يكون المراد بالدعوة دعاء النبي إلى الاسلام أو دعاؤه وشفاعته لنجاتهم وسعاداتهم ، أو الاعم منه ومن دعاء المؤمنين بعضهم لبعض ، بأن يكون إضافة الدعوة إلى الفاعل ، وعلى التقدير الاول يحتمل أن يكون المعنى أن دعوة النبي صلى الله عليه وآله ليست مختصة بالحاضرين ، بل تبليغه صلى الله عليه وآله يشمل الغائبين ومن يأتي بعدهم من المعدومين .
قوله : " تتكافأ دماؤهم " أي تتساوى في القصاص والديات .
وقال الجزري : الذمة ك العهد والامان ، ومنه الحديث " يسعى بذمتهم أدناهم " أي إذا أعطى أحد لجيش العدو أمانا جاز ذلك على جميع المسلمين ، وليس لهم أن يخفروه ولا أن ينقضوا عليه عهده ( 3 ) .
أقول : لعل المعنى أن أدنى المسلمين يعسى في تحصيل الذمة لكافر على جميع المسلمين ، وهو كناية عن قبول أمانة فإنه لو لم يقبل أمانه لم يسع في ذلك ، ويمكن أن يقرأ يسعى على البناء للمجهول ويكون أدناهم بدلا عن الضمير في قوله : بذمتهم ، والاول أظهر .
وقال الجزري : فيه " هم يد على من سواهم " أي هم مجتمعون على أعدائهم لا يسع التخاذل ( 3 ) ، بل يعاون بعضهم بعضا على جميع الاديان والملل ، كأنه جعل أيديهم يدا واحدة وفعلهم فعلا واحدا ( 4 ) .
وقال الجوهري : أو عزت إليه في كذا وكذا أي تقدمت ( 5 ) .
7 - ب : السندي بن محمد ، عن صفوان الجمال قال : قال أبوعبدالله عليه السلام لما نزلت هذه الآية في الولاية أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بالدوحات في غدير خم فقممن ( 6 ) ،

___________________________________________________________
( 1 ) لم نجده في النهاية ، نعم ذكر في ( حوط ) مالفظه : ومنه الحديث " وتحيط دعوته من ورائهم " اى تحدق بهم من جميع جوانبهم .
( 1 : 271 ) .
( 2 ) النهاية 2 : 50 .
وخفره : اخذ منه مالا ليجيره ويؤمنه .
( 3 ) في المصدر : لا يسعهم التخاذل .
( 4 ) النهاية 4 : 263 .
( 5 ) الصحاح ج : 2 ص : 898 .
( 6 ) الدوحة : الشجرة العظيمة المتصلة .
قم البيت : كنسه .

[119]

ثم نودي : الصلاة جامعة ، ثم قال : أيها الناس من كنت مولاه فعلي مولاه ، ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا : بلى ، قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، رب وال من والاه ، وعاد من عاداه ، ثم أمر الناس يبايعون عليا ، فبايعه الناس لا يجئ أحد إلا بايعه ولا يتكلم منهم أحد ، ثم جاء زفر وحبتر فقال : صلى الله عليه وآله له : يا زفر بايع عليا بالولاية ، فقال : من الله ومن رسوله ( 1 ) ؟ قال : من الله ومن رسوله ، ثم جاء حبتر فقال صلى الله عليه وآله : بايع عليا بالولاية ، فقال : من الله ومن رسوله ( 2 ) ؟ ثم ثنى عطفه ملتفتا فقال لزفر : لشد ما يرفع بضبع ابن عمه ( 3 ) .
بيان : قال الجزري : الضبع - سكون الباء - وسط العضد ، وقيل : هو ما تحت الابط ( 4 ) .
8 - فس : أحمد بن الحسن التاجر ، عن الحسن بن علي الصوفي ، عن زكريا ابن محمد ، عن محمد بن علي ، عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال : لما أقام رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليا يوم غدير خم كان بحذائه سبعة نفر من المنافقين ، منهم أبوبكر وعمر وعبدالرحمان بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبوعبيدة وسالم مولى أبي حذيفة والمغيرة بن شعبة ، قال عمر : أما ترون عينيه كأنهما عينا مجنون ؟ - يعني النبي صلى الله عليه وآله - الساعة يقوم ويقول : قال لي ربي ، فلما قام قال : أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا : الله ورسوله ، قال : اللهم فاشهد ، ثم قال : ألا من كنت مولاه فعلي مولاه ، وسلموا عليه بإمرة المؤمنين ، فأنزل جبرئيل عليه السلام وأعلم رسول الله صلى الله عليه وآله بمقالة القوم ، فدعاهم فسألهم فأنكروا وحلفوا ، فأنزل الله : " يحلفون بالله ما قالوا ( 5 ) " .
9 - فس : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما أمر الله نبيه أن ينصب أمير المؤمنين عليه السلام للناس في قوله : " يا أيها الرسول بلغ ما

___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : من الله او من رسوله .
وكذا فيما بعده .
( 2 ) كذا في النسخ ، وفى المصدر بعد ذلك : فقال من الله ومن رسوله .
( 3 ) قرب الاسناد : 27 .
( 4 ) النهاية 3 : 11 .
( 5 ) تفسير القمى : 277 .
والاية في سورة التوبة : 74 .

[120]

انزل إليك من ربك " في علي بغدير خم فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فجاءت الابالسة إلى إبليس الاكبر وحثوا التراب ( 1 ) على رؤوسهم ، فقال لهم إبليس : مالكم ؟ فقالوا : إن هذا الرجل قد عقد اليوم عقدة لا يحلها شئ إلى يوم القيامة فقال لهم إبليس : كلا إن الذين حوله قد وعدوني فيه عدة لن يخلفوني ، فأنزل الله على رسوله " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه " الآية .
10 - فس : أبي ، عن حسان ( 3 ) ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله : " وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به روح الامين * على قلبك لتكون من المنذرين " قال : الولاية نزلت لامير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير ( 4 ) .
11 - فس : أبي رفعه قال : قال أبوعبدالله عليه السلام لما نزلت الولاية وكان من قول رسول الله بغدير خم : سلموا على علي بإمرة المؤمنين فقالا : من الله ومن رسوله ؟ فقال لهما : نعم حقا من الله ومن رسوله ( 5 ) أنه أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين يقعده الله يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنة ويدخل أعداءه النار ( 6 ) ، فأنزل الله عزوجل " ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتهم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون " يعني قول رسول الله : من الله ومن رسوله ، ثم ضرب لهم مثلا فقال : " ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم ( 7 ) " 12 - ب : السندي بن محمد ، عن صفوان الجمال ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سمعته يقول : لما نزلت الولاية لعلي عليه السلام قام رجل من جانب الناس فقال : لقد عقد هذا الرسول لهذا الرجل عقدة لا يحلها بعده إلا كافر ، فجاءه الثاني فقال له : يا عبدالله

___________________________________________________________
( 1 ) حثا التراب : صبه .
( 2 ) تفسير القمى : 538 .
والاية في سورة سبأ : 20 .
( 3 ) في المصدر : عن حنان .
( 4 ) تفسير القمى : 474 .
والايات في سورة الشعراء : 192 و 194 .
( 5 ) في المصدر : فقالوا أمن الله ومن رسوله ؟ فقال لهم اه .
( 6 ) : وأعداءه النار .
( 7 ) تفسير القمى : 364 .
والايتان في سورة النحل : 91 و 92 .