[141]

إن الله تعالى يأمرك أن تدل امتك من صيامهم على مثل ما دللتهم عليه من صلاتهم وزكاتهم شهر رمضان بين شعبان وشوال ، يؤتى فيه كذا ويجتنب فيه كذا ، فدله على الصيام واحتج به عليه ، فدل رسول الله صلى الله عليه وآله امته على الصيام واحتج به عليهم ، ثم أتاه فقال : إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تدل امتك في حجهم مثل ما دللتهم عليه في صلاتهم وزكاتهم وصيامهم ، فدله على الحج واحتج عليه ، فدل رسول الله صلى الله عليه وآله امته على الحج واحتج به عليهم ، ثم أتاه فقال : إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تدل امتك من وليهم ؟ على مثل ما دللتهم عليه في صلاتهم وزكاتهم وصيامهم وحجهم ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : رب امتي حديثو عهد بالجاهلية ، فأنزل الله " يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته " تفسيرها : أتخشى الناس فالله يعصمك من الناس ؟ فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فأخذ بيد علي بن أبي طالب فرفعها ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ، وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه ( 1 ) .
35 - شى : عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال : لما أنزل الله على نبيه " يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين " قال : فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيد علي عليه السلام فقال : يا أيها الناس إنه لم يكن نبي من الانبياء ممن كان قبل إلا وقد عمر ثم دعاه الله فأجابه ، واوشك أن ادعى فأجيب ، وأنا مسؤول وأنتم مسؤولون ، فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت ونصحت وأديت ما عليك ، فجزاك الله أفضل ما جزى المرسلين ،
-بحار الانوار مجلد: 33 من ص 141 سطر 19 الى ص 149 سطر 18 فقال : اللهم اشهد ، ثم قال : يا معشر المسلمين ليبلغ الشاهد الغائب ، اوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي ، ألا إن ولاية علي ولايتي ، وولايتي ولاية ربي ، عهدا عهده إلي ربي وأمرني أن أبلغكموه ، ثم قال : هل سمعتم ؟ - ثلاث مرات يقولها - فقال قائل : قد سمعنا يا رسول الله ( 2 ) .
36 - م : قال الامام موسى بن جعفر ( 3 ) عليه السلام : إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما أوقف

___________________________________________________________
( 1 و 2 ) مخطوط .
( 3 ) في المصدر : قال الامام : قال موسى بن جعفر عليه السلام .

[142]

العالم ( 1 ) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في يوم الغدير موقفه المشهور المعروف ثم قال : يا عباد الله انسبوني ، فقالوا : أنت محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف ، ثم قال : أيها الناس ألست أولى بكم بأنفسكم ( 2 ) ؟ فأنا مولاكم أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، فنظر إلى السماء وقال : اللهم اشهد يقول هو ذلك وهم يقولون ( 3 ) ذلك - ثلاثا - ثم قال : ألا من كنت مولاه وأولى به فهذا مولاه ( 4 ) وأولى به ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ، ثم قال : قم يا أبا بكر فبايع له بإمرة المؤمنين ، فقام ففعل ذلك وبايع له ( 5 ) ، ثم قال : قم يا عمر فبايع له بإمرة المؤمنين ، فقام فبايع ( 6 ) ، ثم قال بعد ذلك لتمام التسعة ثم لرؤساء المهاجرين والانصار فبايعوا كلهم ، فقام من بين جماعتهم عمر بن الخطاب وقال : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ، تفرقوا عن ذلك وقد وكدت عليهم العهود والمواثيق ، ثم إن قوما من متمرديهم وجبابرتهم تواطؤاو بينهم إن كانت لمحمد صلى الله عليه وآله كائنة لندفعن عن علي هذا الامر ولا نتركه له ، فعرف الله ذلك من قبلهم ، وكانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وآله ويقولون : لقد أقمت عليا ( 7 ) أحب خلق الله إلى الله وإليك وإلينا ، كيفتنا به مؤونة الظلمة لنا والجائرين في سياستنا ( 8 ) ، وعلم الله تعالى في قلوبهم خلاف من موالاة بعضهم لبعض ( 9 ) وإنهم على العداوة مقيمون ولدفع الامر عن محقه ( 10 ) مؤثرون ، فأخبر الله عزوجل محمدا عنهم فقال : يا محمد " ومن

___________________________________________________________
( 1 ) ليست كلمة " العالم " في المصدر .
( 2 ) في المصدر و ( م ) : اولى بكم من انفسكم .
( 3 ) في المصدر : اللهم اشهد بقول هؤلاء ذلك ، وهو يقول ويقولون اه .
( 4 ) : فهذا على مولاه .
( 5 ) : فقام وبايع له .
( 6 ) : فبايع له .
( 7 ) : لقد أقمت علينا .
( 8 ) : والمجابرين في سياستنا .
( 9 ) : من مواطاة بعضهم لبعض .
( 10 ) : عن مستحقه .

[143]

الناس من يقول آمنا بالله " الذي أمرك بنصب علي إماما وسائسا لامتك ومدبرا " وما هم بمؤمنين " بذلك ولكنهم مواطئوون على هلاكك وهلاكه ، يوطنون أنفسهم على التمرد على علي إن كان بك كائنة .
قوله عزوجل : " يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون " قال موسى بن جعفر عليه السلام : فاتصل ( 1 ) ذلك من مواطاتهم وقيلهم في علي عليه السلام وسوء تدبيرهم عليه برسول الله صلى الله عليه وآله ، فدعاهم وعاتبهم فاجتهدوا في الايمان وقال أولهم : يا رسول الله ما اعتددت ( 2 ) بشئ كاعتدادي بهذه البيعة ، ولقد رجوت أن يفسح الله بها لي في الجنان ( 3 ) ويجعلني فيها من أفضل النزال والسكان ، وقال ثانيهم : بأبي أنت وامي يا رسول الله ما وثقت بدخول الجنة والنجاة من النار إلا بهذه البيعة ، والله ما يسرني إن نقضتها أو نكثت بعد ما أعطيت من نفسي ما أعطيت وإن [ كان ] لي طلاع ما بين الثرى إلى العرش لآلي رطبة وجواهر فاخرة ، وقال ثالثهم : والله يا رسول الله لقد صرت من الفرح بهذه البيعة من السرور والفتح من الآمال في رضوان الله ما أيقنت أنه لو كانت علي ذنوب أهل الارض ( 4 ) كلها المحصت عني بهذه البيعة ، وحلف على ما قال من ذلك ، ولعن من بلغ عنه رسول الله خلاف ما حلف عليه ، ثم تتابع بهذا الاعتذار ( 5 ) من بعدهم من الجبابرة والمتمردين ، فقال الله عزوجل لمحمد : " يخادعون الله " يعني يخادعون رسول الله صلى الله عليه وآله بإبذائهم خلاف ما في جوانحهم " والذين آمنوا " كذلك أيضا الذين سيدهم وفاضلهم علي بن أبي طالب عليه السلام ثم قال : وما يخدعون إلا أنفسهم " وما يضرون بتلك الخديعة إلا أنفسهم ، فالله غني عنهم وعن نصرتهم ، ولولا إمهاله لما قدروا على شئ من فجورهم وطغيانهم " وما يشعرون " أن الامر كذلك ، وأن الله يطلع نبيه على نفاقهم وكذبهم وكفرهم ، ويأمره بلعنهم في لعنة الظالمين الناكثين ، وذلك اللعن لا يفارقهم ،

___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : قال الامام : قال موسى بن جعفر عليه السلام : لما اتصل اه .
( 2 ) : والله ما اعتددت .
( 3 ) : في قصور الجنان .
( 4 ) : لقد صرت من الفرح والسرور بهذه البيعة والفتح من الامال في رضوان الله وأيقنت انه لو كانت ذنوب أهل الارض على اه .
( 5 ) في المصدر : بمثل هذا الاعتذار .

[144]

في الدنيا يلعنهم خيار عباد الله ، وفي الآخر يبتلون بشدائد عذاب الله .
قوله عزوجل " في قلوبهم مرض ، فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون " قال موسى بن جعفر عليه السلام ( 1 ) : إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما اعتذر إليه هؤلاء بما اعتذروا تكرم عليهم بأن قبل ظواهرهم ووكل بواطنهم إلى ربهم ، لكن جبرئيل أتاه فقال : يا محمد إن العلي الاعلى يقرؤك السلام ويقول : أخرج هؤلاء المردة الذين اتصل بك عنهم ( 2 ) في علي ونكثهم لبيعته وتوطينهم نفوسهم على مخالفتهم عليا ليظهر من العجائب ما أكرمه الله به من طواعية ( 3 ) الارض والجبال والسماء له وسائر ما خلق الله لما أوقفه وأقامه مقامك ، ليعلموا أن ولي الله عليا غني عنهم ، وأنه لا يكف عنهم انتقامه إلا بأمر الله الذي له فيه ، وفيهم التدبير الذي بالغه بالحكمة التي ( 4 ) هو عامل بها وممض لما يوجبها ( 5 ) .
فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله الجماعة الذين اتصل به عنهم ما اتصل في أمر علي عليه السلام والمواطاة على مخالفته بالخروج ، فقال لعلي عليه السلام لما استنفر ( 6 ) عند صفح بعض جبال المدينة : يا علي إن الله جل وعلا أمر هؤلاء بنصرتك ومساعدتك والمواظبة على خدمتك والجد في طاعتك ، فإن أطاعوك فهو خير لهم ، يصيرون في جنان الله ملوكا خالدين ناعمين ، وإن خالفوك فهو شر لهم ، يصيرون في جهنم خالدين معذبين ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لتلك الجماعة : اعملوا أنكم إن أطعتم عليا سعدتم ، وإن خالفتم ( 7 ) شقيتم ، وأغناه الله عنكم بمن سيريكموه وبما سيريكموه .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي سل ربك بجاه محمد وآله الطيبين الذين أنت بعد محمد سيدهم أن يقلب لك هذه الجبال ما شئت ، فسأل ربه تعالى ذلك فانقلبت فضة ،

___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : قال الامام : قال موسى بن جعفر عليه السلام .
( 2 ) الفاعل غير مذكور في الجملة ، اى اتصل بك عنهم ما اتصل .
بقرينة ما سيأتى .
( 3 ) الطواعية : الطاعة .
( 4 ) في المصدر : الذى هو بالغه ، والحكمة التى اه .
( 5 ) : يوجهها .
( 6 ) كذا في ( ك ) ومعناه : لما استفر ناقة رسول الله كما مضى .
وفى المصدر و ( م ) : لما استقر .
( 7 ) في المصدر : وان خالفتموه .

[145]

ثم نادته الجبال : يا علي ويا وصي رسول رب العالمين إن الله قد أعدنا لك إن أدرت إنفاقنا في أمرك ، فمتى دعوتنا أجبناك لتمضي فينا حكمك وتنفذ فينا قضاءك ، ثم انقلبت ذهبا كلها ( 1 ) وقالت مقالة الفضة ، ثم انقلبت مسكا وعنبرا وعبيرا وجواهر ويواقيت ، وكل شي ء منها ينقلب إليه فنادته ( 2 ) : يابا الحسن يا أخا رسول الله نحن المسخرات لك ، ادعنا متى شئت لتنفقنا فيما شئت نجبل ونتحول لك إلى ماشئت ( 3 ) ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي سل الله بمحمد وآله الطاهرين الذين أنت سيدهم بعد محمد رسول الله أن يقلب أشجارها لك رجالا شاكين الاسلحة ( 4 ) ، وصخورها اسودا ونمورا وأفاعي ، فدعا الله علي بذلك فامتلات تلك الجبال والهضبات ( 5 ) وقرار الارض من الرجال الشاكين السلاح الذين لا يفي ( 6 ) بالواحد منهم عشرة آلاف من الناس المعهودين ومن الاسود والنمور والافاعي حتى طبقت تلك الجبال والارضون والهضبات ، كل ينادي : يا علي يا وصي رسول الله نحن قد سخرنا الله لك وأمرنا بإجابتك كلما دعوتنا إلى اصطلام كل من سلطتنا عليه ( 7 ) ، فمتى شئت فادعنا نجبك ، وما شئت فأمرنا به نطعك .
يا علي يا وصي رسول الله إن لك عند الله من الشأن العظيم مالو سألت الله أن يصير لك أطراف الارض وجوابنها هيئة واحدة كصرة كيس لفعل ، أو يحط لك السماء إلى الارض لفعل ، أو يرفع لك الارض إلى السماء لفعل ، أو يقلب لك ما في بحارها الاجاج ماء عذبا أو زئبقا أو بانا ( 8 ) أو ما شئت من أنواع الاشربة والادهان لفعل ، ولو شئت أن

___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : ذهبا احمر كلها .
( 2 ) كذا في النسخ والمصدر : والظاهر : يناديه .
( 3 ) في المصدر بعد ذلك : ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أرأيتم قد أغنى الله عزوجل عليا بما ترون عن اموالكم ؟ اه .
( 4 ) في المصدر : شاكى السلاح .
وشاك السلاح - بالتخفيف والتشديد - وشاكيه : ذو شوكة وحدة في سلاحه .
( 5 ) جمع الهضبة : الجبل المنبسط على وجه الارض .
( 6 ) في المصدر : من الرجال الشاكلى الاسلحة التى لا يقى اه .
( 7 ) في المصدر : كل من سلطناه عليه .
( 8 ) الزئبق : سيال معدنى لا يجمد إلا في درجة 40 من الصفر ، والعامة تقول له الزيبق والبان : شجر معتدل القوام لين ورقة كورق الصفصاف ، يؤخذ من حبه دهن طيب .

[146]

يجمد البحار أو يجعل سائر الارض هي البحار لفعل ، لا يحزنك ( 1 ) تمرد هؤلاء المتمردين وخلاف هؤلاء المخالفين ، فكأنهم بالدنيا قد انقضت عنهم كأن لم يكونوا فيها ، وكأنهم بالآخرة إذا وردت عليهم كأنهم لم يزالوا فيها ، يا علي إن الذي أمهلهم مع كفرهم وفسقهم في تمردهم على طاعتك هو الذي أمهل فرعون ذا الاوتاد ونمرود بن كنعان ، ومن ادعى الالهية من ذوي الطغيان وأطغى الطغاة إبليس رأس أهل الضلالات ، ما خلفت أنت ولاهم لدار الفناء ، بل خلقتم لدار البقاء ، ولكنكم تنتقلون من دار إلى دار ، ولا حاجة بربك إلى من يسوسهم ويرعاهم ، ولكنه أراد تشريفك عليهم وإبانتك بالفضل فيهم ، ولو شاء لهداهم .
قال : فمرضت قلوب القوم لما شاهدوا ذلك مضافا إلى ما كان من مرض أجسامهم له ولعلي بن أبي طالب عليه والسلام ، فقال الله عند ذلك : " في قلوبهم مرض " أي في قلوب هؤلاء المتمردين الشاكين الناكثين لما اخذت عليهم من بيعة علي عليه السلام " فزادهم الله مرضا " بحيث تاهت له قلوبهم جزاء بما أريتهم من هذه الآيات والمعجزات " ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون " محمدا ويكذبون في قولهم إنا على العهد والبيعة مقيمون .
قوله عزوجل : " وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون " قال الامام عليه السلام : قال العالم موسى بن جعفر عليه السلام : إذا قيل لهؤلاء الناكثين للبيعة في يوم الغدير : لا تفسدوا في الارض بإظهار نكث البيعة لعباد الله المستضعفين فتشوشون عليهم دينهم وتحيرونهم في مذاهبهم " قالوا إنما نحن مصلحون " لاننا لا نعتقد دين محمد ولا غير دين محمد صلى الله عليه وآله ونحن في الدين متحيرون فنحن نرضى في الظاهر بمحمد بإظهار قبول دينه وشريعته ، ونقضي في الباطن على شهواتنا فنتمتع ونتركه [ ونترفه ] ونعتق أنفسنا من رق محمد صلى صلى الله عليه وآله ، ونكفها من طاعة ابن عمه علي ، لكي إن ابد أمره في الدنيا ( 2 ) كنا قد توجهنا عنده ، وإن اضمحل أمره كنا قد سلمنا على أعدائه .

___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : فلا يحزنك .
( 2 ) : لكى إن اديل في الدنيا .
أى صار متداولا .

[147]

قال الله عزوجل : " ألا إنهم هم المفسدون " بما يفعلون امور أنفسهم ( 1 ) ، لان الله تعالى يعرف نبيه صلى الله عليه وآله نفاقهم ، فهو يلعنهم ويأمر المسلمين بلعنهم ولا يثق بهم أيضا أعداء المؤمنين ، لانهم يظنون أنهم ينافقون أيضا كما ينافقون أصحاب محمد صلى الله عليه وآله ، فلا يرتفع لهم عندهم منزلة ، ولا يحلون عندهم محل أهل الثقة .
قوله عزوجل : " وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون " قال الامام موسى بن جعفر عليه السلام ( 2 ) : وإذا قيل لهؤلاء الناكثين البيعة - قال لهم خيار المؤمنين كسلمان والمقداد وعمار وأبي ذر - : آمنوا برسول الله وبعلي الذي وقفه موقفه وأقامه مقامه ، وأناط مصالح الدين والدنيا كلها به ، فآمنوا بهذا النبي وسلموا لهذا الامام وسلموا له ظاهرة وباطنة ( 3 ) ، كما آمن الناس المؤمنون كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار ، قالوا في الجواب لمن يفضون إليه ( 4 ) لا لهؤلاء المؤمنين لانهم لا يجسرون على مكاشفتهم بهذا الجواب ولكنهم يذكرون لمن يفضون إليهم من أهليهم الذين يثقون بهم من المنافقين ومن المستضعفين أو من المؤمنين الذينهم بالستر عليهم واثقون بهم يقولون لهم : " أنؤمن كما آمن السفهاء " يعنون سلمان وأصحابه لما أعطوا عليا خالص ودهم ومحض طاعتهم ، وكشفوا رؤوسهم بموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه ، حتى إن اضمحل أمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم طحطحهم ( 5 ) أعداؤه وأهلكم سائر الملوك والمخالفين لمحمد صلى الله عليه وآله ، أي فهم بهذا التعرض لاعداء محمد صلى الله عليه وآله جاهلون سفهاء قال الله عزوجل : " ألا إنهم هم السفهاء " الاخفاء العقول والآراء ، الذين لم ينظروا في أمر محمد حق النظر فيعرفوا نبوته ، ويعرفوا به صحة ما ناطه بعلي عليه السلام من أمر الدين والدينا ، حتى بقوا لتركهم تأمل حجج الله جاهلين ، وصاروا خائفين ( 6 ) من محمد

___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : من امور انفسهم .
( 2 ) : قال الامام : قال موسى بن جعفر عليه السلام .
( 3 ) : في ظاهر الامر وباطنه .
( 4 ) أفضى إليه بسره : أعلمه به .
وفى المصدر : يقصون إليه .
وكذا فيما يأتى .
( 5 ) طحطحه : بدده وأهلكه .
( 6 ) في المصدر : وصاروا خائفين وجلين .

[148]

وذويه ومن مخالفيهم ، ولا يؤمنون أن ينقلب فيهلكون معه ( 1 ) ، فهم السفهاء حيث لا يسلم لهم بنفاقهم هذا لا محبة محمد والمؤمنين ولا محبة اليهود وسائر الكافرين ، لانهم به وبهم ( 2 ) يظهرون لمحمد من موالاته وموالاة أخيه علي عليه السلام ومعاداة أعدائهم اليهود والنصارى والنواصب كما يظهرون لهم من معاداة محمد وعلي عليهما السلام ومعاداة أعدائهم ( 3 ) وبهذا يقدرون أن نفاقهم معهم كنفاقهم مع محمد وعلي ، ولكن لا يعلمون أن الامر ليس كذلك ، فإن الله يطلع نبيه على أسرارهم فيخسأهم ويلعنهم ويسقطهم ( 4 ) .
تبيين : طلاع الشئ - بالكسر - ملؤه ، والمراد بالبان دهنه وهو معروف .
أقول : قال ابن الجوزي في كتاب المناقب : حديث في قوله صلى الله عليه وآله : " من كنت مولاه فعلي مولاه " أخرجه أحمد بن حنبل في المسند والفضائل وأخرجه الترمذي أيضا ، فأما طريق أحمد فروى عن زاذان قال : سمعت عليا ينشد الناس في الرحبة ويقول : انشد الله رجلا سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه فقام ثلاثة عشر رجلا من الصحابة فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك ، وأما طريق الترمذي فكذلك وزاد فيه " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وأدر الحق معه كيفما دار وحيث دار " قال الترمذي : هذا حديث حسن .
وأما طريق الفضائل فقال أحمد عن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من كنت مولاه فعلي وليه .
وفي هذه الرواية : فقام بالرحبة ثلاثون رجلا أو خلق كثير فشهدوا له بذلك .
وقال أحمد في الفضائل عن رباح بن الحارث قال : جاء رهط إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا : السلام عليك يا مولانا - وكان بالرحبة - فقال عليه السلام : كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب ؟ فقالوا : سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه .
قال رباح فقلت : من هؤلاء ؟ فقيل لي : نفر من الانصار فيهم أبوأيوب

___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : لا يؤمنون ايهم يقلب فيهلكون معه .
( 2 ) كذا في النسخ والمصدر .
( 3 ) أى أعداء اليهود والنصارى .
وفى المصدر : " وموالاة أعدائهم " فيكون مرجع الضمير رسول الله وأصحابه .
( 4 ) تفسير الامام : 41 : 45 .

[149]

الانصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله ( 1 ) .
أقول : ورواه ابن بطريق ، عن عبدالله بن أحمد ، عن أبيه ، عن يحيى بن آدم ، عن جيش بن الحارث بن لقيط ، عن رباح بن الحارث ( 2 ) .
ثم قال ابن الجوزي : وقال أحمد : حدثنا ابن نمير حدثنا عبدالملك ، عن عطية العوفي قال : أتيت زيد بن أرقم فقلت له : إن ختنا لي حدثني عنك في شأن علي بن أبي طالب عليه السلام يوم الغدير وأنا احب أن أسمعه منك ، فقال لي : إنكم معشر أهل العراق فيكم ما فيكم ، فقلت : ليس عليك مني بأس ، فقال : نعم كنا بالجحفة فخرج رسول الله علينا ظهرا وهو آخذ بعضد علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : أيها الناس ألستم تعلمون أني أولى بالناس من أنفسهم ؟ قالوا : بلى ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه - قالها أربع مرات ( 3 ) .
مد : عبدالله بن أحمد عن أبيه مثله ( 4 ) .
أقول : قال ابن الجوزي : وقال أحمد أيضا : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا عدي بن زيد ، عن عدي بن ثابت ، عن براء بن عازب قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا : الصلاة جامعة ، وكسح ( 5 ) لرسول الله صلى الله عليه وآله بين شجرتين ، فصلى بنا الظهر وأخذ بيد علي بن أبي طالب عليه السلام وقال : اللهم من كنت مولاه فهذا مولاه ، اللهم انصر من نصره واخذل من خذله ، فقال عمر بن الخطاب : هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصحبت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ( 6 ) .
أقول : رواه السيد في الطرائف وابن بطريق في العمدة عن أحمد بن حنبل والثعلبي
-بحار الانوار مجلد: 33 من ص 149 سطر 19 الى ص 157 سطر 18 بإسنادهما عن البراء ( 7 ) .

___________________________________________________________
( 1 و 3 ) مخطوط : ( 2 ) العمدة : 46 .
( 4 ) : 47 .
( 5 ) اى كنس .
( 6 ) مخطوط .
( 7 ) راجع الطرائف : 36 .
والعمدة : 45 .

[150]

ثم قال ابن الجوزي : اتفق علماء السير على أن قصة الغدير كانت بعد رجوع رسول الله من حجة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجة ، وكان معه من الصحابة ومن الاعراب وممن يسكن حول مكة والمدينة مائة وعشرون ألفا ، وهم الذين شهدوا معه حجة الوداع وسمعوا منه هذه المقالة ، وقد أكثر الشعراء في يوم الغدير فقال حسان ابن ثابت : ثناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم فأسمع بالرسول مناديا إلى آخر ما مر من قوله : رضيتك من بعدي إماما وهاديا فمن كنت مولاه فهذا وليه * وكن للذي عادى عليا معاديا فقال له النبي صلى الله عليه وآله : يا حسان لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نافحت عنا بلسانك ( 1 ) .
وقال قيس بن سعد بن عبادة الانصاري وأنشدها بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام يوم صفين : قلت لما بغى الغدو علينا * حسبنا ربنا ونعم الوكيل وعلي إمامنا وإمام * لسوانا أتى به التنزيل يوم قال النبي من كنت مولاه * فهذا مولاه خطب جليل ( 2 ) إنما قاله الرسول على الامة * ما فيه قول وقال وقيل وقال الكميت : نفى عن عينك الارق الهجوعا * ومما تمتري عنها الدموعا ( 3 ) لدى الرحمان يشفع بالمثاني * وكان لنا أبوحسن شفيعا ويوم الدوح دوح غدير خم * أبان له الولاية لو اطيعا ولكن الرجال تدافعوها * فلم أر مثلها خطرا منيعا

___________________________________________________________
( 1 ) نافح عنه : دافع عنه .
( 2 ) الخطب : الشأن والامر العظيم .
( 3 ) ارق ارقا : ذهب عنه النوم في الليل .
هجع هجوعا : نام ليلا .
وامترى اللبن ونحوه : استخرجه واستدره .