[201]
فقال عليه السلام : لانس بن مالك : لقد حضرتها فما بالك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين كبرت سني
وصار ما أنساه أكثر مما أذكره ! فقال : إن كنت كاذبا فضربك الله بها بيضاء لا تواريها
العمامة ، فما مات حتى أصابته البرص .
وقد ذكر ابن قتيبة حديث البرص والدعوة التي
دعا بها أمير المؤمنين عليه السلام على أنس بن مالك في كتاب المعارف ، وابن قتيبة غير متهم
في حق علي للمشهور من انحرافه عنه انتهى ( 1 ) .
وروى ابن شيرويه في الفردوس عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال : من كنت نبيه
فعلي وليه .
وعن حبشي بن جنادة ( 2 ) عنه صلى الله عليه وآله قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ،
اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، وأعن من أعانه ، وعن بريدة قال
النبي صلى الله عليه وآله : يا بريدة إن عليا وليكم بعدي فأحب عليا فإنما يفعل ما يؤمر .
86 - ج : حدثني السيد العالم العابد أبوجعفر مهدي بن أبي حرب الحسيني ،
قال : أخبرنا الشيخ أبوعلي الحسن بن الشيخ السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن
الطوسي ، قال أخبرني الشيخ السعيد الوالد أبوجعفر قدس اله روحه ، قال : أخبرني جماعة
عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري قال : أخبرنا أبوعلي محمد بن همام ، قال :
أخبرنا علي السوري ، قال أخبرنا أبومحمد العلوي من ولد الافطس وكان من عباد الله
الصالحين ، قال : حدثنا محمد بن موسى الهمداني ، قال : حدثنا محمد بن خالد الطيالسي ،
قال : حدثنا سيف بن عميرة وصالح بن عقبة جميعا ، عن قيس بن سمعان ، عن علقمة بن محمد
الحضرمي عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام أنه قال : حج رسول الله صلى الله عليه وآله من المدينة
وقد بلغ جميع الشرائع قومه غير الحج والولاية ، فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال له : يا محمد
إن الله جل اسمه يقرؤك السلام ويقول لك : إني لم أقبض نبيا من أنبيائي ولا رسولا
من رسلي إلا بعد إكمال ديني وتأكيد حجتي ، وقد بقي عليك من ذلك فريضتان مما يحتاج
أن تبلغهما قومك : فريضة الحج وفريضة الولاية والخلافة من بعدك ، فإني لم اخل
أرضي من حجة ولن اخليها أبدا ، فإن الله جل ثناؤه يأمرك أن تبلغ قومك الحج
___________________________________________________________
( 1 ) شرح النهج لابن ابى الحديد 4 : 522 .
( 2 ) أورد ترجمته في اسد الغابة 1 : 366 و 367 .
[202]
وتحج ويحج معك كل من استطاع إليه سبيلا من أهل الحضر والاطراف والاعراب
وتعلمهم من حجهم ( 1 ) مثل ما علمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم ، وتوقفهم من ذلك
على مثال الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلغتهم من الشرائع .
فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله في الناس : ألا إن رسول الله يريد الحج وأن
يعلمكم من ذلك مثل الذي علمكم من شرائع دينكم ، ويوقفكم من ذلك على مثل
الذي أوقفكم ( 2 ) عليه من غيره ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وخرج معه الناس وأصغوا
إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله ، فحج بهم ، وبلغ من حج مع رسول الله صلى الله عليه وآله من
أهل المدينة وأهل الاطراف والاعراب سبعين ألف إنسان أو يزيدون على نحو عدد أصحاب
موسى عليه السلام السبعين ألفا الذين أخذ عليهم بيعة هارون عليه السلام فنكثوا واتخذوا ( 3 ) العجل
والسامري ، وكذلك أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله البيعة لعلي عليه السلام بالخلافة على نحو عدد
أصحاب موسى فنكثوا البيعة واتخذوا ( 4 ) العجل السامري سنة بسنة ومثلا بمثل ،
واتصلت التلبية ما بين مكة والمدينة .
فلما وقف رسول الله صلى الله عليه وآله بالموقف أتاه جبرئيل عن الله تعالى فقال : يا محمد إن الله
عزوجل يقرؤك السلام ويقول لك : إنه قد دنا أجلك ومدتك ، وأنا مستقدمك على
مالابد منه ولا عنه محيص ، فاعهد عهدك ، وقد وصيتك ، واعمد إلى ما عندك من العلم
وميراث علوم الانبياء من قبلك والسلاح والتابوت وجميع ما عندك من آيات الانبياء
فسلمها إلى وصيك وخليفتك من بعدك حجتي البالغة على خلقي علي بن أبي طالب ،
فأقمه للناس علما ، وجدد عهده وميثاقه وبيعته ، وذكرهم ما أخذت عليهم من بيعتي
وميثاقي الذي واثقتهم به ، وعهدي التي عاهدت إليهم ( 5 ) من ولاية وليي ، ومولاهم ومولى
كل مؤمن ومؤمنة علي بن أبي طالب فإني لم أقبض نبيا من الانبياء إلا بعد إكمال
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : وتعلمهم من معالم حجهم .
( 2 ) : ويوقفكم من ذاك على ما أوقفكم ا ه .
( 3 و 4 ) في المصدر و ( م ) : واتبعوا .
( 5 ) : عهدت إليهم .
[203]
ديني ( 1 ) وإتمام نعمتي بولاية أوليائي ومعاداة أعدائي ، وذلك كمال توحيدي وديني وإتمام
نعمتي على خلقي باتباع وليي وطاعته وذلك أني لا أترك أرضي بغير قيم ( 2 ) ليكون حجة
لي على خلقي ، فاليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا
بوليي ( 3 ) ومولى كل مؤمن ومؤمنة ، علي عبدي ووصي نبيي والخليفة من بعده وحجتي
البالغة على خلقي ، مقرون بطاعة محمد نبيي ، ومقرون طاعته مع طاعة محمد بطاعتي ، من
أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني ، جعلته علما بيني وبين خلقي ، من عرفه كان
مؤمنا ، ومن أنكره كان كافرا ، ومن أشرك بيعته كان مشركا ، ومن لقيني بولايته دخل
الجنة من لقيني بعدواته دخل النار ، فأقم يا محمد عليا علما ، وخذ عليهم البيعة ، وجدد عهدي
وميثاقي لهم ( 4 ) الذي واثقتهم عليه ، فإني قابضك إلي ومستقدمك علي .
فخشي رسول الله صلى الله عليه وآله قومه ( 5 ) وأهل النفاق والشقاق أن يتفرقوا ويرجعوا
إلى جاهلية لما عرف من عدواتهم ولما تنطوي عليه أنفسهم لعلي عليه السلام من العدواة
والبغضاء ، وسأل جبرئيل أن يسأل ربه العصمة من الناس وانتظر أن يأتيه جبرئيل عليه السلام
بالعصمة من الناس من الله جل اسمه ، فأخر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف ، فأتاه
جبرئيل عليه السلام في مسجد الخيف فأمره بأن يعهد عهده ويقيم عليا علما للناس ( 6 ) ، ولم يأته
بالعصمة من الله عزوجل بالذي أراد حتى بلغ كراع الغميم بين مكة والمدينة ، فأتاه
جبرئيل فأمره بالذي أتاه فيه من قبل الله ولم يأته بالعصمة ، فقال : يا جبرئيل إني
أخشى قومي أن يكذبوني ولا يقبلوا قولي في علي ، فرحل فلما بلغ غدير خم
قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبرئيل على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر والانتهار
والعصمة من الناس ، فقال : يا محمد إن الله عزوجل يقرؤك السلام ويقول لك :
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : الا من بعد اكمال دينى وحجتى اه .
( 2 ) : بغير ولى ولا قيم .
( 3 ) : بولاية وليى .
( 4 ) ليست كلمة " لهم " في المصدر .
( 5 ) في المصدر : من قومه .
( 6 ) : علما للناس يهتدون به .
[204]
" يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك " في علي " وإن لم تفعل فما بلغت
رسالته والله يعصمك من الناس " وكان أوائلهم قريبا من الجحفة ، فأمره أن يرد
من تقدم منهم ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان ليقيم علينا علما للناس ، ويبلغهم ما
أنزل الله في علي عليه السلام وأخبره أن الله عزوجل قد عصمه من الناس ، فأمر رسول الله
صلى الله عليه وآله عند ما جاءت العصمة ( 1 ) مناديا ينادي في الناس بالصلاة جامعة ، ويرد من تقدم
منهم ويحبس من تأخر عنهم ، وتنحى عن يمين الطريق إلى جنب مسجد الغدير ، أمره
بذلك جبرئيل عن الله عز اسمه ، وفي الموضع سلمات ( 2 ) ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقم
ما تحتهن وينصب له أحجار ( 3 ) كهيئة المنبر ليشرف على الناس ، فتراجع الناس واحتبس
أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون ، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فوق تلك الاحجار ثم حمد الله
وأثنى عليه فقال :
الحمد لله الذي علا في توحده ، ودنا في تفرده ، وجل في سلطانه ، وعظم في أركانه ،
وأحاط بكل شئ علما وهو في مكانه ، وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه ، مجيدا لم يزل ،
محمودا لا يزال ، بارئ المسموكات وداحي المدحوات ( 4 ) ، وجبار السماوات ( 5 ) ، قدوس
سبوح رب الملائكة والروح ، متفضل على جميع من برأه ، متطول على من أدناه ( 6 ) ،
يلحظ كل عين العيون لا تراه ، كريم حليم ذوأناة ( 7 ) ، قد وسع كل شئ رحمته ، ومن
عليهم بنعمته ، لا يعجل بانتقامه ولا يبادر إليهم بما استحقوا من عذابه ، قد فهم السرائر
وعلم الضمائر ، ولم تخف عليه المكنونات ، ولا اشتبهت عليه الخفيات ، له الاحاطة بكل
شئ ، والغلبة على كل شئ ، والقوة في كل شئ ، والقدرة على كل شئ ، لا مثله
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : عند ما جاءته العصمة .
وفى ( م ) عند ما جاءت به العصمة .
( 2 ) السلم اسم شجر .
وفى المصدر : وكان الموضع سلمات .
( 3 ) في المصدر : حجارة .
( 4 ) سمك الشئ : رفعه ، يقال : سمك الله السماء .
دحى الشئ : بسطه .
( 5 ) في المصدر : وجبار الارضين والسماوات .
( 6 ) : متطول على جميع من أنشاء .
( 7 ) الاناة : الوقار والحلم .
[205]
شئ ( 1 ) ، وهو منشئ الشئ حين لا شئ ، دائم قائم بالقسط ، لا إله إلا هو العزيز الحكيم ،
جل عن أن تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير ، لا يلحق أحد وصفه
من معانيه ، ولا يجد أحد كيف هو من سر وعلانية إلا بما دل عزوجل على نفسه وأشهد
بأنه الذي ( 2 ) ملا الدهر قدسه ، والذي يغشى الابد نوره ، والذي ينفذ أمره بلا مشاورة
مشير ولا معه شريك في تقدير ، ولا تفاوت في تديبر ، صور ما أبدع على غير مثال ، وخلق ما خلق
بلا معونة من أحد ولا تكلف ولا احتيال ، أنشأها فكانت وبرأها فبانت ، فهو الله لا إله إلا
هو ( 3 ) المتقن الصنعة الحسن الصنيعة ، العدل الذي لا يجور ، والاكرم الذي ترجع إليه
الامور .
وأشهد أنه الذي تواضع كل شئ لعظمته ، وذل كل شئ لعزته ، واستسلم
كل شئ لقدرته ، وخشع كل شئ لهيبته ، مالك الاملاك ، ومفلك الافلاك ، ومسخر
الشمس والقمر ، كل يجري لاجل مسمى ، يكور الليل على النهار ( 4 ) ويكور النهار
على الليل يطلبه حثيثا ( 5 ) ، قاصم كل جبار عنيد ، ومهلك كل شيطان مريد ، لم يكن
معه ضد ولا ند ، أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، إله واحد ورب
ماجد ، يشاء فيمضي ويريد فيقضي ، ويعلم فيحصي ويميت ويحيي ، ويفقر ويغني ، ويضحك
ويبكي ، ويدني ويقصي ، ويمنع ويثري ( 6 ) ، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل
شئ قدير ، يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ألا هو العزيز الغفار ، مجيب
الدعاء ( 7 ) ومجزل العطاء محصي الانفاس ورب الجنة والناس ، لا يشكل عليه شئ ،
ولا يضجره صراح المستصرخين ، ولا يبرمه إلحاح الملحين ( 8 ) ، العاصم للصالحين والموفق
-بحار الانوار مجلد: 33 من ص 205 سطر 19 الى ص 213 سطر 18
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : وليس مثله شئ .
( 2 ) : وأشهد أنه الله الذى اه .
( 3 ) في المصدر : فهو الله الذى لا إله إلا هو .
( 4 ) كور الله الليل على النهار : أدخل هذا في هذا .
( 5 ) الحثيث : السريع .
( 6 ) ثرى الرجل : كثر ماله .
وفى المصدر : ويمنع ويعطى .
وليس قوله " ويدنى ويقصى "
في المصدر .
( 7 ) في المصدر : لا إله إلا هو العزيز الغفار ، مستجيب الدعاء .
( 8 ) أبرمه : أمله وأضجره .
والالحاح : الاصرار في السؤال .
[206]
للمفلحين ، ومولى المؤمنين ورب العالمين ، الذي استحق من كل من خلق أن يشكره
ويحمده على السراء ( 1 ) ، والضراء والشدة والرخاء ، اومن به وبملائكته وكتبه ورسله
أسمع أمره واطيع وابادر إلى كل ما يرضاه ، وأستسلم لما قضاه ( 2 ) رغبة في طاعته وخوفا
من عقوبته ، لانه الله الذي لا يؤمن مكره ولا يخاف جوره ، أقر له على نفسي بالعبودية ،
وأشهد له بالربوبية ، واؤدي ما أوحى إلي حذرا من أن لا أفعل فتحل بي منه قارعة ( 3 )
لا يدفعها عني أحد وإن عظمت حيلته ، لا إله إلا هو لانه قد أعلمني أني إن لم ابلغ ما
انزل إلي فما بلغت رسالته ، وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة ، وهو الله الكافي الكريم ،
فأوحى إلي " بسم الله الرحمان الرحيم يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك ( 4 )
وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " .
معاشر الناس ما قصرت في تبليغ ما أنزله إلي ، وأنا مبين لكم سبب هذه الآية ( 5 )
إن جبرئيل هبط إلي مرارا ثلاثا يأمرني عن السلام ربي - وهو السلام - أن أقوم في
هذا المشهد فاعلم كل أبيض وأسود أن علي بن أبي طالب أخي ووصيي وخليفتي والامام
من بعدي ، الذي محله مني محل هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، وهو وليكم
بعد الله ورسوله ، وقد أنزل الله تبارك وتعالى علي بذلك آية من كتابه " إنما وليكم الله
ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ( 6 ) " وعلي بن
أبي طالب أقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع يريد الله عزوجل في كل حال ، وسألت
جبرئيل أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم أيها الناس لعلمي بقلة المؤمنين ( 7 )
وكثرة المنافقين وإدغال ( 8 ) الآثمين وختل المستهزئين بالاسلام الذين وصفهم الله في كتابه
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : أحمده على السراء اه .
( 2 ) في المصدر : واستسلم لقضائه .
( 3 ) القارعة : الداهية والعذاب .
( 4 ) في المصدر بعد ذلك : في على يعنى في الخلافة لعلى بن ابى طالب اه .
( 5 ) في المصدر : ما أنزل الله تعالى إلى ، وأنا مبين لكم سبب نزول هذه الاية .
( 6 ) سورة المائدة : 55 .
( 7 ) في المصدر و ( م ) و " شف " : لعلمى بقلة المتقين .
( 8 ) الظاهر كونه على صيغة المصدر ، لكن المصنف قدس سره جعله كما يظهر من البيان الاتى .
[207]
بأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ، وكثرة
أذاهم لي غير مرة ( 1 ) حتى سموني اذنا ، وزعموا أني كذلك لكثرة ملازمته إياي
وإقبالي عليه ، حتى أنزل الله عزوجل في ذلك ( 2 ) " ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون
هو اذن قل اذن " على الذين يزعمون أنه اذن " خير لكم ( 3 ) " الآية ، ولو شئت أن
اسمي القائلين بذلك بأسمائهم ( 4 ) لسميت ، وأن اومئ بأعيانهم لاومأت ، وأن
أدل عليهم لدللت ، ولكني والله في امورهم قد تكرمت ، وكل ذلك لا يرضى الله مني
إلا أن ابلغ ما أنزل الله إلي ( 5 ) .
ثم تلا صلى الله عليه وآله " يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك " في علي " وإن لم
تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " فاعلموا معاشر الناس أن الله قد نصبه
لكم وليا وإماما مفترضة طاعته ( 6 ) على المهاجرين والانصار وعلى التابعين بإحسان ( 7 )
وعلى البادي والحاضر وعلى الاعجمي والعربي والحر والمملوك والصغير والكبير ، وعلى
الابيض والاسود ، وعلى كل موحد ، ماض حكمه ، جائز قوله ، نافذ أمره ملعون من
خالفه ، مرحوم من تبعه ومن صدقه ، ( 8 ) فقد غفر الله له ولمن سمع منه وأطاع له .
معاشر الناس إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد فاسمعوا وأطيعوا وانقادوا لامر
ربكم ، فإن الله عزوجل هو وليكم ( 9 ) وإلهكم ، ثم من دونه رسولكم محمد وليكم ( 10 )
والقائم المخاطب لكم ، ثم من بعدي علي وليكم وإمامكم بأمر الله ربكم ( 11 ) ، ثم
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : في غير مرة .
( 2 ) في المصدر و " شف " : في ذلك قرآنا .
( 3 ) سورة التوبة : 61 .
( 4 ) في المصدر : أن اسمى بأسمائهم .
( 5 ) : أن ابلغ ما انزل إلى .
( 6 ) في المصدر : مفترضا طاعته .
وفى " شف : مفروضا طاعته .
( 7 ) : وعلى التابعين لهم باحسان .
( 8 ) : مرحوم من تبعه ومؤمن من صدقه .
وفى " شف " ماجور من تبعه ومن صدقه .
( 9 ) في المصدر و " شف " هو مولاكم .
( 10 ) في المصدر : ثم من دونه محمد وليكم .
وفى " شف " ثم رسوله المخاطب لكم .
( 11 ) في المصدر و " شف " : بأمر ربكم .
[208]
الامامة في ذريتي من ولده إلى يوم تلقون الله عز اسمه ورسوله ، لاحلال إلا ما أحله الله
ولا حرام إلا ما حرمه الله ، عرفني الله الحلال والحرام وأنا أفضيت بما علمني ربي من
كتابه وحلاله وحرامه إليه .
معاشر الناس ما من علم إلا وقد أحصاه الله في ، وكل علم علمته فقد أحصيته في إمام
المتقين ، وما من علم إلا وقد علمته عليا وهو الامام المبين ، معاشر الناس لا تضلوا عنه ولا
تنفروا منه ولا تستنكفوا ( 1 ) من ولايته ، فهو الذي يهدي إلي الحق ويعمل به ويزهق
الباطل وينهى عنه ، ولا تأخذه في الله لومة لائم ، ثم إنه أول من آمن بالله ورسوله ،
والذي ( 2 ) فدى رسول الله صلى الله عليه وآله بنفسه ، والذي ( 3 ) كان مع رسول الله ولا أحد يعبد الله
مع رسول الله ( 4 ) من الرجال غيره .
معاشر الناس فضلوه فقد فضله الله ، واقبلوه فقد نصبه الله معاشر الناس إنه إمام
من الله ، ولن يتوب الله على أحد أنكر ولايته ولن يغفر له ( 5 ) ، حتما على الله أن يفعل
ذلك بمن خالف أمره فيه ، وأن يعذبه عذابا نكرا أبد الابد ( 6 ) ودهر الدهور ، فاحذروا
أن تخالفوا فتصلوا نارا وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين ، أيها الناس بي والله
بشر الاولون من النبيين والمرسلين ، وأنا خاتم الانبياء والمرسلين والحجة على جميع
المخلوقين من أهل السماوات والارضين ، فمن شك في ذلك فهو كافر كفر الجاهلية
الاولى ، ومن شك في شئ من قولي هذا فقد شك في الكل منه ، والشاك في ذلك
فله النار .
معاشر الناس حباني الله بهذه الفضيلة منا منه علي وإحسانا منه إلي ، ولا إله إلا
هو ، له الحمد مني أبد الآبدين ودهر الداهرين على كل حال .
معاش الناس فضلوا عليا فإنه أفضل الناس بعدي من ذكر وانثى ، بنا أنزل
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : ولا تستكبروا .
( 2 و 3 ) : وهو الذى .
( 4 ) : مع رسوله .
( 5 ) : ولن يغفر الله .
( 6 ) : أبد الاباد .
[209]
الله الرزق وبقي الخلق ، ملعون ملعون مغضوب مغضوب من رد قولي هذا ولم يوافقه ،
إلا إن جبرئيل خبرني عن الله تعالى بذلك ويقول : من عادى عليا ولم يتوله فعليه لعنتي
وغضبي ، فلتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله أن تخالفوه فتزل قدم بعد ثبوتها إن الله
خبير بما تعملون .
معاشر الناس إنه جنب الله الذي نزل في كتابه ( 1 ) " يا حسرتى على ما فرطت في
جنب الله ( 2 ) " .
معاشر الناس تدبروا القرآن وافهموا آياته وانظروا إلى محكماته ولا تتبعوا
متشابهه ، فوالله لن يبين لكم زواجره ولا يوضح لكم تفسيره إلا الذي أنا آخذ بيده
ومصعده إلي وشائل بعضده ومعلمكم أن من كنت مولاه مولاه فهذا [ علي ] مولاه ، وهو علي بن
أبي طالب أخي ووصيي ، وموالاته من الله عزوجل أنزلها علي .
معاشر الناس إن عليا والطيبين من ولدي هم الثقل الاصغر والقرآن هو الثقل الاكبر ،
وكل واحد منبئ عن صاحبه وموافق له ، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، ألا إنهم
امناء الله ( 3 ) في خلقه وحكماؤه في أرضه ، ألا وقد أديت ، ألا وقد بلغت ، ألا وقد أسمعت ،
ألا وقد أوضحت ، ألا وإن الله عزوجل قال وأنا قلت عن الله عزوجل ، ألا إنه ليس
أمير المؤمنين غير أخي هذا ، ولا تحل إمرة المؤمنين بعدي لاحد غيره .
ثم ضرب بيده على عضده ( 4 ) فرفعه - وكان منذ أول ما صعد رسول الله صلى الله عليه وآله درجة
دون مقامه فبسط يده نحو وجه رسول الله صلى الله عليه وآله - وشال عليا حتى صارت رجله مع ركبة
رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال : معاشر الناس هذا علي أخي ووصيي وواعي علمي وخليفتي
على امتي وعلى تفسير كتاب الله عزوجل والداعي إليه ، والعامل بما يرضاه ، والمحارب
لاعدائه ، والموالي على طاعته ، والناهي عن معصيته ، خليفة رسول الله وأمير المؤمنين
والامام الهادي وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بأمر الله ، أقول : ما يبدل القول لدي
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر بعد ذلك : فقال تعالى " أن تقول نفس اه " .
( 2 ) سورة الزمر : 56 .
( 3 ) في المصدر : هم امناء الله .
( 4 ) : إلى عضده .
[210]
بأمر ربي ، أقول : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه والعن من أنكره واغضب على من
جحد حقه ، اللهم إنك أنزلت علي أن الامامة لعلي ( 1 ) وليك عند تبياني ذلك
عليهم ، ونصبي إياه بما أكملت لعبادك من دينهم ، وأتممت عليهم نعمتك ورضيت لهم
الاسلام دينا ، فقلت : " ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من
الخاسرين ( 2 ) " اللهم إني اشهدك ( 3 ) أني قد بلغت .
معاشر الناس إنما أكمل الله عزوجل دينكم بإمامته ، فمن لم يأتم به وبمن
يقوم مقامه من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة والعرض على الله عزوجل فاولئك ( 4 )
حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون .
معاشر الناس هذا علي أنصركم لي وأحقكم بي وأقربكم إلي وأعزكم علي ،
والله عزوجل وأنا عنه راضيان ، وما نزلت آية رضى إلا فيه ، وما خاطب الله الذين آمنوا
إلا بدأ به ، ولا نزلت آية مدح في القرآن إلا فيه ، ولا شهد الله بالجنة في " هل أتى على
الانسان " إلا له ، ولا أنزلها في سواه ، ولا مدح بها غيره .
معاشر الناس هو ناصر دين الله والمجادل عن رسول الله ، وهو التقي النقي والهادي
المهدي ، نبيكم خير نبي ووصيكم خير وصي وبنوه خير الاوصياء .
معاشر الناس ذرية كل نبي من صلبه وذريتي من صلب علي .
معاشر الناس إن إبليس أخرج آدم من الجنة بالحسد ، فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم
وتزل أقدامكم ، فإن آدم اهبط إلى الارض بخطيئة واحدة وهو صفوة الله عزوجل ،
وكيف بكم وأنتم أنتم ومنكم أعداء الله ؟ ألا إنه لا يبغض عليا إلا شقي ، ولا يتوالى عليا
إلا تقي ولا يؤمن به إلا مؤمن مخلص ، في علي والله نزلت سورة العصر " بسم الله الرحمن
الرحيم والعصر " إلى آخرها .
معاشر الناس قد أشهدت الله وبلغتكم رسالتي وما على الرسول إلا بلاغ المبين .
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : أن الامامة بعدى لعلى .
( 2 ) سورة آل عمران : 85 .
( 3 ) في المصدر : اللهم انى اشهدك وكفى بك شهيدا .
( 4 ) : فاولئك الذين .