[221]
وكان المسلمون إذا رجعوا من سفر بدؤوا برسول الله صلى الله عليه وآله فسلموا عليه ثم انصرفوا إلى
رحالهم ( 1 ) ، فلما قدمت السرية سلموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وقام أحد الاربعة فقال :
يا رسول الله ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا ؟ فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وآله
فقام الثاني فقال مثل مقالته فأعرض عنه ، ثم قام الثالث فقال مثل مقالته فأعرض عنه ،
ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا ، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله والغضب يعرف في وجهه فقال :
ما تريدون من علي ؟ إن عليا مني وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن ( 2 ) من بعدي .
ومن صحيحه : من كنت مولاه فعلي مولاه ( 3 ) .
89 - كنز : محمد بن العباس ، عن الحسن بن أحمد المالكي ، عن محمد بن عيسى ،
عن يونس ، عن عبدالله بن سنان ، عن الحسين الجمال قال : حملت أبا عبدالله من المدينة
إلى مكة ، فلما بلغ غدير خم نظر إلي وقال : هذا موضع قدم رسول الله صلى الله عليه وآله حين
أخذ بيد علي عليه السلام وقال : " من كنت مولاه فعلي مولاه " وكان عن يمين الفسطاط
أربعة نفر من قريش - سماهم لي - .
فلما نظروا إليه وقد رفع يده حتى بان بياض
إبطيه قالوا : انظروا إلى عينيه قد انقلبتا كأنهما عينا مجنون ! فأتاه جبرئيل فقال : اقرء
" وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون *
وما هو إلا ذكر للعالمين ( 4 ) " والذكر علي بن أبي طالب عليه السلام فقلت : الحمد لله الذي
أسمعني هذا منك ، فقال : لولا أنك جمالي لما حدثتك بهذا لانك لا تصدق إذا
رويت عني ( 5 ) .
90 - بشا : محمد بن علي بن قرواش ، عن محمد بن محمد النقار ، عن محمد بن محمد بن
-بحار الانوار مجلد: 33 من ص 221 سطر 19 الى ص 229 سطر 18
الحسين ، والحسن بن زيد بن حمزة ، عن علي بن عبدالرحمان ، عن محمد بن منصور ، عن علي
ابن الحسين بن عمر بن علي بن الحسين ، عن إبراهيم بن رجاء الشيباني قال : قيل : لجعفر بن محمد
___________________________________________________________
( 1 ) الرحال جمع الرحل : المنزل والمأوى .
( 2 ) في المصدر : وهو ولى كل مؤمن ومؤمنة اه .
( 3 ) كشف الغمة : 84 و 85 .
( 4 ) سورة القلم : 50 و 51 .
( 5 ) الكنز مخطوط ، وأورده في البرهان 4 : 374 .
[222]
عليهما السلام ما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله لعلي عليه السلام يوم الغدير : " من كنت مولاه فعلي
مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " قال : فاستوى جعفر بن محمد عليهما السلام قاعدا ثم قال :
سئل والله عنها رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : الله مولاي أولى بي من نفسي لا أمر لي معه ، وأنا
مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم لا أمر لهم معي ، ومن كنت مولاه أولى به من نفسه لا أمر
له معي فعلي بن أبي طالب مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معه ( 1 ) .
91 - بشا : محمد بن أحمد بن شهريار ، عن محمد بن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن
عبدالرحمان ، عن أبي المفضل الشيباني ، عن عبدالله بن أحمد بن عامر ( 2 ) ، عن الرضا ، عن
آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه
وعاد من عاداه واخذل من خذله وانصر من نصره ( 3 ) .
صح : عنه عن آبائه عليهم السلام مثله ( 4 ) .
92 - بشا : محمد بن علي بن عبدالصمد ، عن أبيه ، عن جده ، عن محمد بن القاسم
الفارسي ، عن محمد بن يوسف ، عن محمد بن أحمد بن حماد ، عن محمد بن محمد بن سليمان ، عن
أحمد بن يزيد بن سليم ، عن إسماعيل بن أبان ، عن أبي مريم ، عن عطاء ، عن ابن عباس
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من كنت وليه فعلي وليه ( 5 ) .
93 - وبهذا الاسناد عن عبدالصمد ، عن عبدالله بن محمد بن عبدالله ، عن عبدالله
ابن أحمد بن الحسين ، عن عبدالله بن هاشم ، عن وكيع ، عن الاعمش ، عن سعد بن عبيدة ،
عن عبدالله بن بريدة الاسلمي ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله على وآله وسلم : من كنت وليه
فعلي وليه ( 6 ) .
94 - وبالاسناد عن الفارسي عن أحمد بن أبي الطيب ، عن إبراهيم بن عبدالله ،
___________________________________________________________
( 1 ) بشارة المصطفى : 61 و 62 .
( 2 ) في المصدر بعد ذلك : عن أبيه ، عن الرضا اه .
( 3 ) بشارة المصطفى : 125 .
( 4 ) صحيفة الرضا : 18 .
( 5 ) بشارة المصطفى : 181 .
( 6 ) بشارة المصطفى : 200 و 201 .
وفيه : من كنت مولاه مولاه فعلى مولاه .
[223]
عن زكريا بن يحيى ، عن عبدالرحمان بن صالح ، عن موسى بن عثمان ، عن أبي إسحاق ،
عن البراء وزيد بن أرقم قالا ، كنا مع النبي صلى الله عليه وآله يوم غدير خم ونحن نرفع غصن
الشجرة عن رأسه فقال : إن الصدقة ( 1 ) لا تحل لي ولا لاهل بيتي ، ألا وقد سمعتموني
ورأيتموني ، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ، ألا وإني فرطكم على
الحوض ومكاثر بكم الامم يوم القيامة ولا تسودوا وجهي ( 2 ) ، ألا وإن الله عزوجل وليي
وأنا ولي كل مؤمن ( 3 ) فمن كنت مولاه فعلي مولاه ( 4 ) .
95 - كشف : من دلائل الحميري عن الحسن بن طريف قال : كتبت إلى أبي محمد
عليه السلام أسأله ما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله لامير المؤمنين عليه السلام : " من كنت مولاه فهذا
مولاه " قال : أراد بذلك أن جعله علما يعرف به حزب الله عند الفرقة ( 5 ) .
96 - لى ، مع ، محمد بن عمر الحافظ ، عن جعفر بن محمد الحسني ، عن محمد بن علي
ابن خلف ، عن سهل بن عامر ، عن زافر بن سليمان ، عن شريك ، عن أبي إسحاق قال :
قلت لعلي بن الحسين عليهما السلام : ما معنى قول النبي صلى الله عليه وآله : " من كنت مولاه فعلي مولاه "
قال : أخبرهم أنه الامام بعده ( 6 ) .
97 - مع : محمد بن عمر ، عن موسى بن محمد بن الحسن ، عن الحسن بن محمد ، عن صفوان بن
يحيى ، عن يعقوب بن شعيب ، عن أبان بن تغلب قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام
عن قول النبي صلى الله عليه وآله : " من كنت مولاه " فقال : يا أبا سعيد تسأل عن مثل
هذا ؟ ! أعلمهم أنه يقوم فيهم مقامه ( 7 ) .
98 - لى ، مع : محمد بن عمر ، عن محمد بن القاسم ، عن عباد بن يعقوب ، عن علي
ابن هاشم ، عن أبيه قال : ذكر عند زيد بن علي قول النبي صلى الله عليه وآله : " من كنت مولاه
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : ألا وإن الصدقة .
( 2 ) : فلا تسودوا وجهى .
( 3 ) : وأنا ولى المؤمنين .
( 4 ) بشارة المصطفى : 203 .
( 5 ) لم نجده في المصدر المطبوع .
( 6 ) امالى الصدوق : 75 .
معانى الاخيار : 65 .
( 7 ) معانى الاخبار : 66 .
[224]
فعلي مولاه " قال : نصبه علما ليعرف به ( 1 ) حزب الله عزوجل عند الفرقة ( 2 ) .
99 - مع : محمد بن عمر ، عن محمد بن الحارث ، عن أحمد بن محمد بن يزيد ، عن
إسماعيل بن أبان ، عن أبي مريم ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
الله ربي ولا إمارة لي معه ، وأنا رسول ربي ولا إمارة معي ( 3 ) ، وعلي ولي من كنت وليه
ولا إمارة معه ( 4 ) .
100 - مع : الحافظ ، عن محمد بن عبيدالله ، عن محمد بن علي بن بسام ، عن
معلل بن نفيل ، عن أيوب بن سلمة ، عن بسام ، عن عطية ، عن أبي سعيد قال : قال النبي صلى الله عليه وآله
من كنت وليه فعلي وليه ، ومن كنت إمامه فعلي إمامه ، ومن كنت أميره فعلي أميره ،
ومن كنت نذيره فعلي نذيره ، ومن كنت هاديه فعلي هاديه ، ومن كنت وسيلته إلى الله
تعالى فعلي وسيلته إلى الله عزوجل ، فالله سبحانه يحكم بينه وبين عدوه ( 5 ) .
قال الصدوق رحمه الله في كتاب معاني الاخبار بعد نقل الاخبار في معنى " من كنت
مولاه فعلي مولاه " : نحن نستدل على أن النبي صلى الله عليه وآله قد نص على علي بن أبي طالب
عليه السلام واستخلفه وأوجب فرض طاعته على الخلق بالاخبار الصحيحة ، وهي قسمان : قسم
قد جامعنا عليه خصومنا في نقله وخالفونا في تأويله ، وقسم قد خالفونا في نقله ، فالذي
يجب علينا فيما وافقونا في نقله أن نريهم بتقسيم الكلام وروده إلى مشهور اللغات
والاستعمال المعروف ، أن معناه هو ما ذهبنا إليه من النص والاستخلاف دون ما ذهبوا - هم - إليه
من خلاف ذلك ، والذي يجب علينا فيما خالفونا في نقله أن نبين أنه ورد ورودا يقطع
مثله العذر ، وأنه نظير ما قد قبلوه وقطع عذرهم واحتجوا به على مخالفيهم من الاخبار
التي تفردو - هم - بنقلها دون مخالفيهم ، وجعلوها مع ذلك قاطعة للعذر وحجة على من خالفهم
فنقول وبالله نستعين :
___________________________________________________________
( 1 ) في الامالى : ليعلم به .
( 2 ) امالى الصدوق : 75 ، معانى الاخبار : 66 .
والسند المذكور في الامالى غير هذا السند .
( 3 ) أي لا إمارة لاحد معى .
( 4 ) معانى الاخبار : 66 .
وفيه : وعلى [ وليى و ] ولى من كنت وليه اه .
( 5 ) : 66 .
[225]
إنا ومخالفينا قد روينا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قام يوم غدير خم وقد جمع المسلمين
فقال : أيها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ فقالوا : اللهم بلى ، قال صلى الله عليه وآله :
فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، فقال ( 1 ) : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه و
انصر من نصره واخذل من خذله ، ثم نظرنا في معنى قول النبي صلى الله عليه وآله : " ألست أولى
بالمؤمنين من أنفسهم " ثم في معنى قوله صلى الله عليه وآله : " فمن كنت مولاه فعلي مولاه " فوجدنا ذلك
ينقسم في اللغة على وجوه لا يعلم في اللغة غيرها ، أنا ذاكرها إن شاء الله تعالى ، ونظرنا
فيما يجمع له النبي صلى الله عليه وآله الناس ويخطب به ويعظم الشأن فيه فاذا هو شئ لا يجوز أن
يكونوا علموه فكرره عليهم ، ولا شئ لا يفيدهم بالقول فيه معنى ، لان ذلك في صفة
العابث ، والعبث عن رسول الله صلى الله عليه وآله منفي ، فنرجع إلى ما يحتمله لفظة المولى في اللغة .
يحتمل أن يكون المولى مالك الرق كما يملك المولى عبده ( 2 ) ، وله أن يبيعه و
يهبه ، ويحتمل أن يكون المولى المعتق من الرق ، ويحتمل أن يكون المولى المعتق ، و
وهذه الثلاثة الاوجه ( 3 ) مشهورة عند الخاصة والعامة ، فهي ساقطة في قول النبي
صلى الله عليه وآله لانه لا يجوز أن يكون عنى بقوله : " فمن كنت مولاه فعلي مولاه " واحدة منها ،
لانه لا يملك بيع المسلمين ولا عتقهم من رق العبودية ولا أعتقوه ، ويحتمل أيضا
أن يكون المولى ابن العم قال الشاعر .
مهلا بني عمنا مهلا موالينا * لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا ( 4 )
___________________________________________________________
( 1 ) ليست كلمة " فقال " في المصدر .
( 2 ) في المصدر : عبيده .
( 3 ) : وهذه الاوجه الثلاثة .
( 4 ) نبش الشئ المستور : أبرزه .
وفى المصدر : " لم تظهرون لنا اه .
" وفى لسان
العرب " امشوا رويدا كما كنتم تكونونا " ولا يخفى ما في هذا الاستشهاد ، فان المراد في البيت
ليس بنى العم في النسب حتى يستشهد به ، بل المراد منه قبيلة بنى العم ، سموا بذلك لانهم نزلوا
ببنى تميم بالبصرة في ايام عمر ، فاسلموا وغزوا مع المسلمين وحسن بلاؤهم ، فقال الناس ، أنتم
وان لم تكونوا من العرب إخواننا وبنو العم ، فعرفوا بذلك وصاروا في جملة العرب ، راجع
الاغانى 3 : 73 .
وقال في القاموس ( 4 : 145 ) : العم لقب مالك بن حنظلة ابى قبيلة وهم
العميون .
ومما يؤيد ما ذكرنا قول جرير في ديوانه ( 1 : 23 ) .
سيروا بنى العم فالاهواز منزلكم * ونهر تيرى ولا تعرفكم العرب
[226]
ويحتمل أن يكون المولى العاقبة قال الله عزوجل : " مأواكم النار هي مولاكم " ( 1 )
أي عاقبتكم وما يؤول بكم الحال إليه ، ويحتمل أن يكون المولى ما يلي الشئ مثل
خلفه ، وقدامه ، قال الشاعر :
فغدت ، كلا الفرجين تحسب أنه * مولى المخافة خلفها وأمامها
ولم نجد أيضا شيئا من هذه الاوجه يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم عناه بقوله :
" فمن كنت مولاه فعلي مولاه " لانه لا يجوز أن يقول : من كنت ابن عمه فعلي ابن عمه ،
لان ذلك معروف معلوم وتكريره على المسلمين عبث بلا فائدة ، وليس يجوز أن يعني به
عاقبة أمرهم ولا خلف ولا قدام لانه لا معنى له ولا فائدة ، ووجدنا اللغة تجيز أن يقول
الرجل : " فلان مولاي " إذا كان مالك طاعته ، فكان هذا هو المعنى الذي عناه النبي
صلى الله عليه وآله بقول : " من كنت مولاه فعلي مولاه " لان الاقسام التي يحتملها اللغة لم يجز
أن يعنيها بما بيناه ، ولم يبق قسم غير هذا ، فوجب أن يكون هو الذي عناه بقوله :
" فمن كنت مولاه فعلي مولاه " ومما يؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وآله : " ألست أولى بالمؤمنين
من أنفسهم " ثم قال : " فمن كنت مولاه فعلي مولاه " فدل ذلك على أن معنى " مولى " ( 2 )
هو أنه أولى بهم من أنفسهم ، لان المشهور في اللغة والعرف أن الرجل إذا قال لرجل :
إنك أولى بي من نفسي فقد جعله مطاعا آمر عليه ، ولا يجوز أن يعصيه ، وأنا لو أخذنا
بيعة على رجل وأقر بأنا أولى به من نفسه لم يكن له أن يخالفنا في شئ نأمره به ( 3 ) ،
لانه إن خالفنا بطل معنى إقراره بأنا أولى به من نفسه ، ولان العرب أيضا إذا أمر
منهم إنسان إنسانا بشئ وأخذه بالعمل به وكان له أن يعصيه فعصاه قال له : يا هذا
أنا أولى بنفسي منك إن لي أن أفعل بها ما اريد وليس ذلك لك مني ، فإذا كان قول
الانسان : " أنا أولى بنفسي منك " يوجب له أن يفعل بنفسه ما يشاء إذا كان في الحقيقة
أولى بنفسه من غيره ، وجب لمن هو أولى بنفسه منه أن يفعل به ما يشاء ولا يكون له أن
يخالفه ولا يعصيه إذا كان ذلك كذلك .
___________________________________________________________
( 1 ) سورة الحديد : 15 .
( 2 ) في المصدر و ( م ) على أن معنى مولاه اه .
( 3 ) في المصدر : في شئ مما نأمره به .
[227]
ثم قال النبي صلى الله عليه وآله " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم " فأقروا له بذلك ، ثم
قال متبعا لقوله الاول بلا فصل " فمن كنت مولاه فعلي مولاه " فقد علم أن قوله : " مولاه "
عبارة عن المعنى الذي أقروا له بأنه أولى بهم من أنفسهم ، فإذا كان إنما عنى صلى الله عليه وآله بقوله :
" من كنت مولاه " أني أولى به فقد جعل ذلك لعلي بن أبي طالب عليه السلام بقوله صلى الله عليه وآله :
" فعلي مولاه " لانه لا يصلح أن يكون عنى بقوله : " فعلي مولاه " قسما من الاقسام
التي أحلنا أن يكون النبي عناها في نفسه ، لان الاقسام هي أن يكون مالك رق أو معتقا
أو معتقا أو ابن عم أو عاقبة أو خلفا أو قداما ، فإذا لم يكن لهذه الوجوه فيه صلى الله عليه وآله معنى
لم يكن لها في علي عليه السلام أيضا معنى ، وبقي ملك الطاعة فثبت أنه عناه ، وإذا وجب ملك
طاعة المسلمين لعلي عليه السلام فهو معنى الامامة ، لان الامامة إنما هي مشتقة من الايتمام
بالانسان ، والايتمام هو الاتباع والاقتداء ، والعمل بعمله والقول بقوله ، وأصل ذلك
في اللغة ، سهم يكون مثالا يعمل عليه السهام ، ويتبع بصنعه صنعها وبمقداره
مقدارها ، فإذا وجبت طاعة علي عليه السلام على الخلق استحق معنى الامامة .
فإن قالوا : إن النبي صلى الله عليه وآله إنما جعل لعلي عليه السلام بهذا القول فضيلة شريفة
وإنها ليست الامامة ، قيل هم هذا في أول تأدي الخبر إلينا قد كانت النفوس تذهب
إليه ، فأما تقسيم الكلام وتبين ما يحتمله وجوه لفظة المولى في اللغة حتى يحصل المعنى
الذي جعله لعلي عليه السلام بها فلا يجوز ذلك ، لانا قد رأينا أن اللغة تجيز في لفظة
المولى وجوها كلها لم يعنها النبي صلى الله عليه وآله بقوله في نفسه ولا في علي عليه السلام وبقي معنى
واحد فوجب أنه الذي عناه في نفسه وفي علي عليه السلام وهو ملك الطاعة .
فإن قالوا : فلعله قد عنى معنى لم نعرفه لاننا لا نحيط باللغة ، قيل لهم : لو جاز
ذلك لجاز لنا في كل ما نقل عن النبي صلى الله عليه وآله وكل ما في القرآن أن نقول لعله عني
به ما لم يستعمل في اللغة ونشكك فيه ، وذلك تعليل خروج من التفهم ( 1 ) ، ونظير قول
النبي صلى الله عليه وآله : " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم " فلماأقروا له بذلك قال : " فمن كنت
مولاه فعلي مولاه " ، قول رجل لجماعة : أليس هذاالمتاع بيني وبينكم نبيعه والربح بيننا
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : وخروج عن التفهم .
[228]
نصفان والوضيعة ( 1 ) كذلك ؟ فقالوا له : نعم ، قال : فمن كنت شريكه فزيد شريكه ،
فقد أعلم أن ما عناه بقوله : " فمن كنت شريكه " إنما عنى أنه المعنى الذي قررهم به
بدءا من بيع المتاع واقسام الربح والوضيعة ، ثم جعل ذلك المعنى الذي هو الشركة
لزيد بقوله : " فزيد شريكه " وكذلك قول النبي صلى الله عليه وآله : " ألست أولى بالمؤمنين من
أنفسهم " وإقرارهم له بذلك ثم قوله صلى الله عليه وآله : " فمن كنت مولاه فعلي مولاه " إنما هو
إعلام أنه عنى بقوله المعنى الذي أقروا به بدءا وكذلك جعله لعلي عليه السلام بقوله :
" فعلي مولاه " كما جعل ذلك الرجل الشركة لزيد بقوله : " فزيد شريكه " ولا
فرق في ذلك ، فإن ادعى مدع أنه يجوز في اللغة غير ما بيناه فليأت به ولن يجده .
فإن اعترضوا بما يدعونه من زيد بن حارثة ( 2 ) وغيره من الاخبار التي يختصون
بها لم يكن ذلك لهم ، لانهم راموا ( 3 ) أن يخصوا معنى خبر ورد بإجماع بخبر رووه دوننا ،
وهذا ظلم ، لان لنا أخبارا كثيرة تؤكد معنى " من كنت مولاه فعلي مولاه " وتدل
على أنه إنما استخلفه بذلك فرض طاعته ، هكذا يروى ( 4 ) نصا في هذا الخبر عن
النبي صلى الله عليه وآله وعن علي عليه السلام فيكون خبرنا المخصوص بإزاء خبرهم المخصوص ، ويبقى
الخبر على عمومه نحتج به نحن وهم بما توجبه اللغة والاستعمال فيها وتقسيم الكلام
ورده إلى الصحيح منه ، ولا يكون لخصومنا من الخبر المجموع عليه ولا من دلالته مالنا .
وبإزاء ما يروونه من خبر زيد بن حارثة أخبار قد جاءت على ألسنتهم شهدت
بأن زيدا اصيب في غزوة مؤتة مع جعفر بن أبي طالب ( 5 ) وذلك قبل يوم غدير خم بمدة
طويلة ، لان يوم الغدير كان بعد حجة الوداع ، ولم يبق النبي صلى الله عليه وآله بعده إلا أقل
من ثلاثة أشهر ، فإذا كان بإزاء خبركم في زيد ما قد رويتموه في نقضه لم يكن ذلك لكم
___________________________________________________________
( 1 ) الوضيعه : الخسارة .
( 2 ) في المصدر : من خبر زيد بن حارثة .
( 3 ) رام الشئ : اراده .
( 4 ) في المصدر : هكذا نروى .
( 5 ) كما رواه الجزرى في اسد الغابة ( 1 : 288 ) و ( 2 : 226 و 227 ) و ( 3 :
158 و 159 ) .
[229]
حجة على الخبر المجمع عليه ، ولو أن زيدا كان حاضرا قول النبي صلى الله عليه وآله يوم غدير
لم يكن حضوره بحجة لكم أيضا ، لان جميع العرب عالمون بأن مولى النبي مولى
أهل بيته وبني عمه ، مشهور ذلك في لغتهم وتعارفهم ، فلم يكن لقول النبي صلى الله عليه وآله للناس
اعرفوا ما قد عرفتموه وشهر بينكم ( 1 ) ، لانه لو جاز ذلك لجاز أن يقول قائل : ابن أخي
أبي النبي ليس بابن عمه ، فيقوم النبي صلى الله عليه وآله فيقول : فمن كان ابن أخي أبي فهو ابن
عمي ، وذلك فاسد لانه عبث وما لا يفعله إلا اللاعب السفيه ( 2 ) ، وذلك منفي عن
النبي صلى الله عليه وآله .
فإن قال قائل : إن لنا أن نروي في كل خبر نقلته فوقبت ( 3 ) ما يدل على معنى
" من كنت مولاه فعلي مولاه " قيل له : هذا غلط في النظر ، لان عليك أن تروي من
أخبارنا أيضا ما يدل على معنى الخبر مثل ما جعلته لنفسك في ذلك ، فيكون خبرنا
الذي نخص به ( 4 ) مقاوما لخبرك الذي تختص به ، ويبقى " من كنت مولاه فعلي
مولاه " من حيث أجمعنا على نقله حجة لنا عليكم ، موجبا ما أوجبناه به من الولاية على
النص ، ( 5 ) وهذا كلا لا زيادة فيه .
فإن قال قائل : فهلا أفصح النبي صلى الله عليه وآله باستخلاف علي عليه السلام إن كان كما
تقولون ؟ وما الذي دعاه إلى أن يقول فيه قولا يحتاج فيه إلى تأويل وتقع
فيه المجادلة ؟ قيل له : لو لزم أن يكون الخبر باطلا أو لم يرد به النبي صلى الله عليه وآله
___________________________________________________________
( 1 ) توضيح الكلام أن الخصم يدعى أن قوله " من كنت مولاه فعلى مولاه " صدر عنه صلى
الله عليه وآله ليعلم الناس أن عليا مولى زيد بن حارثة كما أن رسول الله كان مولاه ، وجوابه أن
-بحار الانوار مجلد: 33 من ص 229 سطر 19 الى ص 237 سطر 18
زيد بن حارثة لم يشهد يوم غدير وأصيب في غزوة مؤتة ، وعلى فرض التسليم أيضا لا يجدى شيئا
فان إعلام الرسول بذلك لا حاجة إليه ، للمتعارف المشهور بينهم أن مولى النبى مولى أهل بيته
وبنى عمه أيضا ، فكان قال " ايها الناس اعرفوا ما قد عرفتموه وشهر بينكم " وأنت خبير بأن
هذا عبث ، ولا يصدر عن الانبياء مثله .
( 2 ) في المصدر : وما يفعله الا اللاعب السفيه .
فتكون " ما " نافية .
( 3 ) كذا في النسخ ، وفى المصدر : نقلته فرقتنا .
وسيأتى في البيان توضيحه .
( 4 ) في المصدر : نختص به .
( 5 ) : من الدلالة على النص .
[230]
المعنى الذي هو الاستخلاف وإيجاب فرض الطاعة لعلي عليه السلام لانه يحتمل
التأويل أو لان غيره عندك أبين وأفصح عن المعنى للزمك ( 1 ) إن كنت معتزليا أن الله
عزوجل لم يرد بقوله في كتابه : " لا تدركه الابصار ( 2 ) " أي لا يرى لان قولك
" لا يرى " يحتمل التأويل ، وإن الله عزوجل لم يرد بقوله في كتابه : " والله خلقكم
وما تعملون " ( 3 ) أنه خلق الاجسام التي يعمل فيها العباد دون أفعالهم ، فإنه لو أراد
ذلك لاوضحه بأن يقول قولا لا يقع فيه التأويل ، وأن يكون الله عزوجل لم يرد
بقوله : " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم " ( 4 ) أن كل قاتل المؤمن ففي جهنم ،
كانت معه أعمال صالحة أم لا ، لانه لم يبين ذلك بقول لا يحتمل التأويل ، وإن كنت
أشعريا لزمك مالزم المعتزلة بما ذكرناه كله ، لانه لم يبين ذلك بلفظ يفصح عن معناه
الذي هو عندك بالحق .
وإن كان من أصحاب الحديث قيل له : يلزمك أن لا يكون قال النبي صلى الله عليه وآله
" إنكم ترون ربكم كما ترون القمر في ليلة البدر لا تضامون ( 5 ) في رؤيته " لانه قال
قولا يحتمل التأويل ولم يفصح به ، وهو لا يقول : ترونه بعيونكم لا بقلوبكم ، ولما كان
هذا الخبر يحتمل التأويل ولم يكن مفصحا علمنا أن النبي صلى الله عليه وآله لم يعن به الرؤية التي
ادعيتموها ، وهذا اختلاط شديد ، لان أكثر الكلام في القرآن وأخبار النبي صلى الله عليه وآله
بلسان عربي ومخاطبة لقوم فصحاء على أحوال تدل على مراد النبي صلى الله عليه وآله .
وربما وكل علم المعنى إلى العقول أن يتأمل الكلام ، ولا أعلم عبارة عن معنى
فرض الطاعة أوكد من قول النبي صلى الله عليه وآله : " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم " ثم
قوله : " فمن كنت مولاه فعلي مولاه " لانه كلام مرتب على إقرار المسلمين للنبي
صلى الله عليه وآله يعني الطاعة وأنه أولى بهم من أنفسهم ، ثم قال : " فمن كنت أولى به من نفسه
فعلي أولى به من نفسه " لان معنى " فمن كنت مولاه " هو " فمن كنت أولى به من نفسه "
___________________________________________________________
( 1 ) جواب " لو " .
( 2 ) سورة الانعام : 103 .
( 3 ) سورة الصافات : 96 .
( 4 ) سورة النساء 92 .
( 5 ) بالبناء للمفعول أى لا تقهرون .