[231]
لانها عبارة عن ذلك بعينه ، إذ كان لا يجوز في اللغة غير ذلك ، ألا ترى أن قائلا لو قال
لجماعة : أليس هذا المتاع بيننا نبيعه ونقتسم الربح والوضيعة فيه ؟ فقالوا له : نعم ،
فقال : فمن كنت شريكه فزيد شريكه كان كلاما صحيحا ؟ والعلة في ذلك أن الشركة
هي عبارة عن معنى قول القائل : هذا المتاع بيننا نقتسم الربح والوضيعة ، فلذلك صح
بعد قول القائل : فمن كنت شريكه فزيد شريكه ، وكذا صح بعد قول النبي صلى الله عليه وآله :
" ألست أولى بكم من أنفسكم " ، " فمن كنت مولاه فعلي مولاه " لان مولاه عبارة عن
قوله : " ألست أولى بكم من أنفسكم " وإلا فمتى لم تكن اللفظة التي جاءت مع الفاء
الاولى عبارة عن المعنى الاول لم يكن الكلام منتظما أبدا ولا مفهوما ولا صوابا ، بل
يكون داخلا في الهذيان ، ومن أضاف ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله كفر بالله العظيم ،
وإذا كانت لفظة " فمن كنت مولاه " تدل على " من كنت أولى به من نفسه " على ما أريناه
وقد جعلها بعينها لعلي عليه السلام فقد جعل أن يكون علي عليه السلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم ،
وذلك هو الطاعة لعلي عليه السلام كما بينا بدءا .
ومما يزيد ذلك بيانا أن قوله صلى الله عليه وآله : " فمن كنت مولاه فعلي مولاه " لو كان
لم يرد بهذا أنه أولى بكم من أنفسكم جاز أن يكون لم يرد بقوله : " فمن كنت مولاه "
أي من كنت أولى به من نفسه ، وإن جاز ذلك لزم الكلام الذي من قبل هذا أنه يكون
كلاما مختلفا ( 1 ) فاسدا غير منتظم ولا مفهم معنى ولا مما يلفظ به حكيم ولا عاقل ،
فقد لزم بما مر من كلامنا وبينا أن معنى قول النبي صلى الله عليه وآله " ألست أولى بكم
من أنفسكم " أنه يملك طاعتهم ، ولزم أن قوله صلى الله عليه وآله : " فمن كنت مولاه " إنما أراد
به : فمن كنت أملك طاعته ، فعلي عليه السلام يملك طاعته بقوله : " فعلي مولاه " وهذا
واضح ، والحمد لله على معونته وتوفيقه ( 2 ) .
بيان : قال الجوهري : المولى : المعتق والمعتق وابن العم والناصر والجار ( 3 )
وكل من ولي أمر واحد فهو وليه ، وقول الشاعر :
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : من أنه يكون كلاما مختلطا اه .
( 2 ) معانى الاخبار : 67 - 74 .
( 3 ) في المصدر بعد ذلك : والولى : الصهر .
[232]
هم المولى وإن جنفوا علينا ( 1 ) * وإنا من لقائهم لزور
قال أبوعبيدة : يعني الموالي أي بني العم ، وهو كقوله تعالى : " نخرجكم
طفلا " ( 2 ) وأما قول لبيد :
فغدت ، كلا الفرجين تحسب أنه * مولى المخافة خلفها وأمامها
فيريد أنه أولى موضع أن تكون فيه الحرب وقوله : " فغدت " تم الكلام ،
كأنه قال : فغدت هذه البقرة ، وقطع الكلام ثم ابتدأ كأنه قال : تحسب أن كلا
الفرجين مولى المخافة .
والمولى : الحليف ، وقال :
موالي حلف لاموالي قرابة * ولكن قطينا يسألون الاتاويا
يقول : هم حلفاء لا أبناء عم انتهى .
( 3 )
قوله : " فإن قال القائل : إن لنا أن نروي " أقول : كانت النسخة سقيمة ههنا ،
ولعل مراد السائل أنه يكفي لرد استدلالك أن نروي خبرا في معنى من كنت مولاه
معارضا لخبرك الذي أوردته في ذلك وقد روينا خبر زيد بن حارثة ، وحاصل الجواب أنك
إن نقلت من أخبارنا ما يدفع خبرنا المختص بنا ويؤول الخبر على خلاف ما هو مقصودنا
ينفعك في رد استدلالنا ، وأما إذا أتيت بالخبر من طريقك الذي تختص به فيكون
خبرنا الذي نخص به ( 4 ) مقاوما لخبرك ، وإذا تعارضا تساقطا ، فبقي الخبر المجمع عليه
وما استدللنا عليه من ظاهره حجة لنا عليكم .
101 - ما : أبوعمرو ، عن ابن عقدة ، عن يحيى بن زكريا بن شيبان ، عن
إبراهيم بن الحكم بن ظهير ، عن أبيه ، عن منصور بن سلم بن سابور ، عن عبدالله بن عطاء ،
عن عبدالله بن يزيد ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : علي بن أبي طالب مولى كل
___________________________________________________________
( 1 ) جنف عليه : ظلم وجار .
( 2 ) سورة الحج : 5 .
قال الطبرسى في مجمع البيان " 7 : 71 " أى نخرج من بطون
امهاتكم وأنتم اطفال ، والطفل : الصغير من الناس ، وإنما وحد والمراد به الجمع لانه بمعنى
المصدر كقولهم : رجل عدل ورجال عدل .
( 3 ) الصحاح ج 6 ص 2526 .
( 4 ) في ( م ) : نختص به .
[233]
مؤمن ومؤمنة وهو وليكم بعدي .
( 1 )
102 - شف : السيد فخار بن معد ، عن علي بن محمد بن عدنان ، عن عبدالله
بن عبدالصمد ، عن محمد بن علي بن ميمون ، عن دارم بن محمد ، عن محمد بن إبراهيم بن
السري ، عن ابن عقدة ، عن محمد بن الفضل بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن مثنى بن القاسم ،
عن هلال بن أيوب ، عن أبي كثير الانصاري ، عن عبدالله بن أسعد بن زرارة ، عن أبيه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اوحي إلي في علي أنه
أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين .
( 2 )
103 - كش : جبرئيل بن أحمد ، عن موسى بن معاوية بن وهب ، عن علي بن سعيد ، عن
عبدالله بن عبدالله الواسطي ، عن واصل بن سليمان ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله
عليه السلام قال : لما صرع ( 3 ) زيد بن صوحان رحمه الله يوم الجمل جاء أمير المؤمنين عليه السلام حتى
جلس عند رأسه فقال : رحمك الله يا زيد لقد كنت خفيف المؤونة عظيم المعونة ، قال : فرفع
زيد رأسه إليه ثم قال : وأنت فجزاك الله خيرا يا أمير المؤمنين ( 4 ) ، فوالله ما علمتك إلا
بالله عليما وفي ام الكتاب عليا حكيما ، وإن الله في صدرك لعظيم ، والله ما قاتلت معك
على جهالة ولكنني سمعت ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله تقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من
نصره واخذل من خذله ، فكرهت والله أن أخذلك فيخذلني الله .
( 5 )
104 - فر : علي بن حمدون ، عن فرج بن فروة ( 6 ) ، عن مسعدة ، عن صالح بن
ميثم ، عن أبيه قال : بينا أنا في السوق إذ أتاني الاصبغ بن نباتة فقال لي : ويحك يا
ميثم لقد سمعت عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام آنفا حديثا صعبا شديدا أن
___________________________________________________________
( 1 ) امالى الشيخ : 155 .
وفيه : وهو وليكم من بعدى .
( 2 ) اليقين : 34 و 35 .
( 3 ) على صيغة المجهول أى طرح على الارض .
( 4 ) في المصدر : وأنت أمير المؤمنين فجزاك الله خيرا .
( 5 ) رجال الكشى : 45 .
( 6 ) في المصدر : على بن حمدون ، عن عيسى بن مهران ، عن فرج بن فروة .
[234]
يكون كما ذكر ؟ قلت : وما هو ؟ قال : سمعت يقول ( 1 ) : إن حديثنا أهل البيت صعب
مستصعب ، لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن قد امتحن الله قلبه للايمان ،
قال : فقمت من فوري فأتيت أمير المؤمنين عليه السلام فقلت .
يا أمير المؤمنين جعلت فداك حديث
أخبرني به الاصبغ عنك قد ضقت به ذرعا ، قال : فما هو ؟ فأخبرته به ، قال لي : اجلس ( 2 )
يا ميثم أو كل علم العلماء يحتمل ؟ قال الله لملائكته : " إني جاعل في الارض خليفة
قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ( 3 ) " إلى آخر الآية ، فهل رأيت الملائكة
احتملوا العلم ؟ قال : قلت : هذه والله أعظم من تلك ، قال : والاخرى عن موسى أنزل الله
عليه التوراة فظن أن لا أحد في الارض أعلم منه ، فأخبره الله تعالى أن في خلقي من
هو أعلم منك ، وذاك إذ خاف على نبيه العجب ، قال : فدعا ربه أن يرشده إلى العالم ( 4 ) ،
قال : فجمع الله بينه وبين الخضر عليهما السلام فخرق السفينة فلم يحتمل ذلك موسى ، وقتل
الغلام فلم يحتمله ، وأقام الجدار فلم يحتمل ذلك ، وأما المؤمن فنبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله
أخذ بيدي يوم الغدير فقال صلى الله عليه وآله : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فهل رأيت المؤمنين
احتملوا ذلك إلا من عصمهم الله منهم ؟ ألا فابشروا ثم ابشروا فإن الله قد خصكم بمالم
يخص به الملائكة والنبيين والمؤمنين بما احتملتم من أمر رسول الله ( 5 ) .
105 - فر : الحسين بن سعيد معنعنا عن بريدة قال : بعث رسول الله علي بن ابي
طالب عليه السلام إلى اليمن وخالد على الخيل ، وقال : إذا اجتمعتما فعلي على الناس ، قال :
فلما قدمنا إلى النبي صلى الله عليه وآله فتح على المسلمين ( 6 ) وأصابوا من الغنائم غنائم كثيرة ،
وأخذ علي بن أبي طالب عليه السلام جارية من الخمس ، قال : فقال خالد : يا بريدة اغتنمها
إلى النبي صلى الله عليه وآله فأخبره فإنه يسقط من عينيه ! فقال بريدة فقدمت المدينة ودخلت المسجد
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : سمعته يقول .
( 2 ) : فتبسم ثم قال : اجلس اه .
( 3 ) سورة البقرة : 30 .
( 4 ) في المصدر : إلى ذلك العالم .
( 5 ) تفسير فرات : 6 و 7 .
( 6 ) في المصدر : فلما قدمنا على النبى وفتح على المسلمين اه .
[235]
فأتيت منزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورسول الله في بيته وسفراء علي بن أبي طالب عليه السلام جلوس
على بابه ، فأتيت الناس فقالوا : يا بريدة ما الخبر ؟ قلت : فتح الله عليه المسلمين فأصابوا
من الغنائم ما لم يصيبوا مثلها ، قالوا : فما أقدمك ( 1 ) ؟ قلت : بعثني خالد اخبر النبي
صلى الله عليه وآله بجارية أخذها علي بن أبي طالب عليه السلام من الخمس ، قال : فأخبره ( 2 ) فإنه يسقط
من عينيه ! قال : ورسول الله يسمع الكلام ، قال : فخرج النبي صلى الله عليه وآله مغضبا كأنما يفقا ( 3 )
من وجهه حب الرمان ، فقال : ما بال أقوام ينتقصون عليا ؟ من تنقص عليا فقد تنقصني ، ومن
فارق عليا فقد فارقني ، إن عليا مني وأنا منه ، خلقه الله من طينتي وخلقت من طينة
إبراهيم ، وأنا أفضل من إبراهيم ، وفضل إبراهيم لي فضل " ذرية بعضها من بعض " ويحك يا
بريدة أما علمت أن لعلي بن أبي طالب في الخمس أفضل من الجارية التي أخذها وأنه
وليكم من بعدي ؟ قال : فلما رأيت شدة غضب رسول الله صلى الله عليه وآله قلت : يا رسول الله
أسألك بحق الصحبة إلا بسطت لي يدك حتى ابايعك على الاسلام جديدا ، قال : فما
فارقت ( 4 ) حتى بايعته على الاسلام جديدا ( 5 ) .
تذنيب اعلم أن الاستدلال بخبر الغدير يتوقف على أمرين : أحدهام إثبات
الخبر ، والثاني إثبات دلالته على خلافته صلوات الله عليه ، أما الاول فلا أظن عاقلا
يرتاب في ثبوته وتواتره بعد إحاطته بما أسلفناه من الاخبار التي اتفقت المخالف والمؤالف
على نقلها وتصحيحها ، مع أن ما أوردناه قليل من كثير ، وقد أوردنا كثير منها في كتاب
الفتن وسيأتي في الابواب الآتية بعضها ، وقد قرع سمعك ذكر من صنف الكتاب في
ذلك من علماء الفريقين .
وقال صاحب إحقاق الحق رحمه الله : ذكر الشيخ ابن كثير الشامي الشافعي
عند ذكر أحوال محمد بن جرير الطبري ( 6 ) أني رأيت كتابا جمع فيه أحاديث غدير خم
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : فما قدمك ؟ .
( 2 ) : قالوا : فأخبره .
( 3 ) أى يخرج .
( 4 ) في المصدر : فما فارقت رسول الله .
( 5 ) تفسير فرات : 23 و 24 .
( 6 ) في المصدر : الطبرى الشافعى .
[236]
في مجلدين ضخمين ، وكتابا جمع فيه طرق حديث الطير ، ونقل عن أبي المعالي الجويني
أنه كان يتعجب ويقول : رأيت ( 1 ) مجلدا ببغداد في يد صحاف فيه روايات هذا الخبر
مكتوبا عليه : " المجلدة الثامنة والعشرون من طرق من كنت مولاه فعلي مولاه ويتلوه
المجلد التاسعة والعشرون " وأثبت الشيخ ابن الجوزي الشافعي في رسالته الموسومة
بأسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام تواتر هذا الحديث من طرق كثيرة ،
ونسب منكره إلى الجهل والعصبية انتهى ( 2 ) .
وقال السيد المرتضى في كتاب الشافي : أما الدلالة على صحة الخبر فلا يطالب بها
إلامتعنت ( 3 ) ، لظهوره واشتهاره وحصول العلم لكل من سمع الاخبار به ، وما المطالب بتصحيح
خبر الغدير والدلالة عليه إلا كالمطالب بتصحيح غزوات النبي صلى الله عليه وآله الظاهرة المشهورة
وأحواله المعروفة وحجة الوداع نفسها ، لان ظهور الجميع وعموم العلم به بمنزلة واحدة
وبعد : فقالت الشيعة بنقله وبتواتره ، وأكثر رواة أصحاب الحديث ترويه بالاسانيد المتصلة
وجميع أصحاب السير ينقلونه عن أسلافهم خلفا عن سلف نقلا بغير إسناد مخصوص ، كما
نقلوا الوقائع والحوادث الظاهرة ، وقد أورده مصنفو الحديث في جملة الصحيح ، وقد
استبد ( 4 ) هذا الخبر بما لا يشركه فيه سائر الاخبار لان الاخبار على ضربين : أحدهما لا يعتبر في
نقله الاسانيد المتصلة كالخبر عن وقعة بدر وخيبر والجمل وصفين ، والضرب الآخر يعتبر فيه
اتصال الاسانيد كأخبار الشريعة ، وقد اجتمع فيه الطريقان ، ومما يدل على صحته
إجماع علماء الامة على قبوله ، ولا شبهة فيما ادعيناه من الاطباق ، لان الشيعة جعلته
الحجة في النص على أمير المؤمنين عليه السلام بالامامة ، ومخالفوا الشيعة أولوه على اختلاف
تأويلاتهم ، وما يعلم أن فرقة من فرق الامة ردت هذا الخبر أو امتنعت من قبوله .
وأما ما حكي عن ابن أبي داود السجستاني في دفع الخبر وحكي عن الخوارج
مثله وطعن الجاحظ في كتاب العثمانية فيه فنقول أولا : إنه لا يعتبر في باب الاجماع
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : شاهدت .
( 2 ) احقاق الحق 2 : 486 و 487 .
( 3 ) تعنت الرجل وعليه في السؤال ، سأله على جهة التلبيس عليه .
( 4 ) استبد بكذا : انفرد به .
[237]
عدم تقدم خلافه ، فإن ابن أبي داود والجاحظ لو صرحا بالخلاف لسقط خلافهما بما
ذكرناه من الاجماع ، على أنه قد قيل : إن ابن أبي داود لم ينكر الخبر وإنما أنكر
كون المسجد الذي بغدير خم متقدما ، وقد حكي عنه التنصل من القدح في الخبر والتبري
مما قذفه ( 1 ) به محمد بن جرير الطبري ، وأما الجاحظ فلم يتجاسر أيضا على التصريح بدفع
الخبر ، وإنما طعن على بعض رواته ، وادعى اختلاف ما نقل في لفظه ، وأما الخوارج فما
يقد أحد على أن يحكي عنهم دفعا لهذا الخبر ، وكتبهم خالية عن ذلك ، وقد استدل
قوم على صحة الخبر بما تظاهرت به الروايات من احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام به في
الشورى : حيث قال : أنشدكم الله هل منكم أحد أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيده فقال : من
كنت مولاه فهذا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه غيري ؟ فقال القوم : اللهم لا ،
وإذا اعترف به من حضر الشورى من الوجوه ( 2 ) واتصل أيضا بغيرهم من الصحابة ممن
لم يحضر الموضع ولم يكن من أحد نكير له مع علمنا بتوفر الدواعي إلى إظهار ذلك لو كان
فقد وجب القطع على صحته ، على أن الخبر لو لم يكن في الوضوح كالشمس لما جاز أن
يدعيه أمير المؤمنين عليه السلام سيما مثله في مثل هذا المقام .
انتهى ملخص كلامه ، ومن أراد
التفصيل فليرجع إلى أصل الكتاب ( 3 ) .
وأما الثاني ( 4 ) قلنا : في الاستدلال به على إمامته صلوات الله عليه مقامان :
الاول أن المولى جاء بمعني الاولى بالامر والمتصرف المطاع في كل ما يأمر ، والثاني
أن المراد به هنا هو هذا المعنى ، أما الاول فقد قال السيد المرتضى في كتاب الشافي :
من كان له أدنى اختلاط باللغة وأهلها يعرف أنهم يضعون هذه اللفظة مكان " أولى " كما
-بحار الانوار مجلد: 33 من ص 237 سطر 19 الى ص 245 سطر 18
أنهم يستعملونها في ابن العم ، وقد ذكر أبوعبيدة معمر بن المثنى - ومنزلته في اللغة
منزلته - في كتابه المعروف بالمجاز في القرآن لما انتهى إلى قوله تعالى : " مأواكم
___________________________________________________________
( 1 ) تنصل إلى فلان من الجناية : خرج وتبرأ عنده منها .
قذف الرجل : رماه واتهمه بريبة .
( 2 ) وجوه القوم : سيدهم .
( 3 ) الشافى : 132 و 133 .
( 4 ) أى الاثبات دلالة الخبر على امامته صلوات الله عليه .
[238]
النار هي مولاكم ( 1 ) " أن معنى مولاكم أولى بكم ، وأنشد بيت لبيد ( 2 ) شاهدا له " فغدت "
البيت ، وليس أبوعبيدة ممن يغلط في اللغة ، ولو غلط فيها أووهم لما جاز أن يمسك عن
النكير عليه والرد لتأويله غير من أهل اللغة ممن أصاب وما غلط فيه على عادتهم المعروفة
في تتبع بعضهم لبعض ورد بعضهم على بعض ، فصار قول أبي عبيدة الذي حكيناه مع أنه
لم يظهر من أحد من أهل اللغة رد له كأنه قول الجميع ، ولا خلاف بين المفسرين في أن قوله
تعالى : " ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والاقربون ( 3 ) " أن المراد بالموالي من
كان أملك بالميراث وأولى بحيازته وأحق به ، وقال الاخطل :
فأصبحت مولاها من الناس بعده * وأحرى قريش أن تهاب وتحمد
وقال أيضا يخاطب بني امية :
أعطاكم الله جدا تنصرون به * لاجد إلا صغير بعد محتقر
لم تأشروا فيه إذا كنتم مواليه * ولم يكون لقوم غيركم أشروا
وقال غيره :
كانوا موالي حق يطلبون به * فأدركوه وما ملوا ولا تعبوا
وقال العجاج :
الحمد لله الذي أعطى الخير * موالي الحق إن المولى شكر
وروي في الحديث " أيما امرأة تزوجت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل " وكلما
استشهد به لم يرد بلفظ مولى فيه إلا معنى أولى دون غيره ، وقد تقدمت حكايتنا عن
المبرد قوله : إن أصل تأويل الولي الذي هو أولى أي أحق ، ومثله المولى ، وقال في
هذا الموضع بعد أن ذكر تأويل قوله تعالى : " بأن الله مولى الذين آمنوا ( 4 ) " : والولي
والمولى معناهما سواء ، وهو الحقيق بخلقه المتولي لا مورهم ، وقال الفراء في كتاب
___________________________________________________________
( 1 ) سورة الحديد : 15 .
( 2 ) لبيد بن ربيعة العامرى كنيته أبوعقيل ، من أجلة الشعراء المخضرمين ، أدرك الاسلام وارتضاه
وترك الشعر ، وسئل عن شعره فكتب سورة البقرة وقال .
ابدلني الاسلام بهذا من الشعر .
( 3 ) سورة النساء : 33 .
( 4 ) سورة محمد : 11 .
[239]
معاني القرآن : الولي والمولى في كلام العرب واحد ، وفي قراءة عبدالله بن مسعود
" إنما مولاكم الله ورسوله " مكان " وليكم الله " وقال أبوبكر محمد بن القاسم الانباري
في كتابه في القرآن المعروف بالمشكل : والمولى في اللغة ينقسم إلى ثمانية أقسام :
أولهن المولى المنعم ( 1 ) ، ثم المنعم عليه المعتق ، والمولى الولي ، والمولى الاولى
بشئ ( 2 ) ، وذكر شاهدا عليه الآية التي قدمنا ذكرها وبيت لبيد ، والمولى الجار ،
والمولى ابن العم ، والمولى الصهر ، والمولى الحليف ، واستشهد لكل واحد من أقسام
المولى بشئ من الشعر لم نذكره لان غرضنا سواه .
وقال أبوعمر غلام تغلب في تفسير
بيت الحارث بن حلزة الذي هو " زعموا أن كل من ضرب العير موال لنا " ( 3 ) أقسام
المولى ، وذكر في جملة الاقسام أن المولى السيد وإن لم يكن مالكا ، والمولى الولي .
وقد ذكر جماعة ممن يرجع إلى مثله في اللغة أن من جملة أقسام مولى السيد الذي ليس هو
بمالك ولا معتق ، ولو ذهبنا إلى ذكر جميع ما يمكن أن يكون شاهدا فيما قصدناه
لاكثرنا ، وفيما أدركناه كفاية ومقنع ، انتهى كلامه قدس سره .
( 4 )
وقال الجزري في النهاية : قد تكرر اسم المولى ( 5 ) في الحديث ، وهو اسم يقع
على جماعة كثيرة ، فهو الرب والمالك والسيد والمنعم والمعتق والناصر والمحب والتابع
والجار وابن العم والحليف والعقيد والصهر والعبد والمعتق والمنعم عليه ، وكل من ولي
أمرا وقام به فهو مولاه ووليه ، ومنه الحديث " من كنت مولاه فعلي مولاه " يحمل على
أكثر الاسماء المذكورة ، ومنه الحديث " أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها
باطل " وروي وليها أي متولي أمرها ( 6 ) .
وقال البيضاوي والزمخشري ( 7 ) وغيرهما من المفسرين في تفسير قوله تعالى : " هي
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : المولى المنعم المعتق .
( 2 ) : الاولى بالشئ .
( 3 ) الشعر هكذا " زعموا أن كل من ضرب العير * موال لنا وأنا اللواء " راجع المعلقات السبعة .
( 4 ) الشافى : 133 و 134 .
( 5 ) في المصدر : ذكر المولى .
( 6 ) النهاية 4 : 213 و 232 .
( 7 ) راجع تفسير البيضاوى 2 : 211 .
والكشاف 3 : 163 .
[240]
مولاكم " : هي أولى بكم .
وقال الزمخشري في قوله تعالى : " أنت مولانا " سيدنا
فنحن عبيدك ، أو ناصرنا أو متولي امورنا ( 1 ) .
وأما الثاني ففيه مسالك :
المسلك الاول : أن المولى حقيقة في الاولى لاستقلالها بنفسها ورجوع سائر
الاقسام في الاشتقاق إليها ، لان المالك إنما كان مولى لكونه أولى بتدبير رقيقه وبحمل
جريرته ( 2 ) ، والمملوك مولى لكونه أولى بطاعة مالكه ، والمعتق والمعتق كذلك ،
والناصر لكونه أولى بنصرة من نصره ، والحليف لكونه أولى بنصرة حليفة ، والجار لكونه
أولى بنصرة جاره والذب عنه ، والصهر لكونه بمصاهرة ، والامام والوراء لكونه
أولى بمن يليه ، وابن العم لكونه أولى بنصرة ابن عمه والعقل عنه ( 3 ) ، والمحب
المخلص لكونه أولى بنصرة محبه ، وإذا كانت لفظة مولى حقيقة في الاولى وجب حملها
عليها دون سائر معانيها ، وهذا الوجه ذكره يحيى بن بطريق في العمدة ( 4 ) وأبوالصلاح
الحلبي في التقريب .
المسلك الثانى ما ذكره السيد في الشافي وغيره في غيره ، وهو أن ما يحتمله
لفظة مولى ينقسم إلى أقسام ، منها ما لم يكن صلى الله عليه وآله عليه ومنها ما كان عليه ومعلوم
لكل أحد أنه صلى الله عليه وآله لم يرده ، ومنها ما كان عليه ومعلوم بالدليل أنه لم يرده ، ومنها
ما كان حاصلا له ويجب أن يريده لبطلان سائر الاقسام واستحالة خلو كلامه من معنى
وفائدة .
فالقسم الاول هو المعتق ( 5 ) والحليف ، لان الحليف هو الذي ينضم إلى
قبيلة أو عشيرة فيحالفها على نصرته والدفاع عنه ، فيكون منتسبا إليها متعززا بها ،
ولم يكن النبي صلى الله عليه وآله حليفا لاحد على هذا الوجه ، والقسم الثاني ينقسم إلى قسمين
___________________________________________________________
( 1 ) تفسير الكشاف 1 : 292 .
( 2 ) الجريرة : الذنب والجناية .
( 3 ) عقل عن فلان : أدى عنه مالزمه من دية أو جناية .
( 4 ) ص : 55 .
( 5 ) على بناء المفعول فانه صلى الله عليه وآله لم يكن معتقا .