[ 71 ]
وأجمع أهل السير وقد ذكره التاريخي أن النبي صلى الله عليه واله بعث خالدا إلى اليمن
يدعوهم إلى الاسلام فيهم البراء بن عازب ، فأقام ستة أشهر فلم يجبه أحد فساء ذلك على
النبي صلى الله عليه واله وأمره ( 1 ) أن يعزل خالدا ، فلما بلغ أميرالمؤمنين عليه السلام القوم صلى بهم
الفجر ثم قرأ على القوم كتاب رسول الله صلى الله عليه واله فأسلم همدان كلها في يوم واحد ، وتبايع
أهل اليمن على الاسلام ، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه واله خر الله ساجدا وقال : السلام
على همدان [ السلام على همدان ] ومن أبيات لامير المؤمنين عليه السلام في يوم صفين .
ولو أن يوما كنت بواب جنة * لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
واستنابه لما أنفذه إلى اليمن قاضيا على ما أطبق عليه الولي والعدو على قوله صلى الله عليه واله
وضرب على صدره وقال : ( اللهم سدده ولقنه فصل الخطاب ) قال : فلما شككت ( 2 )
في قضاء بين اثنين بعد ذلك اليوم ، رواه أحمد بن حنبل وأبويعلى في مسنديهما وابن بطة
في الابانة من أربعة طرق .
واستنابه حين أنفذه إلى المدينة لمهم شرعي ، ذكره أحمد في المسند والفضائل
وأبويعلى في المسند وابن بطة في الابانة والزمخشرى في الفائق واللفظ لاحمد قال علي
عليه السلام : كنا مع رسول الله في جنازة فقال : من يأتي المدينة فلا يدع قبرا إلا سواه
ولا صورة إلا لطخها ( 3 ) ولا وثنا إلا كسره ؟ فقام رجل فقال : أنا ، ثم هاب أهل المدينة
فجلس ، فانطلقت ثم جئت فقلت : يا رسول الله لم أدع بالمدينة قبرا إلا سويته ولا صورة
إلا لطختها ولا وثنا إلا كسرته ، قال : فقال : صلى الله عليه واله من عاد فصنع شيئامن ذلك فقد كفر
بما أنزل الله على محمد ، الخبر .
واستنابه في ذبح باقي إبله فيما زاد على ثلاثة وستين ، روى إسماعيل البخاري
وأبوداود السجستاني والبلاذري وأبويعلى الموصلي وأحمد بن حنبل وأبوالقاسم الاصفهاني
___________________________________________________________
( 1 ) أى أمر أميرالمؤمنين عليه السلام وفي ( ت ) فبعث عليا عليه السلام وأمره اه .
( 2 ) في المصدر : فما شككت .
( 3 ) لطخ الصورة بالمداد ونحوه لوثها ومحاها .
[ 72 ]
في الترغيب واللفظ له عن جابر وابن عباس قال : أهدى رسول الله مائة بدنة ( 1 ) ، فقدم
علي عليه السلام من المدينة فأشركه في بدنه بالثلث ، فنحر رسول الله صلى الله عليه واله ستا وستين بدنة
وأمر عليا فنحر أربعا وثلاثين ، وأمره النبي صلى الله عليه واله من كل جزور ( 2 ) ببضعة فطبخت ،
فأكلا من اللحم وحسيا من المرق ( 3 ) ، وفي رواية مجاهد عن عبدالرحمان بن أبي ليلى عن
علي عليه السلام قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه واله أن أقوم على البدن ، قال : فإذا نحرتها فتصدق
بجلودها وبجلالها ( 4 ) وبشحومها ، وفي رواية : أن لااعطي الجازر منها ، قال : نحن نعطيه
من عندنا ( 5 ) .
كافي الكليني قال أبوعبدالله عليه السلام : نحر رسول الله صلى الله عليه واله بيده ثلاثا وستين ونحر
علي ما غبر ( 6 ) .
تهذيب الاحكام أن النبي صلى الله عليه واله لما فرغ من السعي قال : هذا جبرئيل يأمرني
بأن آمر من لم يسق هديا أن يحل ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت مثل
ما أمرتكم ولكني سقت الهدي ، وكان صلى الله عليه واله ساق الهدي ستا وستين أو أربعا وستين
وجاء علي من اليمن بأربع وثلاثين أوست وثلاثين ، وقال لعلي : بما أهللت ؟ قال : يا رسول
الله إهلالا كإهلال النبي فقال النبي صلى الله عليه واله : كن على إحرامك مثلي وأنت شريكي في هديي
فلما رمى الجمرة نحر رسول الله صلى الله عليه واله منها ستا وستين ونحر علي أربعا وثلاثين ،
واستنابه في التضحي .
الحاكم بن البيع في معرفة علوم الحديث حدثنا أبونصر سهل الفقيه ، عن صالح بن
محمد بن الحبيب ، عن علي بن حكيم ، عن شريك ، عن أبي الحسناء ، عن الحكم بن عتيبة ،
عن زر بن حبيش قال : كان علي يضحي بكبشين : بكبش عن النبي وبكبش عن نفسه ،
___________________________________________________________
( 1 ) البدنة : الناقة أو البقرة المسمنة .
( 2 ) الجزور : ما يجزر من النوق أو الغنم .
وجزر الشاة : نحرها .
( 3 ) حسا المرق : شربه شئيا بعد شئ .
( 4 ) جمع الجل بضم الجيم أو الفتح للدابة كالثوب للانسان تصان به .
( 5 ) أى نعطى الجزار اجرته من عندنا لا من الجزور فانه يتصدق به .
( 6 ) أى ما بقى .
[ 73 ]
وقال : كان أمرني رسول الله صلى الله عليه واله أن اضحي عنه فأنا اضحي عنه أبدا ورواه أحمد في
الفضائل .
واستنابه في إصلاح ما أفسده خالد ، روى البخاري أن النبي صلى الله عليه واله بعث خالدا
في سرية فأغار على حي أبي زاهر الاسدي ، وفي رواية الطبري أنه أمر بكتفهم ( 1 ) ثم
عرضهم على السيف فقتل منهم من قتل ، فأتوا بالكتاب الذي أمر رسول الله صلى الله عليه واله أمانا
له ولقومه إلى النبى صلى الله عليه واله ، قالوا جميعا : إن النبي صلى الله عليه واله قال : اللهم إني أبرأ إليك
مما صنع خالدوفي رواية الخدري : اللهم إني أبرأ من خالد ثلاثا ثم قال : أما
متاعكم فقد ذهب فاقتسمه المسلمون ، ولكني أرد عليكم مثل متاعكم ، ثم إنه قدم على
رسول الله صلى الله عليه واله ثلاث رزم ( 2 ) من متاع اليمن فقال : يا علي فاقض ذمة الله وذمة رسوله
ودفع إليه الرزم الثلاث ، فأمر علي بنسخة ما اصيب لهم فكتبوا ، فقال : خذوا هذه
الرزمة فقوموها بما اصيب لكم ، فقالوا : سبحان الله هذا أكبر مما اصيب لنا ! فقال :
خذوا هذه الثانية فاكسوا عيالكم وخدمكم ليفرحوا بقدرما حزنوا ، وخذوا الثالثة بما
علمتم وما لاتعلموا لترضوا عن رسول الله صلى الله عليه واله فلما قدم علي على رسول الله صلى الله عليه واله أخبره
بالذي منه ( 3 ) فضحك رسول الله صلى الله عليه واله حتى بدت نواجذه وقال : أدي الله عن ذمتك كما
أديت عن ذمتي ، ونحو ذلك روي أيضا في بني جذيمة ( 4 )
الحميري :
من ذالذي أوصى إليه محمد * يقضي العداة فأنفذ الاقضاء
وقد ولاه في رد الودائع لما هاجر إلى المدينة ، واستخلف عليا عليه السلام في آله وماله
فأمره أن يؤدي عنه كل دين وكل وديعة وأوصى إليه بقضاء ديونه .
الطبري بإسناد له عن عباد عن علي عليه السلام أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : من
يؤدي عني ديني ويقضي عداتي ويكون معي في الجنة ؟ قلت : أنا يا رسول الله .
___________________________________________________________
( 1 ) كتف الرجل : شديديه إلى خلف كتفيه واوثقه بالكتاف .
( 2 ) جمع الرزمة بكسر الراء فيهما والرزمة من الثياب وغيرها : ما جمع وشد معا .
( 3 ) في المصدر : بالذى كان منه .
( 4 ) قال في القاموس ( 4 : 88 ) : الجذيمة كسفينة : قبيلة من عبدالقيس ، وقد تضم جيمه .
[ 74 ]
فردوس الديلمي قال سلمان : قال صلى الله عليه واله : علي بن أبي طالب ينجز عداتي ويقضي ديني .
أحمد في الفضائل عن ابن آدم السلولي وحبشي بن جنادة السلولي قال النبي صلى الله عليه واله :
علي مني وأنا منه ولا يقضي عني ديني إلا أنا أو علي وقوله صلى الله عليه واله : ( يقضي ديني
وينجز وعدي ) وقوله : ( أنت قاضي ديني ) في روايات كثيرة .
قتادة : بلغنا أن عليا عليه السلام نادى ثلاثة أعوام بالموسم : من كان له على رسول الله
صلى الله عليه وآله شئ ( 1 ) فليأتنا نقضي عنه وروت العامة عن حبشي بن جنادة أنه أتى
رجل أبابكر فقال : رسول الله وعدني أن يحثولي ثلاث حثيات ( 2 ) من تمر فقال : ياعلي
فاحثها له فعدها أبوبكر فوجد في كل حثية ستين تمرة ، فقال : صدق رسول الله سمعته
يقول : يا أبابكر كفي وكف علي في العدد سواء .
ودين النبي إنما كان عداته وهي ثمانون ألف درهم فأداها .
ومما قضى عنه الدين دين الله الذي هو أعظم ، وذلك ما كان افترضه الله عليه ، فقبض
صلى الله عليه وآله قبل أن يقضيه وأوصى عليا بقضائه عنه ، وذلك قول الله تعالى : ( يا أيها
النبي جاهد الكفار والمنافقين ( 3 ) ) فجاهد الكفار في حياته وأمر عليا بجهاد المنافقين
بعد وفاته ، فجاهد الناكثين والقاسطين والمارقين ، وقضى بذلك دين رسول الله الذي كان
لربه عليه .
وإنه صلى الله عليه واله جعل طلاق نسائه إليه .
أبوالدرعل المرادي وصالح مولى التومة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه واله جعل طلاق
نسائه إلى علي .
الاصبغ بن نباتة قال : بعث علي عليه السلام يوم الجمل إلى عائشة : ارجعي وإلا تكلمت
بكلام تبرين من الله ورسوله .
وقال أميرالمؤمنين عليه السلام للحسن : اذهب إلى فلانة فقل لها :
قال لك أميرالمؤمنين : والذي فلق الحبة ( 4 ) وبرئ النسمة لئن لم ترحلي الساعة لابعثن
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : دين .
( 2 ) قال في النهاية ( 1 : 210 ) : في الحديث ( كان يحثى على رأسه ثلاث حثيات ) أى ثلاث
غرف بيده ، واحدها حثية .
( 3 ) سورة التوبة : 73 ، سورة التحريم : 9 .
( 4 ) في المصدر : والذى فلق الحبة والنواة اه .
[ 75 ]
إليك بما تعلمين ، فلما أخبرها الحسن بما قال أميرالمؤمنين عليه السلام قامت ثم قالت :
خلوني ( 1 ) ! فقالت لها امرأة من المهالبة : أتاك ابن عباس شيخ بني هاشم وحاورتيه وخرج
من عندك مغضبا وأتاك غلام فأقلعت ؟ قالت : إن هذا الغلام ابن رسول الله صلى الله عليه واله فمن أراد
أن ينظر إلى مقلتي ( 2 ) رسول الله فلينظر إلى هذا الغلام ، وقد بعث إلي بما علمت ، قالت :
فأسألك بحق رسول الله صلى الله عليه واله عليك إلا أخبرتينا بالذي بعث إليك ، قالت : إن رسول الله
صلى الله عليه وآله جعل طلاق نسائه بيد علي ، فمن طلقها في الدنيا بانت منه في الآخرة .
وفي رواية : كان النبي يقسم نفلا ( 3 ) في أصحابه ، فسألناه أن يعطينا منه شيئا
وألححنا عليه في ذلك ، فلامنا علي فقال : حسبكن ما أضجرتن رسول الله ، فتهجمناه ،
فغضب النبي صلى الله عليه واله مما استقبلنا به عليا ثم قال : يا علي إني قد جعلت طلاقهن إليك
فمن طلقتها منهن فهي بائنة ، ولم يوقت النبي صلى الله عليه واله في ذلك وقتا في حياة ولا موت ،
فهي تلك الكلمة ، فأخاف أن أبين من رسول الله .
خطيب خوارزم :
علي في النساء له وصي * أمين لم يمانع بالحجاب
واستنابه في مبيته على فراشه ليلة الغار ، واستنابه في نقل الحرم إلى المدينة بعد ثلاثة
أيام ، واستنابه في خاصة أمره وحفظ سره مثل حديث مارية لما قرفوها ( 4 ) ، واستنابه
على المدينة لما خرج إلي تبوك ، واستنابه في قتل الصناديد من قريش وولاه عليهم عند
هزيمتهم ، وولاه حين بعثه إلى فدك ؟ وولاه الخروج إلى بني زهرة ، وولاه يوم احد في
أخذ الراية وكان صاحب رايته دونهم ، وولاه على نفسه عند وفاته وعلى غسله وتكفينه
والصلاة عليه ودفنه ، وقد روي عنه : إنا أهل بيت النبوة والرسالة والامامة وإنه لا يجوز
أن يقبلنا عند ولادتنا القوابل ، وأن الامام لا يتولى ولادته وتغميضه ( 5 ) وغسله ودفنه
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : رحلونى خ ل .
( 2 ) المقلة : العين .
( 3 ) النفل بالتحريك الغنيمة .
( 4 ) قرف فلانا بكذا : عابه أواتهمه به وفي ( ت ) قذفوها .
( 5 ) غمض عينه : أطبق جفنيها .
[ 76 ]
إلا إمام مثله ، فتولى ولادته رسول الله وتولى وفاة رسول الله صلى الله عليه واله علي ، وتولى أميرالمؤمنين
ولادة الحسن والحسين وتولياه وفاته ، ووصى إليه أمر الامة على ما يأتي بيانه إن
شاء الله .
وقد استنابه يوم الفتح في أمر عظيم ، فإنه وقف حتى صعد على كتفيه وتعلق
بسطح البيت وصعد ، وكان يقلع الاصنام بحيث يهتز حيطان البيت ويرمي بها فتنكسر ،
ورواه أحمد بن حنبل وأبويعلى الموصلي في مسنديهما وأبوبكر الخطيب في تاريخه ومحمد بن
الصباح الزعفراني في الفضائل والخطيب الخوارزمي في أربعينه وأبوعبدالله النطنزي في
الخصائص وأبوالمضا صبيح مولى الرضا عليه السلام قال : سمعته يحدث عن أبيه عن جده في
قوله تعالى : ورفعناه مكانا عليا ( 1 ) ) قال : نزلت في صعود علي عليه السلام على ظهر النبي
صلى الله عليه وآله لقلع الصنم .
أبوبكر الشيرازي في نزول القرآن في شأن أميرالمؤمنين عليه السلام عن قتادة عن ابن
المسيب عن أبي هريرة قال : قال لي جابر بن عبدالله دخلنا مع النبي مكة وفي البيت
وحوله ثلاثمائة وستون صنما ، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه واله فالقيت كلها لوجوهها ، وكان
على البيت صنم طويل يقال له ( هبل ) فنظر النبي صلى الله عليه واله إلى علي وقال له : يا علي
تركب علي أو أركب عليك لا لقي هبل عن ظهر الكعبة ؟ قلت : يا رسول الله بل تركبني
فلما جلس على ظهري لم أستطع حمله لثقل الرسالة ، قلت : يا رسول الله بل أركبك ،
فضحك ونزل وطأطأ لي ظهره ( 2 ) واستويت عليه ، فوالذي فلق الحبة وبرئ النسمة لو أردت
أن أمسك السماء لمسكتها بيدي ، فألقيت هبل عن ظهر الكعبة ، فأنزل الله تعالى ( وقل جاء
الحق وزهق الباطل ( 3 ) ) .
وروى أحمد بن حنبل وأبوبكر الخطيب في كتابيهما بالاسناد عن نعيم بن حكيم
المدائني قال : حدثني أبومريم عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : انطلق بي رسول الله
___________________________________________________________
( 1 ) سورة مريم : 57 .
( 2 ) طأطأ ظهره : خفضه .
( 3 ) سورة بنى اسرائيل : 81
[ 77 ]
صلى الله عليه واله إلى الاصنام فقال : أجلس ، فجلست إلى جنب الكعبة ، ثم صعد رسول الله على
منكبي ثم قال لي : انهض بي إلى الصنم ، فنهضت به ، فلما رأى ضعفي عنه قال : اجلس
فجلست وأنزلته عني ، وجلس لي رسول الله صلى الله عليه واله ثم قال لي : اصعد ياعلي ، فصعدت
على منكبه ، ثم نهض بي رسول الله صلى الله عليه واله فلما نهض بى خيل لي أني لوشئت نلت السماء
وصعدت على الكعبة ، وتنحى رسول الله صلى الله عليه واله فألقيت صنمهم الاكبر صنم قريش وكان
من نحاس موتدا بأوتاد من حديد إلى الارض ، الخبر .
وفي رواية الخطيب : فإنه يخيل
إلي ( 1 ) أني لوشئت لنلت إلى افق السماء .
وحدثني أبوالحسن علي بن أحمد العاصمي ، عن إسماعيل بن أحمد الواعظ ، عن
أبي بكر البيهقي بإسناده عن أبي مريم ، عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال : قال رسول الله
صلى الله عليه واله : احملني لنطرح الاصنام عن الكعبة ، فلم أطق حمله فحملني ، فلو شئت
-بحار الانوار مجلد: 34 من ص 77 سطر 11 الى ص 85 سطر 11
أتناول السماء فعلت ، وفي خبر : والله لو شئت أن أنال السماء بيدي لنلتها .
وروى القاضي أبوعمر وعثمان بن أحمد ، عن شيوخ ، بإسناده عن ابن عباس قال :
قال النبي صلى الله عليه واله لعلي صلوات الله عليهما : قم بنا إلى الصنم في أعلى الكعبة لنكسره ،
فقاما جميعا فلما أتياه قال له النبي صلى الله عليه واله : قم على عاتقي ( 2 ) حتي أرفعك عليه ، فأعطاه
علي ثوبه فوضعه رسول الله صلى الله عليه واله على عاتقه ثم رفعه حتى وضعه على البيت ، فأخذ علي
عليه السلام الصنم وهم من نحاس ، فرمى به من فوق الكعبة ، فنادى رسول الله صلى الله عليه واله : انزل ،
فوثب من أعلى الكعبة كأنما كان له جناحان .
ويقال : إن عمر كان تمنى ذلك ، فقال
عليه السلام : إن الذي عبده لايقلعه .
ولما صعد أبوبكر المنبر نزل مرقاة ، فلما صعد عمر نزل مرقاة ، فلما صعد عثمان
نزل مرقاة ( 3 ) فلما صعد علي صلوات الله عليه صعد إلى موضع يجلس عليه رسول الله صلى الله عليه واله
فسمع من الناس ضوضاء ( 4 ) ، فقال : ما هذا الذي أسمعها ؟ قالوا : لصعودك إلى موضع
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : فانه تخيل إلى .
( 2 ) العاتق : ما بين المنكب والعنق .
( 3 ) أى درجة .
( 4 ) الضوضاء : أصوات الناس في الحرب أوفى الازدحام .
[ 78 ]
رسول الله صلى الله عليه واله الذي لم يصعده الذي تقدمك ! فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول : ( من
قام مقامي ولم يعمل بعملي أكبه الله في النار ) وأنا والله العامل بعمله ، الممتثل قوله ،
الحاكم بحكمه ، فلذلك قمت هنا ، ثم ذكر في خطبته : معاشر الناس قمت مقام أخي و
ابن عمي لانه أعلمني بسري وما يكون مني ، فكانه قال : أنا الذي وضعت قدمي على
خاتم النبوة فما هذه الاعواد ؟ أنا من محمد ومحمد مني ،
وقال عليه السلام في خطبة الافتخار : ( أنا كسرت الاصنام ، أنا رفعت الاعلام ، أنا بنيت
الاسلام ) وقال ابن نباتة : ( حتى شدبه أطناب الاسلام ، وهدبه أحزاب الاصنام ،
فأصبح الايمان فاشيا بإقباله ( 1 ) والبهتان متلاشيا بصياله ( 2 ) ) ولمقام إبراهيم شرف على
كل حجر لكونه مقاما لقدم إبراهيم ، فيجب أن يكون قدم علي أكرم من رؤوس
أعدائه لان مقامه كتف النبوة .
مسند أبي يعلى : أبومريم قال علي عليه السلام : انطلقت مع رسول الله ليلا حتى
أتينا الكعبة ، فقال لي : اجلس فجلست ، فصعد رسول الله صلى الله عليه واله على منكبي ثم نهضت به ،
فلما رأى ضعفي عنه قال : اجلس فجلست ، فنزل رسول الله صلى الله عليه واله فجلس لي وقال : اصعد
على منكبي ، ثم صعدت عليه ثم نهض بي حتى أنه ليخيل الي لوشئت نلت افق السماء
وصعدت على البيت فأتيت صنم قريش ، وهو بمثال رجل من صفر أونحاس ، الحديث .
وروى إسماعيل بن محمد الكوفي في خبر طويل عن ابن عباس أنه كان صنم لخزاعة
من فوق الكعبة ، فقال له النبي صلى الله عليه واله : يا أبا الحسن انطلق بنا نلقي هذا الصنم عن البيت
فانطلقا ليلا فقال له : يا أباالحسن ارق على ظهري : وكان طول الكعبة أربعين ذراعا ،
فحمله رسول الله صلى الله عليه واله فقال : انتهيت يا علي ؟ قال : والذي بعثك بالحق لوهممت أن
أمس السماء بيدي لمسستها ، واحتمل الصنم وجلد به الارض ( 3 ) فتقطع قطعا ، ثم
تعلق بالميزاب وتخلى بنفسه إلى الارض ، فلما سقط ضحك ، فقال النبي صلى الله عليه واله : ما
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : بأقياله .
( 2 ) الصيال : الصولة والقدرة
( 3 ) اى صرعه .
[ 79 ]
يضحكك يا علي أضحك الله سنك ؟ قال : ضحكت يا رسول الله تعجبا من أني رميت
بنفسي من فوق البيت إلى الارض فما ألمت ولا أصابني وجع ، فقال : كيف تألم يا أبا
الحسن أو يصيبك وجع إنما رفعك محمد وأنزلك جبرئيل ؟ وفي أربعين الخوارزمي في خبر
طويل فانطلقت أنا والنبي صلى الله عليه واله وخشينا أن يرانا أحد من قريش أو غيرهم ، فقذفته
فتكسر ونزوت ( 1 ) من فوق الكعبة .
فهذه دلالات ظاهرة على أنه أقرب الناس إليه وأخصهم لديه وأنه ولي عهده و
وصيه على امته من بعده ، وإنه صلى الله عليه واله لم يستنب المشائخ في شئ إلا ما روي في أبي
بكرأنه استنابه في الحج ، وفي قول عائشة : مروا أبابكر ليصلي بالناس ، وكلا الموضعين
فيه خلاف ، ولعلي بن أبي طالب مزايا ، فإنه لم يول عليه أحدا ، وما أخرجه إلى
موضع ولاتركه في قوم إلا ولاه عليهم ، وكان الشيخان تحت ولاية اسامة وعمروبن العاص
وغيرهما ( 2 ) .
2 مع ، ع .
أحمد بن يحيي المكتب ، عن أحمد بن محمد الوراق ، عن بشير بن سعيد
بن قيلويه ، عن عبدالجباربن كثير التميمي اليماني قال : سمعت محمد بن حرب الهلالي
أمير المدينة يقول : سألت جعفر بن محمد عليه السلام فقلت له : يا ابن رسول الله في نفسي مسألة
اريد أن أسألك عنها .
فقال : إن شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسألني وإن شئت
فاسأل ( 3 ) : قال قلت له : يا ابن رسول الله وبأي شئ تعرف ما في نفسي قبل سؤالي ؟
فقال ( 4 ) بالتوسم والتفرس ، أما سمعت قول الله عزوجل : ( إن في ذلك لآيات للمتوسمين ( 5 ) )
وقول رسول الله صلى الله عليه واله : ( اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ) ؟ قال : فقلت له : يا
ابن رسول الله فأخبرني بمسألتي ، قال : أردت أن تسألني عن رسول الله لم لم يطق حمله
علي عليه السلام عند حط الاصنام ( 6 ) من سطح الكعبة مع قوته وشدته و [ مع ] ماظهر منه
___________________________________________________________
( 1 ) أى وثبت .
( 2 ) مناقب آل أبى طالب 1 : 328 .
337 .
( 3 ) في المصدرين : وإن شئت فسل .
( 4 ) في المعانى : قبل سؤالى عنه .
قال اه .
( 5 ) سورة الحجر : 57 .
( 6 ) في المعانى : عند حطه الاصنام .
[ 80 ]
في قلع باب القوم بخيبر ( 1 ) والرمي به إلى ورائه أربعين ذراعا وكان لايطيق حمله أربعون
رجلا ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه واله يركب الناقة والفرس والحمار ( 2 ) وركب البراق ليلة
المعراج وكل ذلك دون علي في القوة والشدة ؟ قال : فقلت له : عن هذا والله أردت أن
أسألك يا ابن رسول الله فأخبرني ، فقال : إن عليا برسول الله تشرف ( 3 ) وبه ارتفع وبه
وصل إلى أن أطفأ نار الشرك وأبطل كل معبود ( 4 ) من دون الله عزوجل ، ولو علاه
النبي صلى الله عليه واله لحط الاصنام لكان بعلي مرتفعا وشريفا واصلا إلى حط الاصنام ، ولو كان
ذلك كذلك لكان أفضل منه ( 5 ) ، ألا ترى أن عليا قال : ( لما علوت ظهر رسول الله شرفت
وارتفعت حتى لوشئت أن أنال السماء لنلتها ) ؟ أما علمت أن المصباح هو الذي يهتدى
به في الظلمة وانبعاث فرعه من أصله وقد قال علي عليه السلام : ( أنا من أحمد كالضوء من
الضوء ! ) أما علمت أن محمدا وعليا صلوات الله عليهما كانا نورا بين يدي الله عزوجل
قبل خلق الخلق بألفي عام ( 6 ) ؟ وأن الملائكة لما رأت ذلك النور رأت له أصلا قد تشعب
منه ( 7 ) شعاع لامع فقالت : إلهنا وسيدنا ما هذاالنور ؟ فأوحى الله تبارك الله وتعالى
إليهم : هذا نور من نوري أصله نبوة وفرعه إمامة ، أما النبوة فلمحمد عبدي ورسولي ،
___________________________________________________________
( 1 ) في المعانى : في قلع باب القموص بخيبر .
قال في القاموس ( 2 : 315 ) القموص : جبل
بخيبر عليه حصن ابى الحقيق اليهودى .
( 2 ) في المعانى : يركب الناقة والفرس والبغلة والحمار .
( 3 ) في المعانى : شرف .
( 4 ) في المعانى : وبه وصل إلى إطفاء نار الشرك وإبطال كل معبود .
( 5 ) أى لكان أميرالمومنين أفضل من رسول الله .
( 6 ) هذا النحو من التحديدات التى وردت في بعض الروايات ليس من قبيل تحديدات الناس
الامور باالايام والاعوام .
ضرورة عدم تحقق الزمان الحاصل من حركة الارض قبل ايجادها ،
كما أنه لا معنى للزمان بعد انهدامها ، فهذا نظير قوله تعالى : ( خالدين فيها مادامت السموات
والارض ) ( هود : 108 و 109 ) ونحن نعلم من القرآن أنه لا سماء ولا أرض يومئذ ، والمراد
من هذا ونظائره التبعيد ، فان للعرب ألفاظا للتبعيد في معنى التأييد ، يقولون : ( لا أفعل ذلك ما
اختلف الليل والنهار مادامت السماء والارض وما نبت النبت وما اختلف الجرة والدرة وما ذرشارق )
ظنا منهم ان هذه الاشياء لا تتغير ويرون بذلك التأييد لا التوقيف ، فخطابهم سبحانه بالمتعارف من
كلامهم على قدر عقولهم وما يعرفون ، وكذلك الكلام في الروايات الموقتة خلق الانوار الطيبة
النبوية والعلوية : وفي المقام كلام ربما لا يسعه بعض الافهام .
( 7 ) في المعانى : قد انشعب فيه .