[131]

إذ أقبل رجل عليه بردان أخضران ، وله عقيصتان ( 1 ) سوداوان ، أبيض اللحية ، فلما سلم أمير المؤمنين عليه السلام من صلاته أكب عليه فقبل رأسه ، ثم أخذ بيده فأخرجه من باب كندة ، قال : فخرجنا مسرعين خلفهما ولم نأمن عليه ، فاستقبلنا عليه السلام في جارسوخ كندة قد أقبل راجعا ، فقال : مالكم ؟ فقلنا : لم نأمن عليك هذا الفارس فقال : هذا أخي الخضر ، ألم تروا حيث أكب علي ؟ قلنا : بلى ، فقال : إنه قال لي : إنك في مدرة لايريدها جبار بسوء إلا قصمه الله ، واحذر الناس ، فخرجت معه لاشيعه لانه أراد الظهر ( 2 ) .
2 قب : عن ابن نباتة مثله .
وروى خرور وسعد بن طريف عن الاصبغ أنه جاءه ثانية فإذا ميثم يصلي إلى تلك الاسطوانة ، فقال : يا صاحب السارية اقرأ صاحب الدار السلام يعني عليا وأعلمه أني بدأت به فوجدته نائما ( 3 ) .
بيان : قال الجزري : مدرة الرجل بلدته .
3 ص : الصدوق ، عن ماجيلويه ، عن عمه ، عن علي الكوفي ، عن إبراهيم ابن أبي البلاد ، عن أبيه ، عن الحارث الاعور الهمداني قال : رأيت مع أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام شيخا بالنخيلة ( 4 ) ، فقلت : يا أمير المؤمنين من هذا ؟ قال : هذا أخي الخضر ، جاءني يسألني عما بقي من الدنيا ، وسألته عما مضى من الدنيا ، فأخبرني وأنا أعلم بما سألته منه ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : فأتينا بطبق رطب من السماء ، فأما الخضر فرمى بالنوى وأما أنا فجمعته في كفي ، قال الحارث : وقلت فهبه لي يا أمير المؤمنين ، فوهبه ( 5 ) فغرسته ، فخرج مشانا جيدا بالغا عجبا لم أر مثله قط .
( 6 ) .
*

_________________________________________________________
) * ( 1 ) العقيصة : ضفيرة الشعر .
( 2 ) أمالي الشيخ : 32 .
( 3 ) مناقب آل أبي طالب 1 : 409 .
( 4 ) مصغرا ، موضع قرب الكوفة على سمت الشام .
( 5 ) في غير ( ك ) فوهبه لي .
( 6 ) مخطوط .

[132]

بيان : المشان كغراب وكتاب من أطيب الرطب .
4 قب : جعفر بن محمد ، عن آبائه عليهم السلام قال : لما قبض رسول الله جاء آت يسمعون حسه ولايرون شخصه ، فقال : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته في الله عزاء من كل مصيبة ، وخلف من كل هالك ، ودرك من كل مافات ، فبالله فثقوا وإياه فارجوا ، فإن المحروم من حرم الثواب ، والسلام .
فقال علي عليه السلام : تدرون من هذا ؟ هذا الخضر عليه السلام .
وروى محمد بن يحيى قال : بينا علي يطوف بالكعبة إذا رجل متعلق بالاستار وهو يقول : " يامن لايشغله سمع عن سمع يا من لايغلطه السائلون يا من لايتبرم بإلحاح الملحين أذقني برد عفوك وحلاوة رحمتك ( 1 ) " فقال علي عليه السلام : ياعبدالله دعاؤك هذا ؟ قال : وقد سمعته ؟ قال : نعم ، قال : فادع به في دبر كل صلاة ، فوالذي نفس الخضر بيده لو كان عليك من الذنوب عدد نجوم السماء وقطرها وحصباء الارض ( 2 ) وترابها لغفر لك أسرع من طرفة عين .
عبد الله بن الحسن بن الحسن ، عن أبيه ، عن جده ، عن أمير المؤمنين عليهم السلام ( 3 ) كان في مسجد الكوفة يوما ، فلما جنه الليل أقبل رجل من باب الفيل عليه ثياب بيض ، فجاء الحرس وشرطة الخميس ، فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام : ماتريدون ؟ فقالوا : رأينا هذا الرجل أقبل إلينا فخشينا أن يغتالك ، فقال : كلا فانصرفوا ( 4 ) رحمكم الله ، أتحفظوني من أهل الارض ؟ فمن يحفظني من أهل السماء ؟ ومكث الرجل عنده مليا يسأله ، فقال : يا أمير المؤمنين لقد ألبست الخلافة بهاء وزينة وكمالا ولم تلبسك ، ولقد افتقرت إليك أمة محمد صلى الله عليه وآله وما افتقرت إليها ، ولقد تقدمك قوم *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : وحلاوة مغفرتك .
( 2 ) الحصباء : الحصى .
( 3 ) كذا في النسخ والمصدر .
والظاهر : عن أبيه ، عن جده أن أمير المؤمنين عليه السلام اه .
( 4 ) في المصدر : كلا انصرفوا .

[133]

وجلسوا مجلسك فعذابهم على الله ، وإنك لزاهد في الدنيا وعظيم في السماوات والارض ، وإن لك في الآخرة لمواقف كثيرة تقر بها عيون شيعتك ، وإنك لسيد الاوصياء وأخوك سيد الانبياء ، ثم ذكر الائمة الاثني عشر وانصرف ( 1 ) .
وأقبل أمير المؤمنين عليه السلام على الحسن والحسين عليهما السلام فقال : تعرفانه ؟ قالا : ومن هو يا أمير المؤمنين ؟ قال : هذا أخي الخضر عليه السلام .
وفي الخبر أن خضرا وعليا عليهما السلام قد اجتمعا ، فقال له علي عليه السلام : قل كلمة حكمة ، فقال : ما أحسن تواضع الاغنياء للفقراء قربة إلى الله ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام ، وأحسن من ذلك تيه الفقراء ( 2 ) على الاغنياء ثقة بالله ، فقال الخضر : ليكتب هذا بالذهب .
أمالي المفيد النيسابوري وتاريخ بغداد قال الفتح بن شخرف ( 3 ) : رأى أمير المؤمنين الخضر عليهما السلام في المنام فسأله نصيحة ، قال ، فأراني كفه فإذا فيها مكتوب بالخضرة .
قد كنت ميتا فصرت حيا * وعن قليل تعود ميتا فابن لدار البقاء بيتا * ودع لدار الفناء بيتا ( 4 ) 5 جا : محمد بن الحسين ، عن أحمد بن محمد الصولي ، عن الجلودي ، عن الحسين بن حميد ، عن مخول بن إبراهيم ، عن صالح بن أبي الاسود ، عن محفوظ بن عبيد الله ، عن شيخ من أهل حضرموت ، عن محمد بن الحنفية عليه الرحمة قال : بينا
-بحار الانوار مجلد: 35 من ص 133 سطر 18 الى ص 141 سطر 18 أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يطوف بالبيت إذا رجل متعلق بالاستار وهو يقول : " يا من لايشغله سمع عن سمع يا من لايغلطه السائلون يا من لايبرمه إلحاح *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : فانصرف .
( 2 ) التيه : الصلف والكبر .
وفي المصدر " نيه الفقراء " يقال : ناهت نفسه عن الشئ أي انتهت وأبت فتركته .
( 3 ) في المصدر : شنجرف .
( 4 ) مناقب آل أبي طالب 1 : 409 410 .

[134]

الملحين أذقني برد عفوك وحلاوة رحمتك " فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : هذا دعاؤك ؟ قال له الرجل : وقد سمعته ؟ قال : نعم ، قال : فادع به في دبر كل صلاة فوالله ما يدعو به أحد من المؤمنين في أدبار الصلاة إلا غفر الله له ذنوبه ولو كانت عدد نجوم السماء وقطرها وحصباء الارض وثراها ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : علم ذلك ( 1 ) عندي ، والله واسع كريم ، فقال له الرجل ( 2 ) وهو الخضر : صدقت والله ياأمير المؤمنين وفوق كل ذي علم عليم ( 3 ) .
6 ير : محمد بن عيسى ، عن عثمان بن عيسى ، عمن أخبره ، عن عباية الاسدي قال : دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام وعنده رجل رث الهيئة وأمير المؤمنين عليه السلام مقبل عليه يكلمه ، فلما قام الرجل قلت : يا أمير المؤمنين من هذا الذي شغلك عنا ( 4 ) ؟ قال : هذا وصي موسى عليه السلام ( 5 ) .
قب : عن عباية مثله ( 6 ) .
7 ير : الحسن بن علي بن عبدالله ، عن علي بن حسان ، عن عمه عبدالرحمن ابن كثير الهاشمي مولى محمد بن علي ، عن أبي عبدالله عليهم السلام قال : خرج أمير المؤمنين عليه السلام بالناس يريد صفين حتى عبر الفرات ، وكان ( 7 ) قريبا من الجبل بصفين إذ حضرت صلاة المغرب ، فأمعن بعيدا ثم توضأ وأذن ، فلما فرغ من الاذان انفلق الجبل عن هامة بيضاء بلحية بيضاء ووجه أبيض ، فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، مرحبا بوصي خاتم النبيين وقائد الغر المحجلين والاغر المأثور والفاضل والفائق بثواب الصديقين وسيد الوصيين ، قال له : وعليك السلام يا أخي *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : إن علم ذلك .
( 2 ) " " : فقال له ذلك .
( 3 ) أمالي الشيخ المفيد : 54 .
( 4 ) في المصدر : أشغلك عنا .
( 5 ) بصائر الدرجات : 80 .
( 6 ) مناقب آل أبي طالب 1 : 409 .
( 7 ) في المصدر : فكان .

[135]

شمعون بن حمون وصي عيسى بن مريم روح القدس ، كيف حالك ؟ قال : بخير يرحمك الله ، أنا منتظر روح الله ينزل ، فلا أعلم أحدا أعظم في الله بلاء ولا أحسن غدا ثوابا ولا أرفع مكانا منك ، اصبر يا أخي على ما أنت عليه حتى تلقى الحبيب غدا ، فقد رأيت أصحابك بالامس لقوا مالقوا ( 1 ) من بني إسرائيل ، نشروهم بالمناشير وحملوهم على الخشب ، فلو تعلم هذه الوجوه العزيزة الشائهة ( 2 ) ما أعد الله لهم من عذاب ربك وسوء نكاله لاقصروا ، ولو تعلم هذه الوجوه المضيئة ماذا لهم من الثواب في طاعتك لتمنت أنها قرضت بالمقاريض ، والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله و بركاته ، والتأم الجبل عليه ، وخرج أمير المؤمنين عليه السلام إلى قتاله ( 3 ) ، فسأله عمار بن ياسر وابن عباس ومالك الاشتر وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص وأبو أيوب الانصاري وقيس بن سعد الانصاري وعمرو بن الحمق الخزاعي وعبادة بن الصامت وأبوالهيثم بن التيهان عن الرجل ، فأخبرهم أنه شمعون بن حمون وصي عيسى بن مريم ، و سمعوا كلامهما فازدادوا بصيرة ، فقال له عبادة بن الصامت وأبوأيوب : لايهلعن ( 4 ) قلبك يا أمير المؤمنين ، بأمهاتنا وآبائنا نفديك يا أمير المؤمنين ، فوالله لننصرنك كما نصرنا أخاك رسول الله صلى الله عليه وآله ولا يتخلف عنك من المهاجرين والانصار إلا شقي ( 5 ) فقال لهما معروفا وذكرهما بخير ( 6 ) .
قب : عن عبدالرحمن مثله ( 7 ) .
بيان : الشائهة : البعيدة .
والهلع : أفحش الجزع .
أقول : قد أثبتنا إتيان الخضر إليه عليه السلام في أبواب النصوص وباب قوله عليه السلام " سلوني " وباب " وصية النبي صلى الله عليه وآله " وسيأتي كلام سام بن نوح عليهما السلام معه وإقراره بولايته في باب استجابة دعواته .
*

_________________________________________________________
) * ( 1 ) كذا في ( ك ) .
وفي غيره من النسخ وكذا المصدر : لقوا ما لاقوا .
( 2 ) شاه الوجه : قبح .
وقوله " العزيزة " كذا في النسخ ، ولايناسب المقام .
( 3 ) في المصدر : إلى عسكره .
( 4 ) هلع : جزع .
وفي المصدر : لاهلعن .
( 5 ) كذا .
ولعل الصحيح : " إلا شفى " أي إلا قليل ( ب ) .
( 6 ) بصائر الدرجات : 79 .
( 7 ) مناقب آل ابي طالب 1 : 409 .

[136]


باب 80 : أن الله تعالى أقدره على سير الافاق ، وسخر له السحاب وهيأ له الاسباب ، وفيه ذهابه صلوات الله عليه إلى أصحاب الكهف  

1 ير : محمد بن الحسين ، عن ابن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن المنخل ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال يا جابر : هل لك من حمار يسير بك فبلغ بك من المطلع ( 1 ) إلى المغرب في يوم واحد ؟ قال : قلت : يا أبا جعفر جعلني الله فداك وأني لي هذا ؟ قال : فقال أبوجعفر عليه السلام : وذلك أمير المؤمنين ، ثم قال : ألم تسمع قول رسول الله صلى الله عليه وآله في علي بن أبي طالب عليه السلام : لتبلغن الاسباب والله لتركبن السحاب ( 2 ) .
2 ير : أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ابن مهران ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : إن عليا عليه السلام ملك ما في الارض وما تحتها ، فعرضت له السحابان : الصعب والذلول ، فاختار الصعب ، وكان في الصعب ملك ما تحت الارض وفي الذلول ملك ما فوق الارض ، واختار الصعب على الذلول فدارت به سبع أرضين فوجد ثلاث خراب وأربع عوامر ( 3 ) .
يج : عن أبي بصير مثله ( 4 ) .
3 يج : روي عن شريك بن عبدالله وهو يومئذ قاض أن النبي صلى الله عليه وآله بعث عليا عليه السلام وأبا بكر وعمر إلى أصحاب الكهف فقال : ائتوهم فأبلغوهم مني السلام *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : يسير بك من المطلع .
( 2 ) بصائر الدرجات : 117 .
( 3 ) بصائر الدرجات : 120 .
( 4 ) لم نجده في المصدر المطبوع .

[137]

فلما خرجوا من عنده قال أبوبكر لعلي : أتدري أين هم ؟ فقال : ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله بعثنا ( 1 ) إلى مكان إلا هدانا الله له ، فلما أوقفهم على باب الكهف قال : يا أبا بكر سلم فإنك أسننا ، فسلم فلم يجب ، ثم قال : يا أبا حفص سلم فإنك أسن مني ، فسلم فلم يجب ، قال : فسلم علي عليه السلام فردوا السلام وحيوه وأبلغهم سلام رسول الله صلى الله عليه وآله فردوا عليه ، فقال أبوبكر : سلهم مالهم سلمنا عليهم فلم يجيبوا ؟ قال : سلهم أنت ، فسألهم فلم يكلموه ، ثم سألهم عمر فلم يكلموه ، فقالا : يا أبا الحسن سلهم أنت فقال علي عليه السلام : إن صاحبي هذان سألاني أن أسألكم لم رددتم علي ولم تردوا عليهما ؟ قالوا : إنا لانكلم إلا نبيا أو وصي نبي ( 2 ) .
4 يج : روي أن الصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وآله أن يأمر الريح فتحملهم إلى أصحاب الكهف ففعل ، فلما نزلوا هناك سلم عليهم أبوبكر وعمر وعثمان فلم يردوا عليهم ، ثم قام القوم الآخرون كلهم فسلموا فلم يردوا عليهم أيضا ، فقام علي عليه السلام فقال : السلام عليكم يا أصحاب الكهف والرقيم الذين كانوا [ من آياتنا ] عجبا ، فقالوا : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا أبا الحسن ، فقال أبوبكر : مالنا سلمنا عليهم فلم يجيبوا ؟ فسألهم علي ، فقالوا : إنا لانكلم إلا نبيا أو وصي نبي وأنت وصي خاتم الانبياء ، ثم قال علي عليه السلام : يا ريح احملينا ، فإذا نحن في الهواء ، فلما أن كان في جوف الليل قال علي عليه السلام : يا ريح ضعينا ، ثم قام فركض برجله ، فإذا نحن بعين ماء ، فتوضأ وقال : توضؤوا فإنكم مدركون بعض صلاة الصبح عند رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم قال : ياريح احملينا ، فأدركنا آخر ركعة مع رسول الله صلى الله عليه وآله فلما أن قضينا ما سبقنا به التفت إلينا و أمرنا بالاتمام ، فلما فرغنا قال : يا أنس وأحدثكم أو تحدثونا ؟ قلت : يارسول الله من فيك أحسن ، فحدثنا كأنه كان معنا ، ثم قال : اشهد بهذا لعلي يا أنس ، *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) كذا في ( ك ) .
وفي غيره من النسخ : يبعثنا .
( 2 ) لم نجده في المصدر المطبوع .

[138]

فاستشهدني علي عليه السلام وهو على المنبر فداهنت في الشهادة ، قال : إن كنت كتمتها مداهنة من بعد وصية رسول الله عليه السلام فأبرصك الله وأعمى عينيك وأظمأ جوفك ، فلم أبرح من مكاني حتى عميت وبرصت ، وكان أنس لايستطيع الصوم في شهر رمضان ولا في غيره من شدة الظماء ، وكان يطعم في شهر رمضان كل يوم مسكينين حتى فارق الدنيا وهو يقول : هذا من دعوة علي ( 1 ) .
أقول : قد أوردنا نحوه مع زيادة في باب استجابة دعواته عليه السلام .
5 شف : روينا من عدة طرق ورأينا من طرقهم وتصانيفهم في مواضع عن محمد بن أحمد ، عن أحمد بن الحسين ، عن الحسن بن دينار ، عن عبدالله بن موسى ، عن أبيه ، عن جده جعفر بن محمد الصادق ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه عليهم السلام ، عن جابر بن عبدالله الانصاري قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله يوما ونحن في مسجده فقال : من ههنا ؟ فقلت : أنا يا رسول الله وسلمان الفارسي ، فقال : يا سلمان اذهب فادع لي مولاك علي بن أبي طالب ، قال جابر : فذهب سلمان يبتدر به ، حتى أخرج عليا من منزله ، فلما دنا من رسول الله صلى الله عليه وآله قام فخلا به وأطال مناجاته ، ورسول الله يقطر عرقا كهيئة اللؤلؤ ويتهلل حسنا ( 2 ) ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله من مناجاته وجلس ، فقال له : أسمعت يا علي ووعيت ؟ قال : نعم يا رسول الله ، قال جابر : ثم التفت إلي وقال : يا جابر ادع لي أبا بكر وعمر وعبدالرحمن بن عوف الزهري ، قال جابر : فذهبت مسرعا فدعوتهم ، فلما حضروا قال : يا سلمان اذهب إلى منزل أمك أم سلمة فأتني ببساط الشعر الخيبري ، قال جابر : فذهب سلمان فلم يلبث أن جاء بالبساط ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله سلمان فبسطه ، ثم قال : لابي بكر وعمر وعبدالرحمن : اجلسوا على البساط ، فجلسوا كما أمرهم ، ثم خلا رسول الله سلمان ، فلما جاءه أسر إليه شيئا ، ثم قال له : اجلس في الزاوية الرابعة ، فجلس سلمان ، ثم أمر عليا عليه السلام أن يجلس في وسطه ، ثم قال له : قل ما أمرتك *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) لم نجده في المصدر المطبوع .
( 2 ) في المصدر : ويتهلل حقا .

[139]

فوالذي بعثني بالحق نبيا لو شئت قلت على الجبل لسار ، فحرك علي عليه السلام شفتيه قال جابر : فاختلج البساط فمر بهم .
قال جابر : فسألت سلمان فقلت : أين مر بكم البساط ؟ قال : والله ماشعرنا بشئ حتى انقض بنا البساط في ذروة جبل شاهق ، وصرنا إلى باب كهف ، قال سلمان : فقمت وقلت لابي بكر : يا أبا بكر أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن نصرخ في هذا الكهف بالفتية الذين ذكرهم الله في محكم كتابه ، فقام أبوبكر فصرخ بهم بأعلى صوته فلم يجبه أحد ، ثم قلت لعمر : قم فاصرخ في هذا الكهف كما صرخ أبوبكر ، فصرخ عمر ( 1 ) فلم يجبه أحد ، ثم قلت لعبد الرحمن : قم فاصرخ فيه ( 2 ) كما صرخ أبوبكر وعمر ، فقام وصرخ فلم يجبه أحد ، ثم قمت أنا وصرخت بهم بأعلى صوتي فلم يجبني أحد ، ثم قلت لعلي بن أبي طالب عليه السلام : قم يا أبا الحسن واصرخ في هذا الكهف فإنه أمرني رسول الله أن آمرك كما أمرتهم ، فقام علي عليه السلام فصاح بهم بصوت خفي ، فانفتح باب الكهف ، ونظرنا إلى داخله يتوقد نورا ويأتلق ( 3 ) إشراقا ، وسمعنا ضجة ( 4 ) ووجبة شديدة ، فملئنا رعبا وولى القوم هاربين ، فناداهم : مهلا ياقوم وارجعوا ، فرجعوا وقالوا : ماهذا ياسلمان ؟ قلت : هذا الكهف الذي وصفه الله عزوجل في كتابه ، والذين نراهم هم الفتية الذين ذكرهم عزوجل ( 5 ) هم الفتية المؤمنون ، وعلي عليه السلام واقف يكلمهم ، فعادوا إلى موضعهم ، قال سلمان : وأعاد علي عليهم السلام ( 6 ) فقاوا كلهم : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، وعلى محمد رسول الله صلى الله عليه وآله خاتم النبوة منا السلام ، أبلغه منا السلام وقل له : قد شهدوا لك بالنبوة التي أمرنا قبل وقت مبعثك ( 7 ) بأعوام كثيرة ، ولك يا علي *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : ثم قلت لعمر : أن تصرخ بهم ، فقام فصرخ بأعلى صوته اه .
( 2 ) " " : فاصرخ بهم .
( 3 ) ألق البرق : لمع .
( 4 ) في المصدر : صيحة .
( 5 ) " " : ذكرهم الله عزوجل .
( 6 ) " " : وأعاد علي عليه السلام فسلم عليهم اه .
( 7 ) " " : قبل مبعثك .

[140]

بالوصية ، فأعاد علي عليه السلام سلامه عليهم فقالوا كلهم : وعليك وعلى محمد منا السلام ، نشهد بأنك مولانا ومولى كل من آمن بمحمد صلى الله عليه وآله .
قال سلمان : فلما سمع القوم أخذوا بالبكاء وفزعوا واعتذروا إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وقاموا كلهم إليه يقبلون رأسه ويقولون : قد علمنا ما أراد رسول الله ومدوا أيديهم وبايعوه بإمرة المؤمنين ، وشهدوا له بالولاية بعد محمد صلى الله عليه وآله ، ثم جلس كل واحد مكانه من البساط وجلس علي عليه السلام في وسطه ، ثم حرك شفتيه فاختلج البساط فلم ندر كيف مر بنا في البر أم في البحر حتى انقض بنا على باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال : فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : كيف رأيتم أبا بكر ( 1 ) ؟ قالوا : نشهد يارسول الله كما شهد أهل الكهف ونؤمن كما آمنوا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : الله أكبر لاتقولوا : " سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون " ولا تقولوا يوم القيامة : " إنا كنا عن هذا غافلين " والله لئن فعلتم لتهتدون " وما على الرسول إلا البلاغ المبين " وإن لم تفعلوا تختلفوا ، ومن وفى وفى الله له ، ومن يكتم ماسمعه فعلى عقبيه ينقلب ولن يضر الله شيئا ، أفبعد الحجة والمعرفة والبينة خلف ؟ ! والذي بعثني بالحق نبيا لقد أمرت أن آمركم ببيعته وطاعته فبايعوه و أطيعوه بعدي ، ثم تلا هذه الآية " ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم ( 2 ) " يعني علي بن أبي طالب ، قالوا : يا رسول الله قد بايعناه وشهد علينا أهل الكهف ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : إن صدقتم فقد اسقيتم ماء غدقا وأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم ، أو يلبسكم شيعا ( 3 ) وتسلكون طريق بني إسرائيل ، فمن تمسك بولاية علي لقيني يوم القيامة وأنا عنه راض .
قال سلمان : والقوم ينظر بعضهم إلى بعض ، فأنزل الله هذه الآية في ذلك اليوم " ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب ( 4 ) " قال سلمان *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : كيف رأيتم يا أبابكر .
( 2 ) سورة النساء : 59 .
( 3 ) أي وإن لم تصدقوا يلبسكم شيعا .
( 4 ) سورة التوبة : 78 .