[151]

هو الاعلم فلا يجوز تقديم غيره عليه ، لانه يقبح تقديم المفضول على الفاضل .
أفلا يكون أعلم الناس وكان مع النبي صلى الله عليه وآله في البيت والمسجد ، يكتب وحيه ومسائله ويسمع فتاويه ويسأله ، وروي أنه كان النبي صلى الله عليه وآله إذا نزل عليه الوحي ليلا لم يصبح حتى يخبر به عليا عليه السلام ، وإذا نزل عليه الوحي نهارا لم يمس حتى يخبر به عليا .
ومن المشهور إنفاقه الدينار قبل مناجاة الرسول صلى الله عليه وآله ، وسأله عن عشر مسائل فتح له منها ألف باب ، فتحت ( 1 ) كل باب ألف باب ، وكذا حين وصى النبي صلى الله عليه وآله قبل وفاته .
أبونعيم الحافظ بإسناده عن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي عليه السلام قال : علمني رسول الله صلى الله عليه وآله ألف باب ، يفتح كل باب إلي ألف باب ولقد روى أبوجعفر بن بابويه هذا الخبر في الخصال من أربع وعشرين طريقة ، و سعد بن عبدالله القمي في بصائر الدرجات من ستة وثلاثين طريقة .
أبوعبدالله عليه السلام كان في ذؤابة سيف النبي صلى الله عليه وآله صحيفة صغيرة ، هي الاحرف التي يفتح كل حرف ألف حرف ، فما خرج منها إلا حرفان حتى الساعة .
وفي رواية : إن عليا عليه السلام دفعها إلى الحسن ، فقرأها أيضا ، ثم أعطى محمدا ( 2 ) فلم يقدر على أن يفتحها .
قال أبوالقاسم البستي : وذلك نحو أن يقول : ( الربا في كل مكيل في العادة أي موضع كان وفي كل موزون ) وإذا قال : ( يحل من البيض كل ما دق أعلاه
-بحار الانوار مجلد: 36 من ص 151 سطر 19 الى ص 159 سطر 18 وغلظ أسفله ) وإذا قال : ( يحرم كل ذي ناب من السباع ( 3 ) وذي مخلب من الطير ويحل الباقي ) .
قول الصادق عليه السلام ( 4 ) : كل ما غلب الله عليه من أمره فالله أعذر لعبده .
*

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : فتح .
( 2 ) في المصدر : دفعها إلى الحسن عليه السلام فقرأ منها حروفا ، ثم أعطاها الحسين عليه السلام فقرأها أيضا .
ثم أعطاها محمدا اه .
( 3 ) في المصدر : يحرم من السباع كل ذى ناب .
( 4 ) في المصدر : وكذلك قول الصادق عليه السلام .

[152]

أبان بن تغلب والحسين بن معاوية وسليمان الجعفري وإسماعيل بن عبدالله بن جعفر كلهم عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما حضر رسول الله صلى الله عليه وآله الممات دخل عليه علي عليه السلام فأدخل رأسه معه ، ثم قال : يا علي إذا أنامت فغسلني وكفني ، ثم أقعدني وسائلني واكتب .
تهذيب الاحكام : فخذ بمجامع كفني وأجلسني ، ثم اسألني عما شئت ، فو الله لا تسألني عن شئ إلا أجبتك فيه .
وفي رواية أبي عوانة بإسناده : قال علي : ففعلت فأنبأني بما هو كائن إلى يوم القيامة .
جميع بن عمير التميمي عن عائشة في خبر أنها قالت : وسالت نفس رسول الله صلى الله عليه وآله في كفه ثم ردها في فيه .
وبلغني عن الصفواني أنه قال : حدثني أبوبكر بن مهرويه بإسناده إلى ام سلمة في خبر قالت : كنت عند النبي صلى الله عليه وآله فدفع إلي كتابا فقال : من طلب هذا الكتاب منك ممن يقوم بعدي فادفعيه إليه ، ثم ذكرت قيام أبي بكر وعمر وعثمان وأنهم ما طلبوه ، ثم قالت : فلما بويع علي عليه السلام نزل عن المنبر ومر وقال لي : يا ام سلمة هاتي الكتاب الذي دفع إليك رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقالت : قلت له : أنت صاحبه ؟ فقال : نعم ، فدفعته إليه ، قيل ما كان في الكتاب ؟ قالت ( 1 ) : كل شئ دون قيام الساعة .
وفي رواية ابن عباس : فلما قام علي أتاها وطلب الكتاب ، ففتحه ونظر فيه ثم قال ( 2 ) : هذا علم الابد .
قال أبوعبدالله عليه السلام : ( يمصون الثماد ( 3 ) ويدعون النهر الاعظم ) فسئل عن معنى ذلك فقال : علم النبيين بأسره أوحاه الله إلى محمد صلى الله عليه وآله فجعل محمد صلى الله عليه وآله ذلك كله عند علي عليه السلام .
*

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : قال .
( 2 ) في المصدر : فقال .
( 3 ) جمع الثمد بالفتحات أو سكون الميم : الماء القليل يتجمع في الشتاء وينضب في الصيف ، أو الحفرة يجتمع فيها ماء المطر .

[153]

وكان يدعي في العلم دعوى ما سمع قط من أحد ، روى حبيش ( 1 ) الكناني أنه سمع عليا عليه السلام يقول : والله لقد علمت بتبليغ الرسالات وتصديق العدات وتمام الكلمات .
وقوله : إن بين جنبي لعلما جما لو أصبت له حملة .
وقوله : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا .
وروى ابن أبي البختري من ستة طرق وابن المفضل من عشر طرق وإبراهيم الثقفي من أربعة عشر طريقا منهم عدي بن حاتم والاصبغ بن نباتة وعلقمة بن قيس ويحيى بن ام الطويل وزر بن حبيش وعباية بن ربعي وعباية بن رفاعة وأبوالطفيل أن أميرالمؤمنين عليه السلام قال بحضرة المهاجرين والانصار وأشار إلى صدره : كيف ملا علما لووجدت له طالبا ، سلوني قبل أن تفقدوني ، هذا سفط العلم ( 2 ) هذا لعاب رسول الله صلى الله عليه وآله هذا ما زقني رسول الله صلى الله عليه وآله زقا ، فاسألوني فإن عندي علم الاولين والآخرين ، أما والله لو ثنيت لي الوسادة ثم اجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوارتهم ، وبين أهل الانجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، حتى ينادي كل كتاب بأن عليا حكم في بحكم الله في .
وفي رواية : حتى ينطق الله التوراة والانجيل .
وفي رواية : حتى يزهر كل كتاب من هذه الكتب ويقول : يا رب إن عليا قضى بقضائك ، ثم قال : سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لوسألتموني عن آية آية ، في ليلة انزلت أو في نهار انزلت ، مكيها و مدنيها و سفريها وحضريها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وتأويلها و تنزيلها لاخبرتكم .
وفي غرر الحكم عن الآمدي : سلوني قبل أن تفقدوني ، فإني بطرق السماوات أخبر منكم بطرق الارض .
وفي نهج البلاغة ( فو الذي نفسي بيده لا تسألوني عن شئ فيما بينكم وبين الساعة ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة إلا نبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها ومناخ *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : حنش .
( 2 ) السفط بالفتحتين : وعاء كالقفة أو الجوالق .
ما يعبأ فيه الطيب وما أشبهه .

[154]

ركابها ومحط رحالها ، ومن يقتل من أهلها قتلا ويموت موتا ) وفي رواية : لو شئت أخبرت كل واحد منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت .
وعن سلمان أنه قال عليه السلام : عندي علم المنايا والبلايا والوصايا والانساب وفصل الخطاب ، ومولد الاسلام ومولد الكفر ، وأنا صاحب الميسم ، وأنا الفاروق الاكبر ، ودولة الدول ، فسلوني عما يكون إلى يوم القيامة ، وعما كان قبلي وعلى عهدي وإلى أن يعبد الله .
قال ابن المسيب : ما كان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أحد يقول : ( سلوني ) غير علي بن أبي طالب عليه السلام .
وقال ابن شبرمة : ما أحد قال على المنبر : ( سلوني ) غير علي .
وقال الله تعالى : ( تبيانا لكل شئ ( 1 ) ) وقال : ( وكل شئ أحصيناه في إمام مبين ( 2 ) ) وقال : ( ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ( 3 ) ) فإذا كان لا يوجد ( 4 ) في ظاهره فهل يكون موجودا إلا في تأويله ؟ كما قال : ( وما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم ( 5 ) ) وهو الذي عنى عليه السلام ( سلوني قبل أن تفقدوني ) ولو كان إنما عنى به ظاهره فكان في الامة كثير يعلم ذلك ولا يخطئ فيه حرفا ، ولم يكن عليه السلام ليقول من ذلك على رؤوس الاشهاد ما يعلم أنه لا يصح من قوله وإن غيره يساويه فيه أويدعي على شئ منه معه ، فإذا ثبت أنه لا نظير له في العلم صح أنه أولى بالامامة .
ومن عجب أمره في هذا الباب أنه لا شئ من العلوم إلا وأهله يجعلون عليا قدوة ، فصار قوله قبلة في الشريعة ، فمنه سمع القرآن ، ذكر الشيرازي في نزول *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) سورة النحل : 89 .
( 2 ) سورة يس : 12 .
( 3 ) سورة الانعام : 59 .
( 4 ) في المصدر : فاذا كان ذلك لا يوجد .
( 5 ) سورة آل عمران : 7 .

[155]

القرآن وأبويوسف يعقوب في تفسيره عن ابن عباس في قوله : ( لا تحرك به لسانك ( 1 ) ) كان النبي صلى الله عليه وآله يحرك شفتيه عند الوحي ليحفظه ، فقيل له : ( لا تحرك به لسانك ) يعني بالقرآن ( لتعجل به ) من قبل أن يفرغ به من قراءته عليك ( إن علينا جمعه وقرآنه ) قال : ضمن الله محمدا أن يجمع القرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، قال ابن عباس : فجمع الله القرآن في قلب علي وجمعه علي بعد موت رسول الله صلى الله عليه وآله بستة أشهر .
وفي أخبار أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وآله قال في مرضه الذي توفي فيه لعلي بن أبي طالب عليه السلام : يا علي هذا كتاب الله خذه إليك ، فجمعه علي عليه السلام في ثوب فمضى إلى منزله ، فلما قبض النبي صلى الله عليه وآله جلس علي فألفه كما أنزل الله ، وكان به عالما .
وحدثني أبوالعلاء العطار والموفق خطيب خوارزم في كتابيهما بالاسناد عن علي بن رباح أن النبي صلى الله عليه وآله أمر عليا بتأليف القرآن فألفه وكتبه .
جبلة بن سحيم ، عن أبيه ، عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال : لوثني لي الوسادة و عرف لي حقي لاخرجت لهم مصحفا كتبته وأملاه علي رسول الله صلى الله عليه وآله ، ورويتم أيضا أنه إنما أبطأ علي عن بيعة أبي بكر لتأليف القرآن .
أبونعيم في الحلية والخطيب في الاربعين بالاسناد عن السدي عن عبد خير عن علي عليه السلام قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله أقسمت أو حلفت أن لا أضع ردائي عن ظهري حتى أجمع ما بين اللوحين ، فما وضعت ردائي حتى جمعت القرآن .
وفي أخبار أهل البيت عليهم السلام أنه آلى أن لا يضع رداءه على عاتقه إلا للصلاة حتى يؤلف القرآن ويجمعه ، فانقطع عنهم مدة إلى أن جمعه ، ثم خرج إليهم به في إزار يحمله وهم مجتمعون في المسجد ، فأنكروا مصيره بعد انقطاع مع التيه ، فقالوا : لامرما جاء أبوالحسن ( 2 ) ؟ فلما توسطهم وضع الكتاب بينهم ، ثم قال : *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) سوره القيامة : 16 .
( 2 ) في المصدر : ما جاء به أبوالحسن .

[156]

إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ( إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) وهذا الكتاب وأنا العترة ، فقام إليه الثاني فقال له : إن يكن عندك قرآن فعندنا مثله ، فلا حاجة لنا فيكما ! فحمل عليه السلام الكتاب وعادبه بعد أن ألزمهم الحجة .
وفي خبر طويل عن الصادق عليه السلام أنه حمله وولى راجعا نحو حجرته وهو يقول : ( فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ) ولهذا قرأ ابن مسعود ( إن عليا جمعه وقرآنه * ( 1 ) فإذا قرأه فاتبعوا قرآنه ) فأما ما روي أنه جمعه أبوبكر وعمر وعثمان فإن أبابكر أقر لما التمسوا منه جمع القرآن فقال : كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله ولا أمرني به ؟ ذكره البخاري في صحيحه ( 2 ) وادعى علي أن النبي صلى الله عليه وآله أمره بالتأليف ثم إنهم أمروا زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام وعبدالله بن الزبير بجمعه ، فالقرآن يكون جمع هؤلاء جميعهم .
ومنهم العلماء بالقرآت : أحمد بن حنبل وابن بطة وأبويعلى في مصنفاتهم عن الاعمش عن أبي بكر بن أبي عياش في خبر طويل أنه قرأ رجلان ثلاثين آية من الاحقاف فاختلفا في قراءتهما ، فقال ابن مسعود : هذا الخلاف ، ما أقرؤه ، فذهبت ( 3 ) بهما إلى النبي صلى الله عليه وآله فغضب وعلي عنده ، فقال علي : رسول الله صلى الله عليه وآله يأمركم أن تقرؤوا كما علمتم ، وهذا دليل على علم علي بوجوه القراآت المختلفة .
وروي أن زيدا لما قرأ ( التابوه ) ( 4 ) قال علي عليه السلام اكتبه ( التابوت ) فكتبه كذلك ، والقراء السبعة إلى قراءته يرجعون ، فأما حمزة والكسائي فيعولان على قراءة علي عليه السلام وابن مسعود ، وليس مصحفهما مصحف ابن مسعود ، فهما *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : وقرأه .
( 2 ) راجع البخارى 3 : 139 و 140 .
( 3 ) في المصدر : فذهب .
( 4 ) قال الطبرسى في مجمع البيان ( 2 : 352 ) التابوت بالتاء لغة جمهور العرب ، والتابوه بالهاء لغة الانصار .

[157]

إنما يرجعان إلى علي ويوافقان ابن مسعود فيما يجري مجرى الاعراب ، وقد قال ابن مسعود : ما رأيت أحدا أقرأ من علي بن أبي طالب عليه السلام للقرآن فأما نافع وابن كثير وأبوعمرو فمعظم قراءتهم ترجع إلى ابن عباس ، وابن عباس قرأ على ابي بن كعب وعلي عليه السلام ، والذي قرأه هؤلاء القراء يخالف قراءة ابي ، فهو إذا مأخوذ عن علي عليه السلام .
وأما عاصم فقرأ على أبي عبدالرحمن السلمي ، وقال أبوعبداالرحمن : قرأت القرآن كله على علي بن أبي طالب عليه السلام .
فقالوا : أفصح القراآت قراءة عاصم ، لانه أتى بالاصل ، وذلك أنه يظهر ما أدغمه غيره ، ويحقق من الهمز مالينه غيره ، ويفتح من الالفات ما أماله غيره .
والعدد الكوفي في القرآن منسوب إلى علي عليه السلام ليس في الصحابة من ينسب إليه العدد غيره ، وإنما كتب عدد ذلك كل مصر عن بعض التابعين .
ومنهم المفسرون كعبد الله بن العباس وعبدالله بن مسعود وابي بن كعب وزيد بن ثابت ، وهم معترفون له بالتقدم .
تفسير النقاش قال ابن عباس : جل ما تعلمت من التفسير من علي بن أبي طالب عليه السلام وابن مسعود ، إن القرآن انزل على سبعة أحرف ، ما منها إلا وله ظهر وبطن ، وإن علي بن أبي طالب عليه السلام علم الظاهر والباطن ، فضائل العكبري : قال الشعبي : ما أحد أعلم بكتاب الله بعد نبي الله من علي ابن أبي طالب عليه السلام .
تاريخ البلاذري وحلية الاولياء : قال علي عليه السلام والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت ، أبليل نزلت أم بنهار ( 1 ) نزلت ، في سهل أو جبل إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا سؤولا .
قوت القلوب : قال علي عليه السلام لوشئت لاوقرت سبعين بعيرا في تفسير فاتحة الكتاب ، ولما وجد المفسرون قوله لا يأخذون إلا به .
*

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : أو بنهار .

[158]

سأل ابن الكواء وهو على المنبر : ما ( الذاريات ذروا ) ؟ فقال : الرياح ، فقال : وما ( الحاملات وقرا ) ؟ قال : السحاب ، قال : ( فالجاريات يسرا ) ؟ قال : الفك ، قال : ( فالمقسمات أمرا ) ؟ قال : الملائكة .
فالمفسرون كلهم على قوله ، و جهلوا تفسير قوله تعالى : ( إن أول بيت وضع للناس ( 1 ) ) فقال له عليه السلام رجل : هو أول بيت ؟ قال : لاقد كان قبله بيوت ، ولكنه أول بيت وضع للناس مباركا فيه الهدى والرحمة والبركة ، وأول من بناه إبراهيم ، ثم بناه قوم من العرب من جرهم ( 2 ) ، ثم هدم فبنته العمالقة ، ثم هدم فبنته قريش .
وإنما استحسن قول ابن عباس فيه ( 3 ) لانه قد أخذ منه .
أحمد في المسند : لما توفي النبي صلى الله عليه وآله كان ابن عباس ابن عشر سنين وكان قرأ المحكم يعني المفصل ( 4 ) .
ومنهم الفقهاء وهو أفقههم ، فإنه ما ظهر عن جميعهم ما ظهر منه ، ثم إن جميع فقهاء الامصار إليه يرجعون ، ومن بحره يغترفون ، أما أهل الكوفة ففقهاؤهم سفيان الثوري والحسن بن صالح بن حي وشريك بن عبدالله وابن أبي ليلى ، و هؤلاء يفرعون المسائل ويقولون هذا قياس قول علي ، ويترجمون الابواب بذلك وأما أهل البصرة ففقهاؤهم الحسن وابن سيرين ، وكلاهما كانا يأخذان عمن أخذ عن علي ، وابن سيرين يفصح بأنه أخذ عن الكوفيين وعن عبيدة السلماني ( 5 ) و هو أخص الناس بعلي ، وأما أهل مكة فإنهم أخذوا عن ابن عباس وعن علي عليه السلام *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) سورة آل عمران : 96 .
( 2 ) جرهم بطن من القحطانية ، كانت منزلهم اولا اليمن ثم انتقلوا إلى الحجاز فنزلوه ، ثم نزلوا بمكة واستوطنوها ( معجم قبائل العرب : 183 ) .
( 3 ) أى في علم التفسير .
( 4 ) أورد في البرهان عن العياشى رواية تدل على أن المفصل سبع وستون سورة من سورة الفتح إلى آخر القرآن راجع ج 1 : 52 .
( 5 ) في المصدر : عن عبيدة السمعانى .
وهو سهو راجع جامع الرواة 1 : 531 .

[159]

وقد أخذ عبدالله معظم علمه عنه ، وأما أهل المدينة فعنه أخذوا ، وقد صنف الشافعي كتابا مفردا في الدلالة على اتباع أهل المدينة لعلي عليه السلام وعبدالله ، وقال محمد بن الحسن الفقيه : لو لا علي بن أبي طالب عليه السلام ما علمنا حكم أهل البغي ، ولمحمد ابن الحسن كتاب يشتمل على ثلاثمائة مسألة في قتال أهل البغي بناء على فعله .
مسند أبي حنيفة قال هشام بن الحكم : قال الصادق عليه السلام لابي حنيفة : من أين أخذت القياس ؟ قال : من قول علي بن أبي طالب عليه السلام وزيد بن ثابت ، حين شاهدهما عمر في الجد مع الاخوة ، فقال له علي عليه السلام : لو أن شجرة انشعب منها غصن وانشعب من الغصن غصنان أيما أقرب إلى أحد الغصنين ؟ أصاحبه الذي يخرج معه أم الشجرة ؟ فقال زيد : لو أن جدولا انبعث فيه ساقية ( 1 ) فانبعث من الساقية ساقيتان أيما أقرب ؟ أحد الساقيتين إلى صاحبها أم الجدول ؟ .
ومنهم الفرضيون وهو أشهرهم فيها ، فضائل أحمد قال عبدالله : إن أعلم أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب عليه السلام قال الشعبي : ما رأيت أفرض من علي و لا أحسب منه ، وقد سئل عنه وهو على المنبر يخطب عن رجل مات وترك امرأة و أبوين وابنتين كم نصيب المرأة ؟ فقال : صار ثمنها تسعا ، فلقبت بالمسألة المنبرية شرح ذلك : للابوين السدسان ، وللبنتين الثلثان ، وللمرأة الثمن ، عالت الفريضة فكان لها ثلاث من أربعة وعشرين ثمنها ، فلما صارت إلى سبعة وعشرين صار ثمنها تسعا ، فإن ثلاثة من سبعة وعشرين تسعها ، ويبقى أربعة وعشرون ، للابنتين ستة عشر ، وثمانية للابوين سواء ، قال هذا على الاستفهام ، أو على قولهم صار ثمنها
-بحار الانوار مجلد: 36 من ص 159 سطر 19 الى ص 167 سطر 18 تسعا ، ( 2 ) أو سئل كيف يجي ء الحكم على مذهب من يقول بالعول ؟ فبين الجواب والحساب والقسمة والنسبة .
ومنه المسألة الدينارية وصورتها .
ومنهم أصحاب الروايات نيف وعشرون رجلا ، منهم ابن عباس وابن مسعود وجابر الانصاري وأبوأيوب وأبوهريرة وأنس وأبوسعيد الخدري وأبورافع وغيرهم *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) الساقية : النهر الصغير .
( 2 ) في المصدر بعد ذلك : أو علي مذهب نفسه أو بين كيف يجيئ الحكم اه .

[160]

وهو عليه السلام أكثرهم رواية وأتقنهم حجة ، ومأمون الباطن ، لقوله صلى الله عليه وآله : ( علي مع الحق ) .
الترمذي والبلاذري قيل لعلي عليه السلام : ما بالك أكثر أصحاب النبي صلى الله عليه وآله حديثا ؟ قال : كنت إذا سألته أنبأني ، وإذا سكت عنه ابتدأني .
كتاب ابن مردويه أنه قال : كنت إذا سألت اعطيت وإذا سكت ابتديت .
ومنهم المتكلمون وهو الاصل في الكلام ، قال النبي صلى الله عليه وآله : علي رباني هذه الامة .
وفي الاخبار أن أول من سن دعوة المبتدعة بالمجادة إلى الحق علي عليه السلام وقد ناظره الملحدة ( 1 ) في مناقضات القرآن ، وأجاب مشكلات مسائل الجاثليق حتى أسلم .
أبوبكر بن مردويه في كتابه عن سفيان أنه قال : ما حاج علي أحدا إلا حجه .
أبوبكر الشيرازي في كتابه ، عن مالك ، عن أنس ، عن ابن شهاب ، وأبويوسف يعقوب بن سفيان في تفسيره ، وأحمد بن حنبل وأبويعلى في مسنديهما قال ابن شهاب : أخبرني علي بن الحسين أن أباه الحسين بن علي أخبره أن علي بن ابي طالب عليهم السلام أخبره أن النبي صلى الله عليه وآله طرقه ( 2 ) وفاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال : ألا تصلون فقلت : يا رسول الله صلى الله عليه وآله إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا يبعثنا أي يكثر اللطف بنا فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إلي ، ثم سمعته وهو مول يضرب فخذيه يقول : ( وكان الانسان ) يعني علي بن أبي طالب عليه السلام ( أكثر شئ جدلا ) يعني متكلما بالحق والصدق .
وقال لرأس الجالوت لما قال له : لم تلبثوا بعد نبيكم إلا ثلاثين سنة حتى ضرب بعضكم وجه بعض بالسيف فقال عليه السلام : وأنتم لم تجف أقدامكم من ماء البحر حتى قلتم لموسى ( اجعل لنا إلهاكما لهم آلهة ) .
*

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : الملاحدة .
( 2 ) طرقه : أتاه ليلا .