[191]

أنطق إلا صادقا ، ولقد عهد إلي بذلك كله ، وبمهلك من يهلك ومنجا من ينجو ، ومآل هذا الامر ، وما أبقى شيئا يمر على رأسي إلا أفرغه في اذني وأفضى به إلي أيها الناس إني والله لا أحثكم على طاعة إلا وأسبقكم إليها ، ولا أنهاكم عن معصية إلا وأتناهى قبلكم عنه ( 1 ) .
قال ابن أبي الحديد في قوله : ( إني أخاف أن تكفروا في برسول الله صلى الله عليه وآله ) أي أخاف عليكم الغلو في أمري وأن تفضلوني على رسول الله صلى الله عليه وآله .
ثم قال : وقد ذكرنا فيما تقدم من إخباره عليه السلام عن الغيوب طرفا صالحا ، ومن عجيب ما وقفت عليه من ذلك قوله في الخطبة التي يذكر فيهاالملاحم وهو يشير إلى القرامطة ( ينتحلون لنا الحب والهوى ، ويضمرون لنا البغض والقلى ( 2 ) ، وآية ذلك قتلهم وراثنا وهجرهم أحداثنا ) وصح ما أخبره عليه السلام ، لان القرامطة قتلت من آل أبي طالب عليه السلام خلقا كثيرة ، وأسماؤهم مذكورة في كتاب مقاتل الطالبيين لابي الفرج الاصفهاني ، ومر أبوطاهر سليمان بن الحسن الجنابي في جيشه بالغري وبالحائر فلم يعرج على واحد منهما ولا دخل ولا وقف ، وفي هذه الخطبة قال وهو يشير إلى السارية ( 3 ) التي كان يستند إليها في مسجد الكوفة ( كأني بالحجر الاسود منصوبا ههنا ، ويحهم إن فضيلته ليست في نفسه بل في موضعه واسه ، يمكث ههنا برهة ثم ههنا برهة وأشار إلى البحرين ثم يعود إلى مأواه وام مثواه ) ووقع الامر في الحجر الاسود بموجب ما أخبر به عليه السلام .
وقد وقفت له على خطب مختلفة فيها ذكر الملاحم ، فوجدتها تشتمل على ما
-بحار الانوار مجلد: 36 من ص 191 سطر 19 الى ص 199 سطر 18 يجوز أن ينسب إليه وما لا يجوز أن ينسب إليه ، ووجدت في كثير منها اختلالا ظاهرا ، وهذه المواضع التي أنقلها ليست من تلك الخطب المضطربة ، بل من كلام له وجدته متفرقا في كتب مختلفة .
*

_________________________________________________________
) * ( 1 ) نهج البلاغة ( عبده ط مصر ) 1 : 345 و 346 .
( 2 ) القلى : البغض .
( 3 ) السارية : الاسطوانة .

[192]

ومن ذلك أن تميم بن اسامة بن زهير بن دريد التميمي اعترضه وهو يخطب على المنبر ويقول : ( سلوني قبل أن تفقدوني فو الله لا تسألوني عن فئة تضل مائة أو تهدي مائة إلا نبأتكم بناعقها وسائقها ، ولو شئت لاخبرت كل واحد منكم بمخرجه ومدخله وجميع شأنه ) فقال له : فكم في رأسي طاقة شعر ؟ فقال له : أما والله إني لاعلم ذلك ولكن أين برهانه لو أخبرتك به ؟ ولقد اخبرت بقيامك ومقالك وقيل لي : إن على كل شعرة من شعر رأسك ملكا يلعنك وشيطانا يستنصرك ( 1 ) ! وآية ذلك أن في بيتك سخلا ( 2 ) يقتل ابن رسول الله صلى الله عليه وآله أو يحض ( 3 ) على قتله فكان الامر بموجب ما أخبر به عليه السلام ، كان ابنه حصين بالصاد المهملة يومئذ طفلا صغيرا يرضع اللبن ، ثم عاش إلى أن صار على شرطة عبيدالله بن زياد ، وأخرجه عبيد الله إلى عمر بن سعد يأمره بمناجزة الحسين عليه السلام ، ويتوعده على لسانه إن أرجى ذلك ، فقتل [ حسين عليه السلام ] صبيحة اليوم الذي ورد فيه الحصين بالرسالة في ليلته .
ومن ذلك قوله عليه السلام للبراء بن عازب يوما يا براء أيقتل الحسين عليه السلام وأنت حي فلا تنصره ؟ فقال البراء : لاكان ذلك يا أميرالمؤمنين ، فلما قتل الحسين عليه السلام كان البراء يذكر ذلك ويقول : أعظم بها حسرة إذا لم أشهده واقتل دونه .
وسنذكر من هذا النمط فيما بعد إذا مررنا بما يقتضي ذكره ما يحضرنا إن شاء الله ( 4 ) .
76 أقول : روى في جامع الاصول من المؤطأ عن ثور بن زيد الدئلي أن عمر استشار في حد الخمر فقال له علي عليه السلام : أرى أن تجلده ثمانين جلدة ، فإنه إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، فجلد عمر في حد الخمر ثمانين ( 5 ) .
*

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : يستفزك .
( 2 ) السخل من القوم : رذيلهم .
( 3 ) في المصدر : ويحض .
( 4 ) شرح النهج 2 : 772 و 774 .
( 5 ) تيسير الوصول 2 : 16 .
وفيه : ثمانين جلدة في حد الخمر .

[193]

وروى عن صحيح الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : أقضاهم علي .
( 1 ) 77 نهج : والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر ، ولو لا كراهية الغدر لكنت أدهى الناس ، ( 2 ) ولكن كل غدرة فجرة ، وكل ( 3 ) فجرة كفرة ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة ، والله ما استغفل بالمكيدة ، ولا استغمز بالشديدة .
( 4 ) بيان : الغمز : العصر باليد والكبس أي لا الين بالخطب الشديد بل أصبر عليه ، ويروى بالراء المهملة أي لا أستجهل بشدائد المكاره .
78 ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن محمد بن القسام بن زكريا ، عن عباد ابن يعقوب ، عن مطر بن أرقم ، عن الحسن بن عمرو الفقيمي ، عن صفوان بن قبيصة عن الحارث بن سويد ، عن عبدالله بن مسعود قال : قرأت على النبي صلى الله عليه وآله سبعين سورة من القرآن أخذتها من فيه وزيد ذو ذؤابتين يلعب مع الغلمان ! وقرأت سائر أو قال : بقية القرآن على خير هذه الامة وأقضاها بعد نبيهم علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ( 5 ) .
79 نهج : من كلامه عليه السلام لعمر بن الخطاب وقد استشاره في غزوة الفرس بنفسه : إن هذا الامر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلة ، وهو دين الله الذي أظهره ، وجنده الذي أعده وأمده ، حتى بلغ وطلع حيث طلع ( 6 ) ونحن على موعود من الله ، والله منجز وعده وناصر جنده ، ومكان القيم بالامر مكان النظام من *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) لم نجده في التيسير .
( 2 ) في المصدر : من أدهى الناس .
( 3 ) في المصدر : ولكل .
( 4 ) نهج البلاغة ( عبده ط مصر ) 1 : 441 .
( 5 ) امالى ابن الشيخ : 32 .
( 6 ) في المصدر : حتى بلغ ما بلغ وطلع حيث طلع .

[194]

الخرز ( 1 ) يجمعه ويضمه ، فإن انقطع النظام تفرق ( 2 ) وذهب ثم لم يجتمع بحذافيره أبدا ، والعرب اليوم وإن كانوا قليلا فهم كثيرون بالاسلام عزيزون بالاجتماع فكن قطبا واستدر الرحى بالعرب ، وأصلهم دونك نار الحرب ، فإنك إن شخصت من هذه الارض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها ، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك ، إن الاعاجم إن ينظروا إليك غدا يقولوا : هذا أصل العرب فإذا اقتطتموه ( 3 ) استرحتم ، فيكون ذلك أشد لكلبهم ( 4 ) عليك وطمعهم فيك ، فأما ما ذكرت من مسير القوم إلى قتال المسلمين فإن الله سبحانه هو أكره لمسيرهم منك ، وهو أقدر على تغيير ما يكره ، وأما ما ذكرت من عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة وإنما كنا نقاتل بالنصر والمعونة .
( 5 ) 80 نبه : ( 6 ) روي عن ابن عباس أنه حضر مجلس ( 7 ) عمر بن الخطاب يوما وعنده كعب الحبر إذ قال ( 8 ) : يا كعب أحافظ أنت للتوراة ؟ قال كعب : إني لاحفظ منها كثيرا ، فقال رجلا من جنبة المجلس : يا أميرالمؤمنين سله أين كان الله جل ثناؤه قبل أن يخلق عرشه ؟ ومم خلق الماء الذي جعل عليه عرشه ؟ فقال عمر : يا كعب هل عندك من هذا علم ؟ فقال كعب : نعم يا أميرالمؤمنين ، نجد في الاصل الحكيم أن الله تبارك وتعالى كان قديما قبل خلق العرش ، وكان على صخرة بيت المقدس في الهواء ، فلما أراد أن يخلق عرشه تفل تفلة كانت منها البحار الغامرة و *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) النظام : الخيط الذى ينظم فيه اللؤلؤ ونحوه .
والخرز بفتح الاول والثانى : ما ينظم في السك من الجذع والودع .
( 2 ) في المصدر : فاذا انقطع النظام تفرق الخرز وذهب .
( 3 ) في المصدر : قطعتموه .
( 4 ) كلب على الامر : حرص عليه .
( 5 ) نهج البلاغة ( عبده ط مصر ) 1 : 283 .
( 6 ) في ( ك ) : ( قب ) وهو سهو .
( 7 ) في المصدر : في مجلس .
( 8 ) في المصدر : وعنده كعب الاحبار اذ قال عمر اه .

[195]

اللجج الدائرة ، فهناك خلق عرشه من بعض الصخرة التي كانت تحته ، وآخر ما بقي منها لمسجد قدسه ، قال ابن عباس : وكان علي بن أبي طالب عليه السلام حاضرا ، فعظم على ربه وقام على قدميه ونفض ثيابه ، فأقسم عليه عمر لما عاد إلى مجلسه ففعله قال عمر : غص عليها يا غواص ، ما تقول يا أبا الحسن فما علمتك إلا مفرجا للغم ؟ فالتفت علي عليه السلام إلى كعب فقال : غلط أصحابك ، وحرفوا كتب الله ، وفتحوا الفرية عليه ، يا كعب ويحك إن الصخرة التي زعمت لا تحوي جلاله ولا تسع عظمته والهواء الذي ذكرت لا يجوز أقطاره ، ولو كانت الصخرة والهواء قديمين معه لكانت لهما قدمته ، وعز الله وجل أن يقاتل له مكان يومى إليه ، والله ليس كما يقول الملحدون ولا كما يظن الجاهلون ، ولكن كان ولا مكان بحيث لا تبلغه الاذهان ، وقولي ( كان ) عجز عن كونه ( 1 ) وهو مما علم من البيان ، يقول الله عزوجل ( خلق الانسان علمه البيان ( 2 ) ) فقولي له ( كان ) ما علمني البيان لانطق بحججه و عظمته ( 3 ) وكان ولم يزل ربنا مقتدرا على ما يشاء ، محيطا بكل الاشياء ، ثم كون ما أراد بلا فكرة حادثة له أصاب ، ولا شبهة دخلت عليه فيما أراد ، وأنه عزوجل خلق نورا ابتدعه من غير شئ ، ثم خلق منه ظلمة ، وكان قديرا أن يخلق الظلمة لامن شئ كما خلق النور من غير شئ ، ثم خلق من الظلمة نورا ، وخلق من النور ياقوتة غلظها كغلظ سبع سماوات وسبع أرضين ، ثم زجر الياقوتة فماعت ( 4 ) لهيبته فصارت ماء مرتعدا ، ولا يزال مرتعدا إلى يوم القيامة ، ثم خلق عرشه من نوره ، و جعله على الماء ، وللعرش عشرة آلاف لسان ، يسبح الله كل لسان منها بعشرة آلاف *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : وقولى ( كان ) محدث كونه .
وفي ( م ) و ( د ) : وقولى ( كان ) مخبر كونه .
( 2 ) سورة الرحمن : 3 و 4 .
( 3 ) في المصدر : لا نطق بعظمة الحجة المنان ، ولم يزل اه .
( 4 ) أى ذابت .

[196]

لغة ، ليس فيها لغة تشبه الاخرى ، وكان العرش على الماء من دونه حجب الضباب ( 1 ) وذلك قوله : ( وكان عرشه على الماء ليبلوكم ( 2 ) ) يا كعب ويحك إن من كانت البحار تفلته على قولك كان أعظم من أن تحويه صخرة بيت المقدس أو تحويه الهواء الذي أشرت إليه أنه حل فيه ، فضحك عمر بن الخطاب وقال : هذا هو الامر ، و هكذا يكون العلم لا كعلمك يا كعب ، لا عشت إلى زمان لا أرى فيه أبا حسن .
( 3 ) 81 قب : من فرط حكمته عليه السلام كتب معاوية إلى أبي أيوب الانصاري : أما بعد فحاجيتك بما لا تنسى شيباء ، فقال أميرالمؤمنين عليه السلام : أخبره أنه من قتلة عثمان ، وأن من قتل عنده بمنزلة الشيباء ( 4 ) ، فإن الشيباء لا تنشى قاتل بكرها ولا أبا عذرها أبدا .
( 5 ) بيان : لعل معاوية لعنه الله كتب ذلك إلى أبي أيوب على سبيل الالغاز للامتحان فبينه عليه السلام ، قوله : ( فحاجيتك ) أي فحاججتك وخاصمتك من قبيل ( أمليت و أمللت ) أو هو من الاحجية ، قال الجوهري ، حاجيته فحجوته : إذا داعيته فغلبته والاسم : الحجيا والاحجية وهي لعبة واغلوطة يتعاطى الناس بينهم ، ( 6 ) انتهى .
فعلى الاول المعنى خاصمتك بقتل عثمان ، وعبر عن قتله بما سنذكره ، وعلى الثاني المعنى القي إليك احجية وأمتحنك بها .
وقال الجوهري : باتت فلانة بليلة شيباء بالاضافة إذا افتضت ، وباتت بليلة حرة إذا لم تفتض .
( 7 ) وقال الميداني في كتاب مجمع الامثال : العرب تسمي الليلة التي تفترع *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) جمع الضبابة : سحابة تغشى الارض ، يقال لها بالفارسية ( مه ) .
( 2 ) سورة هود : 7 .
( 3 ) تنبيه الخواطر 2 : 5 و 6 .
( 4 ) في المصدر : مثل الشيباء .
( 5 ) مناقب آل أبى طالب 1 : 275 .
( 6 ) الصحاح : 2309 وفيه : يتعاطاها الناس .
( 7 ) الصحاح : 160 .

[197]

فيها المرأة ليلة شيباء ، وتسمي الليلة التي لا يقدر الزوج فيها على افتضاضها ليلة حرة ، فيقال : باتت فلانة بليلة حرة إذا لم يغلبها الزوج ، وباتت بليلة شيباء إذا غلبها فافتضها ، يضربان للغالب والمغلوب ( 1 ) .
وقال في موضع آخر : في المثل : لا تنسى المرأة أبا عذرها وقاتل بكرها أي أول ولدها ، يضرب في المحافظة على الحقوق انتهى .
( 2 ) وقال الجوهري : يقال : فلان أبوعذرها إذا كان هو الذي افترعها وافتضها ( 3 ) فأشار معاوية إلى كونه من قتلة عثمان إشارة بعيدة ، حيث ذكر الشيباء وعدم نسيانها المأخوذ في المثل المعروف ، وما يشير إليه الكلام إشارة قريبة هو عدم نسيان من أزال بكارتها ، ولما كان في المثل المعروف يذكر قاتل بكرها مع أبي عذرها أشار بذلك إليه إشارة بعيدة ، فأما كلامه عليه السلام فقوله : ( أخبره ) على صيغة الماضي أي أخبر معاوية أبا أيوب في هذا الكلام بأنه من قتلة عثمان ، وأن من قتل عثمان عند معاوية بمنزلة الشيباء أي يزعم معاوية أن من قتل عثمان ينبغي أن لاينسى قتله أبدا و ينتظر الانتقام كما لاتنسى الشيباء قاتل بكرها ، وفي بعض النسخ ( غيره ) مكان ( عنده ) وهو أظهر ، ويحتمل أن يكون في كلامه عليه السلام تقدير مضاف ، أي من قتل عثمان عند معاوية بمنزلة قاتل بكر الشيباء ، فيكون معاوية شبه نفسه بالشيباء وبين أنه لا ينسى قتل عثمان أبدا كما لا تنسى الشيباء قاتل بكرها ، فتدبر فإننه من غوامض الاخبار .
82 خص : سعد ، ( 4 ) عن ابن عيسى ، عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن ابن راشد قال : سمعت أبا إبراهيم عليه السلام يقول : إن الله عزوجل أوحى إلى محمد صلى الله عليه وآله أنه قد فنيت أيامك ، وذهبت دنياك ، واحتجت إلى لقاء ربك ، فرفع النبي صلى الله عليه وآله *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) مجمع الامثال 1 : 107 .
( 2 ) لم نظفر بموضعه .
( 3 ) الصحاح : 738 .
( 4 ) في المصدر : أحمد بن محمد عن ابن عيسى .

[198]

يده إلى السماء باسطا وهو يقول : عدتك التي وعدتني إنك لا تخلف الميعاد ، فأوحى الله عزوجل إليه أن ائت احدا أنت ومن تثق به ( 1 ) ، فأعاد الدعاء فأوحى الله جل وعز إليه : امض أنت وابن عمك حتى تأتي احدا وتصعد ( 2 ) على ظهره ، واجعل القبلة في ظهرك ، ثم ادع وحش الجبل تجبك ، فإذا أجابتك تعمد ( 3 ) إلى جفرة منهن انثى وهي التي تدعى الجفرة حين ناهد ( 4 ) قرناها الطلوع تشخب أودجها دما ، وهي التي لك ، فمر ابن عمك فليقم إليها فليذبحها وليسلخها من قبل الرقبة يقلب ( 5 ) داخلها ، فإنه سيجدها مدبوغة ، وسانزل عليك الروح الامين وجبرئيل و معه دواة وقلم ومداد ، ليس هو من مداد الارض ، يبقى المداد ويبقى الجلد ، لا تأكله الارض ولا تبليه التراب ، لا يزداد كلما نشر إلا جدة ، غير أنه محفوظ مستور يأتيك علم وحي بعلم ما كان وما يكون إليك ، وتمليه على ابن عمك وليكتب وليستمد من تلك الدواة .
فمضى رسول الله صلى الله عليه وآله حتى انتهى إلى الجبل ، ففعل ما أمره الله به وصادف ما وصفه له ربه ، فلما ابتدأ علي عليه السلام في سلخ الجفرة نزل جبرئيل والروح الامين وعدة من الملائكة لا يحصي عددهم إلا الله ، ومن حضر ذلك المجلس بين يديه ، و جاءته الدواة والمداد خض كهيئة البقل وأشد خضرة وأنور ( 6 ) ثم نزل الوحي على محمد صلى الله عليه وآله وكتب علي عليه السلام يصف ( 7 ) كل زمان وما فيه ، ويخبره بالظهر والبطن وأخبره بما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة ، وفسرله أشياء لا يعلم تأويلها إلا الله *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) أى مع من تثق به .
( 2 ) في المصدر : ثم تصعد .
( 3 ) صيغة أمر من ( تعمد ) أى قصد .
( 4 ) أى أشرف .
( 5 ) في المصدر : ويقلب .
( 6 ) من النور بفتح النون : الزهر .
( 7 ) في المصدر وفي هامش ( د ) : إلا انه يصف .

[199]

والراسخون في العلم ، ثم أخبره بكل عدو يكون لهم في كل زمان من الازمنة حتى فهم ذلك كله وكتبه ، ثم أخبره بأمر ما يحدث عليه وعليهم من بعده ، فسأله عنها فقال : الصبر الصبر ، وأوصى إلينا بالصبر ( 1 ) والتسليم حتى يخرج الفرج وأخبره بأشراطه وأوانه وأشراط تولده وعلامات تكون في ملك بني هاشم ، فمن هذا الكتاب استخرجت أحاديث الملاحم كلها ، وصار الولي إذا قضي ( 2 ) إليه الامر تكلم بالعجب .
( 3 ) بيان : الجفر من أولاد الشاة ما عظم واستكرش ( 4 ) أو بلغ أربعة أشهر قوله : ( وهي التي ) هو تفسير للجفرة أي الانثى من الضأن تسمى جفرة في أوان طلوع قرنه ، وهذا معترض .
وقوله : ( تشخب ) راجع إلى ما قبله .
أقول : وجدت في مزار كبير من مؤلفات السيد فخار أو بعض من عاصره من الافاضل الكبار : قال : حدثني أبوالمكارم حمزة بن علي بن زهرة العلوي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الشيخ محمد بن بابويه ، عن الحسن بن علي البيهقي ، عن محمد ابن يحيى الصولي ، عن عون بن محمد الكندي ، عن علي بن ميثم ، عن ميثم رضي الله عنه قال : أصحربي مولاي أميرالمؤمنين عليه السلام ليلة من الليالي قد خرج من الكوفة وانتهى إلى مسجد جعفي ، توجه إلى القبلة وصلى أربع ركعات ، فلما سلم وسبح بسط كفيه وقال : ( إلهي كيف أدعوك وقد عصيتك ) إلى آخر الدعاء ، ثم قام و خرج ، فاتبعته حتى خرج إلى الصحراء ، وخط لي خطة وقال : إياك أن تجاوز هذه الخطة ، ومضى عني وكانت ليلة مدلهمة ، فقلت : يا نفسي أسلمت مولاك وله
-بحار الانوار مجلد: 36 من ص 199 سطر 19 الى ص 208 سطر 1 أعداء كثيرة ، أي عذر يكون لك عندالله وعند رسوله ؟ والله لاقفون أثره ولاعلمن خبره وإن كنت قد خالفت أمره ، وجعلت أتبع أثره فوجدته عليه السلام مطلعا في البئر إلى نصفه يخاطب البئر والبئر تخاطبه ، فحس بي والتفت عليه السلام وقال : من ؟ قلت *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : وأوصى الينا بالصبر وأوصى أشياعهم بالصبراه .
( 2 ) في المصدر : إذا افصى .
( 3 ) مختصر البصائر : 57 و 58 .
( 4 ) أى عظم بطنه وأخذ في الاكل .

[200]

ميثم ، قال : يا ميثم ألم آمرك أن لاتجاوز ( 1 ) الخطة ؟ قلت : يا مولاي خشيت عليك من الاعداء فلم يصبر لذلك قلبي ، فقال : أسمعت مما قلت شيئا ؟ قلت : لا يا مولاي فقال : يا ميثم .
وفي الصدرلبانات ( 2 ) * إذا ضاق لها صدري نكت الارض بالكف * وأبديت لها سري فمهما تنبت الارض * فذاك النبت من بذري أقول : تمامه في كتاب المزار .
وأقول : أخبار علمه صلوات الله عليه مسطورة في الابواب السابقة واللاحقة لا سيما باب إخباره عليه السلام بالمغيبات ، وقد أوردت كثيرا منها في باب وصية النبي صلى الله عليه وآله وباب أن جميع العلوم في القرآن ، وأبواب علوم الائمة عليهم السلام .

باب 94 : أنه عليه السلام باب مدينة العلم والحكمة  

1 ما : أبومنصور السكري ، عن جده علي بن عمر ، عن إسحاق بن مروان عن أبيه ، عن حماد بن كثير ، عن أبي خالد ، عن ابن طريف ، عن ابن نباتة ، عن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا مدينة الجنة ( 3 ) وأنت بابها يا علي كذب من زعم أنه يدخلها من غير بابها .
( 4 ) 2 لى : محمد بن أحمد بن إبراهيم الليثي ، عن أحمد الهمداني ، عن يعقوب *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في ( م ) و ( د ) : أن لا تتجاوز .
( 2 ) جمع اللبانة : الحاجة من غير فاقة بل من همة .
( 3 ) مدينة الحكمة خ ل .
( 4 ) أمالى الطوسى : 194 .