[ 91 ]

وفر أبوعمرو هبيرة لم يعد * إلينا وذو الحرب المجرب عائد - نهتهم سيوف الهند أن يقفوا لنا ( 1 ) * غداة التقينا والرماح القواصد قال جابر : شبهت قصته بقصة داود عليه السلام قوله تعالى : " فهزموهم بإذن الله ( 2 ) " الآية ، قالوا فلما جز رأسه من قفاه بسؤال منه قال علي عليه السلام : أعلي تقتحم الفوارس هكذا * عني وعنهم خبروا أصحابي - نصر الحجارة من سفاهة رأيه ( 3 ) * وعبدت رب محمد بصواب - اليوم تمنعني الفرار حفيظتي * ومصمم في الهام ليس بناب - أرديت عمروا إذ طغى بمهند * صافي الحديد مجرب قصاب - لا تحسبن الله خاذل دينه * ونبيه يا معشر الاحزاب عمرو بن عبيد : لما قدم علي برأس عمرو استقبله الصحابة ، فقبل أبوبكر رأسه وقال : المهاجرون والانصار رهين شكرك مابقوا .
الواحدي ( 4 ) والخطيب الخوارزمي ، عن عبدالرحمن السعدي ، بإسناده عن بهرم بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبدود أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة .
أبوبكر بن عياش : لقد ضرب علي ضربة ما كان في الاسلام أعز منها ، وضرب ضربة ما كان فيه أشأم منها ، ويقال : إن ضربة ابن ملجم وقعت على ضربة عمرو ( 5 ) .
ايضاح : النواصي : الرؤساء والاشراف .
والمفارع : الذين يكفون بين الناس الواحد كمنبر ، وفي بعض النسخ بالزاي المعجمة ، أي الذين يفزعون الناس بسوادهم *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : نهمتم .
( 2 ) سورة البقرة : 251 .
( 3 ) عبدالحجارة : خ ل .
( 4 ) في المصدر : الواقدى .
( 5 ) مناقب آل ابى طالب 1 : 599 - 601 .
( * )

[ 92 ]

وفي بعضها بالقاف والراء المهملة ، أي الذين يقرعون الابطال وجزع الارض والوادي : قطعه .
والمداد بمعني الخندق غير معروف .
والبراجم : قوم من أولاد حنظلة بن مالك ، ويقال : صمم السيف إذا مضى في العظم وقطعه .
ونبا السيف إذا لم يعمل في الضريبة .
والقصاب في بعض النسخ بالمعجمة وفي بعضها بالمهملة ، وعلى التقديرين معناه القطاع .
13 - قب : فصل فيما ظهر منه عليه السلام في غزاة السلاسل : السلاسل اسم ماء .
أبوالقاسم بن شبل الوكيل وأبوالفتح الحفار بإسنادهما عن الصادق عليه السلام ومقاتل والزجاج ووكيع والثوري والسدي وأبوصالح وابن عباس أنه أنفذ النبي صلى الله عليه وآله أبابكر في سبعمائة رجل ، فلما صار إلى الوادي وأراد الانحدار فخرجوا إليه فهزموه وقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا ، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وآله بعث عمر فرجع منهزما فقال عمرو بن العاص : ابعثني يا رسول الله فإن الحرب خدعة ولعلي أخدعهم ، فبعثه فرجع منهزما ، وفي رواية أنه أنفذ خالدا فعاد كذلك ، فساء النبي صلى الله عليه وآله ( 1 ) فدعا عليا عليه السلام وقال : أرسلته كرارا غير فرار ، فشيعه إلى مسجد الاحزاب ، فسار بالقوم متنكبا عن الطريق يسير بالليل ويكمن بالنهار ، ثم أخذ علي عليه السلام محجة غامضة ، فسار بهم حتى استقبل الوادي من فمه ، ثم أمرهم أن يعكموا الخيل وأوقفهم في مكان وقال : لا تبرحوا ، وانتبذ أمامهم وأقام ناحية منهم ، فقال خالد - وفي رواية قال عمر - : أنزلنا هذا الغلام في واد كثير الحيات والهوام والسباع ، إما سبع يأكلنا أو يأكل دوابنا ، وإما حيات تعقرنا وتعقر دوابنا ، وإما يعلم بنا عدونا فيأتينا ويقتلنا ، فكلموه : نعلو الوادي ، فكلمه أبوبكر فلم يجبه ، فكلمه عمر فلم يجبه ، فقال عمرو بن العاص : إنه لا ينبغي أن نضيع أنفسنا ، انطلقوا بنا نعلو الوادي ، فأبى ذلك السملمون ، ومن روايات أهل البيت عليهم السلام أنه أبت الارض أن تحملهم ، قالوا : فلما أحس عليه السلام الفجر قال : اركبوا بارك الله فيكم ، وطلع الجبل حتى إذا انحدر على القوم وأشرف عليهم قال لهم : اتركوا عكمة دوابكم *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : فساء النبي صلى الله عليه وآله ذلك .
( * )

[ 93 ]

قال : فشمت الخيل ريح الاناث فصهلت ، فسمع القوم صهيل خيلهم فولوا هاربين .
وفي رواية مقاتل والزجاج أنه كبس القوم ( 1 ) وهم غادون ، فقال : يا هؤلاء أنا رسول رسول الله إليكم أن تقولوا : لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإلا ضربتكم بالسيف ، فقالوا : انصرف عنا كما انصرف عنا كما انصرف ثلاثة ، فإنك لا تقاومنا ، فقال عليه السلام : إنني لا أنصرف أنا علي بن أبي طالب ، فاضطربوا ، وخرج إليه إلا الاشداء السبعة ، وناصحوه وطلبوا الصلح ، فقال عليه السلام : إما الاسلام وإما المقاومة فبرز إليه واحد بعد واحد ، وكان أشدهم آخرهم ، وهو سعد بن مالك العجلي ، وهو صاحب الحصن ، فقتلهم وانهزموا ، فدخل بعضهم في الحصن وبعضهم استأمنوا وبعضهم أسلموا وأتوه بمفاتيح الخزائن ، قالت أم سلمة : انتبه النبي صلى الله عليه وآله من القيلولة فقلت : الله جارك مالك ؟ فقال : أخبرني جبرئيل بالفتح ، ونزلت " والعاديات ضبحا " فبشر النبي صلى الله عليه وآله أصحابه بذلك ، وأمرهم باستقباله والنبي يتقدمهم ، فلما رأى علي عليه السلام النبي ترجل عن فرسه ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : اركب فإن الله ورسوله عنك راضيان ، فبكى علي عليه السلام فرحا ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : يا علي لولا أني أشفق أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح ، الخبر ( 2 ) .
بيان : عكم المتاع : شده ، ولعل المراد هنا شد أفواههم لئلا يصهلوا ، ولذا قال عليه السلام آخرا : اتركوا عكمة دوابكم أي ليصهلوا ويسمع القوم .
14 - قب : فصل في غزوات شتى : قوله تعالى : " ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ( 3 ) " قال الضحاك : " وعلى المؤمنين " يعني عليا وثمانية من بني هاشم .
ابن قتيبة في المعارف والثعلبي في الكشف : الذين ثبتوا مع النبي صلى الله عليه وآله يوم *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) اى هجم على القوم فجاءة .
( 2 ) مناقب آل ابى طالب 1 : 602 و 603 .
( 3 ) سورة التوبة : 25 و 26 .
( * )

[ 94 ]

حنين بعد هزيمة الناس : علي ، والعباس ، والفضل ابنه وأبوسفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ، ونوفل وربيعة أخواه ، وعبدالله بن الزبير بن عبدالمطلب : وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب ، وأيمن مولى النبي صلى الله عليه وآله ، وكان العباس عن يمينه والفضل عن يساره ، وأبوسفيان ممسك بسرجه عند تفر بغلته ( 1 ) ، وسائرهم حوله ، وعلي يضرب بالسيف بين يديه ، وفيه يقول العباس : نصرنا رسول الله في الحرب تسعة * وقد فر من قدفر عنه فأقشعوا ( 2 ) فكانت الانصار خاصة تنصرف إذ كمن أبوجرول على السملمين .
وكان على جمل أحمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام هوازن ، إذا أدرك أحدا طعنه برمحه وإذا فاته الناس دفع لمن وراءه ، وجعل يقتلهم وهو يرتجز : أنا أبوجرول لابراح * حتى نبيح القوم أو نباح فصمدله ( 3 ) أمير المؤمنين عليه السلام فضرب عجز بعيره فصرعه ، ثم ضربه فقطره ثم قال : قد علم القوم لدى الصباح * أني لدى الهيجاء ذونصاح فانهزموا ، وعد قتلى علي فكانوا أربعين ، وقال علي عليه السلام : ألم تر أن الله أبلى رسوله * بلاء عزيز ذا اقتدار وذا فضل ( 4 ) - بما أنزل الكفار دار مذلة * فذاقوا هوانا من إسار ومن قتل - فأمسى رسول الله قد عز نصره * وكان رسول الله أرسل بالعدل - فجاء بفرقان من الله منزل * مبينة آياته لذوي العقل - فأنكر أقوام قلوبهم * فزادهم الرحمن خبلا إلى خبل *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) التفرة - بالتاء مثلثة - : النقرة التى في وسط الشفة .
( 2 ) أقشع القوم : تفرقوا .
( 3 ) صمدله وإليه : قصده .
وفي المصدر : فضهد .
( 4 ) في المصدر و ( خ ) : بلاء عزيزا .
( * )

[ 95 ]

وفي غزاة الطائف كان النبي صلى الله عليه وآله حاصرهم أياما ، وأنفذ عليا في خيل ، وأمره أن يطأ ما وجد ، ويكسر كل صنم وجده ، فلقيه خيل خثعم وقت الصبوح في جموع ، فبرز فارسهم وقال : هل من مبارز ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله : من له ؟ فلم يقم أحد فقام إليه علي عليه السلام وهو يقول : إن على كل رئيس حقا * أن يروي الصعدة أو يدقا ثم ضربه فقتله ، ومضى حتى كسر الاصنام ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وآله كبر للفتح ، وأخذ بيده وناجاء طويلا ، ثم خرج من الحصن نافع بن غيلان بن مغيث فلقيه علي عليه السلام ببطن وج ( 1 ) فقتله وانهزموا .
وفي يوم الفتح برز أسد بن غويلم قاتل العرب ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : من خرج إلى هذا المشرك فقتله فله على الله الجنة وله الامامة بعدي ، فاحر نجم الناس ، فبرز علي عليه السلام وقال : ضربته بالسيف وسط الهامة * بضربة صارمة هدامة -
-بحار الانوار مجلد: 37 من ص 95 سطر 13 الى ص 103 سطر 13 فبتكت من جسمه عظامه ( 2 ) * وبينت من رأسه عظامة ( 3 ) وقتل عليه السلام من بني النضير خلقا منهم غرور الرامي إلى خيمة النبي صلى الله عليه وآله فقال حسان : لله أي كريهة أبليتها * ببني قريظة والنفوس تطلع - أردى رئيسهم وآب بتسعة * طورا يشلهم وطورا يدفع ( 4 ) .
وأنفذ النبي صلى الله عليه وآله عليا إلى بني قريظة وقال : سر على بركة الله ، فلما أشرفوا ورأوا عليا عليه السلام قالوا : أقبل إليكم قاتل عمرو ، وقال آخر : *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) وج - بالفتح والتشديد - واد بالطائف به كانت غزاة النبي صلى الله عليه وآله ( مراصد الاطلاع 3 : 1426 ) .
( 2 ) بتكه : قطعه .
( 3 ) العظامة : شئ كالو سادة .
( 4 ) طورا يسائلهم خ ل .
( * )

[ 96 ]

قتل علي عمروا صار علي صقرا * قصم علي ظهرا هتك علي سترا فقال علي عليه السلام : الحمد لله الذي أظهر الاسلام وقمع الشرك ، فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فقتل علي عليه السلام منهم عشرة ، وقتل عليه السلام من بني المصطلق ( 1 ) مالكا وابنه .
تاريخ الطبري ومحمد بن إسحاق : لما انهزمت هوازن كان رايتهم مع ذي الخمار ، فلما قتله علي عليه السلام أخذها عثمان بن عبدالله بن ربيعة ، فقاتل بها حتى قتل .
ومن حديث عمرو بن معد يكرب أنه رأى أباه منهزما من خثعم على فرس له قال : انزل عنها ( 2 ) فاليوم ظلم ، فقال له : إليك يا مائق ( 3 ) ، فقالوا : أعطه ، فركب ثم رمى خثعم بنفسه حتى خرج من بين أظهرهم ، ثم كر عليهم ، وفعل ذلك مرارا فحمل عليه بنو زبيد ، فانهزمت خثعم ، فقيل له فارس اليمن ، ومائق بنو زبيد .
الزمخشري في ربيع الابرار : كان إذا رأى عمر بن الخطاب معد يكرب قال : الحمد لله الذي خلقنا وخلق عمروا .
وكان كثيرا ما يسأل عن غاراته فيقول : قد محاسيف علي الصنائع ، ومع مبارزته جذبه أمير المؤمنين عليه السلام والمنديل في عنقه حتى أسلم ، وكان أكثر فتوح العجم على يديه ( 4 ) .
بيان : الاباحة والاستباحة : السبي والنهب .
قوله عليه السلام : ( ذو نصاح ) أي أنصح النبي ولا أغشه .
والصعدة بالفتح : القناة المستوية تنبت كذلك ، وترويتها كناية عن كثرة القتل بها .
واحرنجم : أراد الامر ثم رجع عنه .
كشف : من مناقب الخوارزمي عن حليم ( 5 ) عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : لمبارزة علي بن أبي طالب عليه السلام لعمرو بن ود يوم الخندق أفضل من عمل أمتي *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في بنى المصطلق خ ل .
( 2 ) في المصدر : انزل عنه .
( 3 ) مئق الرجل : كاد يبكى من شدة الغيظ .
( 4 ) مناقب آل ابى طالب 1 : 604 - 606 .
( 5 ) في المصدر : عن حكيم .
( * )

[ 97 ]

إلى يوم القيامة ( 1 ) .
أقول : قال الشيخ المفيد قدس الله روحه في كتاب الفصول : مما يشهد بشجاعة أمير المؤمنين عليه السلام وعظيم بلائه ( 2 ) في الجهاد ونكايته في الاعداء من النظم الذي يشهد بصحته النثر في النقل قول أسد بن أبي أياس بن رهم ( 3 ) ابن محمد بن عبد بن عدي يحرض مشركي قريش على أمير المؤمنين عليه السلام : في كل مجمع غاية أخزاكم * جزع أبر على المذاكي القرح ( 4 ) - لله دركم ألما تنكروا * قد ينكر الحر الكريم ويستحي - هذا ابن فاطمة الذي أفناكم * ذبحا ويمشي بيننا لم يذبح ( 5 ) - أعطوه خرجا واتقوا بضربته * فعل الدليل وبيعة لم تربح - أين الكهول وأين كل دعامة * في المعضلات وأين زين الابطح ؟ - أفناهم قعصا وضربا تعتري * بالسيف يعمل حده لم يصفح ومما يشهد لذلك قول أخت عمرو بن عبدود وقد رأته قتيلا فقالت : من قتله ؟ فقيل لها : علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقالت : كفو كريم ، ثم أنشأت تقول : لو كان قاتل عمرو غير قاتله * لكنت أبكي عليه آخر الابد - لكن قاتل عمرو لا يعاب به ( 6 ) * من كان يدعى قديما بيضة البلد أفلا نرى إلى قريش كيف يحرض عليه بذكر من قتله وكثرتهم وفناء رؤسائهم بسيفه عليه السلام وقتله لشجعانهم وأبطالهم ؟ ثم لا يجسر أحد من القوم ينكر *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) كشف الغمة : 43 .
( 2 ) في المصدر : وعظم بلائه .
( 3 ) : أسيد بن أبى أياس بن زنيم .
( 4 ) الغاية : الراية .
الجذع - بفتحتين - : الشاب الحدت .
( 5 ) في المصدر " ويمسى سالما لم يذبح " والمراد من فاطمة أم أمير المؤمنين عليهما السلام .
وقد ذكر هذا البيت في المصدر قبل البيت الثانى .
( 6 ) في المصدر : لكن قاتله من لا يعاب به .
( * )

[ 98 ]

ذلك ( 1 ) ، ولا ينفع في جماعتهم التحريض لعجزهم عنه عليه السلام ، ولا ترى ( 2 ) أنه عليه السلام قد بلغ من فضله في الشجاعة أنها قد صارت يفخر ( 3 ) بقتله من قتل منها ، وينفي العار عنه بإضافته إليه ، وهذا لا يكون إلا وقد سلم الجميع له واصطلحوا على إظهار العجز عنه عليه السلام .
وقد روى أهل السير أن أمير المؤمنين عليه السلام لما قتل عمرو بن عبدود نعي إلى أخته ، فقالت : [ لو ] لم يعد ( 4 ) يومه على يد كفو كريم لارقأت دمعتي إن هرقتها عليه ، قتل الابطال وبارز الاقران وكانت منيته على يد كفو كريم ، ما سمعت بأفخر من هذا يا بني عامر ، ثم أنشأت تقول : أسدان في ضيق المكر تصاولا * وكلاهما كفو كريم باسل - فتخالسا مهج النفوس كلاهما * وسط المدار مخاتل ومقاتل - وكلاهما حضر القراع حفيظة * لم يثنه عن ذاك شغل شاغل - فاذهب علي فما ظفرت بمثله * قول سديد ليس فيه تحامل - فالثار عندي يا علي فليتني * أدركته والعقل مني كامل ذلت قريش بعد مقتل فارس * فالذل مهلكها وخزي شامل ثم قالت : والله لا ثارت قريش بأخي ما حنت النيب .
وقد كان حسنان بن ثابت افتخر للاسلام بقتل عمرو بن عبدود ، فقال في ذلك أقوالا كثيرة ، منها : أمسى الفتى عمرو بن عبد يبتغي * بجنوب يثرب غارة لم ينظر - فلقد وجدت سيوفنا مشهورة * ولقد وجدت جيادنا لم تقصر ( 5 ) - ولقد رأيت غداة بدر عصبة * ضربوك ضربا غير ضرب المخسر أصبحت لا تدعى ليوم عظيمة * يا عمرو أو لجسيم أمر منكر *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : أن ينكر ذلك .
( 2 ) : ولا يرى .
( 3 ) : تفخر .
( 4 ) : لم يبعد .
( 5 ) : ولقد رأيت خيارنا لم تقصر .
( * )

[ 99 ]

فلما بلغ شعره بني عامر قال فتى منهم يرد عليه قوله في ذلك : كذبتم وبيت الله لم تقتلوننا * ولكن بسيف الهاشمين فافخروا - بسيف ابن عبدالله أحمد في الوغى * بكف علي نلتم ذاك فاقصروا - فلم تقتلوا عمرو بن ود ولا ابنه * ولكنه الكفو الهزبر الغضنفر - علي الذي في الفخر طال ثناؤه * فلا نكثروا الدعوى علينا فتحقروا - ببدر خرجتم للبراز فردكم * شيوخ قريش جهرة وتأخروا - فلما أتاهم حمزة وعبيدة * وجاء علي بالمهند يخطر - فقالوا نعم أكفاء صدق وأقبلوا * إليهم سراعا إذ بغوا وتجبروا فجال علي جولة هاشمية * فدمرهم لما عتوا وتكبروا - فليس لكم فخر علينا بغيرنا * وليس لكم فخر يعد ويذكر وقد جاء الاثر من طرق شتى بأسانيد مختلفة عن زيد بن وهب قال : سمعت عليا عليه السلام يقول - وقد ذكر حديث بدر فقال - : قتلنا من المشركين سبعين ، وأسرنا سبعين ، وكان الذي أسر العباس رجل قصير من الانصار ، فأدركته فألقى العباس علي عمامته لئلا يأخذها الانصاري ، وأحب أن أكون أنا الذي أسرته ، وجيئ به ( 1 ) إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال الانصاري : يا رسول الله قد جئت بعمك العباس أسيرا فقال العباس : كذبت ما أسرني إلا ابن أخي علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له الانصاري : يا هذا أنا أسرتك ، فقال : والله يا رسول الله ما أسرني إلا ابن أخي ، و ولكأني بجلحته في النقع ( 2 ) تبين لي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : صدق عمي ذاك ملك كريم ، فقال العباس : يا رسول الله لقد عرفته بجلحته وحسن وجهه ، فقال له : إن الملائكة الذين أيدني الله بهم على صورة علي بن أبي طالب عليه السلام ليكون ذلك *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : وجاء به .
( 2 ) الجلحة : موضع انحسار الشعر عن جانبى الرأس .
النقع : الغبار .
( * )

[100]

أهيب لهم في صدور الاعداء ، قال : فهذه عمامتي على رأس علي عليه السلام فمره فليردها علي ، فقال : ويحك إن يعلم الله فيك خيرا يعوضك أحسن العوض .
أفلا ترون أن هذا الحديث يؤيد ما تقدم ويؤكد القول بأن أمير المؤمنين عليه السلام كان أشجع البرية ، وأنه بلغ من بأسه وخوف الاعداء منه عليه السلام أن جعل الله عزوجل الملائكة على صورته ، ليكون ذلك أرعب لقلوبهم ، وأن هذا المعنى لم يحصل لبشر قبله ولا بعده ، ويؤيد ما رويناه ماجاء من الاثر عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام في حديث بدر فقال : لقد كان يسأل الجريح من المشركين فيقال : من جرحك ؟ فيقول : علي بن أبي طالب .
فإذا قالها : مات .
وفي بلاء أمير المؤمنين عليه السلام يوم بدر يقول أبوهاشم السيد بن محمد الحميري : من كعلي الذي يبارزه * الاقران إذ بالسيوف يصطلم - إذا الوغى نارها مسعرة * يحرق فرسانها إذا اقتحموا - في يوم بدر وفي مشاهده * العظمى ونار الحرب تضطرم - بارز أبطالها وسادتها * قعصا لهم بالحسام قد علموا ( 1 ) - دعوه كي تدركون عزته * فما علوا ذلكم ولا سلموا - جذ بسيف النبي هامات * أقوام هم سادة وهم قدم - سيدنا الماجد الجليل أبو * السبطين رأس الانام والعلم - إن عليا وإن فاطمة * وإن سبطيهما وإن ظلموا - لصفوة الله بعد صفوته * لا عرب مثلهم ولا عجم انتهى ( 2 ) .
وقال عبدالحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : قال نصر : وحدثنا عمرو بن شمر عن جابر بن نمير الانصاري قال : والله لكأني أسمع عليا عليه السلام يوم الهرير وذلك بعد ما طحنت رحى مذحج فيما بينها وبين عك ولخم وحذام و *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) قعصه : قتله مكانه .
والقعص : الموت الوحى .
( 2 ) الفصول المختارة 2 : 79 - 81 .
( * )