[ 91 ]
وفر أبوعمرو هبيرة لم يعد * إلينا وذو الحرب المجرب عائد -
نهتهم سيوف الهند أن يقفوا لنا ( 1 ) * غداة التقينا والرماح القواصد
قال جابر : شبهت قصته بقصة داود عليه السلام قوله تعالى : " فهزموهم بإذن
الله ( 2 ) " الآية ، قالوا فلما جز رأسه من قفاه بسؤال منه قال علي عليه السلام :
أعلي تقتحم الفوارس هكذا * عني وعنهم خبروا أصحابي -
نصر الحجارة من سفاهة رأيه ( 3 ) * وعبدت رب محمد بصواب -
اليوم تمنعني الفرار حفيظتي * ومصمم في الهام ليس بناب -
أرديت عمروا إذ طغى بمهند * صافي الحديد مجرب قصاب -
لا تحسبن الله خاذل دينه * ونبيه يا معشر الاحزاب
عمرو بن عبيد : لما قدم علي برأس عمرو استقبله الصحابة ، فقبل أبوبكر
رأسه وقال : المهاجرون والانصار رهين شكرك مابقوا .
الواحدي ( 4 ) والخطيب الخوارزمي ، عن عبدالرحمن السعدي ، بإسناده عن
بهرم بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : لمبارزة علي بن أبي
طالب لعمرو بن عبدود أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة .
أبوبكر بن عياش : لقد ضرب علي ضربة ما كان في الاسلام أعز منها ،
وضرب ضربة ما كان فيه أشأم منها ، ويقال : إن ضربة ابن ملجم وقعت على ضربة
عمرو ( 5 ) .
ايضاح : النواصي : الرؤساء والاشراف .
والمفارع : الذين يكفون بين الناس
الواحد كمنبر ، وفي بعض النسخ بالزاي المعجمة ، أي الذين يفزعون الناس بسوادهم
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : نهمتم .
( 2 ) سورة البقرة : 251 .
( 3 ) عبدالحجارة : خ ل .
( 4 ) في المصدر : الواقدى .
( 5 ) مناقب آل ابى طالب 1 : 599 - 601 .
( * )
[ 92 ]
وفي بعضها بالقاف والراء المهملة ، أي الذين يقرعون الابطال وجزع الارض والوادي :
قطعه .
والمداد بمعني الخندق غير معروف .
والبراجم : قوم من أولاد حنظلة بن
مالك ، ويقال : صمم السيف إذا مضى في العظم وقطعه .
ونبا السيف إذا لم يعمل في
الضريبة .
والقصاب في بعض النسخ بالمعجمة وفي بعضها بالمهملة ، وعلى التقديرين
معناه القطاع .
13 - قب : فصل فيما ظهر منه عليه السلام في غزاة السلاسل : السلاسل اسم ماء .
أبوالقاسم بن شبل الوكيل وأبوالفتح الحفار بإسنادهما عن الصادق عليه السلام ومقاتل
والزجاج ووكيع والثوري والسدي وأبوصالح وابن عباس أنه أنفذ النبي صلى الله عليه وآله
أبابكر في سبعمائة رجل ، فلما صار إلى الوادي وأراد الانحدار فخرجوا إليه فهزموه
وقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا ، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وآله بعث عمر فرجع منهزما
فقال عمرو بن العاص : ابعثني يا رسول الله فإن الحرب خدعة ولعلي أخدعهم ، فبعثه
فرجع منهزما ، وفي رواية أنه أنفذ خالدا فعاد كذلك ، فساء النبي صلى الله عليه وآله ( 1 ) فدعا
عليا عليه السلام وقال : أرسلته كرارا غير فرار ، فشيعه إلى مسجد الاحزاب ، فسار
بالقوم متنكبا عن الطريق يسير بالليل ويكمن بالنهار ، ثم أخذ علي عليه السلام محجة
غامضة ، فسار بهم حتى استقبل الوادي من فمه ، ثم أمرهم أن يعكموا الخيل
وأوقفهم في مكان وقال : لا تبرحوا ، وانتبذ أمامهم وأقام ناحية منهم ، فقال خالد
- وفي رواية قال عمر - : أنزلنا هذا الغلام في واد كثير الحيات والهوام والسباع ،
إما سبع يأكلنا أو يأكل دوابنا ، وإما حيات تعقرنا وتعقر دوابنا ، وإما يعلم بنا
عدونا فيأتينا ويقتلنا ، فكلموه : نعلو الوادي ، فكلمه أبوبكر فلم يجبه ، فكلمه عمر
فلم يجبه ، فقال عمرو بن العاص : إنه لا ينبغي أن نضيع أنفسنا ، انطلقوا بنا نعلو
الوادي ، فأبى ذلك السملمون ، ومن روايات أهل البيت عليهم السلام أنه أبت الارض أن
تحملهم ، قالوا : فلما أحس عليه السلام الفجر قال : اركبوا بارك الله فيكم ، وطلع
الجبل حتى إذا انحدر على القوم وأشرف عليهم قال لهم : اتركوا عكمة دوابكم
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : فساء النبي صلى الله عليه وآله ذلك .
( * )
[ 93 ]
قال : فشمت الخيل ريح الاناث فصهلت ، فسمع القوم صهيل خيلهم فولوا هاربين .
وفي رواية مقاتل والزجاج أنه كبس القوم ( 1 ) وهم غادون ، فقال : يا هؤلاء
أنا رسول رسول الله إليكم أن تقولوا : لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإلا ضربتكم
بالسيف ، فقالوا : انصرف عنا كما انصرف عنا كما انصرف ثلاثة ، فإنك لا تقاومنا ، فقال عليه السلام :
إنني لا أنصرف أنا علي بن أبي طالب ، فاضطربوا ، وخرج إليه إلا الاشداء
السبعة ، وناصحوه وطلبوا الصلح ، فقال عليه السلام : إما الاسلام وإما المقاومة فبرز إليه
واحد بعد واحد ، وكان أشدهم آخرهم ، وهو سعد بن مالك العجلي ، وهو صاحب
الحصن ، فقتلهم وانهزموا ، فدخل بعضهم في الحصن وبعضهم استأمنوا وبعضهم أسلموا
وأتوه بمفاتيح الخزائن ، قالت أم سلمة : انتبه النبي صلى الله عليه وآله من القيلولة فقلت : الله
جارك مالك ؟ فقال : أخبرني جبرئيل بالفتح ، ونزلت " والعاديات ضبحا " فبشر
النبي صلى الله عليه وآله أصحابه بذلك ، وأمرهم باستقباله والنبي يتقدمهم ، فلما رأى علي
عليه السلام النبي ترجل عن فرسه ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : اركب فإن الله ورسوله عنك
راضيان ، فبكى علي عليه السلام فرحا ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : يا علي لولا أني أشفق أن
تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح ، الخبر ( 2 ) .
بيان : عكم المتاع : شده ، ولعل المراد هنا شد أفواههم لئلا يصهلوا ، ولذا
قال عليه السلام آخرا : اتركوا عكمة دوابكم أي ليصهلوا ويسمع القوم .
14 - قب : فصل في غزوات شتى : قوله تعالى : " ويوم حنين إذ أعجبتكم
كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين
ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ( 3 ) " قال الضحاك : " وعلى المؤمنين "
يعني عليا وثمانية من بني هاشم .
ابن قتيبة في المعارف والثعلبي في الكشف : الذين ثبتوا مع النبي صلى الله عليه وآله يوم
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) اى هجم على القوم فجاءة .
( 2 ) مناقب آل ابى طالب 1 : 602 و 603 .
( 3 ) سورة التوبة : 25 و 26 .
( * )
[ 94 ]
حنين بعد هزيمة الناس : علي ، والعباس ، والفضل ابنه وأبوسفيان بن الحارث بن
عبدالمطلب ، ونوفل وربيعة أخواه ، وعبدالله بن الزبير بن عبدالمطلب : وعتبة
ومعتب ابنا أبي لهب ، وأيمن مولى النبي صلى الله عليه وآله ، وكان العباس عن يمينه والفضل
عن يساره ، وأبوسفيان ممسك بسرجه عند تفر بغلته ( 1 ) ، وسائرهم حوله ، وعلي
يضرب بالسيف بين يديه ، وفيه يقول العباس :
نصرنا رسول الله في الحرب تسعة * وقد فر من قدفر عنه فأقشعوا ( 2 )
فكانت الانصار خاصة تنصرف إذ كمن أبوجرول على السملمين .
وكان على
جمل أحمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام هوازن ، إذا أدرك أحدا طعنه برمحه
وإذا فاته الناس دفع لمن وراءه ، وجعل يقتلهم وهو يرتجز :
أنا أبوجرول لابراح * حتى نبيح القوم أو نباح
فصمدله ( 3 ) أمير المؤمنين عليه السلام فضرب عجز بعيره فصرعه ، ثم ضربه فقطره
ثم قال :
قد علم القوم لدى الصباح * أني لدى الهيجاء ذونصاح
فانهزموا ، وعد قتلى علي فكانوا أربعين ، وقال علي عليه السلام :
ألم تر أن الله أبلى رسوله * بلاء عزيز ذا اقتدار وذا فضل ( 4 ) -
بما أنزل الكفار دار مذلة * فذاقوا هوانا من إسار ومن قتل -
فأمسى رسول الله قد عز نصره * وكان رسول الله أرسل بالعدل -
فجاء بفرقان من الله منزل * مبينة آياته لذوي العقل -
فأنكر أقوام قلوبهم * فزادهم الرحمن خبلا إلى خبل
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) التفرة - بالتاء مثلثة - : النقرة التى في وسط الشفة .
( 2 ) أقشع القوم : تفرقوا .
( 3 ) صمدله وإليه : قصده .
وفي المصدر : فضهد .
( 4 ) في المصدر و ( خ ) : بلاء عزيزا .
( * )
[ 95 ]
وفي غزاة الطائف كان النبي صلى الله عليه وآله حاصرهم أياما ، وأنفذ عليا في خيل ،
وأمره أن يطأ ما وجد ، ويكسر كل صنم وجده ، فلقيه خيل خثعم وقت الصبوح في
جموع ، فبرز فارسهم وقال : هل من مبارز ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله : من له ؟ فلم يقم أحد
فقام إليه علي عليه السلام وهو يقول :
إن على كل رئيس حقا * أن يروي الصعدة أو يدقا
ثم ضربه فقتله ، ومضى حتى كسر الاصنام ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وآله كبر
للفتح ، وأخذ بيده وناجاء طويلا ، ثم خرج من الحصن نافع بن غيلان بن مغيث
فلقيه علي عليه السلام ببطن وج ( 1 ) فقتله وانهزموا .
وفي يوم الفتح برز أسد بن غويلم قاتل العرب ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : من خرج
إلى هذا المشرك فقتله فله على الله الجنة وله الامامة بعدي ، فاحر نجم الناس ، فبرز
علي عليه السلام وقال :
ضربته بالسيف وسط الهامة * بضربة صارمة هدامة -
-بحار الانوار مجلد: 37 من ص 95 سطر 13 الى ص 103 سطر 13
فبتكت من جسمه عظامه ( 2 ) * وبينت من رأسه عظامة ( 3 )
وقتل عليه السلام من بني النضير خلقا منهم غرور الرامي إلى خيمة النبي صلى الله عليه وآله
فقال حسان :
لله أي كريهة أبليتها * ببني قريظة والنفوس تطلع -
أردى رئيسهم وآب بتسعة * طورا يشلهم وطورا يدفع ( 4 ) .
وأنفذ النبي صلى الله عليه وآله عليا إلى بني قريظة وقال : سر على بركة الله ، فلما
أشرفوا ورأوا عليا عليه السلام قالوا : أقبل إليكم قاتل عمرو ، وقال آخر :
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) وج - بالفتح والتشديد - واد بالطائف به كانت غزاة النبي صلى الله عليه وآله ( مراصد
الاطلاع 3 : 1426 ) .
( 2 ) بتكه : قطعه .
( 3 ) العظامة : شئ كالو سادة .
( 4 ) طورا يسائلهم خ ل .
( * )
[ 96 ]
قتل علي عمروا صار علي صقرا * قصم علي ظهرا هتك علي سترا
فقال علي عليه السلام : الحمد لله الذي أظهر الاسلام وقمع الشرك ، فحاصرهم
حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فقتل علي عليه السلام منهم عشرة ، وقتل عليه السلام من
بني المصطلق ( 1 ) مالكا وابنه .
تاريخ الطبري ومحمد بن إسحاق : لما انهزمت هوازن كان رايتهم مع ذي
الخمار ، فلما قتله علي عليه السلام أخذها عثمان بن عبدالله بن ربيعة ، فقاتل بها حتى
قتل .
ومن حديث عمرو بن معد يكرب أنه رأى أباه منهزما من خثعم على فرس له
قال : انزل عنها ( 2 ) فاليوم ظلم ، فقال له : إليك يا مائق ( 3 ) ، فقالوا : أعطه ، فركب
ثم رمى خثعم بنفسه حتى خرج من بين أظهرهم ، ثم كر عليهم ، وفعل ذلك مرارا
فحمل عليه بنو زبيد ، فانهزمت خثعم ، فقيل له فارس اليمن ، ومائق بنو زبيد .
الزمخشري في ربيع الابرار : كان إذا رأى عمر بن الخطاب معد يكرب
قال : الحمد لله الذي خلقنا وخلق عمروا .
وكان كثيرا ما يسأل عن غاراته فيقول :
قد محاسيف علي الصنائع ، ومع مبارزته جذبه أمير المؤمنين عليه السلام والمنديل في عنقه
حتى أسلم ، وكان أكثر فتوح العجم على يديه ( 4 ) .
بيان : الاباحة والاستباحة : السبي والنهب .
قوله عليه السلام : ( ذو نصاح ) أي
أنصح النبي ولا أغشه .
والصعدة بالفتح : القناة المستوية تنبت كذلك ، وترويتها
كناية عن كثرة القتل بها .
واحرنجم : أراد الامر ثم رجع عنه .
كشف : من مناقب الخوارزمي عن حليم ( 5 ) عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه قال : لمبارزة علي بن أبي طالب عليه السلام لعمرو بن ود يوم الخندق أفضل من عمل أمتي
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في بنى المصطلق خ ل .
( 2 ) في المصدر : انزل عنه .
( 3 ) مئق الرجل : كاد يبكى من شدة الغيظ .
( 4 ) مناقب آل ابى طالب 1 : 604 - 606 .
( 5 ) في المصدر : عن حكيم .
( * )
[ 97 ]
إلى يوم القيامة ( 1 ) .
أقول : قال الشيخ المفيد قدس الله روحه في كتاب الفصول : مما يشهد بشجاعة
أمير المؤمنين عليه السلام وعظيم بلائه ( 2 ) في الجهاد ونكايته في الاعداء من النظم الذي يشهد
بصحته النثر في النقل قول أسد بن أبي أياس بن رهم ( 3 ) ابن محمد بن عبد بن عدي
يحرض مشركي قريش على أمير المؤمنين عليه السلام :
في كل مجمع غاية أخزاكم * جزع أبر على المذاكي القرح ( 4 ) -
لله دركم ألما تنكروا * قد ينكر الحر الكريم ويستحي -
هذا ابن فاطمة الذي أفناكم * ذبحا ويمشي بيننا لم يذبح ( 5 ) -
أعطوه خرجا واتقوا بضربته * فعل الدليل وبيعة لم تربح -
أين الكهول وأين كل دعامة * في المعضلات وأين زين الابطح ؟ -
أفناهم قعصا وضربا تعتري * بالسيف يعمل حده لم يصفح
ومما يشهد لذلك قول أخت عمرو بن عبدود وقد رأته قتيلا فقالت : من
قتله ؟ فقيل لها : علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقالت : كفو كريم ، ثم أنشأت تقول :
لو كان قاتل عمرو غير قاتله * لكنت أبكي عليه آخر الابد -
لكن قاتل عمرو لا يعاب به ( 6 ) * من كان يدعى قديما بيضة البلد
أفلا نرى إلى قريش كيف يحرض عليه بذكر من قتله وكثرتهم وفناء
رؤسائهم بسيفه عليه السلام وقتله لشجعانهم وأبطالهم ؟ ثم لا يجسر أحد من القوم ينكر
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) كشف الغمة : 43 .
( 2 ) في المصدر : وعظم بلائه .
( 3 ) : أسيد بن أبى أياس بن زنيم .
( 4 ) الغاية : الراية .
الجذع - بفتحتين - : الشاب الحدت .
( 5 ) في المصدر " ويمسى سالما لم يذبح " والمراد من فاطمة أم أمير المؤمنين عليهما السلام .
وقد ذكر هذا البيت في المصدر قبل البيت الثانى .
( 6 ) في المصدر : لكن قاتله من لا يعاب به .
( * )
[ 98 ]
ذلك ( 1 ) ، ولا ينفع في جماعتهم التحريض لعجزهم عنه عليه السلام ، ولا ترى ( 2 ) أنه عليه السلام
قد بلغ من فضله في الشجاعة أنها قد صارت يفخر ( 3 ) بقتله من قتل منها ، وينفي
العار عنه بإضافته إليه ، وهذا لا يكون إلا وقد سلم الجميع له واصطلحوا على
إظهار العجز عنه عليه السلام .
وقد روى أهل السير أن أمير المؤمنين عليه السلام لما قتل عمرو بن
عبدود نعي إلى أخته ، فقالت : [ لو ] لم يعد ( 4 ) يومه على يد كفو كريم لارقأت
دمعتي إن هرقتها عليه ، قتل الابطال وبارز الاقران وكانت منيته على يد كفو
كريم ، ما سمعت بأفخر من هذا يا بني عامر ، ثم أنشأت تقول :
أسدان في ضيق المكر تصاولا * وكلاهما كفو كريم باسل -
فتخالسا مهج النفوس كلاهما * وسط المدار مخاتل ومقاتل -
وكلاهما حضر القراع حفيظة * لم يثنه عن ذاك شغل شاغل -
فاذهب علي فما ظفرت بمثله * قول سديد ليس فيه تحامل -
فالثار عندي يا علي فليتني * أدركته والعقل مني كامل
ذلت قريش بعد مقتل فارس * فالذل مهلكها وخزي شامل
ثم قالت : والله لا ثارت قريش بأخي ما حنت النيب .
وقد كان حسنان بن
ثابت افتخر للاسلام بقتل عمرو بن عبدود ، فقال في ذلك أقوالا كثيرة ، منها :
أمسى الفتى عمرو بن عبد يبتغي * بجنوب يثرب غارة لم ينظر -
فلقد وجدت سيوفنا مشهورة * ولقد وجدت جيادنا لم تقصر ( 5 ) -
ولقد رأيت غداة بدر عصبة * ضربوك ضربا غير ضرب المخسر
أصبحت لا تدعى ليوم عظيمة * يا عمرو أو لجسيم أمر منكر
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : أن ينكر ذلك .
( 2 ) : ولا يرى .
( 3 ) : تفخر .
( 4 ) : لم يبعد .
( 5 ) : ولقد رأيت خيارنا لم تقصر .
( * )
[ 99 ]
فلما بلغ شعره بني عامر قال فتى منهم يرد عليه قوله في ذلك :
كذبتم وبيت الله لم تقتلوننا * ولكن بسيف الهاشمين فافخروا -
بسيف ابن عبدالله أحمد في الوغى * بكف علي نلتم ذاك فاقصروا -
فلم تقتلوا عمرو بن ود ولا ابنه * ولكنه الكفو الهزبر الغضنفر -
علي الذي في الفخر طال ثناؤه * فلا نكثروا الدعوى علينا فتحقروا -
ببدر خرجتم للبراز فردكم * شيوخ قريش جهرة وتأخروا -
فلما أتاهم حمزة وعبيدة * وجاء علي بالمهند يخطر -
فقالوا نعم أكفاء صدق وأقبلوا * إليهم سراعا إذ بغوا وتجبروا
فجال علي جولة هاشمية * فدمرهم لما عتوا وتكبروا -
فليس لكم فخر علينا بغيرنا * وليس لكم فخر يعد ويذكر
وقد جاء الاثر من طرق شتى بأسانيد مختلفة عن زيد بن وهب قال : سمعت
عليا عليه السلام يقول - وقد ذكر حديث بدر فقال - : قتلنا من المشركين سبعين ، وأسرنا
سبعين ، وكان الذي أسر العباس رجل قصير من الانصار ، فأدركته فألقى العباس علي
عمامته لئلا يأخذها الانصاري ، وأحب أن أكون أنا الذي أسرته ، وجيئ به ( 1 )
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال الانصاري : يا رسول الله قد جئت بعمك العباس أسيرا
فقال العباس : كذبت ما أسرني إلا ابن أخي علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له
الانصاري : يا هذا أنا أسرتك ، فقال : والله يا رسول الله ما أسرني إلا ابن أخي ، و
ولكأني بجلحته في النقع ( 2 ) تبين لي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : صدق عمي ذاك ملك
كريم ، فقال العباس : يا رسول الله لقد عرفته بجلحته وحسن وجهه ، فقال له :
إن الملائكة الذين أيدني الله بهم على صورة علي بن أبي طالب عليه السلام ليكون ذلك
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : وجاء به .
( 2 ) الجلحة : موضع انحسار الشعر عن جانبى الرأس .
النقع : الغبار .
( * )
[100]
أهيب لهم في صدور الاعداء ، قال : فهذه عمامتي على رأس علي عليه السلام فمره فليردها
علي ، فقال : ويحك إن يعلم الله فيك خيرا يعوضك أحسن العوض .
أفلا ترون أن هذا الحديث يؤيد ما تقدم ويؤكد القول بأن أمير المؤمنين
عليه السلام كان أشجع البرية ، وأنه بلغ من بأسه وخوف الاعداء منه عليه السلام أن
جعل الله عزوجل الملائكة على صورته ، ليكون ذلك أرعب لقلوبهم ، وأن هذا
المعنى لم يحصل لبشر قبله ولا بعده ، ويؤيد ما رويناه ماجاء من الاثر عن أبي
جعفر محمد بن علي عليهما السلام في حديث بدر فقال : لقد كان يسأل الجريح من المشركين
فيقال : من جرحك ؟ فيقول : علي بن أبي طالب .
فإذا قالها : مات .
وفي بلاء
أمير المؤمنين عليه السلام يوم بدر يقول أبوهاشم السيد بن محمد الحميري :
من كعلي الذي يبارزه * الاقران إذ بالسيوف يصطلم -
إذا الوغى نارها مسعرة * يحرق فرسانها إذا اقتحموا -
في يوم بدر وفي مشاهده * العظمى ونار الحرب تضطرم -
بارز أبطالها وسادتها * قعصا لهم بالحسام قد علموا ( 1 ) -
دعوه كي تدركون عزته * فما علوا ذلكم ولا سلموا -
جذ بسيف النبي هامات * أقوام هم سادة وهم قدم -
سيدنا الماجد الجليل أبو * السبطين رأس الانام والعلم -
إن عليا وإن فاطمة * وإن سبطيهما وإن ظلموا -
لصفوة الله بعد صفوته * لا عرب مثلهم ولا عجم
انتهى ( 2 ) .
وقال عبدالحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : قال نصر : وحدثنا
عمرو بن شمر عن جابر بن نمير الانصاري قال : والله لكأني أسمع عليا عليه السلام يوم
الهرير وذلك بعد ما طحنت رحى مذحج فيما بينها وبين عك ولخم وحذام و
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) قعصه : قتله مكانه .
والقعص : الموت الوحى .
( 2 ) الفصول المختارة 2 : 79 - 81 .
( * )