[ 81 ]
من المشركين سبعين ، وأسرنا سبعين .
محمد بن إسحاق : أكثر قتلى المشركين يوم بدر كان لعلي عليه السلام .
الزمخشري في الفائق قال سعد بن أبي وقاص : رأيت عليا يحمحم فرسه
وهو يقول :
بازل عامين حديث سني * سنحنح الليل كأني جني -
لمثل هذا ولدتني أمي
المرزباني في كتاب أشعار الملوك والخلفاء : إن عليا أشجع العرب ، حمل
يوم بدر وزعزع الكتيبة وهو يقول :
لن يأكل التمر بظهر مكة * من بعدها حتى تكون الركة ( 1 )
بيان : قال الجزري : في حديث علي عليه السلام : " سنحنح الليل كأني جني "
أي لا أنام الليل فأنا مستيقظ أبدا ( 2 ) .
والركة : الضعف ، وفي بعض النسخ بالزاي
المعجمة ، وهي بالضم : الغيظ والغم .
10 - قب : فصل فيما ظهر منه يوم احد : ابن عباس في قوله تعالى : " ثم
أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم ( 3 ) "
نزلت في علي عليه السلام غشيه النعاس يوم احد ، والخوف مسهر والامن منيم .
كتاب الشيرازي : روى سفيان الثوري ، عن واصل ، عن الحسن ، عن ابن عباس
في قوله تعالى : " واستفزز من استطعت منهم بصوتك ( 4 ) " قال : صاح إبليس يوم
احد في عسكر رسول الله صلى الله عليه وآله : إن محمدا قد قتل " وأجلب عليهم بخيلك ورجلك "
قال : والله لقد أجلب إبليس على أميرالمؤمنين عليه السلام كل خيل كانت في غير طاعة
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) مناقب آل أبي طالب 1 : 589 و 590 .
( 2 ) النهاية 2 : 185 .
وفيه : فأنا متيقظ .
( 3 ) سورة آل عمران : 154 .
( 4 ) بنى إسرائيل : 64 .
( * )
[ 82 ]
الله ، والله إن كل راجل قاتل أمير المؤمنين عليه السلام كان من رجالة إبليس .
تاريخ الطبري وأغاني الاصفهاني إنه كان صاحب لواء قريش كبش الكتيبة
طلحة بن أبي طلحة العبدري نادى : معاشر أصحاب محمد إنكم تزعمون أن الله يعجلنا
بسيوفكم إلى النار ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة ، فهل منكم من أحد يبارزني ؟
قال قتادة : فخرج إليه علي عليه السلام وهو يقول :
أنا ابن ذي الحوضين عبدالمطلب * وهاشم المطعم في العام السغب
أوفي بميعادي وأحمي عن حسب
قال : فضربه علي عليه السلام فقطع رجله ، فبدت سوأته ، وهو قول ابن عباس
والكلبي ، وفي روايات كثيرة أنه ضربه في مقدم رأسه فبدت عيناه ، قال : انشدك
الله والرحم يا ابن عم ، فانصرف عنه ومات في الحال ثم بارزهم حتى قتل منهم
ثمانية ، ثم أخذ باللواء صواب عبد حبشي لهم ، فضرب على يده ، فأخذه باليسرى
فضرب عليها ، فأخذ اللواء وجمع المقطوعتين على صدره ، فضرب على أم رأسه فسقط
اللواء .
قال حسان بن ثابت :
فخرتم باللواء وشر فخر * لواء حين رد إلى صواب
فسقط اللواء ، فأخذته عمرة بنت الحارث بن علقمة بن عبد الدار ، فصرعت
وانهزموا ، وقال حسان بن ثابت :
ولولا لواء الحارثية أصبحوا * يباعون في الاسواق بالثمن الوكس
فانكب المسلمون على الغنائم ، ورجع المشركون فهزموهم .
زيد بن وهب : قلت لابن مسعود : انهزم الناس إلا علي وأبودجانة وسهل بن
حنيف ؟ قال : انهزموا إلا علي وحده ، وثاب ( 1 ) إليهم أربعة عشر : عاصم بن ثابت :
وأبودجانة ، ومصعب بن عمير ، وعبدالله بن جحش ، وشماس بن عثمان بن الشريد ،
والمقداد ، وطلحة ، وسعد ، والباقون من الانصار ، أ نشد :
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) أى عاد وثاب الناس : اجتمعوا .
( * )
[ 83 ]
وقد تركوا المختار في الحرب مفردا * وفر جميع الصحب عنه وأجمعوا
وكان علي غائصا في جموعهم ( 1 ) * لهاماتهم بالسيف يفري ويقطع
عكرمة قال علي عليه السلام : لحقني من الجزع مالا أملك نفسي ، وكنت أمامه
أضرب بسيفي ، فرجعت أطلبه فلم أره ، فقلت : ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله ليفر وما رأيته
في القتلى وأظنه رفع من بيننا ، فكسرت جفن سيفي وقلت في نفسي : لاقاتلن به
حتى اقتل ، وحملت على القوم ، فأفرجوا فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وآله قد وقع على
الارض مغشيا عليه ، فوقفت على رأسه ، فنظر إلي وقال : ما صنع الناس يا علي ؟
قلت : كفروا يا رسول الله ، ولوا الدبر من العدو وأسلموك .
تاريخ الطبري وأغاني الاصفهاني ومغازي ابن إسحاق وأخبار أبي رافع
أنه أبصر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى كتيبة فقال : احمل عليهم ، فحمل عليهم وفرق
جمعهم ، وقتل عمرو بن عبدالله الجمحي ، ثم أبصر كتيبة أخرى فقال : رد عني ،
فحمل عليهم ففرق جماعتهم ، وقتل شيبة بن مالك العامري ، وفي رواية أبي رافع ،
ثم رأى كتيبة اخرى فقال : احمل عليهم ، فحمل عليهم فهزمهم ، وقتل هاشم بن
أمية المخزومي ، فقال جبرئيل : يا رسول الله إن هذه لهي المواساة ، فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله : إنه مني وأنا منه ، فقال جبرئيل : وأنا منكما ، فسمعوا صوتا : لا سيف إلا
ذو الفقار ولا فتى إلا علي .
وزاد ابن إسحاق في روايته : " فإذا ندبتم هالكا فابكوا الوفي وأخي الوفي "
وكان المسلمون لما أصابهم من البلاء أثلاثا : ثلث جريج وثلث قتيل وثلث منهزم .
تفسير القشيري وتاريخ الطبري أنه انتهى أنس بن النضر إلى عمر وطلحة في
رجال وقال : ما يجلسكم ؟ قالوا : قتل محمد رسول الله صلى الله عليه وآله قال : فما تصنعون بالحياة
بعده ؟ قوموا فموتوا على مامات عليه رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم استقبل القوم فقاتل حتى
قتل .
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) غاص في الماء : غمس ونزل فيه غاص على الشئ : هجم عليه .
وفي المصدر بالعين
المهملة أى شديدا .
( * )
[ 84 ]
وروي أن أبا سفيان رأى النبي مطروحا على الارض فقال ( 1 ) بذلك ظفرا ،
وحث الناس على النبي صلى الله عليه وآله فاستقبلهم علي وهزمهم ، ثم حمل النبي صلى الله عليه وآله إلى
احد ونادى : معاشر المسلمين ارجعوا ارجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فكانوا يثوبون
ويثنون على علي ويدعون له ، وكان قد انكسر سيف علي ، فقال النبي صلى الله عليه وآله :
خذ هذا السيف ، فأخذ ذا الفقار وهزم القوم .
وروي عن أبي رافع بطرق كثيرة أنه
لما انصرف المشركون يوم أحد بلغوا الروحاء ( 2 ) قالوا : لا الكواعب أردفتم ولا
محمدا قتلتم ، ارجعوا ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فبعث في آثارهم عليا في نفر من
الخزرج ، فجعل لا يرتحلون المشركون من منزل إلا نزله علي فأنزل الله تعالى :
" الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح " ( 3 ) وفي خبر أبي رافع أن
النبي صلى الله عليه وآله تفل على جراحه ودعا له ، وبعثه خلف المشركين ، فنزل فيه
الآية .
( 4 ) .
11 - قب : فصل في مقامه في غزاة خيبر : أبوكريب ومحمد بن يحيى الازدي
في أماليهما ، ومحمد بن إسحاق والعمادي في مغازيهما ، والنطنزي والبلاذري في
تاريخيهما ، والثعلبي والواحدي في تفسيريهما ، وأحمد بن حنبل وأبويعلى
الموصلي في مسنديهما ، وأحمد والسمعاني وأبوالسعادات في فضائلهم ، وأبونعيم
في حليته ، والاشنهي في اعتقاده ، وأبوبكر البيهقي في دلائل النبوة ، والترمذي
في جامعه ، وابن ماجة في سننه ، وابن بطة في إبانته من سبع عشرة طريقا عن عبدالله
بن عباس وعبدالله بن عمر وسهل بن سعد وسلمة بن الاكواع وبريدة الاسلمي
وعمران بن الحصين وعبدالرحمن بن أبي ليلي عن أبيه وأبي سعيد الخدري وجابر
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : فتفأل .
( 2 ) الروحاء - بالمد - هو الموضع الذى نزل به تبع حين رجع من قتال أهل المدينة يريد
مكة ، فاقام بها وأراح ، فسماها الروحاء
( 3 ) سورة آل عمران : 172 .
( 4 ) مناقب آل أبي طالب 1 : 592 - 594 .
( * )
[ 85 ]
الانصاري وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة أنه لما خرج مرحب برجله ( 1 ) بعث
النبي صلى الله عليه وآله أبا بكر برايته مع المهاجرين في راية بيضاء ، فعاد يؤنب قومه ويؤنبونه
ثم بعث عمر من بعده فرجع يجبن أصحابه ويجبنونه حتى ساء النبي صلى الله عليه وآله ذلك ،
فقال صلى الله عليه وآله : لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ،
كرارا غير فرار يأخذها عنوة وفي رواية : يأخذها بحقها ، وفي رواية : لا يرجع
حتى يفتح الله على يده .
البخاري ومسلم أنه قال : لما قال النبي صلى الله عليه وآله حديث الراية بات الناس
يذكرون ليلتهم أيهم يعطاها ، فلما أصبح الصبح غدوا على رسول الله كلهم يرجو
أن يعطاها ، فقال : أين علي بن أبي طالب ؟ فقيل : هو يشتكي عينيه ، فقال : فأرسلوا
إليه ، فاتى به فتفل النبي صلى الله عليه وآله في عينيه ودعاله فبرئ ، فأعطاه الراية .
وفي رواية ابن جرير ومحمد بن إسحاق : فغدت قريش يقول بعضهم لبعض :
أما علي فقد كفيتموه فإنه أرمد لا يبصر موضع قدمه ، فلما أصبح قال : ادعوا
لي عليا ، فقالوا : به رمد ، فقال : أرسلوا إليه وادعوه ، فجاء على بغلته وعينه
معصوبة بخرقة برد قطري ، فأخذ سلمة بن الاكواع بيده وأتى به إلى النبي صلى الله عليه وآله
القصة .
وفي رواية الخدري أنه بعث إليه سلمان وأبا ذر فجاءا به يقاد ، فوضع
النبي صلى الله عليه وآله رأسه على فخذه وتفل في عينيه ، فقام وكأنهما جزعان ، فقال له :
خذ الراية وامض بها ، فجبرئيل معك والنصر أمامك والرعب مثبوت في صدور
القوم ، واعلم يا علي أنهم يجدون في كتابهم أن الذي يدمر عليهم اسمه إليا ، فإذا
لقيتهم فقل : أنا علي ، فإنهم يخذلون إن شاء الله تعالى .
فضائل السمعاني أنه قال سلمة : فخرج أمير المؤمنين عليه السلام بها يهرول هرولة
حتى ركز رايته في رضخ من حجارة تحت الحصن ، فاطلع إليه يهودي فقال : من
أنت ؟ فقال : أنا علي بن أبي طالب ، فقال اليهودي : غلبتم وما أنزل على موسى .
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) بكسر الراء الطائفة من الشئ ، يقال " جاءت رجل دفاع " أى جيش كثير .
( * )
[ 86 ]
كتاب ابن بطة عن سعد وجابر وسلمة فخرج يهرول هرولة وسعد يقول :
يا أبا الحسن اربع ( 1 ) يلحق بك الناس ، فخرج إليه مرحب في عامة اليهود ، وعليه
مغفر وحجر قد ثقبه مثل البيضة على أم رأسه ، وهو يرتجز ويقول :
قد علمت خيبر أني مرحب * شاك سلاحي بطل مجرب -
أطعن أحيانا وحينا أضرب * إذ الليوث أقبلت تلتهب
فقال علي عليه السلام :
أنا الذي سمتني أمي حيدرة * ضرغام آجال وليث قسورة ( 2 ) -
على الاعادي مثل ريح صرصرة * أكيلكم بالسيف كيل السندرة ( 3 ) -
أضرب بالسيف رقاب الكفرة
قال مكحول : فأحجم ( 4 ) عنه مرحب لقول ظئرله : " غالب كل غالب إلا
حيدر بن أبي طالب ( 5 ) " فأتاه إبليس في صورة شيخ فحلف أنه ليس بذلك الحيدر
والحيدر في العالم كثير ، فرجع ، وقال الطبري وابن بطة : روى بريدة أنه
ضربه على مقدمه ، فقد الحجر والمغفر ونزل في رأسه حتى وقع في الاضراس
وأخذ المدينة .
الطبري في التاريخ والمناقب وأحمد في الفضائل ومسند الانصار أنه سمع
أهل العسكر صوت ضربته .
وفي مسلم : لما فلق علي رأس مرحب كان الفتح ابن
ماجة في السنن أن عليا لما قتل مرحبا أتى برأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، السمعاني
في حديث ابن عمر أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله اليهود قتلوا
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) أى توقف وانتظر .
( 2 ) في المصدر : ضرغام آجام .
( 3 ) السندرة : ضرب من الكيل غراف جزاف ، وقوله " اكيلكم بالسيف كيل السندرة "
أى اقتلكم قتلا واسعا كبيرا ذريعا .
( 4 ) بتقديم المعجمة على المهملة أى كف .
( 5 ) في المصدر : غالب كل غالب الحيدر بن ابى طالب .
( * )
[ 87 ]
أخي فقال : لاعطين الراية غدا ، الخبر .
قال ابن عمر : فما تتأم آخرنا حتى
فتح لاولنا ، فأخذ علي قاتل الانصاري فدفعه إلى أخيه فقتله .
الواقدي : فوالله ما بلغ عسكر النبي صلى الله عليه وآله أخيراه حتى دخل علي عليه السلام
حصون اليهود كلها ، وهي قموص وناعم وسلالم ووطيخ وحصن المصعب بن معاد
وغنم ، وكانت الغنيمة نصفها لعلي ونصفها لسائر الصحابة .
شعبة وقتادة والحسن وابن عباس أنه نزل جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله
فقال له : إن الله يأمرك يا محمد ويقول لك : إني بعثت جبرئيل إلى علي عليه السلام لينصره
وعزتي وجلالي مارمى علي حجرا إلى أهل خيبر إلارمى جبرئيل حجرا ، فادفع
يا محمد إلى علي سهمين من غنائم خيبر : سهما له وسهم جبرئيل معه ، فأنشأ خزيمة
ابن ثابت هذه الابيات :
وكان علي أرمد العين يبتغي * دواء فلما لم يحس مداويا -
-بحار الانوار مجلد: 37 من ص 87 سطر 12 الى ص 95 سطر 12
شفاه رسول الله منه بتفله * فبورك مرقيا وبورك راقيا -
وقال ساعطي الراية اليوم صارما * كميا محبا للرسول مواليا ( 1 ) -
يحب الاله والاله يحبه * به يفتح الله الحصون الاوابيا -
فأصفى بهادون البرية كلها * عليا وسماه الوزير المواخيا ( 2 )
بيان : قال الفيروزآبادي : الجزع ويكسر : الخوز اليماني الصيني فيه
سواد وبياض تشبه به العين ( 3 ) وقال : تأم الفرس : جاء جريا بعد جري ( 4 ) .
12 - قب : فصل في قتاله في حرب الاحزاب : ( 5 ) ابن مسعود والصادق عليه السلام
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) الكمى : الشجاع .
( 2 ) مناقب آل أبي طالب 1 : 595 - 597 .
( 3 ) القاموس 3 : 12 .
( 4 ) 4 : 82 .
( 5 ) في المصدر : في يوم الاحزاب .
( * )
[ 88 ]
في قوله تعالى : " وكفى الله المؤمنين القتال ( 1 ) " بعلي بن أبي طالب عليه السلام وقتله
عمرو بن عبدود ، وقد رواه أبونعيم الاصفهاني فيما نرل من القرآن في أمير المؤمنين
عليه السلام بالاسناد عن سفيان الثوري عن رجل عن مرة عن عبدالله .
وقال جماعة
من المفسرين في قوله : " اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود ( 2 ) " إنها
نزلت في علي عليه السلام يوم الاحزاب ، ولما عرف النبي صلى الله عليه وآله اجتماعهم حفر الخندق
بمشورة سلمان ، وأمر بنزول الذراري والنساء في الآكام ، وكانت الاحزاب على
الخمر والغناء والمسلمون كأن على رؤوسهم الطير لمكان عمرو بن عبدود العامري
الملقب بعماد العرب ، وكان في مائة ناصية من الملوك وألف مفرعة من الصعاليك
وهو يعد بألف فارس ، فقيل في ذلك : عمرو بن عبدود كان أول فارس جزع من
المداد ، وكان فارس يليل ، سمي فارس يليل لانه أقبل في ركب من قريش حتى
إذا كان بيليل - وهو واد - عرضت لهم بنو بكر ، فقال لاصحابه : امضوا ، فمضوا
وقام في وجوه بني بكر حتى منعهم من أن يصلوا إليه ، وكان الخندق المداد ، قال :
ولما انتدب عمرو للبراز جعل يقول : هل من مبارز ؟ والمسلمون يتجاوزون عنه
فركزر محه على خيمة النبي صلى الله عليه وآله وقال : ابرز يا محمد ، فقال صلى الله عليه وآله : من يقوم إلى
مبارزته فله الامامة بعدي ؟ فنكل الناس عنه ، قال حذيفة : قال النبي صلى الله عليه وآله : ادن
مني يا علي ، فنزع عمامته السحاب من رأسه وعممه بها تسعة أكوار ، ( 3 ) وأعطاه
سيفه وقال : امض لشأنك ، ثم قال : اللهم أعنه .
وروي أنه لما قتل عمروا أنشد :
ضربته بالسيف فوق الهامة * بضربة صارمة هد امة -
أنا علي صاحب الصمصامة * وصاحب الحوض لدى القيامة -
أخو رسول الله ذي العلامة * قد قال إذ عممني عمامة ( 4 ) -
أنت الذي بعدي له الامامة
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) سورة الحزاب : 25 .
( 2 ) : 9 .
( 3 ) جمع الكور : الدور من العمامة .
( 4 ) في المصدر : إذا عممنى العمامة .
( * )
[ 89 ]
محمد بن إسحاق أنه لما ركز عمر ورمحه على خيمة النبي صلى الله عليه وآله وقال ( 1 ) : يا
محمد ابرز ثم أنشأ يقول :
ولقد بححت من النداء * بجمعكم هل من مبارز
ووقفت إذ جبن الشجاع * بموقف البطل المناجز
إني كذلك لم أزل * متسرعا نحو الهزاهز
إن الشجاعة والسماحة * في الفتى خير الغرائز
في كل ذلك يقوم علي ليبارزه فيأمره النبي صلى الله عليه وآله بالجلوس لمكان بكاء فاطمة
عليها السلام عليه من جراحاته في يوم أحد ، وقولها : ما أسرع أن يأتم الحسن
والحسين باقتحامه الهلكات ، فنزل جبرئيل عليه السلام فأمره عن الله تعالى ( 2 ) أن يأمر
عليا عليه السلام بمبارزته ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : يا علي ادن مني ، وعممه بعمامته
وأعطاه سيفه وقال : امض لشأنك ، ثم قال : اللهم أعنه ، فلما توجه إليه قال النبي
صلى الله عليه وآله : خرج الايمان سائره إلى الكفر سائره ، قال محمد بن إسحاق :
فلما لاقاه علي عليه السلام أنشأ يقول :
لا تعجلن فقد أتاك * مجيب صوتك غير عاجز -
ذونية وبصيرة والصبر * منجي كل فائز -
إني لارضى أن أقيم * عليك نائحة الجنائز -
من ضربة نجلاء يبقى * ذكرها عند الهزاهز ( 3 )
ويروى له عليه السلام في أمالي النيسابوري :
يا عمرو قد لاقيت فارس بهمة * عند اللقاء معاود الاقدام -
يدعو إلى دين الاله ونصره * وإلى الهدى وشرائع الاسلام
إلى قوله :
شهدت قريش والبراجم كلها * أن ليس فيها من يقوم مقامي
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : قال .
( 2 ) : فنزل جبرئيل عن الله تعالى .
( 3 ) النجلاء : الواسع العريض الطويل .
( * )
[ 90 ]
وروي أن عمروا قال : ما أكرمك قرنا !
الطبري والثعلبي قال علي عليه السلام : يا عمرو إنك كنت في الجاهلية تقول :
لا يدعوني أحد إلى ثلاثة إلا قبلتها أو واحدة منها ، قال : أجل ، قال : فإني أدعوك
إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن تسلم لرب العالمين ، قال : أخر
عني هذه ، قال : أما إنها خير لك لو أخذتها ، ثم قال : ترجع من حيث جئت
قال : لا تحدث نساء قريش بهذا أبدا ، قال : تنزل تقاتلني ، فضحك عمرو وقال : ما
كنت أظن أحدا من العرب يرومني عليها ، وإني لاكره أن أقتل الرجل الكريم
مثلك ، وكان أبوك لي نديما ، قال : لكني أحب أن أقتلك ، قال : فتناوشا ( 1 )
فضربه عمرو في الدرقة ( 2 ) فقدها ، وأثبت فيها السيف ، وأصاب رأسه فشجه ،
وضربه علي على عاتقه فسقط ، وفي رواية حذيفة : ضربه على رجليه بالسيف من أسفل
فوقع على قفاه .
قال جابر : فثار بينهما قترة ( 3 ) فما رأيتهما ، وسمعت التكبير تحتها ، وانكشف
أصحابه حتى طفرت خيولهم الخندق ، وتبادر المسلمون يكبرون ، فوجدوه على
فرسه برجل واحدة يحارب عليا عليه السلام ورمى رجله نحو علي ، فخاف من هيبتها
رجلان ووقعا في الخندق ، وقال الطبري : ووجدوا نوفلا في الخندق فجعلوا
يرمونه بالحجارة ، فقال لهم : قتلة أجمل من هذه ، ينزل بعضكم لقتالي ، فنزل إلى
علي عليه السلام فطعنه في ترقوته بالسيف حتى أخرجه من مراقه ، ثم خرج منية بن
عثمان العبدري فانصرف ، ومات بمكة ، وروي : ولحق هبيرة فأعجزه ، فضرب
على قربوس سرجه وسقط درعه ، وفر عكرمة وضرار فأنشأ أمير المؤمنين عليه السلام
يقول :
وكانوا على الاسلام إلبا ثلاثة ( 4 ) * وقد فر من تحت الثلاثة واحد -
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) أى تطاعنا .
( 2 ) الدرقة - بالفتحات - : الترس من جلود ليس فيه خشب ولا عقب .
( 3 ) القترة : الغبرة .
( 4 ) الالب : القوم تجمعهم عداوة واحدة .
( * )