[ 71 ]
جاوزنا الشجرة ووردنا الماء فأدلى البراء بن عازب دلوه في البئر فاستقى دلوا أو
دلوين ، ثم انقطع الدلو فوقع في القليب ، والقليب ضيق مظلم بعيد القعر ، فسمعنا
في أسفل القليب قهقهة وضحكا شديدا ، فقال علي عليه السلام : من يرجع إلى عسكرنا
فيأتينا بدلو ورشا ؟ فقال أصحابه : من يستطيع ذلك ؟ فائتزر بمئزر ونزل في القليب
وما تزداد القهقهة إلا علوا ، وجعل ينحدر في مراقي القليب إذ زلت رجله فسقط
فيه ، ثم سمعنا وجبة شديدة واضطرابا وغطيطا كغطيط المخنوق ( 1 ) ، ثم نادى
علي : الله أكبر الله أكبر أنا عبدالله وأخو رسول الله ، هلموا قربكم فأفعمها
وأصعدها على عنقه شيئا فشيئا ، ومضى بين أيدينا فلم نر شيئا ، فسمعنا صوتا :
أي فتى ليل أخي روعات * وأي سباق إلى الغايات -
-بحار الانوار مجلد: 37 من ص 71 سطر 10 الى ص 79 سطر 10
لله در الغرر السادات * من هاشم الهامات والقامات -
مثل رسول الله ذي الآيات * أو كعلي كاشف الكربات -
كذا يكون المرء في الحاجات
فارتجز أمير المؤمنين عليه السلام :
الليل هول يرهب المهيبا * ويذهل المشجع اللهيبا -
فإنني أهول منه دينا * ولست أخشى الروع والخطوبا -
إذا هززت الصارم القضيبا * أبصرت منه عجبا عجيبا
وانتهى إلى النبي صلى الله عليه وآله وله زجل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ماذا رأيت في طريقك
يا علي ؟ فأخبره بخبره كله ، فقال : إن الذي رأيته مثل ضربه الله لي ولمن حضر
معي في وجهي هذا ، قال علي عليه السلام اشرحه لي يا رسول الله فقال صلى الله عليه وآله : أما الرؤوس
التي رأيتم لها ضجة ولالسنتها لجلجة فذلك مثل قوم معي يقولون بأفواهم ماليس
في قلوبهم ، ولا يقبل الله منهم صرفا وعدلا ، ولا يقيم لهم يوم القيامة وزنا ، وأما
النيران بغير حطب ففتنة تكون في امتي بعدي ، القائم فيها والقاعد سواء ، لا يقبل الله
لهم عملا ولا يقيم لهم يوم القيامة وزنا ، وأما الهاتف الذي هتف بك فذاك سلقعة وهو
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) الغطيط : النخير .
وفي ( ك ) : كغطيط المجنون .
( * )
[ 72 ]
سملعة بن عزاف الذي قتل عدو الله مسعرا شيطان الاصنام ، الذي كان يكلم قريشا
منها ويشرع في هجائي .
عبدالله بن سالم أن النبي صلى الله عليه وآله بعث سعد بن مالك بالروايا يوم الحديبية ،
فرجع رعبا من القوم ، ثم بعث آخر فنكص فزعا ، ثم بعث عليا فاستسقى ، ثم
أقبل بها إلى النبي صلى الله عليه وآله فكبر ودعا له بخير .
وهل ثبت مثل ذلك لكرد من الفرس
مثل رستم واسفنديار وكستاشف ( 1 ) وبهمن ؟ أو لفرسان من العرب مثل عنتر العبسي
وعامر بن الطفيل وعمرو بن عبدود ؟ أو لمبارز من الترك مثل أفراسياب وشبهه ؟ فهو
الفارس الذي يفرق العسكر كفرق الشعر ، ويطويهم كطي السجل ، الحرب دأبه
والجد آدابه ، والنصر طبعه ، والعدو غنمه ، جري خطار وجسور هضار ، مالسيفه
إلا الرقاب قراب ، إنه لو حضر لكفى الحذر ، ويقال له : غالب كل غالب علي بن
أبي طالب .
وقد رويتم علي كان أشجعهم ( 2 ) * وأشجع الجمع بالاعداء أثقفه ( 3 )
بيان : العزف والعزيف : صوت الجن ، وفعم الاناء : امتلا ، وأفعمته :
ملاته .
3 - قب : أبوالجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " أولئك يسارعون في
الخيرات ( 4 ) " الآية ، قال : علي بن أبي طالب عليه السلام لم يسبقه أحد .
وروي عن ابن عباس قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا أطرق هبنا أن نبتدئه
بالكلام ، وقيل لامير المؤمنين عليه السلام : بم غلبت الاقران ؟ قال : بتمكن هيبتي في
قلوبهم .
النطنزي في الخصائص عن سفيان بن عيينة عن شقيق بن سلمة قال : كان عمر
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : وكشتاسف .
( 2 ) : أشجعه .
( 3 ) مناقب آل أبي طالب 1 : 296 - 301 .
( 4 ) سورة المؤمنون : 61 .
( * )
[ 73 ]
يمشي ، فالتفت إلى ورائه وعدا ، فسألته عن ذلك فقال : ويحك أما ترى الهزبر بن
الهزبر القثم بن القثم ( 1 ) الفلاق للبهم الضارب على هامة من طغى وظلم ذا السيفين وراي ؟
فقلت : هذا علي بن أبي طالب ، فقال : ثكلتك أمك إنك تحقره ، بايعنا رسول
الله صلى الله عليه وآله يوم احد أن من فرمنا فهو ضال ، ومن قتل فهو شهيد ورسول الله يضمن له
الجنة ، فلما التقى الجمعان هزمونا ، وهذا كان يحاربهم وحيدا حتى انسد ( 2 ) نفس
رسول الله صلى الله عليه وآله وجبرئيل ثم قال : عاهدتموه وخالفتموه ، ورمى بقبضة رمل وقال :
شاهت الوجوه ، فوالله ما كان منا إلا وأصابت عينه رملة ، فرجعنا نمسح وجوهنا قائلين :
الله الله يا أبا الحسن ، أقلنا أقالك الله ، فالكر والفر عادة العرب ، فاصفح .
وقل ما
أراه وحيدا إلا خفت منه .
وقال النبي صلى الله عليه وآله من قتل قتيلا فله سلبه ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يتورع
عن ذلك ، وإنه لم يتبع منهزما ، وتأخر عمن استغاث ، ولم يكن يجهز على جريح
ولما أردى عليه السلام عمروا قال عمرو : يا ابن عم إن لي إليك حاجة : لا تكشف سوأة
ابن عمك ولا تسلبه سلبه ، فقال عليه السلام : ذاك أهون علي ، وفيه يقول عليه السلام :
وعففت عن أثوابه لو أنني * كنت المقطر بزني أثوابي
محمد بن إسحاق : قال له عمر : هلا سلبت درعه فإنها تساوي ثلاثة آلاف وليس
للعرب مثلها ؟ قال : إني استحييت أن أكشف ابن عمي ، وروي أنه جاءت أخت
عمرو ورأته في سلبه فلم تحزن ، وقالت : إنما قتله كريم ، وقال عليه السلام : " يا قنبر
لا تعر فرائسي " أراد : لا تسلب قتلاي من البغاة ( 3 ) .
بيان : يقال : طعنه فقطره : إذا ألقاه .
4 - ل ، لى : أبي ، عن محمد بن معقل القرميسيني ، عن جعفر الوراق ، عن
محمد بن الحسن الاشج ، عن يحيى بن زيد ، عن زيد بن علي ، عن علي بن الحسين عليهما السلام
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) القثم - كصرد - : المجموع للخير .
المعطاء .
والبهم جمع البهمة : الشجاع .
( 2 ) اسنل خ ل .
( 3 ) مناقب آل أبي طالب 1 : 319 و 320 .
( * )
[ 74 ]
قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم وصلى الفجر ، ثم قال : معاشر الناس أيكم
ينهض إلى ثلاثة نفرقد آلوا باللات والعزي ليقتلوني وقد كذبوا ورب الكعبة ؟
قال : فأحجم الناس وما تكلم أحد ، فقال : ما أحسب علي بن أبي طالب عليه السلام فيكم
فقام إليه عامر بن قتادة فقال : إنه وعك في هذه الليلة ولم يخرج يصلي
معك ، فتأذن لي أن أخبره ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله : شأنك ، فمضى
إلى فأخبره ، فخرج أمير المؤمنين عليه السلام كأنه نشط من عقال ، وعليه إزار قد عقد
طرفيه على رقبته ، فقال : يا رسول الله صلى الله عليه وآله ماهذا الخبر ؟ قال : هذا رسول ربي
يخبرني عن ثلاثة نفر قد نهضوا إلي لقتلي وقد كذبوا ورب الكعبة ، فقال
علي عليه السلام : يا رسول الله أنا لهم سرية وحدي ، هوذا ألبس علي ثيابي ، فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله : بل هذه ثيابي وهذا درعي وهذا سيفي ، فدرعه وعممه وقلده وأركبه
فرسه ، وخرج أمير المؤمنين عليه السلام فمكث ثلاثة أيام لا يأتيه جبرئيل بخبره ولا خبر
من الارض ، وأقبلت فاطمة بالحسن والحسين على وركيها تقول : أوشك أن يؤتم
هذين الغلامين ، فأسبل النبي صلى الله عليه وآله عينه يبكي ، ثم قال : معاشر الناس من يأتيني
بخبر علي أبشره بالجنة ، وافترق الناس في الطلب لعظيم مارأوا بالنبي صلى الله عليه وآله
وخرج العواتق ، فأقبل عامر بن قتادة يبشر بعلي ، وهبط جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله
فأخبره بما كان فيه ، وأقبل علي أمير المؤمنين عليه السلام معه أسيران ورأس وثلاثة أبعرة
وثلاثة أفراس ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : تحب أن أخبرك بما كنت فيه يا أبا الحسن ؟
فقال المنافقون : هو منذ ساعة قد أخذه المخاض وهو الساعة يريد أن يحدثه ! فقال
النبي صلى الله عليه وآله بل تحدث أنت يا أبا الحسن لتكون شهيدا على
القوم .
قال : نعم يا رسول الله ، لما صرت في الوادي رأيت هؤلاء ركبانا على الاباعر
فنادوني من أنت ؟ فقلت : أنا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله ،
فقالوا : ما نعرف لله من رسول سواء علينا : وقعنا عليك أو على محمد ، وشد
علي هذا المقتول ، ودار بيني وبينه ضربات ، وهبت ريح حمراء سمعت صوتك فيها
يا رسول الله وأنت تقول : قد قطعت لك جربان درعه فاضرب حبل عاتقه ، فضربته
[ 75 ]
فلم أحفه ، ثم هبت ريح صفراء سمعت صوتك فيها يا رسول الله وأنت تقول : قد
قلبت لك الدرع عن فخذه فاضرب فخذه ، فضربته ووكزته ، وقطعت رأسه ورميت
به ، وقال لي هذان الرجلان : بلغنا أن محمدا رفيق شفيق رحيم ، فاحملنا إليه ولا تعجل
علينا ، وصاحبنا كان يعد بألف فارس .
فقال النبي صلى الله عليه وآله : يا علي أما الصوت الاول الذي صك مسامعك فصوت
جبرئيل ، وأما الآخر فصوت ميكائيل ، قدم إلي أحد الرجلين ، فقدمه فقال :
قل : لا إله إلا الله واشهد أني رسول الله ، فقال : لنقل جبل أبي قبيس أحب إلي
من أن أقول هذه الكلمة ! قال : يا علي أخره واضرب عنقه ، ثم قال : قدم الآخر
فقال : قل : [ أشهد أن ] لا إله إلا الله واشهد أني رسول الله ، قال : ألحقني بصاحبي
قال : يا علي أخره واضرب عنقه ، فأخره ، وقام أمير المؤمنين عليه السلام ليضرب عنقه
فهبط جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ويقول : لا
تقتله فإنه حسن الخلق سخي في قومه ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : يا علي أمسك فإن
هذا رسول ربي عزوجل يخبرني أنه حسن الخلق سخي في قومه ، فقال المشرك
تحت السيف : هذا رسول الله ربك يخبرك ؟ قال : نعم ، قال : والله ما ملكت درهما مع
أخ لي قط ولا قطبت ( 1 ) وجهي في الحرب ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول
الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : هذا ممن جره حسن خلقه وسخاؤه إلى جنات النعيم ( 2 ) .
بيان : القرميسين : معرب كرمانشهان ، قوله : ( آلوا ) أي حلفوا .
وأحجم
القوم : تأخروا وكفوا .
والوعك : الحمى .
والجريان بالضم : جيب القميص .
والاحفاء : المبالغة في الاخذ ، وفي بعض النسخ بالخاء المعجمة ، أي لم أخف السيف
في بدنه .
والوكز : الضرب بجمع الكف والطعن والدفع .
5 - لى : ابن المتوكل ، عن السعد آبادي ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن
زياد ، عن مالك بن أنس قال : سمعت الصادق عليه السلام يقول : قيل لامير المؤمنين عليه السلام :
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في الخصال : ولا قلبت .
( 2 ) الخصال 1 : 46 - 48 .
أمالى الصدوق : 64 - 66 .
( * )
[ 76 ]
لم لا تشتري عتيقا ، قال : لا حاجة لي فيه ، وأنا لا أفر ممن كر علي ولاأكر
على من فرمني ( 1 ) .
6 - لى : ابن إدريس ، عن أبيه ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن خلف بن حماد
عن أبي الحسن العبدي ، عن سليمان بن مهران ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن
حبشي ، عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام قال : ما قدمت راية قوتل تحتها
أميرالمؤمنين إلا نكسها الله تبارك وتعالى وغلب أصحابها وانقلبوا صاغرين ، وما ضرب
أمير المؤمنين عليه السلام بسيفه ذي الفقار أحدا فنجا ، وكان - إذا قاتل - جبرئيل عن يمينه
وميكائيل عن يساره وملك الموت بين يديه ( 2 ) .
7 - شا : من آيات الله الخارقة للعادة في أمير المؤمنين عليه السلام أنه لم يعهد لاحد
من مبارزة الاقران ومنازلة الابطال مثل ما عرف له عليه السلام من كثرة ذلك على مر
الزمان ، ثم إنه لم يوجد في ممارسي الحروب إلا من عرته بشر ونيل منه بجراح
أوشين إلا أمير المؤمنين عليه السلام فإنه لم ينله من طول زمان حربه جراح من عدو ولا
شين ، ولا وصل إليه أحد منهم بسوء ، حتى كان من أمره مع ابن ملجم لعنه الله على
اغتياله إياه ما كان ، وهذه اعجوبة أفرده الله بالآية فيها ، وخصه بالعلم الباهرة في
معناها ، ودل بذلك على مكانه منه وتخصيصه ( 3 ) بكرامته التي بان بفضلها من كافة
الانام .
ومن آيات الله تعالى فيه عليه السلام أنه لا يذكر محارس للحروب [ التي ] لقي فيه
عدوا إلا وهو ظافر به حينا وغير ظافر به حينا ، ولا نال أحد منهم خصما ( 4 ) بجراح
إلا وقضى منها وقتا وعوفي منها زمانا ، ولم يعهد من لم يفلت منه قرن ( 5 ) في حرب
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) أمالى الصدوق : 102 .
( 2 ) : 306 و 307 .
( 3 ) في المصدر : وتخصصه .
( 4 ) : خصمه .
( 5 ) القرن - بكسر اوله - : الكفؤ ومن يقاومك .
نظيرك في الشجاعة .
( * )
[ 77 ]
ولا نجا من ضربته أحد فصلح منها إلا أمير المؤمنين عليه السلام فانه لا مرية في ظفره بكل
قرن بارزه ، وإهلاكه كل بطل نازله ، وهذا أيضا مما انفرد به من كافة الانام
وخرق الله عزوجل به العادة في كل حين وزمان ، وهو من دلائله الواضحة .
ومن آيات الله تعالى أيضا فيه أنه مع طول ملاقاته الحروب وملابسته إياها
وكثرة من مني به فيها من شجعان الاعداء وصناديدهم وتجمعهم عليه واحتيالهم
في الفتك به وبذل الجهد في ذلك ماولى قط عن أحد منهم ظهره ، ولا انهزم منهم ( 1 )
ولا تزحزح عن مكانه ، ولا هاب أحدا من أقرانه ، ولم يلق أحد سواه خصما له في
حرب إلا وثبت له حينا وانحرف عنه حينا ، وأقدم عليه وقتا وأحجم عنه زمانا ،
وإذا كان الامر على ما وصفناه ثبت ما ذكرناه من انفراده بالآية الباهرة والمعجزة
الظاهرة ، وخرق العادة فيه بمادل الله به على إمامته ، وكشف به عن فرض طاعته
وأبانه بذلك عن كافة خليقته ( 2 ) .
8 - قب : في حديث عمار : لما أرسل النبي صلى الله عليه وآله عليا إلى مدينة عمان في
قتال الجلندي بن كركر ( 3 ) وجرى بينهما حرب عظيم وضرب وجيع دعا الجلندي
بغلام يقال له : الكندي ، وقال له : إن أنت خرجت إلى صاحب العمامة السوداء
والبغلة الشهباء فتأخذه أسيرا أو تطرحه مجدلا عفيرا ازوجك ابنتي التي لم انعم
لاولاد الملوك بزواجها ، فركب الكندي الفيل الابيض ، وكان مع الجلندي ثلاثون
فيلا ، وحمل بالافيلة والعسكر على أميرالمؤمنين عليه السلام فلما نظر الامام إليه نزل
عن بغلته ، ثم كشف عن رأسه فأشرقت الفلاة طولا وعرضا ، ثم ركب ودنا من
الافيلة ، وجعل يكلمها بكلام لا يفهمه الآدميون ، وإذا بتسعة وعشرين فيلا قد
دارت رؤوسها ، وحملت على عسكر المشركين ، وجعلت تضرب فيهم يمينا وشمالا
حتى أوصلتهم إلى باب عمان ، ثم رجعت وهي تتكلم بكلام يسمعه الناس : يا علي
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في الصمدر : ولا انهزم عن أحد منهم .
( 2 ) الارشاد المفيد : 145 و 146 .
( 3 ) في المصدر : كركرة .
( * )
[ 78 ]
كلنا نعرف محمدا ونؤمن برب محمد إلا هذا الفيل الابيض ، فإنه لا يعرف محمدا ولا آل
محمد ، فزعق الامام زعقته المعروفة عند الغضب المشهورة ، فارتعد الفيل ووقف ، فضربه
الامام بذي الفقار ضربة رمى رأسه عن بدنه ، فوقع الفيل إلى الارض كالجبل العظيم
وأخذ الكندي من ظهره فأخبر جبرئيل النبي صلى الله عليه وآله فارتقى على السور فنادى :
أبا الحسن هبه لي فهو أسيرك ، فأطلق علي عليه السلام سبيل الكندي ، فقال [ له ] : يا
أبا الحسن ما حملك على إطلاقي ؟ قال : ويلك مد نظرك ، فمد عينيه فكشف الله
عن بصره ، فنظر [ إلى ] النبي صلى الله عليه وآله على سور المدينة وصحابته ، فقال : من هذايا
أبا الحسن ؟ فقال : سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : كم بيننا وبينه يا علي ؟ قال :
مسيرة أربعين يوما ، فقال : يا أبا الحسن إن ربكم رب عظيم ونبيكم نبي كريم ، مد
يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقتل علي الجلندي ،
وغرق في البحر منهم خلقا كثيرا ، وقتل منهم كذلك ، وأسلم الباقون ، وسلم
الحصن إلى الكندي ، وزوجه بابنة الجلندي ، وأقعد عندهم قوما من المسلمين
يعلمونهم الفرائض ( 1 ) .
9 - قب : فصل فيما نقل عنه في يوم بدر : في الصحيحين أنه نزل قوله تعالى :
" هذان خصمان اختصموا ( 2 ) " في ستة نفر من المؤمنين والكفار ، تبارزوا يوم بدر
وهم حمزة وعبيدة وعلي ، والوليد وعتبة وشيبة .
وقال البخاري : وكان أبوذر
يقسم بالله أنها نزلت فيهم ، وبه قال عطاء وابن خثيم وقيس بن عبادة وسفيان
الثوري والاعمش وسعيد بن جبير وابن عباس ، ثم قال ابن عباس : " فالذين
كفروا " يعني عتبة وشيبة والوليد " قطعت لهم ثياب من نار " الآيات ، وانزل في
أمير المؤمنين وحمزة وعبيدة " إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات "
إلى قوله : " صراط الحميد ( 3 ) " .
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) مناقب آل أبي طالب 1 : 455 و 456 .
( 2 ) سورة الحج : 19 .
( 3 ) سورة الحج : 23 و 24 .
( * )
[ 79 ]
أسباب النزول روى قيس بن سعد بن عبادة عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال :
فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزينا يوم بدر إلى قوله : " عذاب الحريق " وروى
جماعة عن ابن عباس نزل قوله " أم حسب الذين اجترحوا السيئات ( 1 ) " يوم بدر
في هؤلاء الستة .
شعبة وقتادة وعطاء وابن عباس في قوله تعالى : " وأنه هو أضحك وأبكى ( 2 ) "
أضحك أمير المؤمنين عليه السلام وحمزة وعبيدة يوم بدر المسلمين ، وأبكى كفار مكة
حتى قتلوا ودخلوا النار .
الباقر عليه السلام في قوله تعالى : " وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( 3 ) "
نزلت في حمزة وعلي وعبيدة .
تفسير أبي يوسف النسوي وقبيصة بن عقبة ، عن الثوري ، عن منصور ، عن
-بحار الانوار مجلد: 37 من ص 79 سطر 11 الى ص 87 سطر 11
مجاهد ، عن ابن عباس في قوله : " أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( 4 ) "
الآية نزلت في علي وحمزة وعبيدة " كالمفسدين في الارض " عتبة وشيبة والوليد .
الكلبي نزلت في بدر " يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ( 5 ) "
أورده النطنزي في الخصائص عن الحداد عن أبي نعيم .
والصادق والباقر عليهما السلام نزلت في علي " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ( 6 ) "
المؤرخ وصاحب الاغاني ومحمد بن إسحاق : كان صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وآله
يوم بدر علي بن أبي طالب عليه السلام ولما التقى الجمعان تقدم عتبة وشيبة والوليد
وقالوا : يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش ، فتطاولت الانصار لمبارزتهم ، فدفعهم
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) سورة الجاثية : 21 .
( 2 ) النجم : 43 .
( 3 ) البقرة : 25 .
( 4 ) ص : 28 .
( 5 ) الانفال : 64 .
( 6 ) آل عمران : 123 .
( * )
[ 80 ]
النبي صلى الله عليه وآله أمر عليا وحمزة وعبيدة بالمبارزة ، فحمل عبيدة على عتبة فضربه على
رأسه ضربة فلقت هامته ، وضرب عتبة عبيدة على ساقه فأطنها ( 1 ) فسقطا جميعا ،
وحمل شيبة على حمزة فتضاربا بالسيف حتى انثلما ، وحمل علي عليه السلام على الوليد
فضربه على حبل عاتقه وخرج السيف من إبطه .
وفي إبانة الفلكي أن الوليد كان إذا رفع ذراعه ستر وجهه من عظمها وغلظها
ثم اعتنق حمزة وشيبة ، فقال المسلمون : يا علي أما ترى هذا الكلب يهر عمك ؟ فحمل
علي عليه السلام عليه ثم قال : يا عم طأطأ رأسك ، وكان حمزة أطول من شيبة ، فأدخل
حمزة رأسه في صدره ، فضربه علي عليه السلام فطرح نصفه ، ثم جاء إلى عتبة وبه رمق ،
فأجهز عليه ، وكان حسان قال في قتل عمرو بن عبدود :
ولقد رأيت غداة بدر عصبة * ضربوك ضربا غير ضرب المحضر -
أصبحت لا تدعى ليوم كريهة * يا عمرو أو لجسيم أمر منكر
فأجابه بعض بني عامر :
كذبتم وبيت الله لم تقتلوننا ( 2 ) * ولكن بسيف الهاشميين فافخروا
بسيف ابن عبدالله أحمد في الوغى * بكف علي نلتم ذاك فاقصروا -
ولم تقتلوا عمرو بن ود ولا ابنه * ولكنه الكفو الهزبر الغضنفر -
علي الذي في الفخر طال ثناؤه * فلا تكثروا الدعوى عليه فتفجروا -
ببدر خرجتم للبراز فردكم * شيوخ قريش جهرة وتأخروا -
فلما أتاهم حمزة وعبيدة * وجاء علي بالمهند يخطر -
فقالوا نعم أكفاء صدق فأقبلوا * إليهم سراعا إذ بغوا وتجبروا
فجال علي جولة هاشمية * فدمرهم لما عتوا وتكبروا
وفي مجمع البيان أنه قتل سبعة وعشرين مبارزا ، وفي الارشاد : قتل خمسة
وثلاثين ، وقال زيد بن وهب : قال أمير المؤمنين عليه السلام وذكر حديث بدر : وقتلنا
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) أى قطعها .
( 2 ) في المصدر : لا تقتلوننا .
( * )