[121]

لهيبتهه ، ولانرفع عيننا لعظمته ، ( 1 ) فإن تبسم فمن مثل اللؤلؤ المنظوم ، يعظم ( 2 ) أهل الدين ، ويحب المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ، لا ييأس الفقير ( 3 ) من عدله ، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت نجومه وهو قائم في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ، فكأني الآن أسمعه وهو يقول : يا دنيا دنية ( 4 ) أبي تعرضت ؟ أم إلي تشوقت ؟ هيهات هيهات غري غيري لا حاجة لي فيك ، قد بتتك ثلاثا لا رجعة لي فيها ، ( 5 ) فعمرك قصير وخطرك يسير وأملك حقير ، آه آه من قلة الزاة وبعد السفر ، ووحشة الطريق وعظم المورد فو كفت ( 6 ) دموع معاوية على لحيته فنشفها بكمه ، ( 7 ) واختنق القوم بالبكاء ثم قال : كان والله أبوالحسن كذلك ، فكيف صبرك عنه يا ضرار ؟ قال : صبر من ذبح واحدها ( 8 ) على صدرها ، فهي لا ترقى عبرتها ولا تسكن حسرتها ، ( 9 ) ثم قام وخرج وهو باك ، فقال معاوية ، أما إنكم لو فقدتموني لما كان فيكم من يثني علي هذا الثناء فقال بعض من حضر : ( 10 ) الصاحب على قدر صاحبه ( 11 ) .
توضيح : قوله : بعيد المدى ، المدى : الغاية ، وهو كناية عن علو همته في *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : ولا نرفع أعيننا إليه لعظمته .
( 2 ) : يقرب .
( 3 ) : ولا ييأس الضعيف .
( 4 ) : يادنيا يا دنيا .
( 5 ) بته وبتته : قطعه .
وفي المصدر : قد طلقتك ثلاثا لارجعة لى فيك .
( 6 ) وكف الدمع ونحوه : سال .
وفي المصدر : فسالت .
( 7 ) نشف الماء : أخذه من مكانه بخرقة ونحوها فما بقى منه شئ .
( 8 ) في المصدر : ولدها .
( 9 ) : حرارتها .
( 10 ) : بعض من كان حاضرا .
( 11 ) الارشاد للديلمي 2 : 13 و 14 .
( * )

[122]

تحصيل الكمالات ، أوعن رفعة محلة في السعادات حيث لا يصل إليه أحد في شئ من فضائله .
قوله : ( تنطق الحكمة من نواحيه ) أي لكثرة وفور حكمه كأن الحكمة ناطقة في جوانبه ونواحيه ، فيستفاد منه الحكمة من غير أن ينطق بها ، وفي بعض النسخ بالفاء ، أي تتقاطر وتجري ، ولعله أبلغ .
29 - كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن محمد بن علي ، عن أحمد بن عمرو بن سليمان البجلي ، عن إسماعيل بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب ابن ميثم التمار ، عن إبراهيم بن إسحاق المدائني ، عن رجل ، عن أبي مخنف الازدي قال : أتى أمير المؤمنين عليه السلام رهط من الشيعة فقالوا : يا أمير المؤمنين لو أخرجت هذه الاموال ففرقتها في هؤلاء الرؤساء والاشراف وفضلتهم علينا حتى إذا استوسقت الامور ( 1 ) عدت إلى أفضل ماعودك الله من القسم بالسوية والعدل في الرعية ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ويحكم أتأمروني ( 2 ) أن أطلب النصر بالجور ( 3 ) فيمن وليت عليه من أهل الاسلام ؟ لا والله لا يكون ذلك ما سمر السمير وما رأيت في السماء نجما ، والله لو كانت أموالهم مالي لساويت بينهم ، فكيف وإنما هي أموالهم قال : ثم أرم ساكتا طويلا ثم رفع رأسه فقال : من كان فيكم له مال فإياكم ( 4 ) والفساد ، فإن إعطاءه في غير حقه تبذير وإسراف ، وهو يرفع ذكر صاحبه في الناس ويضعه عندالله ، ولم يضع امرؤ ماله في غير حقه وعند غير أهله إلا حرمه الله شكرهم وكان لغيره ودهم ، فإن بقي معه منهم بقية ممن يظهر الشكر له ويريه النصح فإنما ذلك ملق منه وكذب ، فإن زلت بصاحبهم النعل ثم احتاج إلى معونتهم ومكافاتهم فألام خليل وشر خدين ، ولم يضع امرؤ ماله في غير حقه وعند غير أهله إلا لم يكن له من الحظ فيما أتى إلا محمدة اللئام وثناء الاشرار مادام عليه منعما *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) أى استجمعت وانضمت .
( 2 ) في المصدر : أتأمروني ويحكم ( 3 ) : بالظلم والجور .
( 4 ) : فاياه .
( * )

[123]

مفضلا ومقالة الجاهل : ما أجوده ! وهو عندالله بخيل ، فأي حظ أبور وأخسر من هذا الحظ ؟ وأي فائدة معروف أقل من هذا المعروف ؟ فمن كان منكم له مال فليصل به القرابة ، وليحسن منه الضيافة ، وليفك به العاني والاسير وابن السبيل فإن الفوز بهذه الخصال مكارم الدنيا وشرف الآخرة ( 1 ) .
بيان : أرم بتشديد الميم والراء المهملة والمعجمة أى سكت : والعاني : الاسير وكل من ذل واستكان وخضع .
30 - كا : محمد بن علي وغيره ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم عن رجل ، عن حبيب بن أبي ثابت قال : جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام عسل وتين من همدان وحلوان ( 2 ) ، فأمر العرفاء أن يأتوا باليتامى ، فأمكنهم من رؤوس الازقاق يلعقونها ، وهو يقسمها للناس قدحا قدحا ، فقيل له : يا أمير المؤمنين مالهم يلعقونها ؟ فقال : إن الامام أبواليتامى ، وإنما ألعقتهم هذا برعاية الآباء ( 3 ) .
31 - كا : بعض أصحابنا ( 4 ) ، عن إبراهيم بن الاسحاق الاحمر ، عن عبدالله بن حماد الانصاري ، عن صباح المزني ، عن الحارث بن حصيرة ، عن الاصبغ قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا أراد أن يوبخ الرجل يقول : والله لانت أعجز من التارك الغسل يوم الجمعة ، وإنه لا يزال في طهر إلى الجمعة الاخرى ( 5 ) .
32 - كا : علي بن محمد ، عن صالح بن أبي حماد ، وعدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد وغيرهما بأسانيد مختلفة في احتجاج أمير المؤمنين على عاصم بن زياد حين لبس البعاء وترك الملاء وشكاه أخوه الربيع بن زياد إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنه *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) فروع الكافى ( الجزء الرابع من الطبعة الحديثة ) : 31 و 32 .
( 2 ) همدان في النسخ والمصدر بالمهملة وفي المراصد والقاموس بالمعجمة بلد معروف .
وحلوان بالضم فالسكون اسم مواضع .
منها حلوان العراق ، وهى آخر حدود السواد مما يلى الجبال ، اكثر ثمارها التين ، وتينها يسمى " باه الخير " لجودته .
( 3 ) اصول الكافى ( الجزء الاول من الطبعة الحديثة ) : 406 .
( 4 ) في المصدر : عدة من أصحابنا .
( 5 ) فروع الكافى ( الجزء الثالث من الطبعة الحديثة ) .
42 .
( * )

[124]

قد غم أهله وأحزن ولده بذلك فقال أمير المؤمنين عليه السلام ، علي بعاصم بن زياد ، فجيئ به ، فلما رآه عبس في وجهه ، فقال له : أما استحييت من أهلك ، أما رحمت ولدك ؟ أترى الله أحل لك الطيبات وهو يكره أخذك منها ؟ أنت أهون على الله من ذلك ، أو ليس الله يقول : " والارض وضعها للانام فيها فاكهة والنخل ذات الاكمام ( 1 ) " ؟ أوليس يقول : " مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ( 2 ) " - إلى قوله - : " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ( 3 ) " فبالله لابتذال نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال وقد قال الله عزوجل : " واما بنعمة ربك فحدث ( 4 ) " فقال عاصم يا أمير المؤمنين فعلى ما اقتصرت في مطعمك على الجشوبة وفي ملبسك على الخشوبة ؟ فقال : ويحك إن الله تعالى فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ ( 5 ) بالفقير فقره ، فألقى عاصم بن زياد العباء ولبس الملاء ( 6 ) .
33 - فر : القاسم بن حماد الدلال معنعنا عن أبي جعفر عليه السلام قال : لما نزلت خمس آيات " أمن خلق السماوات والارض وأنزل لكم من السماء ماء " إلى قوله : " إن كنتم صادقين ( 7 ) وعلي بن أبي طالب عليه السلام إلى جنب النبي صلى الله عليه وآله فانتقض انتقاض العصفور ( 8 ) قال : فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : مالك يا علي ؟ قال : عجبت من جرأتهم على الله وحلم الله عنهم ، قال : فمسحه رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال : ابشر يا علي فإنه لا يحبك منافق ولا يبغضك مؤمن ، ولولا أنت *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) سورة الرحمن : 10 و 11 .
( 2 ) : 19 و 20 .
( 3 ) 22 .
( 4 ) سورة الضحى : 11 .
( 5 ) التبيغ : الهيجان والغلبة .
( 6 ) اصول الكافى ( الجزء الاول من الطبعة الحديثة ) : 410 و 411 .
والملاء : ثوب يلبس على الفخذين .
( 7 ) سورة النمل : 60 - 64 .
( 8 ) كذا في النسخ والمصدر ، والظاهر " فانتفض انتفاض العصفور " أى ارتعد .
( * )

[125]

لم يعرف حزب الله وحزب رسوله ( 1 ) .
34 - كا : العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن حديد ، عن مرازم بن حكيم عن عبدالاعلى مولى آل سام قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : إن الناس يرون أن لك مالا كثيرا ، فقال : ما يسوؤني ذاك ، إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه مر ذات يوم على ناس شتى من قريش وعليه قميص مخرق ، فقالوا : أصبح علي لا مال له ، فسمعها أمير المؤمنين عليه السلام فأمر الذي يلي صدقته أن يجمع تمره ولا يبعث إلى إنسان شيئا وأن يوفره .
ثم قال له : بعه الاول فالاول واجعلها دراهم ، ثم اجعلها حيث تجعل التمر فاكبسه معه حيث ترى ( 2 ) ، وقال للذي يقوم عليه : إذا دعوت بالتمر فاصعد وانظر المال فاضربه برجلك كأنك لا تعمد الدراهم حتى تنثرها ثم بعث إلى رجل رجل منهم يدعوه ( 3 ) ثم دعا بالتمر ، فلما صعد ينزل بالتمر ضرب برجله فانتثرت الدراهم ، فقالوا : ما هذا يا أبا الحسن ؟ فقال : هذا مال من لا مال له ، ثم أمر بذلك المال ، فقال : انظروا أهل كل بيت كنت أبعثه إليهم فانظروا ماله وابعثوا إليه ( 4 ) .
35 - كا : العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن فضال جمعيا ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي بصير قال : بلغ أمير المؤمنين صلوات الله عليه أن طلحة والزبير يقولان : ليس لعلي مال ، قال : فشق ذلك عليه فأمر وكلاءه أن يجمعوا غلته ، حتى إذا حال الحول أتوه وقد جمعوا من ثمن الغلة مائة ألف درهم ، فنشرت بين يديه ، فأرسل إلى طلحة والزبير فأتياه ، فقال لهما : هذا المال والله ( 5 ) ليس *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) تفسير فرات : 115 .
( 2 ) الكبس : الجمع .
وفي المصدر : فاكبسه معه حيث لا يرى .
( 3 ) في المصدر : يدعوهم .
( 4 ) فروع الكافى ( الجزء السادس من الطبعة الحديثة ) : 439 .
( 5 ) في المصدر : هذا المال والله لى اه .
( * )

[126]

لاحد فيه شئ ، وكان عندهما مصدقا ، قال : فخرجا من عنده وهما يقولان : إن له مالا ( 1 ) ! .
36 - كا : علي ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن بريد بن معاوية قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : بعث أمير المؤمنين عليه السلام مصدقا من الكوفة إلى باديتها ، فقال : يا عبدالله انطلق وعليك بتقوى الله وحده لا شريك له ، ولا تؤثرن دنياك على آخرتك ، وكن حافظا لما ائتمنتك عليه ، مراعيا ( 2 ) لحق الله فيه ، حتى تأتي نادي بني فلان ، فإذا قدمت فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبيانهم ، ثم امض إليهم بسكينة ووقار حتى تقوم بينهم فتسلم ( 3 ) عليهم ، ثم قل لهم : يا عباد الله أرسلني إليكم ولي الله لآخذمنكم حق الله في أموالكم ، فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه ( 4 ) إلى وليه ؟ فإن قال لك قائل : لا فلا تراجعه ، وإن أنعم لك منهم منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده إلا خيرا ، فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلا بإذنه فإن أكثره له ، فقل : يا عبدالله أتأذن لي في دخول مالك ؟ فإن أذن لك فلا تدخله دخول مستلط عليه فيه ، ولا عنف به ، فاصدع المال صدعين ، ثم خيره أي الصدعين شاء ، فأيهما اختار فلا تعرض له ، ثم اصدع الباقي صدعين ( 5 ) ، ثم خيره فأيهما اختار فلا تعرض له ولا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله تبارك وتعالى في ماله ( 6 ) ، فإذا بقي ذلك فاقبض حق الله منه ، وإن استقالك فأقله ، ثم اخلطهما ( 7 ) واصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق الله في ماله ، فإذا قبضته فلا توكل به إلا ناصحا .
*

_________________________________________________________
) * ( 1 ) فروع الكافى ( الجزء السادس من الطبعة الحديثة ) 440 وفيه : إن له لمالا .
( 2 ) في المصدر : راعيا .
( 3 ) : وتسلم ( 4 ) : فتؤدون .
( 5 ) الصدع - بكسر الصاد - : نصف الشئ .
( 6 ) في المصدر : من ماله .
( 7 ) في المصدر : ثم اخلطها .
( * )

[127]

شفيقا أمينا حفيظا ، غير معنف بشئ ( 1 ) منها ، ثم احدر كل ما اجتمع عندك من كل ناد إلينا نصيره حيث أمر الله عزوجل ، فإذا انحدر فيها ( 2 ) رسولك فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة وبين فصيلها ، ولا يفرق بينهما ، ولا يمصرن لبنها فيضر ذلك بفصيلها ، ولا يجهد بهار كوبا ، وليعدل بينهن في ذلك ، وليوردهن كل ماء يمر به ، ولا يعدل بهن عن نبت الارض إلى جواد الطريق في الساعة التي فيها تريح وتغبق ، وليرفق بهن جهده حتى يأتينا بإذن الله سحاحا سمانا غير متعبات ولا مجهدات ، فنقسمهن ( 3 ) بإذن الله على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله على أولياء الله فإن ذلك أعظم لاجرك وأقرب لرشدك ، ينظر الله إليها وإليك وإلى جهدك ونصيحتك لمن بعثك وبعثت في حاجته ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ما ينظر الله إلى ولي له يجهد نفسه بالطاعة والنصيحة له ولامامه إلا كان معنا في الرفيق الاعلى .
قال : ثم بكى أبوعبدالله عليه السلام ثم قال : يا بريد لا والله ما بقيت لله حرمة إلا انتهك ( 4 ) ، ولا عمل بكتاب الله ولا سنة نبيه في هذا العالم ، ولا أقيم في هذا الخلق حد منذ قبض الله أمير المؤمنين عليه السلام ، ولا عمل بشئ من الحق إلى يوم الناس هذا ، ثم قال : أما والله لا تذهب الايام والليالي حتى يحيي الله الموتى ويميت الاحياء ويرد الله الحق إلى أهله ويقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه ونبيه صلى الله عليه وآله ، فابشروا ثم ابشروا ثم ابشروا فوالله ما الحق إلا في أيديكم ( 5 ) .

-بحار الانوار مجلد: 37 من ص 127 سطر 17 الى ص 135 سطر 17 بيان : أوعز إليه : تقدم ، وقال في النهاية : في حديث علي عليه السلام " ولا يمصرن لبنها فيضر ذلك بولدها " المصر : الحلب بثلاث أصابع ، يريد : لا يكثر من أخذ لبنها ( 6 ) .
*

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : لشئ .
( 2 ) : بها .
( 3 ) : فيقسمن .
( 4 ) : الا انتهكت .
( 5 ) فروع الكافى ( الجزء الثالث من الطبعة الحديثة ) : 536 - 853 .
( 6 ) النهاية 4 : 97 .
( * )

[128]

وقال ابن إدريس في السرائر : سمعت من يقول : وتغبق - بالغين المعجمة والباء - يعتقد أنه من الغبوق وهو الشرب بالعشي ، وهذا تصحيف فاحش وخطاء قبيح ، وإنما هو تعنق - بالعين غير المعجمة والنون - من العنق وهو الضرب من سير الابل وهو سير شديد ، قال الراجز : يا ناق سيري عنقا فسيحا * إلى سليمان فتستريحا والمعنى : لا يعدل بهن عن نبت الارض إلى جواد الطرق في الساعات التي فيها مشقة ( 1 ) ، ولاجل هذا قال : " تريح " من الراحة ، ولوكان من الرواح لقال : " تروح " وما كان يقول : " تريح " ولان الرواح عند العشي يكون وقريبا منه والغبوق هو شرب العشي على ما ذكرناه ، فلم يبق له معنى وإنما المعنى ما بيناه ( 2 ) وقال الجوهري : سحت الشاة تسح - بالكسر - سحوحا وسحوحة أي سمنت ، وغنم سحاح أي سمان ( 3 ) .
أقول : رواه في نهج البلاغة ( 4 ) بتغيير وأوردته في كتاب الفتن .
37 - كا : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن أسباط ، عن أحمد بن معمر قال : أخرني أبوالحسن العرني قال : حدثني إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن رجل من ثقيف قال : استعملني علي بن أبي طالب عليه السلام على بانقيا وسواد من سواد الكوفة ، فقال لي والناس حضور : انظر خراجك فجد فيه ، ولا تترك منه درهما ، وإذا أردت أن تتوجه إلى عملك فمربي ، فأتيته ( 5 ) فقال لي : إن الذي سمعت مني خدعة ، إياك أن تضرب مسلما أو يهوديا أو نصرانيا في درهم خراج ، أو تبيع دابة عمل في درهم ، فإنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو ( 6 ) .
*

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : في الساعات التى لها فيها راحة ولا في الساعات التى عليها فيها مشقة .
( 2 ) السرائر : 107 .
( 3 ) الصحاح : 373 .
( 4 ) راجع ج 2 : 24 - 26 .
( 5 ) في المصدر : قال فأتيته .
( 6 ) فروع الكافى ( الجزء الثالث من الطبعة الحديثة ) : 540 .
( * )

[129]

بيان : قال ابن إدريس في السرائر : بانقيا هي القادسية وما والاها من أعمالها وإنما سميت القادسية بدعوة إبراهيم عليه السلام فإنه قال : " كوني مقدسة " أي مطهرة ، وإنما سمي بانقيا لان إبراهيم اشتراها بمائة نعجة من غنمه ، لان " با " مائة و " نقيا " شاة بلغة النبط ، وقد ذكر بانقيا أعشى قيس في شعر ، وفسره علماء اللغة ووافقوا كتب الكوفة من السير بما ذكرناه ( 1 ) .
وقال الجزري : فيه " أمر الله نبيه عليه السلام أن يأخذ العفو من أخلاق الناس " هو السهل المتيسر ، أي أمره أن يحتمل أخلاقهم ويقبل منها ما سهل وتيسر ، ولا يستقصي عليهم ( 2 ) .
وقال الجوهري : عفو المال : ما يفضل عن النفقة ( 3 ) .
38 - كا : علي ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط ، عن عمه يعقوب بن سالم عن أبي الحسن العبدي ، عن سعد بن طريف ، عن الاصبغ بن نباتة قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم وهو يخطب على المنبر بالكوفة : يا أيها الناس لولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس ، ألا إن لكل غدرة فجرة ، ولكل فجرة كفرة ، ألا وإن الغدر والفجور والخيانة في النار ( 4 ) .
39 - كا : علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : مر أمير المؤمنين عليه السلام على جارية قد اشترت لحما من قصاب ، وهي تقول : زدني ، فقال [ له ] أمير المؤمنين عليه السلام : زدها فإنه أعظم للبركة ( 5 ) .
40 - كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن الحسن الصيقل قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إن ولي علي عليه السلام لا يأكل إلا الحلال ، لان صاحبه كان كذلك ، وإن ولي عثمان لا يبالي أحلالا *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) السرائر : 110 .
وفيه : من أهل السير .
( 2 ) النهاية 3 : 111 ( 3 ) الصحاح : 2432 .
( 4 ) اصول الكافى ( الجزء الثانى من الطبعة الحديثة ) : 338 .
( 5 ) فروع الخامس ) : 152 .
( * )

[130]

أكل أو حراما ، لان صاحبه كذلك ، قال : ثم عاد إلى ذكر علي عليه السلام فقال : أما والذي ذهب بنفسه ما أكل من الدنيا حراما قليلا ولا كثيرا حتى فارقها ، ولا عرض له أمران كلاهما لله طاعة إلا أخذ بأشدهما على بدنه ، ولا نزلت برسول ، الله صلى الله عليه وآله شديده قط إلا وجهه فيها ثقة به ، ولا أطاق أحد من هذه الامة عمل رسول الله صلى الله عليه وآله بعده غيره ، ولقد كان يعمل عمل رجل كأنه ينظر إلى الجنة و النار ، ولقد أعتق ألف مملوك من صلب ماله ، كل ذلك تحفى فيه يداه ( 1 ) وتعرق فيه جبينه ، التماس وجه الله عزوجل والخلاص من النار ، وما كان قوته إلا الخل والزيت وحلواه التمر إذا وجده ، وملبوسه الكرابيس ، فإذا فضل عن ثيابه شئ دعا بالجلم فجزه ( 2 ) .
بيان : الحفا رقة : القدم من المشي ، والجلم بالتحريك : المقراض .
41 - كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن معاوية ابن وهب ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ما أكل رسول الله متكئا منذ بعثه الله عزوجل إلى أن قبضه تواضعا لله عزوجل ، وما رأى ركبتيه أمام جليسه في مجلس قط ، ولا صافح رسول الله صلى الله عليه وآله رجلا قط فنزع يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده ولا كافى رسول الله صلى الله عليه وآله بسيئة قط ، قال الله له : " ادفع بالتي هي أحسن السيئة " ( 3 ) ففعل ، وما منع سائلا قط ، إن كان عنده أعطى وإلا قال : يأتي الله به ، ولا أعطى على الله عزوجل شيئا قط إلا أجازه الله إن كان ليعطي الجنة فيجيز الله عزوجل له ذلك .
قال : وكان أخوه من بعده والذي ذهب بنفسه ما أكل من الدنيا حراما قط حتى خرج منها ، والله إن كان ليعرض له الامران كلاهما لله عزوجل طاعة فيأخذ بأشدهما على بدنه ، والله لقد أعتق ألف مملوك لوجه الله عزوجل دبرت فيهم يداه ، والله ما أطاق عمل رسول الله صلى الله عليه وآله من بعده أحد غيره ، والله ما نزلت برسول *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) تحفى في الشئ : اجتهد .
( 2 ) روضة الكافى : 163 و 164 .
( 3 ) سورة المؤمنون : 96 .
( * )