[131]
الله صلى الله عليه وآله نازلة قط إلا قدمه فيها ثقة به منه ، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله ليبعثه برأيته
فيقاتل جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، ثم ما يرجع حتى يفتح الله عز
وجل له ( 1 ) .
بيان : دبرت بالكسر أي قرحت .
42 - كا : العدة ، عن سهل ، عن البزنطي ، عن حماد بن عثمان ، عن زيد
ابن الحسن قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : كان علي عليه السلام أشبه الناس طعمة
وسيرة برسول الله صلى الله عليه وآله كان يأكل الخبز والزيت ويطعم الناس الخبز واللحم ، قال :
وكان علي عليه السلام يستقي ويحطب ( 2 ) وكانت فاطمة عليها السلام تطحن وتعجن وتخبز
وترقع ، وكانت من أحسن الناس وجها ، كأن وجنتيها وردتان ، صلى الله عليها وعلى
أبيها وبعلها وولدها الطاهرين ( 3 ) .
43 - كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبدالرحمن بن الحجاج
عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما ولى علي عليه السلام صعد المنبر فحمد الله
وأثنى عليه : ثم قال : إني والله لا أرزؤكم من فيوكم درهما ما قام لي عذق بيثرب
فلتصدقكم ( 4 ) أنفسكم : أفتروني مانعا نفسي ومعطيكم ؟ قال : فقام إليه عقيل كرم
الله وجهه فقال له : الله لتجعلني وأسود بالمدينة سواء ، فقال اجلس أما كان ههنا
أحد يتكلم غيرك ؟ وما فضلك عليه إلا بسابقة أو بتقوى ( 5 ) .
44 - ل : الطالقاني ، عن الحسن بن علي العدوي ، عن محمد بن خليلان بن
علي العباسي ، عن أبيه ، عن آبائه قال : قال علي بن أبي طالب عليه السلام خصصنا
بخمسة : بفصاحة وصباحة وسماحة ونجدة وحظوة عند النساء ( 6 ) .
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) لم نظفر به في المصدر .
( 2 ) في المصدر : ويحتطب .
( 3 ) روضة الكافى : 165 .
( 4 ) في المصدر : فليصدقكم .
( 5 ) روضة الكافى : 182 .
( 6 ) الخصال 1 : 138 .
( * )
[132]
45 - دعوات الرواندى : قيل لاميرالمؤمنين عليه السلام : ما شأنك جاورت
المقبرة ؟ فقال : إني أجدهم جيران صدق ، يكفون السيئة ويذكرون الآحرة
وقال زين العابدين عليه السلام : ما اصيب أمير المؤمنين عليه السلام بمصيبة إلا صلى في ذلك
اليوم ألف ركعة ، وتصدق على ستين مسكينا ، وصام ثلاثة أيام ( 1 ) .
أقول : قال عبدالحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : روى قيس بن
الربيع عن يحيى بن هانئ المرادي ، عن رجل من قومه يقال له : زياد بن فلان :
قال : كنا في بيت مع علي عليه السلام ونحن وشيعته وخواصه ، فالتفت [ إلينا ] فلم
ينكر منا أحدا ، فقال : إن هؤلاء القوم سيظهرون عليكم فيقطعون أيديكم ويسلمون ( 2 )
أعينكم ، فقال رجل منا : وأنت حي يا أمير المؤمنين ؟ فقال : أعاذني الله من ذلك
فالتفت فإذا واحد يبكي ، فقال له : يا ابن الحمقاء أتريد باللذات في الدنيا الدرجات
في الآخرة ( 3 ) ؟ إنما وعدالله الصابرين .
وروى زرارة بن أعين ، عن أبيه ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام قال : كان
علي عليه السلام إذا صلى الفجر لم يزل معقبا إلى أن تطلع الشمس ، فإذا طلعت اجتمع
إليه الفقراء والمساكين وغيرهم من الناس ، فيعلمهم الفقه والقرآن ، وكان له وقت
يقوم فيه من مجلسه ذلك ، فقام يوما فمر برجل ، فرماه بكلمة هجر - قال : ولم
يسمه محمد بن علي عليهما السلام - فرجع عوده على بدئه ( 4 ) حتى صعد المنبر ، وأمر فنودي :
الصلاة جامعة ، فحمد الله وأثنى عليه ( 5 ) ثم قال : أيها الناس إنه ليس شئ أحب
إلى الله ولا أعم نفعا من حلم إمام وفقهه ، ولا شئ أبغض إلى الله ولا أعم ضررا من
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) مخطوط .
( 2 ) سمل عينه : فقأها .
( 3 ) في المصدر : أتريد اللذات في الدنيا والدرجات في الاخرة .
( 4 ) أى رجع في الطريق الذى جاء منه .
( 5 ) في المصدر بعد ذلك : وصلى على نبيه .
( * )
[133]
جهل إمام وخرقه ( 1 ) ، ألا وإنه من لم يكن له من نفسه واعظ لم يكن له من الله
حافظ ، ألا وإنه من أنصف من نفسه لم يزده الله إلا عزاء ، ألا وإن الذل في طاعة
الله أقرب إلى الله من التعزز في معصيته ، ثم قال : أين المتكلم آنفا ؟ فلم يستطع
الانكار ، فقال : ها أنا ذا يا أمير المؤمنين ، فقال : أما إني لو أشاء لقلت ، فقال : أو
تعفو ( 2 ) وتصفح فأنت أهل لذلك ، فقال : عفوت وصفحت ، فقيل لمحمد بن علي :
ما أراد أن يقول ؟ قال : أراد أن ينسبه .
وروى زرارة أيضا قال : قيل لجعفر بن محمد عليهما السلام : إن قوما ههنا ينتقصون
عليا ، قال : بم ينتقصونه لا أبالهم وهل فيه موضع نقيصة ؟ والله ما عرض لعلي عليه السلام
أمران قط كلاهما لله طاعة إلا عمل بأشدهما وأشقهما عليه ، ولقد كان يعمل العمل
كأنه قائم بين الجنة والنار ينظر إلى ثواب هؤلاء فيعمل له ، وينظر إلى عقاب
هؤلاء فيعمل له ، وإن كان ليقوم إلى الصلاة فإذا قال " وجهت وجهي " تغير لونه
حتى يعرف ذلك في لونه ( 3 ) ، ولقد أعتق ألف عبد من كديده كلهم يعرق فيه
جبينه ويحفى فيه كفه ، وقد بشر بعين نبعت في ماله مثل عنق الجزور فقال : بشر
الوارث ، ثم جعلها صدقة على الفقراء والمساكين وابن السبيل إلى أن يرث الله
الارض ومن عليها ليصرف الله النار عن وجهه ( 4 ) .
وقال في موضع آخر : روى علي بن محمد بن أبي سيف ( 5 ) المدائني عن فضيل
بن الجعد قال : آكد الاسباب كان في تقاعد العرب عن أمير المؤمنين عليه السلام أمر المال
فإنه لم يكن يفضل شريفا على مشروف ولا عربيا على عجمي ، ولا يصانع الرؤساء
وأمراء القبائل كما يصنع الملوك ، ولا يستميل أحدا إلى نفسه ، وكان معاوية بخلاف
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) الخرق - بضم الاول - : ضعف الرأى .
سوء التصرف .
الجهل والحمق .
( 2 ) في المصدر : إن تعفو .
( 3 ) : في وجهه .
( 4 ) شرح النهج 1 : 488 و 489 .
( 5 ) في المصدر : أبى يوسف .
( * )
[134]
ذلك ، فترك الناس عليا والتحقوا بمعاوية ، فشكا علي عليه السلام إلى الاشتر تخاذل
أصحابه ( 1 ) وفرار بعضهم إلى معاوية ، فقال الاشتر : يا أمير المؤمنين إنا قاتلنا أهل
البصرة بأهل الكوفة وأهل الشام بأهل البصرة وأهل الكوفة ورأي الناس واحد
وقد اختلفوا بعد وتعادوا ، وضعفت النية وقل العدد ، أنت تأخذهم بالعدل وتعمل
فيهم بالحق ، وتنصف الوضيع من الشريف ، فليس للشريف عندك فضل منزلة ( 2 ) ،
فضجت طائفة ممن معك من الحق إذ عموا به ، واغتموا من العدل إذ صاروا فيه ، و
رأوا صنائع معاوية عند أهل الغناء والشرف ، فتاقت أنفس الناس إلى الدنيا ، وقل
من ليس للدنيا بصاحب ، وأكثرهم يجتوي ( 3 ) الحق ويشتري الباطل ، ويؤثر الدنيا ،
فإن تبذل المال يا أمير المؤمنين تمل إليك أعناق الرجال ، وتصفوا نصيحتهم ، و
يستخلص ودهم ، صنع الله لك يا أمير المؤمنين وكبت أعداءك وفض جمعهم وأوهن
كيدهم وشتت أمورهم " إنه بما يعملون خبير "
فقال علي عليه السلام : أما ما ذكرت من عملنا وسيرتنا بالعدل فإن الله عزوجل
يقول : " من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد " ( 4 ) وأنا من
أن أكون مقصرا فيما ذكرت أخوف ، وأما ما ذكرت من أن الحق ثقيل عليهم ( 5 )
ففارقونا بذلك فقد علم الله أنهم لم يفارقونا من جور ، ولا لجؤوا إذ فارقونا إلى
عدل ، ولم يلتمسوا إلا دنيا زائلة عنهم كان قد فارقوها ، وليسألن يوم القيامة : للدنيا
أرادوا أم لله عملوا ، وأما ما ذكرت من بذل الاموال واصطناع الرجال فإنه لا يسعنا
أن نوفي أحدا ( 6 ) من الفئ أكثر من حقه ، وقد قال الله سبحانه وقوله الحق :
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : أصدقائه .
( 2 ) : فضل منزلة على الوضيع .
( 3 ) اى يكره الحق .
( 4 ) سورة فصلت : 46 .
( 5 ) في المصدر : ثقل عليهم .
( 6 ) : أن نؤتى امرءا .
( * )
[135]
" كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله والله مع الصابرين " ( 1 ) وقد بعث الله محمدا
صلى الله عليه وآله وحده وكثره بعد القلة وأعز فئته بعد الذلة ، وإن يرد الله أن يولينا هذا الامر
يذلل لنا صعبه ، ويسهل لنا حزنه ، وأنا قابل من رأيك ما كان لله عزوجل رضى وأنت
من آمن الناس عندي وأنصحهم لي وأوثقهم في نفسي إن شاء الله .
وذكر الشعبي قال : دخلت الرحبة بالكوفة وأناغلام في غلمان ، فإذا أنا
بعلي عليه السلام قائما على صرتين من ذهب وفضة ، ومعه مخفقة ( 2 ) وهو يطرد الناس
بمخفقته ، ثم يرجع إلى المال فيقسمه بين الناس ، حتى لم يبق منه شئ ، ثم
انصرف ولم يحمل إلى بيته قليلا ولا كثيرا ، فرجعت إلى أبي فقلت : لقد رأيت اليوم
خير الناس أو أحمق الناس ، قال : من هو يا بني ؟ قلت : علي بن أبي الطالب أمير المؤمنين
رأيته يصنع كذا فقصصت عليه ، فبكى وقال : يا بني بل رأيت خير الناس .
وروى محمد بن فضيل ، عن هارون بن عنترة ، عن زاذان قال : انطلقت مع
قنبر غلام علي عليه السلام إليه ، فإذا هو يقول : قم يا أمير المؤمنين فقد خبأت لك
خبيئا ، قال : وما هو ويحك ؟ قال : قم معي ، فقام فانطلق به إلى بيته فإذا بغرارة ( 3 )
مملوءة من جامات ذهبا وفضة ، فقال : يا أمير المؤمنين رأيتك لا تترك شيئا إلا قسمته
فادخرت لك هذا من بيت المال ! فقال علي عليه السلام : ويحك يا قنبر لقد أحببت أن تدخل
بيتي نارا عظيمة ، ثم سل سيفه وضربها ( 4 ) ضربات كثيرة ، فانتثرت من بين إناء
مقطوع نصفه وآخر ثلثه ونحو ذلك ، ثم دعا بالناس فقال : اقسموه بالحصص ، ثم
-بحار الانوار مجلد: 37 من ص 135 سطر 18 الى ص 143 سطر 18
قام إلى بيت المال فقسم ما وجد فيه ، ثم رأى في البيت أبزار سمل ( 5 ) فقال :
وليقسموا هذا ، فقالوا : لا حاجة لنافيه - وقد كان عليه السلام يأخذ من كل عامل مما يعمل -
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) سورة البقرة : 249 .
( 2 ) المخفقة : الدرة يضرب بها .
وقيل سوط من خشب .
( 3 ) الغرارة - بضم العين - : الجوالق .
( 4 ) أى ضرب الغرارة أو ما فيها من الجامات .
( 5 ) أى ما يصلح به الاثواب السملة من الابرة ونحوها .
( * )
[136]
فضحك وقال : لتأخذن شره مع خيره .
وروى عبدالرحمن بن عجلان قال : كان علي عليه السلام يقسم بين الناس الابزار
والخرق والكمون ( 1 ) وكذا وكذا .
وروى مجمع التيمي قال : كان علي عليه السلام يكنس بيت المال كل جمعة ويصلي
فيه ركعتين ويقول : تشهدان ( 2 ) يوم القيامة .
وروى بكر بن عيسى ، عن عاصم بن كليب الحربي ( 3 ) ، عن أبيه قال :
شهدت عليا عليه السلام وقد جاءه مال من الجبل ، فقام وقمنا معه ، وجاء الناس يزدحمون ،
فأخذ حبالا فوصلها بيده وعقد بعضها إلى بعض ، ثم أدارها حول المال وقال : لا
احل لاحد أن يجاوز هذا الحبل ، قال : فقعد الناس كلهم من وراء الحبل ، ودخل
هو فقال : أين رؤوس الاسباع ؟ وكانت الكوفة يومئذ أسباعا ، فجعلوا يحملون هذا
الجوالق إلى هذا وهذا إلى هذا حتى استوت القمسة سبعة أجزاء ، ووجد مع المتاع
رغيف فقال : اكسروه سبع كسر وضعوا على كل جزء كسرة ، ثم قال :
هذا جناي وخياره فيه * إذ كل جان يده إلى فيه
ثم أفرغ ( 4 ) عليها ودفعها إلى روؤس الاسباع ، فجعل كل واحد منهم ( 5 )
يدعو قومه فيحملون الجوالق .
وروى مجمع عن أبي رجاء قال : أخرج علي عليه السلام سيفا إلى السوق ، فقال :
من يشتري مني هذا ؟ فوالذي نفس علي بيده لو كان عندي ثمن إزار ما بعته ، فقلت
له : أنا أبيعك إزارا وأنسئك ثمنه إلى عطائك ، فدفعت إليه إزارا إلى عطائه ، فلما
قبض عطاءه دفع إلي ثمن الازار .
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) الكمون : نبات له حب منه برى ومنه بستانى .
وفي المصدر : والخزف والكمون .
( 2 ) في المصدر : ليشهد لى .
( 3 ) و ( م ) و ( خ ) : الجرمى .
( 4 ) في المصدر : ثم أقرع عليها .
( 5 ) : كل رجل منهم .
( * )
[137]
وروى هارون بن سعد ( 1 ) قال عبدالله بن جعفر بن أبي طالب لعلي عليه السلام :
يا أمير المؤمنين لو أمرت لي بمعونة أو نفقة فوالله مالي نفقة إلا أن أبيع دابتي ،
فقال : لا والله ما أجد لك شيئا إلا أن تأمر عمك أن يسرق فيعطيك .
وروى بكر بن عيسى قال : كان علي عليه السلام يقول : يا أهل الكوفة إذا أنا
خرجت من عندكم بغير راحلتي ورحلي وغلامي فلان فأنا خائن ، وكانت نفقته
تأتيه من غلته بالمدينة بينبع ، وكان يطعم الناس الخبز واللحم ويأكل هو الثريد
بالزيت .
وروى أبوإسحاق الهمداني أن امرأتين أتتا عليا عليه السلام إحداهما من العرب
والاخرى من الموالى فسألتاه ، فدفع إليها دراهم وطعاما بالسوء ، فقالت إحداهما :
إني امرأة من العرب وهذه من العجم ، فقال : إني والله لا أجد لبني إسماعيل في
هذا الفئ فضلا على بني إسحاق .
وروى معاوية بن عمار عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال : ما اعتلج على علي عليه السلام
أمران في ذات الله تعالى إلا أخذ بأشدهما ، ولقد علمتم أنه كان يأكل يا أهل الكوفة
عندكم من ماله بالمدينة ، وأن كان ليأخذ السويق فيجعله في جراب ويختم عليه مخافة
أن يزاد عليه من غيره ، ومن كان أزهد في الدنيا من علي عليه السلام ؟ .
وروى النضر بن المنصور عن عقبة بن علقمة قال : دخلت على علي عليه السلام فإذا
بين يديه لبن حامض آذاني ( 2 ) حموضته ، وكسر يابسة ، فقلت : ياأمير المؤمنين
أتأكل مثل هذا ؟ فقال لي : يا أبا الجنوب كان رسول الله يأكل أيبس من هذا ويلبس
أخشن من هذا - وأشار إلى ثيابه - فإن أنالم آخذ به ( 3 ) خفت أن لا ألحق به .
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : سعيد .
( 2 ) : آذتنى .
وقوله " كسر " جمع الكسرة - بكسر الكاف - : القطعة من الشئ
المكسور .
والمراد هنا قطعات الخبز اليابس .
( 3 ) في المصدر : لم آخذ بما أخذبه .
[138]
وروى عمران بن غفلة ( 1 ) قال : دخلت على علي عليه السلام بالكوفة ، فإذا بين
يديه قعب لبن أجد ريحه من شدة حموضته ، وفي يده رغيف يرى قشار الشعير على
وجهه ، وهو يكسره ويستعين أحيانا بركبتيه ، وإذا جاريته فضة قائمة على رأسه
فقلت : يا فضة أما تتقون الله في هذا الشيخ ؟ ألا نخلتم دقيقه ؟ فقالت : إنا نكره
أن تؤجر ونأثم نحن : قد أخذ علينا أن لا ننخل له دقيقا فأصلحناه ( 2 ) قال : وعلي عليه السلام
لا يسمع ما تقول ، فالتفت إليها فقال : ما تقول ( 3 ) ؟ قالت : سله : فقال لي : ما
قلت لها ؟ [ قال ] فقلت : إني قلت لها : لو نخلتم دقيقه ، فبكى ثم قال : بأبي
وامي من لم يشبع ثلاثا متوالية من خبزبر حتى فارق الدنيا ، ولم ينخل دقيقه - قال :
يعني رسول الله صلى الله عليه وآله .
وروى يوسف بن يعقوب عن صالح بياع الاكسية أن جدته لقيت عليا عليه السلام
بالكوفة ومعه تمر يحمله ، فسلمت عليه وقالت له : أعطني يا أمير المؤمنين ( 4 ) أحمل عنك
إلى بيتك ، فقال : أبوالعيال أحق بحمله ، قالت : ثم قال لي : ألا تأكلين منه ؟
فقلت : لا اريده ، قالت : فانطلق به إلى منزله ثم رجع مرتدئا بتلك الشملة وفيها
قشور التمر ، فصلى بالناس فيها الجمعة .
وروى محمد بن فضيل بن غزوان قال : قيل لعلي عليه السلام : كم تتصدق ؟ كم
تخرج مالك ؟ ألا تمسك ؟ قال : إني والله لو أعلم أن الله تعالى قبل مني وفرضا
واحدا لامسكت ، ولكني والله لا أدري أقبل سبحانه مني شيئا أم لا .
وروى عنبسة العابد عن عبدالله بن الحسن بن الحسين ( 5 ) قال : أعتق علي .
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : وروى عمران بن مسلمة عن وسويد بن غفلة .
( 2 ) : ما صحبناه .
( 3 ) : ما تقولين .
( 4 ) : أعطنى يا أمير المؤمنين هذا التمر اه .
( 5 ) : عن عبدالله بن الحسين بن الحسن .
والظاهر : عن عبدالله بن الحسن
الحسن .
( * )
[139]
عليه السلام في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله ألف مملوك مما مجلت يداه ( 1 ) وعرق جبينه
ولقد ولى الخلافة وأتته الاموال ، فما كان حلواه إلا التمر ولا ثيابه إلا الكرابيس .
وروى العوام بن حوشب عن أبي صادق قال : تزوج علي عليه السلام ليلى بنت
مسعود النهشلية ، فضربت له في داره حجلة ، فجاء فهتكها وقال : حسب أهل علي
ماهم فيه .
وروى حاتم بن إسماعيل المدائني ( 2 ) عن جعفر بن محمد عليهم السلام قال : ابتاع
علي عليه السلام في خلافته قميصا سملا بأربعة دراهم ، ثم دعا الخياط فمد كم القميص
وأمره بقطع ما جاوز الاصابع ( 3 ) .
وقال في موضع آخر من شرح نهج البلاغة : وأما فضائله فإنها قد بلغت من
العظم والانتشار مبلغا يسمج ( 4 ) معه التعرض لذكرها والتصدي لتفصيلها ، فصارت
كما قال أبوالعيناء لعبد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل والمعتمد : رأيتني
فيما أتعاطى من وصف فضلك كالمخبر عن ضوء النهار الباهر والقمر الزاهر الذي لا
يخفى على الناظر ، فأيقنت أني حيث انتهى بي القول منسوب إلى العجز مقصر
عن الغاية ، فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدعاء لك ، ووكلت الاخبار عنك إلى
علم الناس بك .
وما أقول في رجل أقر له أعداؤه وخصومه بالفضل ، ولم يمكنهم جهل
مناقبه ولا كتمان فضائله فقد علمت أنه استولى بنو أمية على سلطان الاسلام
في شرق الارض وغربها ، واجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره والتحريف عليه و
وضع المعائب والمثالب له ، ولعنوه على جميع المنابر وتوعدوا ما دحيه بل حبسوهم
وقتلوهم ، ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة أو يرفع له ذكرا ، حتى
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) مجلت يده : نفطت من العمل وظهر فيها المجل ، وهو أن يكون بين الجلد واللحم
ماء من كثرة العمل .
( 2 ) في المصدر : المدنى .
( 3 ) شرح النهج 1 : 215 - 217 ، .
( 4 ) أى يقبح .
وفي المصدر : من العظم والجلال .
( * )
[140]
حظروا ( 1 ) أن يسمى أحد باسمه ، فما زاده ذلك إلا رفعة وسموا ، وكان كالمسك
كلما ستر انتشر عرفه ، وكلما كتم تضع نشره ، وكالشمس لا تستر بالراح ( 2 )
وكضوء النهار إن حجبت عنه عين واحدة أدركته عيون كثيرة أخرى ، وما أقول
في رجل تعزى إليه كل فضيلة ، وتنتهي إليه كل فرقة ( 3 ) ، فهو رئيس الفضائل
وينبوعها ، وأبوعذرها وسابق مضمارها ومجلي حلبتها ( 4 ) ، كل من برع فيها
بعده فمنه أخذ ، وله اقتفى وعلى مثاله احتذي .
وقد عرفت أن أشرف العلوم هو العلم الالهي ، لان شرف العلم بشرف المعلوم
ومعلومه أشرف الموجودات ، فكان هو أشرف العلوم ، ومن كلامه عليه السلام اقتبس وعنه
نقل ، وإليه انتهى ومنه ابتدئ ، فإن المعتزلة الذين هم أهل التوحيد والعدل
وأرباب النظر ومنهم تعلم الناس هذا الفن تلامذته وأصحابه ، لان كبيرهم واصل
ابن عطاء تلميذ أبي هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية ، وأبوهاشم تلميذ أبيه ، وأبوه
تلميذه عليه السلام ، وأما الاشعرية فإنهم ينتمون إلى أبي الحسن علي بن أبي بشير ( 5 )
الاشعري ، وهو تلميذ أبي علي الجبائي ، وأبوعلي أحد مشائخ المعتزلة
فالاشعرية ينتهون بالاخرة إلى أستاد المعتزلة ومعلمهم ، وهو علي بن أبي طالب
عليه السلام ، وأما الامامية والزيدية فانتماؤهم ( 6 ) إليه ظاهر .
ومن العلوم علم الفقه وهو أصله وأساسه ، وكل فقيه في الاسلام فهو عيال
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) أى منعوا .
( 2 ) الراح : باطن اليد .
( 3 ) في المصدر بعد ذلك : وتتجاذبه كل طائفة .
( 4 ) يقال " ابوعذرها وابوعذرتها " للرجل الذى يفتض البكر ، وهذه كناية من أنه
عليه السلام لم يسبقه أحد في الفضايل والكمالات .
والمضمار : غاية الفرس في السباق و .
الحلبة : الدفعة من الخيل في الرهان خاصة ، يقال " هو يركض في كل حلبة من حلبات المجد "
الحلبة ايضا : الخيل تجمع للسباق وقوله " برع " أى فاق علما وفضيلة .
( 5 ) في المصدر : ابى بشر .
( 6 ) في ( ك ) : فانتهاؤهم .
( * )