[151]
من نفسك من تستقبحه من غيرك ، فإن أربابها نسبوا أنفسهم إليه ، وصنفوا في ذلك
كتبا ، وجعلوا لذلك إسنادا أنهوه إليه وقصروه عليه ، وسموه سيد الفتيان ،
وعضدوا مذاهبهم ( 1 ) بالبيت المشهور المروي أنه سمع من السماء يوم احد : " لا سيف
إلا ذوالفقار ولا فتى إلا علي " وما أقول في رجل أبوه أبوطالب سيد البطحاء ،
وشيخ قريش ورئيس مكة ، قالوا : قل أن يسود فقير وساد أبوطالب وهو فقير
لا مال له ، وكانت قريش تسميه الشيخ ، وفي حديث عفيف الكندي : لما رأى
النبي صلى الله عليه وآله يصلي في مبدء الدعوة ومعه غلام وامرأة قال ( 2 ) : فقلت للعباس : أي
شئ هذا ؟ قال : هذا ابن أخي يزعم أنه رسول من الله إلى الناس ، ولم يتبعه على
قوله إلا هذا الغلام وهو ابن أخي أيضا ، وهذه الامرأة وهي زوجته قال : فقلت :
فما الذي تقولونه أنتم ؟ قال : ننتظر ما يفعل الشيخ - قال : يعني أبا طالب - وهو
الذي كفل الرسول الله صلى الله عليه وآله صغيرا ، وحماه وحاطه كبيرا ، ومنعه من مشركي قريش ،
ولقي لاجله عناء عظيما ( 3 ) ، وقاسى بلاء شديدا ، وصبر على نصره والقيام
بأمره ، وجاء في الخبر أنه لما توفي أبوطالب أوحي إليه وقيل له : اخرج منها
فقد مات ناصرك ، وله مع شرف هذه الابوة أن ابن عمه محمد صلى الله عليه وآله سيد الاولين
والآخرين ، وأخاه جعفر ذوالجناحين الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وآله : أشبهت خلقي
وخلقي ( 4 ) ، وزوجته سيدة نساء العالمين ، وابنيه سيدا شباب أهل الجنة ، فآباؤه
آباء رسول الله وامهاته أمهات رسول الله صلى الله عليه وآله وهو مسوط ( 5 ) بلحمه ودمه ، لم
يفارقه منذ خلق الله آدم إلى أن ماز ( 6 ) عبدالمطلب ، بين الاخوين عبدالله وأبي طالب
-بحار الانوار مجلد: 37 من ص 151 سطر 19 الى ص 159 سطر 18
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : وعضدوا مذهبهم اليه .
( 2 ) أى قال الكندى .
( 3 ) في المصدر : عنتا عظيما .
( 4 ) بعد ذلك : فمر يحجل فرجا .
( 5 ) أى ممزوج ومخلوط .
( 6 ) مايز خ ل وفي بعض نسخ المصدر : مات .
( * )
[152]
وأمهما واحدة ، فكان منهما سيد الناس هذا الاول وهذا الثاني ( 1 ) وهذا المنذر
وهذا الهادي .
وما أقول في رجل سبق الناس إلى الهدى وآمن بالله وعبده ، وكل من في
الارض يعبد الحجر ويجحد الخالق ، لم يسبقه أحد إلى التوحيد إلا السابق إلى
كل خير محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ذهب أكثر أهل الحديث إلى أنه أول الناس اتباعا
لرسول الله وإيمانا به ، ولم يختلف ( 2 ) في ذلك إلا الاقلون ، وقد قال هو عليه السلام :
أنا الصديق الاكبر وأنا الفاروق الاول ، أسلمت قبل إسلام الناس ، وصليت قبل
صلاتهم ، ومن وقف على كتب أصحاب الاحاديث تحقق ( 3 ) وعلمه واضحا ، وإليه
ذهب الواقدي وابن جرير الطبري ، وهو القول الذي رجحه ونصره صاحب
كتاب الاستيعاب وبالله التوفيق ( 4 ) .
46 - نهج : من خطبة له عليه السلام خطبها بصفين : أما بعد فقد جعل الله سبحانه
لي عليكم حقا بولاية أمركم ، ولكم علي من الحق مثل الذي لي عليكم ، فالحق
أوسع الاشياء في التواصف وأضيقها في التناصف ، لا يجري لاحد إلا جرى عليه ، ولا
يجري عليه إلا جرى له ، ولو كان لاحد أن يجري له ولا يجري عليه لكان ذلك خالصا
لله سبحانه دون خلقه لقدرته على عباده ، ولعدله في كل ماجرت عليه صروف
قضائه ، ولكنه جعل حقه على العباد أن يطيعوه ، وجعل جزاءهم عليه مضاعفة
الثواب تفضلا منه وتوسعا بما هو من المزيد أهله ، ثم جعل سبحانه من حقوقه
حقوقا افترضها لبعض الناس على بعض ، فجعلها تتكافى في وجوهها ويوجب بعضها
بعضا ، ولا يستوجب بعضها إلا ببعض .
وأعظم اما افترض [ الله ] سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية ، وحق
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : وهذا التالى .
( 2 ) : ولم يخالف .
( 3 ) : تحقق ذلك .
( 4 ) شرح النهج 1 : 7 - 14 .
( * )
[153]
الرعية على الوالي ، فريضة فرضها الله سبحانه لكل على كل ، فجعلها نظاما
لالفتهم وعزا لدينهم ، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة ولا تصلح الولاة إلا
باستقامة الرعية فاذا أدت الرعية إلى الوالي حقه وأدى الوالي إليها حقها عز
الحق بينهم ، وقامت مناهج الدين ، واعتدلت معالم العدل ، وجرت على أدلالها
السنن ، فصلح بذلك الزمان وطمع في بقاء الدولة ، ويئست مطامع الاعداء ، وإذا
غلبت الرعية واليها أو أجحف الوالي برعيته اختلفت هنالك ( 1 ) الكلمة ، وظهرت
معالم الجور ، وكثر الادغال في الدين ، وتركت محاج السنن ، فعمل بالهوى و
عطلت الاحكام ، وكثرت علل النفوس ، فلا يستوحش لعظيم حق عطل ، ولا لعظيم
باطل فعل ، فهنالك تذل الابرار وتعز الاشرار ، وتعظم تبعات الله سبحانه عند
العباد ، فعليكم بالتناصح في ذلك وحسن التعاون عليه ، فليس أحد وإن اشتد على
رضا الله حرصه وطال في العمل اجتهاده ببالغ حقيقة ما الله سبحانه أهله من الطاعة
له ، ولكن من واجب حقوق الله سبحانه على العباد النصيحة بمبلغ جهدهم ، والتعاون
على إقامة الحق بينهم ، وليس امرؤ وإن عظمت في الحق منزلته وتقدمت في
الدين فضيلته بفوق أن يعان ( 2 ) على ما حمله الله من حقه ، ولا امرؤ وإن صغرته
النفوس واقتحمته العيون بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه .
فأجابه رجل من أصحاب بكلام طويل يكثر فيه الثناء عليه ويذكر سمعه و
طاعته له فقال عليه السلام : إن من حق من عظم جلال الله سبحانه في نفسه وجل موضعه
من قلبه أن يصغر عنده - لعظم ذلك ( 3 ) - كل ما سواه ، وإن أحق من كان كذلك
لمن عظمت نعمة الله سبحانه عليه ولطف إحسانه إليه ، فإنه لم تعظم نعمة الله على
أحد إلا ازداد حق الله عليه عظما ، وإن من أسخف حالات الولاة عند صالحي الناس
أن يظن بهم حب الفخر ويوضع أمرهم على الكبر ، وقد كرهت أن يكون جال ( 4 )
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر و ( م ) : هناك .
( 2 ) في المصدر : أن يعاون .
( 3 ) اى لاجل عظمة الله وجلاله سبحانه .
( 4 ) في ( ك ) و ( م ) أن يكون حالى .
( * )
[154]
في ظنكم أني أحب الاطراء واستماع الثناء ، ولست بحمد الله كذلك ، ولو كنت
أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطا لله سبحانه عن تناول ما هو أحق به من العظمة
والكبرياء ، وربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء ، فلا تثنوا علي بجميل ثناء
لاخراجي نفسي إلى الله سبحانه وإليكم من البقية في حقوق لم أفرغ من أدائها ،
وفرائض لابد من إمضائها ، فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة ، ولا تتحفظوا مني
بما يتحفظ به عند أهل البادرة ، ولا تخالطوني بالمصانعة ، ولا تظنوا بي استثقالا في
حق قيل لي ، ولا التماس إعظام لنفسي ، فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل
أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه ، فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة
بعدل ، فإني لست في نفسي بفوق أن اخطئ ، ولا آمن ذاك من فعلي إلا أن يكفي
الله من نفسي ما هو أملك به مني ، فإنما أنا وأنتم عبيد مملو كون لرب لارب غيره
يملك منا مالا نملك من أنفسنا ، وأخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا عليه ، فأبدلنا
بعد الضلالة بالهدى ، وأعطانا البصيرة بعد العمى ( 1 ) .
تبيين : قوله عليه السلام : ( أوسع الاشياء في التواصف ) أي كل أحد يصف الحق
والعدل ويقول : لو وليت لعدلت ، ولكن إذا تيسر له لم يعمل بقوله ولم ينصف
الناس من نفسه ومعالم الشئ : مظانه وما يستدل به عليه ، والاذلال : المجاري
والطرق .
واختلاف الكلمة : اختلاف الآراء والاهواء .
وقال الجزري : أصل
الدغل الشجر الملتف الذي يكون ( 2 ) أهل الفساد فيه ، وأدغلت في هذا الامر إذا
أدخلت فيه ما يخالفه ( 3 ) ، والمحاج جمع محجة وهي جادة الطريق ، واقتحمته
عيني : احتقرته ، والاطراء : المبالغة في المدح ، قوله : ( من البقية ) في أكثر النسخ
بالباء الموحدة ، أي لا تثنوا علي لاجل ما ترون مني في طاعة الله ، فإنما هو إخراج
لنفسي إلى الله من حقوقه الباقية علي لم أفرغ من أدائها ، وكذلك إليكم من
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) نهج البلاغة ( عبده ط مصر ) 1 : 459 - 463 .
( 2 ) الصحيح كما في المصدر : يكمن .
( 3 ) النهاية 2 : 25 .
( * )
[155]
الحقوق التي أو جبها الله علي لكم من النصيحة والهداية والارشاد ، وقيل : المعنى :
لاعترافي بين يدي الله وبمحضر منكم أن علي حقوقا في رئاستي عليكم لم أقم بها
بعد ، وأرجو م ن الله القيام بها ، وفي بعض النسخ المصححة القديمة بالتاء المثناة
الفوقانية ، أي من خوف الله في حقوق لم أفرغ من أدائها بعد ، قوله عليه السلام : ( ولا
تتحفظوا مني ) أي لا تمتنعوا من إظهار ما تريدون إظهاره لدي خوفا من سطوتي
كما هو شأن الملوك ، والبادرة : الحدة وما يبدر عند الغضب ، والمصانعة : المداراة
والرشوة .
أقول : سيأتي تمام الخطبة في باب خطبه عليه السلام .
47 - نهج : من كلام له عليه السلام كلم به عبدالله بن زمعة ( 1 ) وهو من شيعته
وذلك أنه قدم عليه في خلافته فطلب ( 2 ) منه مالا فقال عليه السلام : إن هذا المال ليس
لي ولا لك ، وإنما هو فيئ المسلمين ( 3 ) وجلب أسيافهم ، فإن شركتهم في حربهم
كان لك مثل حظهم ، وإلا فجناة أيديهم لا تكون لغير أفواههم ( 4 ) .
48 - نهج : روي أن شريح بن الحارث قاضي أمير المؤمنين عليه السلام اشترى
على عهده دارا بثمانين دينارا ، فبلغه ذلك واستدعاه ( 5 ) وقال له : بلغني أنك ابتعت دارا
بثمانين دينارا وكتبت كتابا وأشهدت فيه شهودا ، فقال له شريح : قد كان ذلك يا
أميرالمؤمنين ، قال : فنظر إليه نظر مغضب ثم قال : يا شريح أما إنه سيأتيك من
لا ينظر في كتابك ، ولا يسألك عن بينتك حتى يخرجك منها شاخصا ، ويسلمك
إلى قبرك خالصا ، فانظر يا شريح لا تكون ابتعت هذه الدار من غير مالك أو نقدت
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) عبدالله بن زمعة بن الاسود وامه قريبة بنت أبى امية بن المغيرة اخت ام سلمة ام المؤمنين
كان من اشراف قريش وكان يأذن على النبي صلى الله عليه وآله .
( اسد الغابة 3 : 164 ) .
( 2 ) في المصدر : يطلب .
( 3 )
: للمسلمين .
( 4 ) نهج البلاغة 1 : 489 .
( 5 ) في المصدر : فاستدعاه .
( * )
[156]
الثمن من غير حلالك ، فإذا أنت قد خسرت دارالدنيا ودار الآخرة ، أما إنك
لو كنت أتيتني عند شرائك ما اشتريت لكتبت لك كتابا على هذه النسخة فلم ترغب
في شراء هذه الدار بدرهم فما فوقه ( 1 ) ، والنسخة هذه : هذا ما اشترى عبد ذليل
من ميت ( 2 ) قد أزعج للرحيل ، اشترى منه دارا من دار الغرور من جانب الفانين
وخطة الهالكين ، وتجمع هذه الدار حدود أربعة : الحد الاول ينتهي إلى دواعي
الآفات ، والحد الثاني ينتهي إلى دواعي المصيبات ، والحد الثالث ينتهي إلى الهوى
المردي ، والحد الرابع ينتهي إلى الشيطان المغوي وفيه يشرع باب هذه الدار ،
اشترى هذا المغتر بالامل من هذا المزعج بالاجل هذه الدار بالخروج من عز القناعة
والدخول في ذل الطلب والضراعة ( 3 ) ، فما أدرك هذا المشتري فيما اشترى من
درك ( 4 ) ، فعلى مبلبل أجسام الملوك وسالب نفوس الجبابرة ومزيل ملك الفراعنة
مثل كسرى وقيصر وتبع وحمير ومن جمع المال على المال فأكثر ومن بنى وشيد
وزخرف ونجد وادخر واعتقد ونظر بزعمه للولد ، إشخاصهم جميعا إلى موقف العرض
والحساب وموضع الثواب والعقاب إذا وقع الامر بفصل القضاء " وخسر هنالك
المبطلون " شهد على ذلك العقل إذا خرج من أسر الهوى وسلم من علائق الدنيا ( 5 ) .
لى : صالح بن عيسى العجلي ، عن محمد بن محمد بن علي ، عن محمد بن الفرج
عن عبدالله بن محمد العجلي ، عن عبدالعظيم الحسني ، عن أبيه ، عن أبان مولى زيد
ابن علي ، عن عاصم بن بهدلة ، عن شريح مثله مع زيادة سيأتي في أبوب مواعظه
عليه السلام ( 6 ) .
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : فما فوق .
( 2 ) من عبد .
( 3 ) الضراعة : الخضوع والتذلل .
( 4 ) في المصدر فيما اشترى منه من درك " وجواب الشرط محذوف ويأتى توضيحه في
البيان .
( 5 ) نهج البلاغة ( عبده ط مصر ) 2 : 4 و 5 .
( 6 ) أمالى الصدوق : 187 و 188 .
( * )
[157]
بيان : يقال : شخص بصره بالفتح فهو شاخص : إذا فتح عينيه وصار لايطرف
وهو كناية عن الموت ، ويجوز أن يكون من شخص من البلد يعني ذهب وسار ، أو من
شخص السهم إذا ارتفع عن الهدف ، والمراد : يخرجك منها مرفوعا محمولا على أكتاف
الرجال ، وسلمه إليه : أعطاه فتناوله منه ، قوله عليه السلام : ( خالصا ) أي من الدنيا
وحطامها ليس معك شئ منها ، قوله عليه السلام : ( فإذا أنت ) في أكثر النسخ بالتنوين
فهو جزاء شرط محذوف ، أي لو ابتعتها كذلك فقد خسرت الدارين ، وفي بعضها
بالالف غير منون فتكون إذا الفجائية ، كقول الله تعالى : " فإذا هم خامدون ( 1 ) "
وأزعجه : أقلقه وقلعه عن مكانه ، والخطة بالكسر هي الارض يخطها الانسان أي
يعلم عليها علامة بالخط ليعمرها ، ومنه خطط الكوفة والبصرة ، ولعل فيه إشعارا
بأن ملكهم لها ليس ملكا تاما بل من قبيل العلامة التي يعلم الانسان على أرض
يريد التصرف فيها ، قوله عليه السلام : ( وتجمع هذه الدار ) أي تحيط بها ، ويقال :
أرداه أي أهلكه ، قوله : ( وفيه يشرع ) على البناء للمجهول أي يفتح ، ولعله كناية
عن أن سبب شراء هذه الدار هو الشيطان وإغواؤه ، أو عن أن هذه الدار تفتح باب
وساوس الشيطان على الانسان ، قوله عليه السلام : ( بالخروج ) الباء للعوض ، فالخروج
هو الثمن ، قوله عليه السلام : ( فما أدرك ) ما شرطية وأدرك بمعنى لحق ، واسم الاشارة
مفعوله ، والدرك بالتحريك التبعة ، والبلبلة : الاضطراب والاختلاط وإفساد
الشئ بحيث يخرج عن حد الانتفاع به ، والمراد به الموت أو ملكه أو الرب تعالى
شأنه ، وقوله : ( إشخاص ) مبتدء و ( على مبلبل ) خبره ، ويقال : نجد أي فرش
المنزل بالوسائد ، والتنجيد التزيين ، ويجوز أن يكون المراد به هنا الرفع من النجد
وهو المرتفع من الارض ، ويقال : اعتقد ضيعة ومالا أي اقتناهما .
ثم اعلم أنه يكفي لمناسبة ما يكتب في سجلات البيوع لفظ الدرك ، ولا يلزم
مطابقته لما هو المعهود فيها من كون الدرك لكون المبيع أو الثمن معيبا أومستحقا
للغير ، فالمراد بالدرك التبعة والاثم أي ما لحق هذا المشتري من وزر وحط مرتبة
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) سورة يس : 29 .
( * )
[158]
ونقص عن حظوظ الآخرة فسيجزي بها في القيامة .
أقول ويحتمل أيضا عندي أن يكون المشتري هذا الشخص من حيث كونه
تابعا للهوى ، ولذا وصفه تارة بالعبد الذليل أي الاسير في قيد الهوى ، وبين ذلك
آخرا حيث عبر عنه بالمغتر بالامل ، والبائع هذا الشخص أيضا حيث أعطاه الله
العقل ونبه عقله وآذنه بالرحيل وأعلمه أنه ميت ولابد من أن يموت ، والمدرك
لتلك الامور والمخاطب بها هو النفس من حيث اشتماله على العقل ، و لما كان هذا
العقل شأنه تحصيل السعادات الدائمة والمثوبات الاخروية والدار الباقية وهذا
المأسور في قيد الهوى استعمله في تحصيل الدار الفانية المحفوفة بالآفات والبليات
وأعطاه عوضا من كسبه الخروج من عز القناعة والدخول في ذل الطلب فعلى
البائع عليه دعوى الدرك في القيامة بأنك ضيعت كسبي ونقصت حظي وأبدلتني
من سعيي ذلا ونقصا وهوانا ، فعند ذلك يخسر المبطلون ، فهذا ما خطر بالبال فخذما
آتيتك وكن من الشاكرين .
49 - : العدة ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن أيوب بن الحر
عن محمد بن علي الحلبي قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الطعام فقال : عليك بالخل و
الزيت فإنه مرئ ، وإن عليا عليه السلام كان يكثر أكله ، إني أكثر أكله وإنه
مرئ ( 1 ) .
50 - كا : العدة ، عن سهل ، عن علي بن أسباط ، عن يعقوب بن سالم قال :
سمعت أباعبدالله عليه السلام يقول : كان أمير المؤمنين عليه السلام يأكل الخل والزيت ويجعل
نفقته تحت طنفسته ( 2 ) .
51 - كا : محمد بن يحيى ، عن عبدالله بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم
عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن فاطمة بنت علي ، عن أمامة بنت أبي
العاص بن الربيع وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه و آله قالت : أتاني أمير المؤمنين عليه السلام
*
_________________________________________________________
) * ( 1 و 2 ) فروع ا لكافى ( المجلد السادس من الطبعة الحديثة ) : 328 .
والطنفسة - مثلثة
الطاء والفاء : البساط .
الحصير .
( * )
[159]
في شهر رمضان فاتي بعشاء وتمر وكمأة ، فأكل عليه السلام وكان يحب الكمأة ( 1 ) .
52 - كا : الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن
أحمد بن عائذ عن أبي خديجة ، عن معلى بن خنيس ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن عليا
كان عندكم فأتى بني ديوان فاشترى ( 2 ) ثلاثة أثواب بدينار ، القميص إلى فوق الكعب
والازار إلى نصف الساق والرداء من بين يديه إلى ثدييه ومن خلفه إلى إلييه ( 3 )
ثم رفع يده إلى السماء فلم يزل يحمد الله على ما كساه حتى دخل منزله ، ثم قال :
هذا اللباس الذي ينبغي للمسلمين أن يلبسوه ، قال أبوعبدالله عليه السلام : ولكن لا يقدرون
أن يلبسوا هذا اليوم ، ولو فعلنا ( 4 ) لقالوا : مجنون ، ولقالوا : مراء ! والله عزوجل
يقول : " وثيابك فطهر ( 5 ) " قال : وثيابك ارفعها لاتجرها ، فاذا ( 6 ) قام قائمنا
كان هذا اللباس ( 7 ) .
53 - كا : العدة ، عن سهل ، عن جعفر بن محمد الاشعري ( 8 ) ، عن أبي
عبدالله عليه السلام قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا لبس القميص مد يده ، فإذا طلع على
أطراف الاصابع قطعه ( 9 ) .
54 - كا : العدة ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن الحسن
الصيقل قال : قال لي أبوعبدالله عليه السلام : تريد أريك قميص علي الذي ضرب فيه
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) فروع الكافى ( الجزء السادس من الطبعة الحديثة ) : 369 و 370 .
والكمأة نبات
يقال له شحم الارض ايضا ، يوجد في الربيع تحت الارض ، وهو اصل مستدير لا ساق له ولا
عرق ، لونه يميل إلى الغبرة .
-بحار الانوار مجلد: 37 من ص 159 سطر 19 الى ص 167 سطر 18
( 2 ) في المصدر : واشترى .
( 3 ) : إلى اليتيه .
( 4 ) : ولو فعلناه .
( 5 ) سورة المدثر : 4 .
( 6 ) في المصدر : ولا تجرها وإذا .
( 7 ) فروع الكافى ( الجزء السادس من الطبعة الحديثة ) : 455 و 456 .
( 8 ) في المصدر بعد ذلك : عن ابى القداح .
( 9 ) فروع الكافى ( الجزء السادس من الطبعة الحديثة ) : 457 .
( * )
[160]
وأريك دمه ؟ قال : قلت : نعم ، فدعا به وهو في سفط ( 1 ) فأخرجه ونشره ، فإذا هو
قميص كرابيس يشبه السنبلاني ( 2 ) ، وإذا موضع الجيب ( 3 ) إلى الارض ، وإذا
أثر دم ( 4 ) أبيض شبه اللبن شبه شطيب السيف ( 5 ) ، قال : هذا قميص [ كرابيس ]
علي الذي ضرب فيه ، وهذا أثر دمه ، فشبرت بدنه فإذا هو ثلاثة أشبار ، وشبرت
أسفله فإذا هو اثنا عشر شبرا ( 6 ) .
بيان : شطيب السيف : طرائقه التي في متنه .
55 - كا : أبوعلي الاشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، ومحمد بن يحيى ،
عن أحمد بن محمد ، جميعا عن الحجال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن زرارة بن أعين قال :
رأيت قميص علي عليه السلام الذي قتل فيه عند أبي جعفر عليه السلام فإذا أسفله اثنا عشر
شبرا وبدنه ثلاثة أشبار ، ورأيت فيه نضج دم ( 7 ) .
56 - نهج : والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها ، ولقد
قال لي قائل : ألا تنبذها عنك ؟ فقلت : اعزب عني فعند الصباح يحمد القوم
السرى ( 8 ) .
ايضاح : السرى كالهدى : السير عامة الليل ، وهذا مثل يضرب لمحتمل
المشقة العاجلة للراحة الآجلة .
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) السفط : وعاء كالقفة او الجوالق .
( 2 ) السنبلانى : قميص منسوب إلى بلد بالروم .
( 3 ) قوله " موضع للجيب إلى الارض " كمعظم أى خيط الجيب إلى الذيل بعد وضع القطن
فيه ، أو خرق وقع من ذلك الموضع إلى الارض .
قال في القاموس : التوضيع خياطة الجبة بعد
وضع القطن فيها ، وكمعظم المكسر المقطع انتهى .
أو الموضع كمجلس أى كان جيبه مفتوقا
إلى الذيل اما بحسب أصل وضعه أو صار بعد الحادثة كذلك .
قاله في المرآت .
( 4 ) في المصدر : واذا الدم .
( 5 ) : شطب .
( 6 و 7 ) فروع الكافى ( الجزء السادس من الطبعة الحديثة ) : 457 .
( 8 ) نهج البلاغة ( عبده ط مصر ) 1 : 315 .
( * )