[ 21 ]
يوم القيامة فلي خمسه بعد وفاتك يا رسول الله ، وحكمي على الذي منه لك في حياتك
جائز ، فإني نفسك وأنت نفسي ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : كذلك هو ياعلي ، ولكن
كيف أديت زكاة ذلك ؟ فقال علي عليه السلام : علمت بتعريف الله إياي على لسانك أن
نبوتك هذه سيكون بعدها ملك عضوض ( 1 ) وجبرية ، فيستولي على خمسي من
السبي والغنائم ( 2 ) فيبيعونه ، فلا يحل لمشتريه ، لان نصيبي فيه ، وقد وهبت
نصيبي فيه ( 3 ) لكل من ملك شيئا من ذلك من شيعتي ، فيحل لهم منافعهم من
مأكل ومشرب ، ولتطيب مواليدهم ، فلايكون أولادهم أولاد حرام ، قال رسول
الله صلى الله عليه وآله : ما تصدق أحد أفضل من صدقتك ، ولقد تبعك رسول الله في فعلك
أحل لشيعته كل ما كان من غنيمة وبيع من نصيبه على واحد من شيعتي ، ولا
احله أنا ولا أنت لغيرهعم .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : فأيكم اليوم دفع عن عرض أخيه المؤمن ؟ قال
علي عليه السلام : أنا يا رسول الله ، مررت بعبد الله بن ابي وهو يتناول عرض زيد بن حارثة
فقلت له : اسكت لعنك الله ، فما تنظر إليه إلا كنظرك إلى الشمس ، ولا تتحدث
عنه إلا كتحدث أهل الدنيا عن الجنة ، فإن الله تعالى قد زادك لعائن إلى لعائن لو قيعتك
فخجل واغتاظ فقال : يا أبا الحسن إنما كنت في قولي مازحا ، فقلت له : إن كنت
جادا فأنا جاد وإن كنت هازلا فأنا هازل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : قد لعنه الله
عزوجل عند لعنك له ، ولعنته ملائكة السماوات والارضين والحجب والكرسي
والعرش ، إن الله يغضب لغضبك ، ويرضى لرضاك ، ويعفو عند عفوك ، ويسطو عند
سطوتك .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أتدري ما سمعت من الملا الاعلى فيك ليلة اسري
بي يا علي ؟ سمعتهم يقسمون على الله تعالى بك ويستقضونه حوائجهم ويتقربون
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) عضه : أمسكه باسنانه .
( 2 ) في المصدر : من الفئ والغنائم .
( 3 ) : منه .
( * )
[ 22 ]
إلى الله تعالى بمحبتك ، ويجعلون أشرف ما يعبدون الله به الصلاة علي وعليك
وسمعت خطيبهم في أعظم محافلهم وهو يقول : علي الحاوي لاضناف الخيرات ، المشتمل
على أنواع المكرمات ، الذي قد اجتمع فيه من خصال الخير ما قد تفرق في غيره
من البريات ، عليه من الله تعالى الصلاة والبركات والتحيات ، وسمعت الاملاك
بحضرته والاملاك في سائر السماوات والحجب والعرش والكرسي والجنة والنار
يقولون بأجمعهم عند فراغ الخطيب من قوله : آمين اللهم وطهرنا بالصلاة عليه وعلى آله
الطيبين ( 1 ) .
بيان : قوله صلى الله عليه وآله : ( وجبت ) أي لك الرحمة أو الجنة .
13 - تم : روى صاحب كتاب زهد مولانا علي بن أبي طالب صلوات الله عليه
قال : حدثنا سعد بن عبدالله ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه علي ، عن محمد بن
سنان ، عن صالح بن عقبة ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبيه ، عن حبة العرني
قال : بينا أنا ونوف نائمين في رحبة القصر إذ نحن بأمير المؤمنين عليه السلام في
بقية من الليل ، واضعا يده على الحائط شبيه الواله ، وهو يقول : " إن في خلق
السماوات والارض ( 2 ) " إلى آخر الآية ، قال : ثم جعل يقرأ هذه الآيات ويمر
شبه الطائر عقله ، فقال لي : أراقد أنت يا حبة أم رامق ؟ قال : قلت : رامق هذا .
أنت تعمل هذا العمل فكيف نحن ! فأرخى عينيه فبكى ، ثم قال لي :
يا حبة إن الله موقفا ولنابين يديه موقفا ( 3 ) ، لا يخفى عليه شئ من أعمالنا .
يا
حبة إن الله أقرب إلي وإليك من حبل الوريد ، يا حبة إنه لن يحجبني ولا إياك
عن الله شئ ، قال : ثم قال : أراقد أنت يا نوف ؟ قال : قال : لا يا أمير المؤمنين ما أنا
براقد ، ولقد أطلت بكائي هذه الليلة ، فقال : يانوف إن طال بكاؤك في هذا
الليل مخافة من الله تعالى قرت عيناك غدا بين يدي الله عزوجل ، يانوف إنه ليس
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) تفسير الامام : 30 - 32 .
( 2 ) سورة البقرة : 164 .
( 3 ) كذا في ( ك ) .
وفى غيره من النسخ : ولنا بين يديه موقف .
( * )
[ 23 ]
من قطرة قطرت من عين رجل من خشية الله إلا أطفأت بحارا من النيران ، يا نوف
أنه ليس من رجل أعظم منزلة عندالله من رجل بكى من خشية الله ، وأحب في الله
وأبغض في الله ، يانوف إنه من أحب في الله لم يستأثر على محبته ، ومن أبغض في
-بحار الانوار مجلد: 37 من ص 23 سطر 4 الى ص 31 سطر 4
الله لم ينل ببغضه خيرا ، عند ذلك استكملتم حقائق الايمان ، ثم وعظهما وذكرهما
وقال في أواخره : فكونوا من الله على حذر ، فقد أنذرتكما ، ثم جعل يمر وهو
يقول : ليت شعري في غفلاتي أمعرض أنت عني أم ناظر إلي ؟ وليت شعري في
طول منامي وقلة شكري في نعمك علي ما حالي ؟ قال : فوالله ما زال في هذا الحال
حتى طلع الفجر .
ومن صفات مولانا علي عليه السلام في ليلة ما ذكره نوف لمعاوية بن أبي سفيان :
وإنه ما فرش له فراش في ليل قط ولا أكل طعاما في هجير ( 1 ) قط ، وقال نوف :
أشهد لقد رأيته في بعض مواقفه فقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه وهو قابض
بيده على لحيته يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، والحديث مشهور ( 2 ) .
14 - كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبدالله بن سنان قال : كان
أميرالمؤمنين عليه السلام يذبح كبشين أحدهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله والآخر عن نفسه ( 3 ) .
15 - كا : إبراهيم بن هاشم ، عن عبدالرحمن بن حماد ، عن إبراهيم بن عبد
الحميد ، عن شهاب بن عبد ربه ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام
إذا توضأ لم يدع أحدا يصب عليه الماء ، فقيل له : يا أمير المؤمنين لم لا تدعهم يصبون
عليك الماء ؟ فقال : لا احب أن أشرك في صلاتي أحدا ( 4 ) .
16 - كا ، العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن
محمد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن عليا في
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) الهجير : القدح الضخم واللبن الخاثر .
( 2 ) فلاح السائل مخطوط .
والقطعة الاخيرة مذكورة في النهج ايضا مع اختلافات .
( 3 ) فروع الكافي ( الجزء الرابع من الطبعة الحديثة ) : 495 .
( 4 ) لم نظفر بموضع الرواية وهكذا الرواية الاتية في المصدر .
( * )
[ 24 ]
آخره عمره يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة .
17 - كا : عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد .
عن السندي بن محمد
عن محمد بن الصلت ، عن أبي حمزة ، عن علي بن الحسين عليه السلام قال : صلى أمير المؤمنين
عليه السلام الفجر ، ثم لم يزل في موضعه حتى صارت الشمس على قيد رمح ( 1 )
وأقبل على الناس بوجهه فقال : والله لقد أدركت أقواما يبيتون لربهم سجدا وقياما
يخالفون بين جباههم وركبهم ، كأن زفير النار في آذانهم ، إذا ذكر الله عندهم
مادوا كما يميد الشجر ، كأنما القوم باتوا غافلين ، قال : ثم قام فمارئي ضاحكا
حتى قبض عليه السلام ( 2 ) .
1 قب : المشهور من الصحابة بالنفقة في سبيل الله علي وأبوبكر وعمر
وعثمان وعبدالرحمن وطلحة ، ولعلي في ذلك فضائل ، ولان الجود جودان : نفسي
ومالي ، قال : " جاهدوا بأموالكم وأنفسكم ( 3 ) " وقال النبي صلى الله عليه وآله : أجود الناس
من جاد بنفسه في سبيل الله تعالى الخبر ، فصار قوله : " لا يستوي منكم من أنفق من
قبل الفتح وقاتل اولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ( 4 ) " أليق
بعلي عليه السلام لانه جمع بينهما ولم تجمع ( 5 ) لغيره وقولهم : " إن أبابكر أنفق على
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في ( ك ) : على قدر رمح .
والقيد ايضا بمعناه .
( 2 ) اصول الكافى ( الجزء الثانى من الطبعة الحديثة ) : 236
( 3 ) سورة التوبة : 41 .
( 4 ) سورة الحديد : 10 .
( 5 ) في المصدر : ولم يجمع .
( * )
[ 25 ]
النبي صلى الله عليه وآله أربعين ألفا " فإن صح هذا الخبر فليس فيه أنه كان دينارا أو درهما
وأربعون ألف درهم هو أربعة آلاف دينار ، ومال خديجة أكثر من ماله ، ونفع ذلك
للمسلمين عامة ، وقد شرحت ذلك في كتابي المشهور .
فأما قوله : " فأما من أعطى
واتقى ( 1 ) " فعموم ، ويعارض بقوله : " ووجدك عائلا فأغنى ( 2 ) بمال خديجة ،
وروي أنه نزلت في علي " ( 3 ) عليه السلام وفيه يقول العبدي :
أبوكم هو الصديق آمن واتقى * وأعطى وما أكدى وصدق الحسنى
الضحاك عن ابن عباس نزلت في علي " ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى ( 4 ) "
الآية ، ابن عباس والسدي ومجاهد والكلبي وأبوصالح والواحدي والطوسي
والثعلبي والطبرسي والماوردي والقشيري والثمالي والنقاش والفتال و
عبيدالله بن الحسين وعلي بن حرب الطائي في تفاسيرهم أنه كان عند علي بن أبي
طالب عليه السلام أربعة دراهم من الفضة ، فتصدق بواحد ليلا وبواحد نهارا وبواحد
سر او بواحد علانية ، فنزل " الذين ينفقون أموالهم بالليل ( 5 ) الآية ، فسمى كل
درهم مالا وبشره بالقبول رواه النطنزي في الخصائص .
تفسير النقاش وأسباب النزول قال الكلبي : فقال له النبي صلى الله عليه وآله : ما حملك
على هذا ؟ قال : حملني أن أستوجب عفوالله الذي وعدني ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله
ألا إن ذلك ذلك لك ، فأنزل الله هذه الآية .
الضحاك عن ابن عباس قال : لما أنزل الله : " للفقراء الذين احصروا في سبيل
الله ( 6 ) " الآية ، بعث عبدالرحمن بن عوف بدنانير كثيرة إلى أصحاب الصفة حتى
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) سورة الليل : 5 .
( 2 ) سورة الضحى : 8 .
( 3 ) في المصدر : في خديجة ( خ ل ) وعلى .
( 4 ) سورة البقرة : 262 .
( 5 ) : 274 .
( 6 ) : 273 .
( * )
[ 26 ]
أغناهم ، وبعث علي بن أبي طالب عليه السلام في جوف الليل بوسق من تمر ، فكان أحب
الصدقتين إلى الله صدقة علي ، وانزلت الآية ، وسئل النبي صلى الله عليه وآله : أي الصدقة
أفضل في سبيل الله ؟ فقال : جهد من مقل .
تاريخ البلاذري وفضائل أحمد : أنه كانت غلة علي أربعين ألف دينار ، فجعلها
صدقة ، وإنه باع سيفه وقال : لو كان عندي عشاء ما بعثه .
شريك والليث والكلبي وأبوصالح والضحاك والزجاج ومقاتل بن حيان
ومجاهد وقتادة وابن عباس قالوا : كانت الاغنياء يكثرون مناجاة الرسول ، فلما
نزل قوله : " ياأيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم
صدقة ( 1 ) " انتهوا ، فاستقرض علي عليه السلام دينارا وتصدق به ، فناجى النبي صلى الله عليه وآله
عشر نجوات ، ثم نسخته الآية التي بعدها .
أمير المؤمنين عليه السلام : كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم ، فكان كلما أردت أن
اناجي رسول الله صلى الله عليه وآله قدمت درهما ، فنسختها الآية الاخرى .
الواحدي في أسباب نزول القرآن وفي الوسيط أيضا ، والثعلبي في الكشف
والبيان مارواه علي بن علقمة ومجاهد أن عليا عليه السلام قال : إن في كتاب الله لآية
ما عمل بها أحد قبلي ولا عمل بها أحد بعدي ، ثم تلا هذه الآية .
جامع الترمذي وتفسير الثعلبي واعتقاد الاشنهي عن الاشجعي والثوري
وسالم بن أبي حفصة وعلي بن علقمة الانماري عن علي عليه السلام في هذه الآية : فبي
خفف الله ذلك عن هذه الامة .
وفي مسند الموصلي : فبه خفف الله عن هذه الامة
زاد أبوالقاسم الكوفي في الرواية : إن الله تعالى امتحن الصحابة بهذه الآية ،
فتقاعسوا ( 2 ) كلهم عن مناجاه الرسول صلى الله عليه وآله ، فكان الرسول احتجب في منزله عن
مناجاة أحد إلا من تصدق بصدقة : فكان معي دينار ، وساق عليه السلام كلامه إلى أن
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) سورة المجادلة : 12 .
( 2 ) أى تأخروا .
( * )
[ 27 ]
قال فكنت أنا سبب التوبة من الله على المسلمين حين عملت بالآية فنسخت ، ولولم
أعمل بها - حتى كان عملي بها سببا للتوبة عليهم لنزل العذاب عند امتناع الكل عن
العمل بها .
وقال القاضي الطرثيثى : إنهم عصوا في ذلك إلا علي ، فنسخه عنهم ، يدل
عليه قوله : " فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم ( 1 ) " ولقد استحقوا العذاب لقوله :
" ءأشفقتم " وقال مجاهد : ماكان إلا ساعة .
وقال مقاتل بن حيان : كان ذلك ليالي
عشر ، وكانت الصدقة مفوضة إليهم غير مقدرة .
سفيان بإسناده عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله : فيما استطعت تصدقت .
وروى
الثعلبي عن أبي هريرة وابن عمر أنه قال عمر بن الخطاب : كان لعلي ثلاث لو كان
لي واحدة منهن كانت أحب إلي من حمر النعم : تزويجه فاطمة ، وإعطاؤه الراية
يوم خيبر ، وآية النجوى .
وأنفق على ثلاث ضيفان من الطعام قوت ثلاث ليال ، فنزل فيه ثلاثين آية ،
ونص على عصمته وستره ومراده وقبول صدقته ، وكفاك من جوده قوله : " عينا يشرب
بها عباد الله ( 2 ) " الآية ، وإطعام الاسير خاصة وهو عدو [ الله ] في الدين .
وحدث أبوهريرة أنه كان في المدينة مجاعة ، ومر بي يوم وليلة لم أذق شيئا
وسألت أبابكر آية كنت أعرف بتأويلها منه ، ومضيت معه إلى بابه وردعني ، وانصرفت
جائعا يومي ، وأصبحت وسألت عمر آية كنت أعرف منه بها ، صنع كما صنع أبوبكر
فجئت اليوم الثالث إلى علي عليه السلام وسألته ما يعلمه فقط ، فلما أردت أن أنصرف
دعاني إلى بيته فأطعمني رغيفين وسمنا ، فلما شبعت انصرفت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
فلما بصر بي ضحك في وجهي وقال : أنت تحدثني أو أحدثك ؟ ثم قص علي
ماجرى وقال لي : جبرئيل عرفني .
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) سورة المجادلة : 13 .
( 2 ) سورة الانسان : 6 .
( * )
[ 28 ]
ورئي أمير المؤمنين عليه السلام حزينا فقيل له : مم حزنك ؟ قال : لسبع أتت لم
يضف إلينا ضيف .
تفسير أبي يوسف : يعقوب بن سفيان وعلي بن حرب الطائي ومجاهد بأسانيدهم
عن ابن عباس وأبي هريرة ، وروى جماعة عن عاصم بن كليب عن أبيه - واللفظ له -
عن أبي هريرة أنه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فشكا إليه الجوع ، فبعث رسول الله
صلى الله عليه وآله إلى أزواجه فقلن : ما عندنا إلا الماء ، فقال صلى الله عليه وآله : من لهذا الرجل الليلة ؟
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أنا يا رسول الله ، فأتى فاطمة وسألها : ما عندك يا بنت رسول
الله ؟ فقالت : ما عندنا إلا قوت الصبيه لكنا نؤثر ضيفنا به ، فقال علي عليه السلام : يا بنت
محمد صلى الله عليه وآله نومي الصبية واطفئ المصباح ، وجعلا يمضغان بألسنتهما ، فلما فرغ من
الاكل أتت فاطمة بسراج فوجد الجفنة مملوءة من فضل الله ، فلما أصبح صلى مع
النبي صلى الله عليه وآله ، فلما سلم النبي صلى الله عليه وآله من صلاته نظر إلى أمير المؤمنين عليه السلام وبكى
بكاء شديدا وقال : يا أمير المؤمنين لقد عجب الرب من فعلكم البارحة ، اقرأ :
" ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ( 1 ) " أي مجاعة " ومن يوق شح نفسه " يعني
عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام " فأولئك هم المفلحون " .
كتاب أبي بكر الشيرازي بإسناده عن مقاتل ، عن مجاهد عن ابن عباس
في قوله : " رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ( 2 ) " إلى قوله : " بغير حساب "
قال : هو والله أمير المؤمنين ، ثم قال بعد كلام : وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله أعطى عليا
يوما ثلاثمائة دينارا اهديت إليه ، قال علي : فأخذتها وقلت : والله لاتصدقن الليلة
من هذه الدنانير صدقة يقبلها الله مني ، فلما صليت العشاء الآخرة مع رسول الله صلى الله عليه وآله
أحذت مائة دينار وخرجت من المسجد ، فاستقبلتني امرأة فأعطيتها الدنانير ، فأصبح
الناس بالغد يقولون : تصدق علي الليلة بمائة دينار على امرأة فاجرة ، فاغتممت
غما شديدا فلما صليت الليلة القابلة صلاة العتمة أخذت مائة دينار و خرجت من
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) سورة الحشر : 9 .
( 2 ) سورة النور : 37 و 38 .
[ 29 ]
المسجد وقلت : والله لاتصدقن الليلة بصدقة يتقبلها ربي مني ، فلقيت رجلا
فتصدقت عليه بالدنانير ، فأصبح أهل المدينة يقولون : تصدق علي البارحة بمائة دينار
على رجل سارق ، فاغتممت غما شديدا وقلت : والله لاتصدقن الليلة صدقة يتقبلها
الله مني ، فصليت العشاء الآخرة مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثم خرجت من المسجد ومعي
مائة دينار ، فلقيت رجلا فأعطيته إياها ، فلما أصبحت قال أهل المدينة : تصدق
علي البارحة بمائة دينار على رجل غني ، فاغتممت غما شديدا ، فأتيت رسول الله
صلى الله عليه وآله فخبرته .
فقال لي : يا علي هذا جبرئيل يقول لك : إن الله عزوجل قد قبل
صدقاتك وزكى عملك إن المائة دينار التي تصدقت بها أول ليلة وقعت في يدي امرأة
فاسدة ، فرجعت إلى منزلها و تابت إلى الله عزوجل من الفساد ، وجعلت تلك
الدنانير رأس مالها ، وهي في طلب بعل تتزوج به ، وإن الصدقة الثانية وقعت في
يدي سارق فرجع إلى منزله وتاب إلى الله من سرقته ، وجعل الدنانير رأس ماله
يتجر بها ، وإن الصدقة الثالثة وقعت في يدي رجل غني لم يزك ماله منذ سنين ،
فرجع إلى منزله ووبخ نفسه وقال : شحا عليك يا نفس ، هذا علي بن أبي طالب
تصدق علي بمائة دينار ولا مال له ، وأنا فقد أوجب الله على مالي الزكاة لاعوام
كثيرة لم أزكه ، فحسب ماله وزكاه ، وأخرج زكاة ماله كذا وكذا دينارا ، فأنزل
الله فيك " رجال لا تلهيهم تجارة " الآية .
أبوالطفيل : رأيت عليا عليه السلام يدعو اليتامى فيطعمهم العسل ، حتى قال بعض
أصحابه : لوددت أني كنت يتيما .
محمد بن الصمة ، عن أبيه ، عن عمه قال : رأيت في المدينة رجل على ظهره قربة
وفي يده صحفة يقول : اللهم ولي المؤمنين وإله المؤمنين وجار المؤمنين اقبل قرباتي ( 1 )
الليلة ، فما أمسيت أملك سوى ما فس صحفتي وغير ما يواريني ، فإنك تعلم أني منعته
نفسي مع شدة سغبي ( 2 ) .
أطلب القربة إليك غنما ، اللهم فلا تخلق وجهي ولاترد
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : قراباتى .
( 2 ) السغب : الجوع .
وفي المصدر : في طلب القربة .
( * )
[ 30 ]
دعوتي ، فأتيته عرفته ، فإذا هو علي بن أبي طالب عليه السلام فأتى رجلا فأطعمه .
عبدالله بن علي بن الحسين يرفعه أن النبي صلى الله عليه وآله أتى مع جماعة من أصحابه
إلى علي عليه السلام فلم يجد علي شيئا يقر به إليهم ، فخرج ليحصل لهم شيئا ، فإذا
هو بدينار على الارض ، فتناوله وعرف به فلم يجد له طالبا ، فقومه على نفسه
واشترى به طعاما ، وأتى به إليهم ، وأصاب [ به ] عوضه ، وجعل ينشد صاحبه فلم يجده
فأتى به النبي صلى الله عليه وآله وأخبره ، فقال : يا علي إنه شئ أعطاكه الله لما اطلع
على نيتك وما أردته ، وليس هو شئ للناس ، ودعاله بخير .
روت الخاصة والعامة منهم ابن شاهين المروزي ، وشيرويه الديلمي ( 1 ) عن
الخدري وأبي هريرة أن عليا أصبح ساغبا ، فسأل فاطمة طعاما فقالت : ما
كانت إلا ما أطعمتك منذ يومين ، آثرت به على نفسي وعلى الحسن والحسين ، فقال :
ألا أعلمتني فأتيتكم بشئ ؟ فقالت : يا أبا الحسن إني لاستحيي من إلهي أن أكلفك
مالا تقدر عليه ، فخرج واستقرض عن النبي صلى الله عليه وآله دينارا ، فخرج يشتري به شيئا ،
فاستقبله المقداد قائلا ماشاء الله ، فناوله علي عليه السلام الدينار ، ثم دخل المسجد فوضع
رأسه فنام ، فخرج النبي صلى الله عليه وآله فإذا هوبه ، فحركه وقال : ما صنعت ؟ فأخبره ،
فقام وصلى معه ، فلما قضى النبي صلى الله عليه وآله صلاته قال : يا أبا الحسن هل عندك شئ
نفطر عليه فنميل معك ؟ فأطراق لا يحير جوابا ( 2 ) حياء منه ، وكان الله أوحى إليه
أن يتعشى تلك الليلة عند علي ، فانطلقا حتى دخلا على فاطمة وهي في مصلاها
وخلفها جفنة تفور دخانا ، فأخرجت فاطمة الجفنة فوضعتها بين أيديهما ، فسأل علي :
أنى لك هذا ؟ قالت : هو من فضل الله ورزقه " إن الله يرزق من يشاء بغير حساب "
قال : فوضع النبي صلى الله عليه وآله كفه المبارك بين كتفي علي ثم قال : يا علي هذا بدل
دينارك ، ثم استعبر النبي صلى الله عليه وآله باكيا وقال : الحمدلله الذي لم يمتني حتى رأيت
في ابنتي مارأى زكريا لمريم .
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : وابن شيرويه الديلمى .
( 2 ) : لا يجيب جوابا .
( * )