[ 41 ]

سرى الملك ، وإن ولد علي ومواليهم وأموالهم إلى الحسن بن علي ، وإن كانت دار الحسن بن علي غير دار الصدقة فبداله أن يبيعها فليبع إن شاء لا حرج عليه فيه ، وإن باع فإنه يقسم ثمنها ثلاثة أثلاث ، فيجعل ثلثها ( 1 ) في سبيل الله ، ويجعل ثلثا في بني هاشم وبني المطلب ، ويجعل الثلث في آل أبي طالب ، وإنه يضعه فيهم حيث يراه الله ، وإن حدث بحسن حدث وحسين حي فإنه إلى الحسين بن علي وإن حسينا يفعل فيه مثل الذي أمرت به حسنا ، له مثل الذي كتبت للحسن ، وعليه مثل الذي على حسن ( 2 ) وإن لبني ابني فاطمة من صدقة علي مثل الذي لبني علي ، وإني إنما جعلت الذي جعلت لابني فاطمة ابتغاء وجه الله عزوجل وتكريم حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وتعظيمها وتشريفها ورضاها ( 3 ) ، وإن حدث بحسن وحسين حدث فإن الآخر منهما ينظر في بني علي ، فإن وجد فيهم من يرضى بهديه ( 4 ) وإسلامه وأمانته فإنه يجعله إليه إن شاء ، وإن لم ير فيهم بعض الذي يريده فإنه يجعله إلى رجل من آل أبي طالب ( 5 ) ، فإن وجد آل أبي طالب قد ذهب كبراؤهم وذو آرائهم فإنه يجعله إلى رجل يرضاه من بني هاشم ، وإنه يشترط على الذي يجعله إليه أن يترك المال على اصوله ، وينفق ثمره حيث أمرته به في سبيل الله ( 6 ) ووجهه وذوي الرحم من بني هاشم وبني المطلب والقريب والبعيد ، لايباع منه شئ ولا يوهب ولا يورث ، وإن مال محمد بن علي على ناحية ( 7 ) ، وهو إلى ابني فاطمة وإن رقيقي الذين في صحيفة صغيرة الني كتبت لي عتقاء .
*

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : فيجعل ثلثا .
( 2 ) : على الحسن .
( 3 ) : وتعظيمهما وتشريفهما ورضاهما .
( 4 ) الهدى : الطريقة والسيرة .
( 5 ) في المصدر : من آل ابى طالب يرضى به .
( 6 ) : من سبيل الله .
( 7 ) : على ناحيته .
( * )

[ 42 ]

هذا ما وصى ( 1 ) به علي بن أبي طالب في أمواله هذه الغد من يوم قدم مسكن ابتغاء وجه الله والدار الآخرة ، والله المستعان على كل حال ، ولا يحل لامرئ مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شئ قضيته من مالي ولا يخالف فيه أمري من قريب أو بعيد .
أما بعد فان ولائدي اللائي أطوف عليهن السبعة عشر منهن امهات أولاد معهن أولادهن ، ومنهن حبالى ، ومنهن لا ولدلها ( 2 ) ، فقضائي فيهن إن حدث بي حدث أن ( 3 ) من كان منهن ليس لها ولد وليست بحبلى فهي عتيق لوجه الله عزوجل ، ليس لاحد عليهن سبيل ، ومن كانت منهن لها ولد أو حبلى فتمسك على ولدها وهي من حظه ، فإن مات ولدها وهي حية فهي عتيق ليس لاحد عليها سبيل ، هذا ما قضى به علي في ماله الغد من يوم قدم مسكن ، شهد أبوسمر بن أبرهة وصعصعة بن صوحان ، ويزيد بن قيس ، وهياج بن أبي هياج ، وكتب علي بن أبي طالب بيده لعشر خلون من جمادى الاولى سنة سبع وثلاثين ( 4 ) .
بيان : قوله عليه السلام : ( سرى الملك ) السرى : النفيس ، أي يتخذه لنفسه ، وظاهره جواز اشتراط بيع والوقف وتملكه عند الحاجة ، وهو خلاف المشهور بين الاصحاب ، وحمله على الاجارة مجازا بعيد ، وسيأتي القول في ذلك في كتاب الوقف قوله عليه السلام : ( الغد من يوم قدم مسكن ) تاريخ لكتابة الكتاب ، والمسكن كمسجد موضع بالكوفة ، أي كانت الكتابة في اليوم الذي بعد يوم قدومه المسكن بعد رجوعه من بعض أسفاره .
20 - سن : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أبي عميرة ( 5 ) وسلمة صاحب *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : ماقصى .
( 2 ) : ومنهن من لاولد له .
( 3 ) : أنه .
( 4 ) فروع الكافى ( الجزء السابع من الطبعة الحديثة ) : 49 - 51 .
( 5 ) في المصدر : عن ابن عميرة .
( * )

[ 43 ]

السابري ، عن زيد الشحام ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن عليا عليه السلام أعتق ألف مملوك من كديده ( 1 ) .
21 - جع : جاء عليا عليه السلام أعرابي فقال : يا أمير المؤمنين إني مأخوذ بثلاث علل : علة النفس وعلة الفقر وعلة الجهل ، فأجاب أمير المؤمنين عليه السلام وقال : يا أخا العرب علة النفس تعرض على الطبيب ، وعلة الجهل تعرض على العالم ، وعلة الفقر تعرض على الكريم ، فقال الاعرابي : ياأمير المؤمنين أنت الكريم وأنت العالم وأنت الطيب ، فأمر أمير المؤمنين عليه السلام بأن يعطى له من بيت المال ثلاثة آلاف درهم ، وقال : تنفق ألفا بعلة النفس وألفا بعلة الجهل وألفا بعلة الفقر ( 2 ) .
أقول : روى السيد بن طاوس في كشف المحجة من بعض كتب المناقب أن عليا عليه السلام قال : تزوجت فاطمة عليها السلام وما كان لي فراش ، وصدقتي اليوم لو قسمت على بني هاشم لو سعتهم .
وقال فيه : أنه عليه السلام وقف أمواله وكانت غلته أربعين ألف دينار ، وباع سيفه وقال : من يشتري سيفي ؟ ولو كان عندي عشاء مابعته .
وقال فيه : إنه عليه السلام قال مرة : من يشتري سيفي الفلاني ؟ ولو كان عندي ثمن إزار ما بعته .
قال : وكان يفعل هذا وغلته أربعون ألف دينار من صدقته ( 3 ) .
*

_________________________________________________________
) * ( 1 ) لم نجده في المصدر المطبوع .
( 2 ) جامع الاخبار : 158 و 159 .
( 3 ) كشف المحجة : 124 ، ولا يخفى أنه من مختصات ( ك ) فقط .
( * )

[ 44 ]


باب 103 : خبر الناقة  

1 - لى : الهمداني ، عن عمر بن سهل بن إسماعيل الدينوري ، عن زيد بن إسماعيل الصائغ ، عن معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن عبدالملك بن عمير ، عن خالد بن ربعي قال : إن أمير المؤمنين عليه السلام دخل مكة في بعض حوائجه ، فوجد أعرابيا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول : يا صاحب البيت ! البيت بيتك والضيف ضيفك ، ولكل ضيف من ضيفه قرى ( 1 ) فاجعل قراي منك الليلة المغفرة ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام لاصحابه : أما تسمعون كلام الاعرابي ؟ قالوا : نعم ، فقال : الله أكرم من أن يرد ضيفه ، فلما ( 2 ) كانت الليلة الثانية وجده متعلقا بذلك الركن وهو يقول : يا عزيزا في عزك فلا أعز منك في عزك أعزني بعز عزك في عز لا يعلم أحد كيف هو ، أتوجه وأتوسل إليك ، بحق محمد وآل محمد عليك أعطني ما لا يعطيني أحد غيرك ، واصرف عني مالا يصرفه أحد غيرك ، قال : فقال أمير المؤمنين عليه السلام لاصحابه : هذا والله الاسم الاكبر بالسريانية ، أخبرني به حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله سأله الجنة فأعطاه ، وسأله صرف النار وقد صرفها عنه .
قال : فلما كانت الليلة الثالثة وجده وهو متعلق بذلك الركن وهو يقول : يا من لا يحويه مكان ولا يخلو منه مكان بلا كيفية كان ، ارزق الاعرابي أربعة آلاف درهم ، قال : فتقدم إليه أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أعرابي سألت ربك القرى فقراك ، وسألته الجنة فأعطاك ، وسألته أن يصرف عنك النار وقد صرفها عنك ، وفي هذه الليلة تسأله أربعة آلاف درهم ؟ قال الاعرابي : من أنت ؟ قال : أنا علي *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) القرى : ما يقدم للضيف .
( 2 ) في المصدر : قال فلما .
( * )

[ 45 ]

ابن أبي طالب ، قال الاعرابي أنت والله بغيتي وبك أنزلت حاجتي ، قال : سل يا أعرابي ، قال : اريد ألف درهم للصداق ، وألف درهم أقضي به ديني ، وألف درهم أشتري به دارا ، وألف درهم أتعيش منه ، قال : أنصفت يا أعرابي ، فإذا خرجت من مكة فاسأل عن داري بمدينة الرسول .
فأقام الاعرابي بمكة اسبوعا وخرج في طلب أمير المؤمنين عليه السلام إلى مدينة الرسول ، ونادى : من يدلني على دار أمير المؤمنين علي ؟ فقال الحسين بن علي من بين الصبيان : أنا أدلك على دار أمير المؤمنين وأنا ابنه الحسين بن علي ، فقال الاعرابي : من أبوك ؟ قال : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، قال : من أمك ؟ قال : فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، قال من جدك ؟ قال : رسول الله محمد بن عبدالله ابن عبدالمطلب قال : من جدتك ؟ قال : خديجة بنت خويلد ، قال : من أخوك قال : أبومحمد الحسن بن علي ، قال : لقد أخذت الدنيا بطر فيها ، امش إلى أمير المؤمنين وقل له : إن الاعرابي صاحب الضمان بمكة على الباب ، قال : فدخل الحسين بن علي عليه السلام فقال : يا أبة أعرابي بالباب يزعم أنه صاحب الضمان بمكة ، قال : فقال : يا فاطمة عندك شئ يأكله الاعرابي ؟ قالت : اللهم لا ، قال : فتلبس أمير المؤمنين عليه السلام وخرج وقال : ادعوالي أبا عبدالله سلمان الفارسي ، قال : فدخل إليه سلمان الفارسي فقال : يابا عبدالله أعرض الحديقة التي غرسها رسول الله صلى الله عليه وآله لي على التجار ، قال : فدخل سلمان إلى السوق وعرض الحديقة ، فباعها باثني عشر ألف درهم ، وأحضر المال وأحضر الاعرابي ، فأعطاه أربعة آلاف درهم وأربعين درهما نفقه ، ووقع الخبر إلى سؤال المدينة فاجتمعوا ، ومضى رجل من الانصار إلى فاطمة عليها السلام فأخبرها بذلك ، فقالت : آجرك الله في ممشاك ، فجلس علي عليه السلام والدارهم مصبوبة بين يديه حتى اجتمع إليه أصحابه ، فقبض قبضة قبضة وجعل يعطي رجلا رجلا حتى لم يبق معه درهم واحد .
فلما أتى المنزل قالت له فاطمة عليها السلام : ياابن عم بعت الحائط الذي غرسه لك والدي ؟ قال : نعم بخير منه عاجلا وآجلا ، قالت : فأين الثمن ؟ قال : دفعته

[ 46 ]

إلى أعين استحييت أن اذلها بذل المسألة قبل أن تسألني ، قالت فاطمة : أنا جائعة وابناي جائعان ولا أشك إلا وأنك مثلنا في الجوع ، لم يكن لنا منه درهم ؟ وأخذت بطرف ثوب علي عليه السلام ، فقال علي عليه السلام : يا فاطمة خليني ، فقالت : لا والله أويحكم بيني وبينك أبي ، فهبط جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا محمد السلام ( 1 ) يقرؤك السلام ويقول : اقرأ عليا مني السلام وقل لفاطمة : ليس لك أن تضربي على يديه ، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وآله منزل علي وجد فاطمة ملازمة لعلي عليه السلام فقال لها : يا بنية مالك ملازمة لعلي ؟ قالت : يا أبة باع الحائط الذي غرسته له باثني عشر ألف درهم ، لم يحبس لنا منه درهما نشتري به طعاما ، فقال : يا بنية إن جبرئيل يقرؤني من ربي السلام ويقول : اقرأ عليا من ربه السلام ، وأمرني أن أقول لك : ليس لك أن تضربي على يديه ، قالت فاطمة عليها السلام : فإني أستغفر الله ولا أعودا أبدا .
قالت فاطمة عليها السلام : فخرج أبي صلى الله عليه وآله في ناحية وزوجي في ناحية ، فما لبث أن أتى أبي ومعه سبعة دراهم سود هجرية ، فقال : يا فاطمة أين ابن عمي ؟ فقلت له : خرج ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : هاك هذه الدراهم ، فإذا جاء ابن عمي فقولي له يبتاع لكم بها طعاما ، فما لبثت إلا يسيرا حتى جاء علي عليه السلام فقال : رجع ابن عمي فإني أحد رائحة طيبة ؟ قالت : نعم وقد دفع إلي شيئا تبتاع به لنا طعاما ، قال علي عليه السلام : هاتيه ، فدفعت إليه سبعة دراهم سودا هجرية ، فقال : بسم الله والحمد لله كثيرا طيبا ، وهذا من رزق الله عزوجل ، ثم قال : يا حسن قم معي ، فأتيا السوق فإذا هما برجل واقف وهو يقول : من يقرض الملي الوفي ؟ قال : يا بني نعطية ؟ قال : إي والله يا أبة ، فأعطاه علي عليه السلام الدارهم ، فقال الحسن : يا أبتاه أعطيته الدارهم كلها ؟ قال : نعم يا بني ، إن الذي يعطي القليل قادر على أن يعطي الكثير .
قال : فمضى علي بباب رجل يستقرض منه شيئا ، فلقيه أعرابي ومعه ناقة فقال : يا علي اشتر مني هذه الناقة ، قال : ليس معي ثمنها ، قال : فإني أنظرك *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) ربك خ ل .
( * )

[ 47 ]

به إلى القبض ، قال : بكم يا أعرابي ؟ قال : بمائة درهم ، قال علي : خذها يا حسن فأخذها ، فمضى علي عليه السلام فلقيه أعرابي آخر المثال واحد والثياب مختلفة ، فقال : يا علي تبيع الناقة ؟ قال علي : وما تصنع بها ؟ قال : أغزو عليها أول غزوة يغزوها ابن عمك قال : إن قبلتها فهي لك بلاثمن ، قال : معي ثمنها وبالثمن أشتريها ، فبكم اشتريتها ؟ قال : بمائة درهم ، قال الاعرابي : فلك سبعون ومائة درهم ، قال علي عليه السلام : خذا السبعين والمائة وسلم الناقة ، والمائة للاعرابي ( 1 ) الذي باعنا الناقة
-بحار الانوار مجلد: 37 من ص 47 سطر 7 الى ص 55 سطر 7 والسبعين لنا نبتاع بها شيئا ، فأخذ الحسن عليه السلام الدراهم وسلم الناقة ، قال علي عليه السلام : فمضيت أطلب الاعرابي الذي ابتعت منه الناقة لاعطيه ثمنها ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله جالسا في مكان لم أره فيه قبل ذلك ولا بعده ، على قارعة الطريق ، فلما نظر النبي صلى الله عليه وآله إلي تبسم ضاحكا حتى بدت نواجده ، قال علي عليه السلام : أضحك الله سنك وبشرك بيومك ، فقال : يا أبا الحسن : إنك تطلب الاعرابي الذي باعك الناقة لتوفيه الثمن ؟ فقلت : إي والله فداك أبي وأمي ، فقال : يا أبا الحسن الذي باعك الناقة جبرئيل والذي اشتراها منك ميكائيل ، والناقة من نوق الجنة ، والدراهم من عند رب العالمين عزوجل ، فأنفقها في خير ولا تخف إقتارا ( 2 ) .
بيان : لعل منازعتها صلوات الله عليها إنما كانت ظاهرا ( 3 ) لظهور فضله صلوات الله عليه على الناس ، أو لظهور الحكمة فيما صدر عنه عليه السلام أو لوجه من الوجوه لا نعرفه ، والنواجد من الاسنان : الضواحك ، وهي التي تبدو عند الضحك قوله : ( وبشرك بيومك ) أي يوم الشفاعة التي وعدها الله تعالى [ له ] .
*

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : المائة للاعرابى .
بدون الواو .
( 2 ) أمالى الصدوق : 280 - 282 .
( 3 ) في ( خ ) و ( م ) : انما كانت طابه .
( * )

[ 48 ]


باب 104 : حسن خلقه وبشره وحلمه وعفوه واشفاقة وعطفه صلوات الله عليه  

1 - قب : مختار التمار عن أبي مطر البصري أن أمير المؤمنين عليه السلام مر بأصحاب التمر فإذا هو بجارية تبكي فقال : يا جارية ما يبكيك ؟ فقالت : بعثني مولاي بدرهم فابتعت من هذا تمر افأتيتهم به فلم يرضوه ، فلما أتيته به أبى أن يقبله ، قال : يا عبدالله إنها خادم وليس لها أمر ، فاردد إليها درهما وخذ التمر ، فقام إليه الرجل فلكزه ، فقال الناس : هذا أمير المؤمنين ، فربا الرجل ( 1 ) واصفر وأخذ التمر ورد إليها درهمها ثم قال : يا أمير المؤمنين ارض عني ، فقال : ما أرضاني عنك إن أصلحت أمرك .
وفي فضائل أحمد وإذا وفيت الناس حقوقهم .
ودعا عليه السلام غلاما مرارا فلم يجبه ، فخرج فوجده على باب البيت ، فقال : ماحملك على ترك إجابتي ؟ قال : كسلت عن إجابتك وأمنت عقوبتك ، فقال : الحمد لله الذي جعلني ممن يأمنه خلقه ، امض فأنت حر لوجه الله .
وكان علي عليه السلام في صلاة الصبح فقال ابن الكواء من خلفه : " ولقد وحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ( 2 ) " فأنصت علي عليه السلام تعظيما للقرآن حتى فرغ من الآية ، ثم عاد في قراءته ، ثم أعاد ابن الكواء الآية ، فأنصت علي عليه السلام أيضا ، ثم قرأ فأعاد ابن الكواء ، فأنصت علي عليه السلام ثم قال : " فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ( 3 ) " ثم أتم السورة وركع .
وبعث أمير المؤمنين عليه السلام إلى لبيد بن عطارد التميمي في كلام بلغه ، فمر *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) أى أخذه الربو ؟ ، وهو علة تحدث في الرئة فتصير النفس صعبا .
( 2 ) سورة الزمر : 65 .
( 3 ) سورة الروم : 60 .
( * )

[ 49 ]

به أمير المؤمنين عليه السلام في بني أسد ، فقام إليه نعيم بن دجاجة الاسدي فأفلته ، فبعث إليه أمير المؤمنين عليه السلام فأتوه به ، وأمربه أن يضرب فقال له : نعم والله إن المقام معك لذل ، وإن فراقك لكفر ، فلما سمع ذلك منه قال : قد عفونا عنك إن الله عزوجل يقول : " ادفع بالتي هي أحسن السيئة ( 1 ) " أما قولك : إن المقام معك لذل فسيئة اكتسبتها ، وأما قولك إن فراقك لكفر اكتسبتها ، فهذه بهذه .
مرت امرأة جميلة فرمقها القوم بأبصارهم ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إن أبصار هذه الفحول طوامع ، وإن ذلك سبب هناتها ، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلمس أهله ، فإنما هي امرأة كامرأة ، فقال رجل من الخوارج : قاتله الله كافرا ما أفقهه " فوثب القوم ليقتلوه فقال ( 2 ) عليه السلام : رويدا إنما هو سب أو عفو عن ذنب .
وجاءه أبوهريرة - وكان تكلم فيه وأسمعه في اليوم الماضي - وسأله حوائجه فقضاها ، فعاتبه أصحابه على ذلك فقال : إني لاستحيي أن يغلب جهله علمي وذنبه عفوي ومسألته جودي .
ومن كلامه عليه السلام : إلى كم أغضي الجفون على القذي وأسحب ذيلي على الاذى وأقول لعل وعسى ( 3 ) .
بيان : اللكز : الدفع والضرب بجمع الكف .
ويقال : طمع بصري إليه أي امتد وعلا ، ويقال في فلان هنات أي خصال شر .
2 - قب : العقد ونزهة الابصار : قال قنبر : دخلت مع أمير المؤمنين عليه السلام على عثمان فاحب الخلوة فأومأ إلي بالتنحي فتنحيت غير بعيد ، فجعل عثمان يعاتبه وهو مطرق رأسه وأقبل إليه عثمان فقال : مالك لا تقول ؟ فقال عليه السلام : ليس جوابك إلا ما تكره ، وليس لك عندي إلا ما تحب ثم خرج قائلا : *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) سورة المؤمنون : 96 .
( 2 ) في المصدر : فقال على عليه السلام .
( 3 ) مناقب آل أبي طالب 1 : 316 و 317 .
( * )

[ 50 ]

ولو أنني جاوبته لامضه * نوافذ قولي واختصار جوابي - ولكنني أغضي على مضض الحشا * ولو شئت اقداما لانشب نابي وأسر مالك الاشتر يوم الجمل مروان بن الحكم ، فعاتبه عليه السلام وأطلقه .
وقالت عائشة يوم الجمل : ملكت فاسجح ، فجهزها أحسن الجهاز وبعث معها بتسعين امرأة أو سبعين ، واستأمنت لعبدالله بن الزبير على لسان محمد بن أبي بكر فآمنه وآمن معه سائر الناس .
وجئ بموسى بن طلحة بن عبيد الله فقال له : قل : " أستغفر الله وأتوب إليه " .
ثلاث مرات ، وخلى سبيله ، وقال : اذهب حيث شئت ، وما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أو كراع فخذه ، واتق الله فيما تستقبله من أمرك واجلس في بيتك ( 1 ) .
بيان : قال الجزري في النهاية : قالت عائشة لعلي عليه السلام يوم الجمل حين ظهر : " ملكت فاسجح " أي قدرت فسهل فأحسن العفو ، وهو مثل سائر ( 2 ) .
والكراع كغراب اسم لجمع الخيل .
3 - قب : ابن بطة العكبري وأبوداود السجستاني عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان علي عليه السلام إذا أخد أسيرا في حروب الشام أخذ سلاحه ودابته واستحلفه أن لا يعين عليه .
ابن بطة بإسناده عن عرفجة عن أبيه قال : لما قتل علي أصحاب النهر جاء بما كان في عسكرهم ، فمن كان يعرف شيئا أخذه ، حتى بقيت قدر ، ثم رأيتها بعد قد أخذت .
الطبري : لما ضرب علي طلحة العبدري تركه ، فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وقال لعلي عليه السلام ما منعك أن تجهز عليه ؟ قال : إن ابن عمي ناشدني الله والرحم حين انكشفت عورته فاستحييته .
ولما أدرك عمرو بن عبدود لم يضربه ، فوقعوا في علي عليه السلام فرد عنه حذيفة *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) مناقب آل أبي طالب 1 : 317 .
( 2 ) النهاية 2 : 147 .
وفيه : وأحسن العفو .
( * )