[291]

لهم : الله خليفتي عليكم وهو حسبي ونعم الوكيل ، وأوصاهم الجميع منهم بلزوم الايمان والاديان والاحكام التي أوصاه بها رسول الله صلى الله عليه واله فمن ذلك ما نقل عنه عليه السلام أنه أوصى به الحسن والحسين عليهما السلام لما ضربه الملعون ابن ملجم و هي هذه " اوصيكما بتقوى الله " وساقها إلى آخر ما مر برواية السيد الرضي .
قال : ثم تزايد ولوج السم في جسده الشريف ، حتى نظرنا إلى قدميه وقد احمر تا جميعا ، فكبر ذلك علينا وأيسنا منه ، ثم أصبح ثقيلا ، فدخل الناس عليه ، فأمرهم ونهاهم وأوصاهم ، ثم عرضنا عليه المأكول والمشروب فأبى أن يشرب فنظرنا إلى شفتيه وهما يختلجان بذكرالله تعالى ، وجعل جبينه يرشح عرقا وهو يمسحه بيده قلت : يا أبت أراك تمسح جبينك فقال : يا بني إني سمعت جدك رسول الله صلى الله عليه واله يقول : إن المؤمن إذا نزل به الموت ودنت وفاته عرق جبينه وصار كاللؤلؤ الرطب وسكن أنينه ، ثم قال : يا أبا عبدالله وياعون ، ثم نادى أولاده كلهم بأسمائهم صغيرا وكبيرا واحدا بعد واحد ، وجعل يود عهم ويقول : الله خليفتي عليكم أستودعكم الله وهم يبكون ، فقال له الحسن عليه السلام يا أبه ما دعاك إلى هذا ؟ فقال له : يا بني إني رأيت جدك رسول الله صلى الله عليه واله في منامي قبل هذه الكائنة بليلة ، فشكوت إليه ما أنا فيه من التذلل والاذى من هذه الامة ، فقال لي : ادع عليهم ، فقلت : اللهم أبدلهم بي شرا مني وأبدلني بهم خيرا منهم ، فقال لي : قد استجاب الله دعاك ، سينقلك إلينا بعد ثلاث ، وقد مضت الثلاث ، يا أبا محمد اوصيك - ويا أبا عبدالله - خيرا ، فأنتما مني وأنا منكما ، ثم التفت إلى أولاده الذين من غير فاطمة عليها السلام وأوصاهم أن لا يخالفوا أولاد فاطمة يعني الحسن والحسين عليهما السلام .
ثم قال : أحسن الله لكم العزاء ، ألاو إني منصرف عنكم ، وراحل في ليلتي هذه ، ولاحق بحبيبي محمد صلى الله عليه واله كما وعدني ، فإذا أنامت يا أبا محمد فغسلني وكفني وحنطني ببقية حنوط جدك رسول الله صلى الله عليه واله فإنه من كافور الجنة جاء به جبرئيل عليه السلام إليه ، ثم ضعني على سريري ، ولا يتقدم أحد منكم مقدم السرير ، واحملوا مؤخره واتبعوا مقدمه ، فأي موضع وضع المقدم فضعوا المؤخر ، فحيث

[292]

قام سريري فهو موضع قبري ، ثم تقدم يا أبا محمد وصل علي يا بني يا حسن وكبر علي سبعا ، واعلم أنه لا يحل ذلك على أحد غيري إلا على رجل يخرج في آخر الزمان اسمه القائم المهدي ، من ولد أخيك الحسين يقيم اعوجاج الحق ، فإذا أنت صليت علي يا حسن فنح السرير عن موضعه ، ثم اكشف التراب عنه فترى قبرا محفورا ولحدا مثقوبا وساجة منقوبة ، فأضجعني فيها ، فإذا أردت الخروج من قبري فافتقدني فإنك لا تجدني ، وإني لاحق بجدك رسول الله صلى الله عليه واله واعلم يا بني ما من نبي يموت وإن كان مدفونا بالمشرق ويموت وصيه بالمغرب إلا و يجمع الله عزوجل بين روحيها وجسديهما ، ثم يفترقان فيرجع كل واحد منهما إلى موضع قبره وإلى موضعه الذي حط فيه ، ثم اشرج ( 1 ) اللحد باللبن وأهل التراب علي ثم غيب قبري ، وكان غرضه عليه السلام بذلك لئلا يعلم بموضع قبره أحد من بني اميه ، فإنهم لو علموا بموضع قبره لحفروه وأخرجوه وأحرقوه كما فعلوا بزيد ابن علي بن الحسين عليه السلام ثم يا بني بعد ذلك إذا أصبح الصباح أخرجوا تابوتا إلى ظهر الكوفة ( 2 ) على ناقة ، وامر بمن يسيرها بما عليها كأنها تريد المدينة ، بحيث يخفى على العامة موضع قبري الذي تضعني فيه ، وكأني بكم وقد خرجت عليكم الفتن من ههنا وههنا فعليكم بالصبر فهو محمود العاقبة .
ثم قال : يا أبامحمد ويا أبا عبدالله كأني بكما وقد خرجت عليكما من بعدي الفتن من ههنا ، فاصبرا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين .
ثم قال : يا أبا عبدالله أنت شهيد هذه الامة ، فعليك بتقوى الله والصبر على بلائه ، ثم اغمي عليه ساعة ، وأفاق وقال : هذا رسول الله صلى الله عليه واله وعمي حمزة وأخي جعفر وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وكلهم يقولون : عجل قدومك علينا فإنا إليك مشتاقون ، ثم أدار عينيه في أهل بيته كلهم وقال : أستودعكم الله جميعا سددكم الله جميعا حفظكم *

_________________________________________________________
ص 292 ) ( 1 ) شرج الحجارة : نضدها وضم بعضها إلى بعض .
( 2 ) في ( خ ) و ( ت ) ، ظاهر الكوفة .
*

[293]

الله جميعا ، خليفتي عليكم الله وكفى بالله خليفة .
ثم قال : وعليكم السلام يا رسل ربي ، ثم قال : " لمثل هذا فليعمل العاملون إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون " وعرق جبينه وهو يذكرالله كثيرا ، وما زال يذكر الله كثيرا ويتشهد الشهادتين ، ثم استقبل القبلة وغمض عينيه ومد رجليه ويديه وقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، ثم قضى نحبه عليه السلام ، و كانت وفاته في ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان ، وكانت ليلة الجمعة سنة أربعين من الهجرة .
قال : فعند ذلك صرخت زينب بنت علي عليه السلام وام كلثوم وجميع نسائه ، وقد شقوا الجيوب ولطموا الخدود ، وارتفعت الصيحة في القصر ، فعلم أهل الكوفة أن أميرالمؤمنين عليه السلام قد قبض ، فأقبل النساء والرجال يهرعون أفواجا أفواجا ، و صاحوا صيحة عظيمة ، فارتجت الكوفة بأهلها وكثر البكاء والنحيب ، وكثر الضجيج بالكوفة وقبائلهاو دورها وجميع أقطارها ، فكان ذلك كيوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه واله فلما أظلم الليل تغير افق السماء وارتجت الارض وجميع من عليها بكوه وكنا نسمع جلبة وتسبيحا في الهواء ، فعلمنا أنها من أصوات الملائكة ، فلم يزل كذلك إلى أن طلع الفجر ، ثم ارتفعت الاصوات وسمعنا هاتفا بصوت يسمعه الحاضرون ولا يرون شخصه يقول : بنفسي ومالي ثم أهلي واسرتي * فداء لمن أضحى قتيل ابن ملجم علي رقي فوق الخلائق في الوغى * فهدت به أركان بيت المحرم علي أميرالمؤمنين ومن بكت * لمقتله البطحا وأكناف زمزم يكاد الصفا والمشعران كلاهما * يهدا وبان النقص في ماء زمزم وأصبحت الشمس المنير ضياؤها * لقتل علي لونها لون دلهم ( 1 ) *

_________________________________________________________
ص 293 ) ( 1 ) الدلهم : المظلم .
*

[294]

وضل له افق السماء كآبة * كشقة ثوب لونها لون عندم ( 1 ) وناحت عليه الجن إذ فجعت به * حنينا كثكلى نوحها بترنم وأضحى إليها الجود والنبل مقتما ( 2 ) * وكان التقى في قبره المتهدم وأضحى التقى والخير والحلم والنهى * وبات العلى في قبره المتهدم يكاد الصفا والمستجار كلاهما * يهدا وبان النقص في ماء زمزم لفقد علي خير من وطئ الحصى * أخا العالم الهادي النبي المعظم فالمعنى عند ذلك أن السماوات والارض والملائكة والجن والانس قد بكت ورثته في تلك الليلة ، وسمعنا في الهواء جلبة عظيمة وتسبيحا وتقديسا ، فعلمنا أنها أصوات الملائكة ، فلم تزل كذلك حتى بدا الصباح ، فارتفعت الاصوات فخرجنا وإذا بصائح في الهواء وهو يقول : يا للرجال لعظم هول مصيبة * قدحت فليس مصابها بالهازل والشمس كاسفة لفقد إمامنا * خير الخلائق والامام العادل يا خير من ركب المطي ومن مشى * فوق الثرى من حافي أو ناعل يا سيدي ولقد هددت قواءنا * والحق أصبح خاضعا للباطل قال محمد بن الحنفية : ثم أخذنا في جهازه ليلا وكان الحسن عليه السلام يغسله و الحسين عليه السلام يصب الماء عليه ، وكان يحتاج إلى من يقلبه ، بل كان يتقلب كما يريد الغاسل يمينا وشمالا ، وكانت رائحته أطيب من رائحة المسك والعنبر ، ثم نادى الحسن عليه السلام باخته زينب وام كلثوم وقال : يا اختاه هلمي بحنوط
-بحار الانوار مجلد: 38 من ص 294 سطر 19 الى ص 302 سطر 18 جدي رسول الله صلى الله عليه واله ، فبادرت زينب مسرعة حتى أتته به ، قال الراوي : فلما فتحته فاحت الدار وجميع الكوفة وشوارعها لشدة رائحة ذلك الطيب ، ثم لفوه بخمسة أثواب كما أمر عليه السلام ثم وضعوه على السرير ، وتقدم الحسن والحسين عليهما السلام *

_________________________________________________________
ص 294 ) ( 1 ) العندم : خشب نبات يصبغ به .
( 2 ) قتم وجهه : تغير واسود .
*

[295]

إلى السرير من مؤخره وإذا مقدمه قد ارتفع ولا يرى حامله ، وكان حاملاه من مقدمه جبرئيل وميكائيل ، فما مر بشئ على وجه الارض إلا انحنى له ساجدا وخرج السرير من ماييل باب كندة ، فحملا مؤخره وسارا يتبعان مقدمه .
قال ابن الحنفية رضي الله عنه : والله لقد نظرت إلى السرير وإنه ليمر بالحيطان والنخل فتنحني له خشوعا ، ومضى مستقيما إلى النجف إلى موضع قبره الآن ، قال : وضجت الكوفة بالبكاء والنحيب ، وخرجن النساء يتبعنه لا طمات حاسرات ، فمنعهم الحسن عليه السلام ونهاهم عن البكاء والعويل ، وردهن إلى أما كنهن والحسين عليه السلام يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم إنا لله وإنا إليه راجعون يا أباه واانقطاع ظهراه ، من أجلك تعلمت البكاء ، إلى الله المشتكى .
فلما انتهيا إلى قبره وإذا مقدم السرير قد وضع ، فوضع الحسن عليه السلام مؤخره ثم قام الحسن عليه السلام وصلى عليه والجماعة خلفه ، فكبر سبعا كما أمره به أبوه عليه السلام ثم زحزحنا سريره وكشفنا التراب وإذا نحن بقبر محفور ولحد مشقوق وساجة منقورة مكتوب عليها : " هذا ما ادخره له جده نوح النبي للعبد الصالح الطاهر المطهر " فلما أرادوا نزوله سمعوا هاتفا يقول : أنزلوه إلى التربة الطاهرة ، فقد اشتاق الحبيب إلى الحبيب ، فدهش الناس عند ذلك وتحيروا ، والحد أميرالمؤمنين عليه السلام قبل طلوع الفجر .
قال الراوي : لما الحد أميرالمؤمنين عليه السلام وقف صعصعة بن صوحان العبدي رضي الله عنه على القبر ، ووضع إحدى يديه على فؤاده والاخرى قد أخذبها التراب ويضرب به رأسه ، ثم قال : بأبي أنت وامي يا أميرالمؤمنين ، ثم قال : هنيئا لك يا أبا الحسن ، فلقد طاب مولدك ، وقوي صبرك ، وعظم جهادك ، وظفرت برأيك ، وربحت تجارتك ، وقدمت على خالقك ، فتلقاك الله ببشارته ، وحفتك ملائكته ، واستقررت في جوار المصطفى ، فأكرمك الله بجواره ، ولحقت بدرجة أخيك المصطفى ، وشربت بكأسه الاوفى ، فاسأل الله أن يمن علينا باقتفائنا أثرك والعمل بسيرتك ، والموالاه لاوليائك ، والمعاداة لاعدائك ، وأن يحشرنا في زمرة

[296]

أوليائك ، فقد نلت مالم ينله أحد ، وأدركت مالم يدركه أحد ، وجاهدت في سبيل ربك بين يدي أخيك المصطفى حق جهاده ، وقمت بدين الله حق القيام ، حتى أقمت السنن ، وأبرت الفتن ( 1 ) واستقام الاسلام ، وانتظم الايمان ، فعليك مني أفضل الصلاة والسلام ، بك اشتد ظهر المؤمنين ، واتضحت أعلام السبل ، واقيمت السنن ، وما جمع لاحد مناقبك وخصالك ، سبقت إلى إجابة النبي صلى الله عليه واله مقدما مؤثرا ، وسارعت إلى نصرته ، ووقيته بنفسك ، ورميت سيفك ذا الفقار في مواطن الخوف والحذر ، قصم الله بك ( كل جبار عنيد ، ودل بك ) كل ذي بأس شديد وهدم بك حصون أهل الشرك والكفر والعدوان والردى ، وقتل بك أهل الضلال من العدى ، فهنيئا لك يا أميرالمؤمنين ، كنت أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه واله قربا وأولهم سلما ، وأكثر هم علما وفهما ، فهنيئا لك يا أباالحسن ، لقد شرف الله مقامك وكنت أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه واله نسبا ، وأولهم إسلاما ، وأوفاهم يقينا ، وأشدهم قلبا ، وأبذلهم لنفسه مجاهدا ، وأعظمهم في الخير نصيبا ، فلا حرمنا الله أجرك ولا أذلنا بعدك ، فوالله لقد كانت حياتك مفاتح للخير ومغالق للشر ، وإن يومك هذا مفتاح كل شر ومغلاق كل خير ، ولو أن الناس قبلوا منك لاكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة .
ثم بكى بكاء شديدا وأبكى كل من كان معه ، وعدلوا إلى الحسن والحسين ومحمد وجعفر والعباس ويحيى وعون وعبدالله عليهم السلام فعزوهم في أبيهم صلوات الله عليه ، وانصرف الناس ، ورجع أولاد أميرالمؤمنين عليه السلام وشيعتهم إلى الكوفة ، ولم يشعر بهم أحد من الناس ، فلما طلع الصباح وبزغت الشمس أخرجوا تابوتا من دار أميرالمؤمنين عليه السلام وأتوا به إلى المصلى بظاهر الكوفة ، ثم تقدم الحسن عليه السلام وصلى عليه ، ورفعه على ناقة وسيرها مع بعض العبيد .
قال الراوي : فلما كان الغداة اجتمعوا لاجل قتل الملعون ، قال أبومخنف : *

_________________________________________________________
ص 296 ) ( 1 ) أبره : أصلحه .
*

[297]

فلمارجع الحسن عليه السلام دخلت عليه ام كلثوم وأقسمت عليه أن لا يترك الملعون في الحياة ساعة واحدة ، وكان قد عزم على تأخيره ثلاثة أيام ، فأجابها إلى ذلك ، و خرج لوقته وساعته ، وجمع أهل بيته وأهل البصائر من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه واله كصعصعة والاحنف وما أشبههما رضي الله عنهم وتشاوروا في قتل ابن ملجم لعنه الله تعالى ، فكل أشار بقتله في ذلك اليوم ، واجتمع رأيهم على قتله في المكان الذي ضرب فيه الامام علي بن أبي طالب عليه السلام .
قال الراوي : ثم إنه لما رجع أولاد أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه إلى الكوفة واجتمعوا لقتل اللعين عدو الله ابن ملجم فقال عبدالله بن جعفر : اقطعوا يديه و رجليه ولسانه واقتلوه بعد ذلك ، وقال ابن الحنفية رضي الله عنه : اجعلوه غرضا للنشاب وأحرقوه بالنار ، وقال آخر : اصلبوه حيا حتى يموت ، فقال الحسن عليه السلام : أناممتثل فيه ماأمرني به أميرالمؤمنين عليه السلام أضربه ضربة بالسيف حتى يموت فيها ، واحرقه بالنار بعد ذلك ، قال : فأمر الحسن عليه السلام أن يأتوه به ، فجاؤوا به مكتوفا حتى أدخلوه إلى الموضع الذي ضرب فيه الامام علي بن أبي طالب عليه السلام والناس يلعنونه ويوبخونه ، وهو ساكت لا يتكلم ، فقال الحسن عليه السلام : يا عدو - الله قتلت أميرالمؤمنين عليه السلام وإمام المسلمين ، وأعظمت الفساد في الدين ، فقال لهما : يا حسن ويا حسين عليكما السلام ما تريدان تصنعان بي ؟ قالا له : نريد قتلك كما قتلت سيدنا ومولانا .
فقال لهما : اصنعا ما شئتما أن تصنعا ، ولا تعنفا من استزله الشيطان فصده عن السبيل ، ولقد زجرت نفسي فلم تنزجر ! ونهيتها فلم تنته ! فدعها تذوق وبال أمرها ولها عذاب شديد ، ثم بكى ، فقال له : يا ويلك ماهذه الرقة ؟ أين كانت حين وضعت قدمك وركبت خطيئتك ؟ فقال ابن ملجم لعنه الله : " استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله اولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون " ولقد انقضى التوبيخ والمعايرة ، وإنما قتلت أباك وحصلت

[298]

بين يديك ، فاصنع ما شئت وخذ بحقك مني كيف شئت ، ثم برك على ركبتيه و قال : يا ابن رسول الله الحمد لله الذي أجرى قتلي على يديك ، فرق له الحسن عليه الحسن عليه السلام لان قبله كان رحيما - صلى الله عليه - فقام الحسن عليه السلام وأخذ السيف بيده وجرده من غمده فهزبه ( 1 ) حتى لاح الموت في حده ثم ضربه ضربة أدار بها عنقه فاشتد زحام الناس عليه ، وعلت أصواتهم ، فلم يتمكن من فتح باعه فارتفع السيف إلى باعه فأبرأه فانقلب عدوالله على فقاه يحور في دمه ، فقام الحسين عليه السلام إلى أخيه وقال : يا أخي أليس الاب واحدا والام واحدة ولي نصيب في هذه الضربة ولي في قتله حق ؟ فدعني أضربه ضربة أشفي بها بعض ما أجده ، فناوله الحسن عليه السلام السيف فأخذه وهزه وضربه على الضربة التي ضربه الحسن عليه السلام فبلغ إلى طرف أنفه ، وقطع جانبه الآخر ، وابتدره الناس بعد ذلك بأسيافهم ، فقطعوه إربا إربا ، وعجل الله بروحه إلى النار وبئس القرار ، ثم جمعوا جثته وأخرجوه من المسجد ، وجمعوا له حطبا وأحرقوه بالنار ، وقيل : طرحوه في حفرة وطموه بالتراب ، وهو يعوي كعوي الكلاب في حفرته إلى يوم القيامة ، وأقبلوا إلى قطام الملعونة الفاسقة الفاجرة فقطعوها بالسيف إربا إربا ، ونهبوا دارها ، ثم أخذوها وأخرجوها إلى ظاهر الكوفة وأحرقوها بالنار ، وعجل الله بروحها إلى النار وغضب الجبار ، وأما الرجلان اللذان تحالفا معه فأحدهما قتله معاوية بن أبي سفيان بالشام والآخر قتله عمرو بن العاص بمصر لا رضي الله عنهما ، وأما الرجلان اللذان كانا مع ابن ملجم بالجامع يساعدانه على قتل علي عليه السلام فقتلا من ليلتهما ، لعنهما الله وحشر هما محشر المنافقين الظالمين في جهنم خالدين مع السالفين .
قال أبومخنف : فلما فرغوامن إهلاكهم وقتلهم أقبل الحسن والحسين عليهما السلام إلى المنزل ، فالتفت بهم ام كلثوم وأنشدت تقول هذه الابيات لما سمعت بقتله *

_________________________________________________________
ص 298 ) ( 1 ) أى حركه .
وفي ( م ) و ( خ ) : وندبه .
*

[299]

وقيل : إنها لام الهيثم بنت العربان الخثعمية ، وقيل : للاسود الدؤلي شعرا يقول : ألا يا عين جودي واسعدينا * ألا فابكي أمير المؤمنينا وتبكي ام كلثوم عليه * بعبرتها وقد رأت اليقينا ألا قل للخوارج حيث كانوا * فلا قرت عيون الحاسدينا وأبكي خير من ركب المطايا * وحث بها وأقرى الظاعنينا وأبكي خير من ركب المطايا * وفارسها ومن ركب السفينا ومن لبس النعال ومن حفاها * ومن قرأ المثاني والمئينا ومن صام الهجير وقام ليلا * وناجى الله خير الخالقينا إمام صادق بر تقي * فقيه قد حوى علما ودينا شجاع أشوس بطل همام * ومقدام الاساود في العرينا ( 1 ) كمي باسل قرم هزبر * حمي أروع ليث بطينا ( 2 ) فعمرو قاده في الاسر لما * طغا وسقى ابن ود منه حينا ( 3 ) ومرحب قده بالسيف قدا * وعفر ذا الخمار على الجبينا وبات على الفراش يقي أخاه * ولم يعبأ بكيد الكافرينا ويدعو للجماعة من عصاه * ويقضي بالفرائض مستبينا وكل مناقب الخيرات فيه * وحب رسول رب العالمينا مضى بعد النبي فدته نفسي * أبوحسن وخير الصالحينا إذا استقبلت وجه أبي حسين * رأيت البدر فاق الناظرينا وكنا قبل مقتله بخير * نرى مولى رسول الله فينا *

_________________________________________________________
ص 299 ) ( 1 ) العرينة : مأوى الاسد .
( 2 ) الكمى والباسل : الشجاع .
القرم - بالفتح - : السيد العظيم .
الهزبر : الاسد .
الحمى من لا يحتمل الضيم .
الاروع : من يعجبك بحسنه أو شجاعته .
( 3 ) قوله " فعمرو قاده في الاسر " اشارة إلى ماجرى بينه عليه السلام وبين عمرو بن معديكرب وقوله " وسقى ابن ود " اشارة إلى قتل عمرو بن عبدود بيده .
*

[300]

يقيم الحق لا يرتاب فيه * وينهك قطع أيدي السارقينا ( 1 ) وليس بكاتم علما لديه * ولم يخلق من المتجبرينا أفي الشهر الحرام فجعتمونا * بخير الخلق طرا أجمعينا ومن بعد النبي فخير نفس * أبوحسن وخير الصالحينا فلو أنا سئلنا المال فيه * بذلنا المال فيه والبنينا كأن الناس إذ فقدوا عليا * نعام جال في بلد سنينا فلا والله لا أنسى عليا * وحسن صلاته في الراكعينا لقد علمت قريش حيث كانت * بأنك خيرها حسبا ودينا ألا فابلغ معاوية بن حرب * فلا قرت عيون الشامتينا وقل للشامتين بنا رويدا * سيلقي الشامتون كما لقينا قتلتم خير من ركب المطايا * وذللها ومن ركب السفينا ألا فابلغ معاوية بن حرب * بأن بقية الخلفاء فينا قال : فلم يبق أحد في المسجد إلا انتحب وبكى لبكائها ، وكل من كان حاضرا من عدو وصديق ، ولم أر باكية ولا باكيا أكثر من ذلك اليوم .
أقول : روى البرسي في مشارق الانوار عن محدثي أهل الكوفة أن أميرالمؤمنين عليه السلام لما حمله الحسن والحسين عليهما السلام على سريره إلى مكان البئر المختلف فيه إلى نجف الكوفة وجدوا فارسا يتضوع منه رائحة المسك ، فسلم عليهما ثم قال للحسن عليه السلام : أنت الحسن بن علي رضيع الوحي والتنزيل وفطيم العلم والشرف الجليل خليفة أميرالمؤمنين وسيد الوصيين ؟ قال : نعم ، قال : وهذا الحسين بن أميرالمؤمنين وسيد الوصيين سبط الرحمة ورضيع العصمة وربيب الحكمة ووالد الائمة ؟ قال نعم ، قال : سلماه إلي وامضيا في دعة الله ، فقال له الحسن عليه السلام : إنه أوصى إلينا أن لا نسلم إلا إلى أحد رجلين : جبرئيل أو الخضر فمن أنت منهما ؟ فكشف النقاب *

_________________________________________________________
ص 300 ) ( 1 ) نهكه : بالغ في عقوبته .
*