[ 41 ]
وأولادهم وأموالهم وحقوقهم وأنسابهم ودنياهم وآخرتهم ، فليأتنا بآية يليق بجلالة
هذه الولاية ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : أما كفاكم نور علي المشرق في الظلمات الذي
رأيتموه ليلة خروجه من عند رسول الله إلى منزله ؟ أما كفاكم أن عليا جاز و
الحيطان بين يديه ، ففتحت له وطرقت ثم عادت والتأمت ؟ أما كفاكم يوم غدير خم
أن عليا لما أقامه رسول الله رأيتم أبواب السماء مفتحة والملائكة منها مطلعين تناديكم
هذا ولي الله فاتبعوه وإلا حل بكم عذاب الله فاحذروه ؟ أما كفاكم رؤيتكم علي بن
أبي طالب وهو يمشي والجبال يسير بين يديه لئلا يحتاج إلى الانحراف عنها فلما
جاز رجعت الجبال إلى أماكنها ؟ ثم قال : اللهم زدهم آيات فإنها عليك سهلات
يسيرات لتزيد حجتك عليهم تأكيدا ، قال : فرجع القوم إلى بيوتهم فأرادوا دخولها
فاعتقلتهم الارض ومنعتهم ونادتهم : حرام عليكم دخولها حتى تؤمنوا بولاية علي
عليه السلام قالوا : آمنا ودخلوا ، ثم ذهبوا ينزعون ثيابهم ليلبسوا غيرها فثقلت عليهم
ولم يقلوها ( 1 ) ونادتهم : حرام عليكم سهولة نزعها ( 2 ) حتى تقروا بولاية علي عليه السلام
فأقروا ونزعوها ، ثم ذهبوا ليلبسوا ثياب الليل فثقلت عليهم ونادتهم : حرام عليكم
لبسنا حتى تعترفوا بولاية علي عليه السلام فاعترفوا ، فذهبوا يأكلون فثقلت عليهم اللقم
وما لم يثقل منها استحجر في أفواههم ، ونادتهم : حرام عليكم أكلنا حتى تعترفوا
بولاية علي عليه السلام فاعترفوا ، ثم ذهبوا يبولون ويتغوطون فتعذر عليهم ونادتهم
بطونهم ومذاكيرهم : حرام عليكم السلامة منا حتى تعترفوا بولاية علي بن أبي -
طالب عليه السلام فاعترفوا ، ثم ضجر بعضهم وقال : " اللهم إن كان هذا هو الحق من
عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ( 3 ) " قال الله تعالى : " وما
كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " فإن عذاب الاصطلام ( 4 ) العام إذا نزل نزل بعد خروج
*
_________________________________________________________
ص 41 ) ( 1 ) أى لم يرفعوها .
( 2 ) في المصدر : نزعنا .
( 3 ) سورة الانفال : 32 .
وما بعدها ذيلها .
( 4 ) اصطلمه : استأصله .
*
[ 42 ]
النبي صلى الله عليه واله من بين أظهرهم ، ثم قال الله عز وجل : " وماكان الله معذبهم وهم
يستغفرون " يظهرون التوبة والانابة ، فإن من حكمه في الدنيا أن يأمرك بقبول
الظاهر وترك التفتيش عن الباطن ، لان الدنيا دار إمهال وإنظار والآخرة دار الجزاء
بلا بعد ، قال : " وما كان الله معذبهم " وفيهم من يستغفر لان هؤلاء لو لا أن فيهم ( 1 ) من علم الله أنه سيؤمن أو أنه سيخرج من نسله ذرية طيبة يجود ربك على هؤلاء
بالايمان وثوابه ولا يقتطعهم باخترام ( 2 ) آبائهم الكفار ولولا ذلك لاهلكهم ، فذلك
قول رسول الله : كذلك اقترح الناصبون آيات في علي عليه السلام حتى اقترحوا ما
لا يجوز في حكمته ، جهلا بأحكام الله واقتراحا للاباطيل على الله ( 3 ) .
15 - يل : روي عن الصادق عليه السلام أن أميرالمؤمنين عليه السلام بلغه عن عمر بن
الخطاب أمر ، فأرسل إليه سلمان رضي الله عنه وقال : قل له : قد بلغني عنك كيت
وكيت ، وكرهت أن أعتب عليك في وجهك ، فينبغي أن لا يقال في إلا الحق ، فقد
غصبت حقي على القذى وصبرت حتى تبلغ الكتاب أجله ، فنهض سلمان رضي الله
عنه وبلغه ذلك وعاتبه ، وذكر مناقب أميرالمؤمنين عليه السلام وذكر فضائله وبراهينه
فقال عمر : عندي الكثير من فضائل علي عليه السلام ولست بمنكر فضله إلا أنه يتنفس
الصعداء ويظهر البغضاء ، فقال له سلمان رضي الله عنه : حدثني بشئ مما رأيته منه
فقال عمر : يا أبا عيدالله نعم خلوت به ذات يوم في شئ من أمر الجيش ، فقطع حديثي
وقام من عندي وقال : مكانك حتى أعود إليك ، فقد عرضت لي حاجة ، فما كان
أسرع أن رجع علي ثانية وعلى ثيابه وعمامته غبار كثير ، فقلت له : ما شأنك ؟
فقال : أقبل نفر من الملائكة وفيهم رسول الله صلى الله عليه واله يريدون مدينة بالمشرق يريدون
مدينة جيحون ، فخرجت لاسلم عليه ، وهذه الغبرة ركبتني من سرعة المشي ، فقال
عمر : فضحكت متعجبا حتى استلقيت على قفائي ، وقلت له : النبي صلى الله عليه واله قد مات
*
_________________________________________________________
ص 42 ) ( 1 ) في المصدر : لو أن فيهم .
*
( 2 ) اخترمه : أهلكه واستأصله .
( 3 ) تفسير الامام : 265 و 266 .
*
[ 43 ]
وبلي وتزعم أنك لقيته الساعة وسلمت عليه ؟ ! فهذا من العجائب ومما لا يكون
فغضب علي عليه السلام ونظر إلي وقال : تكذبني يا ابن الخطاب ؟ فقلت : لا تغضب
وعد إلى ما كنا فيه فإن هذا مما لا يكون أبدا ، قال : فإن أنت رأيته حتى لا تنكر
منه شيئا استغفرت الله مما قلت وأضمرت وأحدثت توبة مما أنت فيه وتركت حقا
لي ؟ فقلت : نعم ، فقال : قم ، فقمت معه فخرجنا إلى طرف المدينة ، وقال لي :
غمض عينيك فغمضتهما ، فقال : افتحهما ففعلت ذلك ، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه واله
معه نفر من الملائكة ، فلما أطلت النظر قال لي : هل رأيته ؟ فقلت : نعم ، قال : غمض
عينيك فغمضتهما ، ثم قال : افتحهما فإذا لا عين ولا أثر .
فقلت له : هل رأيت من علي عليه السلام غير ذلك ؟ قال : نعم إنه استقبلني يوما
وأخذ بيدي ومضى بي إلى الجبانة ، وكنا نتحدث في الطريق ، وكان بيده قوس
فلما صرنا في الجبانة رمى بقوسه من يده فصار ثعبانا عظيما مثل ثعبان موسى عليه السلام
وفتح فاه وأقبل ليبتلعني ، فلما رأيت ذلك طار قلبي من الخوف وتنحيت وضحكت
في وجه علي عليه السلام وقلت : الامان يا علي بن أبي طالب واذكر ما بيني وبينك
من الجميل ، فلما سمع هذا القول افتر ( 1 ) ضاحكا وقال : لطفت في الكلام ونحن
أهل بيت نشكر القليل ، فضرب بيده إلى الثعبان وأخذه بيده فإذا هو قوسه الذي
كان بيده .
ثم قال عمر : يا سلمان إني كتمت ذلك عن كل أحد وأخبرتك به يا أبا -
عبدالله ، فإنهم أهل بيت يتوارثون هذه الاعجوبة كابر عن كابر ، ولقد كان إبراهيم
يأتي بمثل ذلك وكان أبوطالب وعبدالله يأتيان بمثل ذلك في الجاهلية ، وأنا لا
انكر فضل علي عليه السلام وسابقته ونجدته وكثرة علمه ، فارجع إليه واعتذر عني
إليه وأثن عني عليه بالجميل ( 2 ) .
16 - يل : روى عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال : كان أميرالمؤمنين عليه السلام
*
_________________________________________________________
ص 43 ) ( 1 ) افتر الرجل : ضحك ضحكا حسنا .
( 2 ) الفضائل : 65 و 66 .
*
[ 44 ]
جالسا في دكة القضاء إذ نهض إليه رجل يقال له صفوان الاكحل ، وقال له : أنا رجل
من شيعتك وعلي ذنوب فاريد أن تطهرني منها في الدنيا لاصل إلى الآخرة وما
معي ذنب ، فقال الامام عليه السلام : ما أعظم ذنوبك وما هي ؟ فقال : أنا ألوط الصبيان ،
فقال عليه السلام : أيما أحب إليك ضربة بذي الفقار أو اقلب عليك جدارا أو أرمي عليك
نارا ؟ فإن ذلك جزاء من ارتكب تلك المعصية ، فقال : يا مولاي احرقني بالنار لانجو من نار الآخرة ، فقال عليه السلام : يا عمار اجمع ألف حزمة ( 1 ) قصب لنضرمه غداة غد
بالنار ، ثم قال للرجل : انهض وأوص بمالك وبما عليك ، قال : فنهض الرجل و
أوصى بما له وما عليه ، وقسم أمواله على أولاده ، وأعطى كل ذي حق حقه ،
ثم بات على حجرة أميرالمؤمنين عليه السلام في بيت نوح شرقي جامع الكوفة ، فلما صلى
أميرالمؤمنين عليه السلام قال : يا عمار ناد بالكوفة : اخرجوا وانظروا حكم أميرالمؤمنين
عليه السلام فقال جماعة منهم : كيف يحرق رجلا من شيعته ومحبيه وهو الساعة يريد
يحرقه بالنار فبطلت إمامته ؟ ! فسمع بذلك أميرالمؤمنين عليه السلام قال عمار : فأخذ
الامام الرجل ورمى عليه ألف حزمة من القصب ، فأعطاه مقدحة وكبريتا وقال :
اقدح وأحرق نفسك ، فإن كنت من شيعتي ومحبي وعارفي فإنك لا تحترق بالنار
وإن كنت من المخالفين المكذبين فالنار تأكل لحمك وتكسر عظمك ، فأوقد الرجل
على نفسه واحترق القصب ، وكان على الرجل ثياب بيض فلم تعلق بها النار ولم
تقربها الدخان ، فاستفتح الامام عليه السلام وقال : كذب العادلون بالله وضلوا ضلالا
بعيدا ، ثم قال : إن شيعتنا منا وأنا قسيم الجنة والنار ، وأشهد لي بذلك رسول
الله صلى الله عليه واله في مواطن كثيرة ( 2 ) .
17 - فر : علي بن محمد بن مخلد الجعفي معنعنا عن الاعمش قال : خرجت
حاجا إلى مكة ، فلما انصرفت بعيدا رأيت عمياء على ظهر الطريق تقول : بحق ( 3 ) محمد
*
_________________________________________________________
ص 44 ) ( 1 ) بالمهملة ثم المعجمة ما حزم وشد من الحطب وغيره .
( 2 ) الفضائل : 77 و 78 .
( 3 ) في المصدر : اللهم انى اسألك بحق اه .
*
[ 45 ]
وآله رد علي بصري ، قال : فتعجبت من قولها وقلت لها : أي حق لمحمد وآله
على الله ؟ إنما الحق له عليهم ، فقالت : مه يا لكع والله ما ارتضى هو حتى حلف
بحقهم ، فلو لم يكن لهم عليه حقا ما حلف به ، قال : قلت : وأي موضع حلف ؟
قالت قوله : " لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون " ( 1 ) والعمر في كلام العرب الحياة
قال فقضيت حجتي ثم رجعت فإذا بها مبصرة في موضعها وهي تقول : أيها الناس
أحبوا عليا فحبه ينجيكم من النار ، قال : فسلمت عليها وقلت : ألست العمياء
-بحار الانوار مجلد: 38 من ص 45 سطر 7 الى ص 53 سطر 7
بالامس تقولين : بحق ( 2 ) محمد وآله رد علي بصري ؟ قالت : بلى ، قلت : حدثيني
بقصتك ، قالت : والله ما جزتني حتى وقف علي رجل فقال لي : إن رأيت محمدا و
آله تعرفينه قلت : لا ولكن بالدلالة ( 3 ) التي جاءتنا ، قالت : فبينا هو يخاطبني
إذ أتاني رجل آخر متوكئا على رجلين فقال : ما قيامك معها ؟ قال : إنها تسأل ربها
بحق محمد وآله أن يرد عليها بصرها فادع الله لها ، قال : فدعا ربه ومسح على عيني
بيده فأبصرت ، فقلت : من أنتم ؟ فقال : أنا محمد وهذا علي ، قد ردالله عليك بصرك
اقعدي في موضعك هذا حتى يرجع الناس وأعلميهم أن حب علي ينجيهم من النار ( 4 ) .
18 - ج ، م : قال علي بن الحسين عليهما السلام : كان أميرالمؤمنين صلوات الله عليه
قاعدا ذات يوم فأقبل إليه رجل من اليونانيين المدعين للفلسفة والطب ، فقال : يا
با حسن ( 5 ) بلغني خبر صاحبك وأن به جنونا وجئت لاعالجه ! فلحقته قد مضى
لسبيله وفاتني ما أردت من ذلك ، وقد قيل لي : إنك ابن عمه وصهره وأرى ( 6 )
صفارا قد علاك وساقين دقيقتين ما أراهما ثقلانك ( 7 ) فأما الصفار فعندي دواؤه وأما
*
_________________________________________________________
ص 45 ) ( 1 ) سورة الحجر : 72 .
( 2 ) في المصدر : اللهم انى اسألك بحق اه
( 3 ) في المصدر : بالولاء .
( 4 ) تفسير فرات : 99 - 100 .
( 5 ) في المصدرين : فقال له : يا اباالحسن .
( 6 ) " : وارى بك اه .
( 7 ) " : تقلانك .
*
[ 46 ]
الساقان الدقيقان فلا حيلة ( 1 ) لتغليظهما ، والوجه أن ترفق بنفسك في المشي تقلله
ولا تكثره ، وفيما تحمله على ظهرك وتحضنه ( 2 ) بصدرك أن تقللهما ولا تكثرهما
فإن ساقيك دقيقان لا يؤمن عند حمل ثقيل انقصافهما ( 3 ) وأما الصفار فدواؤك ( 4 )
عندي وهو هذا ، وأخرج دواء وقال : هذا لا يؤذيك ولا يخيسك ( 5 ) ولكنه يلزمك
حمية من اللحم أربعين صباحا ، ثم يزيل صفارك ، فقال علي عليه السلام ( 6 ) : قد ذكرت
نفع هذا الدواء الصفاري فهل تعرف شيئا يزيد فيه ويضره ؟ فقال الرجل : بلى
حبة من هذا ، وأشار إلى دواء معه وقال : إن تناوله الانسان وبه صفار أماته من
ساعته ، وإن كان لا صفار به صار به صفار حتى يموت في يومه ، فقال علي عليه السلام :
فأرني هذا الضار فأعطاه فقال ( 7 ) : كم قدر هذا ؟ فقال : قدر مثقالين سم ناقع ، و
قدر كل حبة منه يقتل رجلا ، فتناوله علي عليه السلام فقمحه ( 8 ) وعرق عرقا خفيفا
وجعل الرجل يرتعد ويقول في نفسه : الآن اؤخذ بابن أبي طالب ويقال : قتلته
ولا يقبل مني قولي إنه لهو ألجأني على نفسي ، فتبسم علي عليه السلام وقال : يا عبدالله
أصح ما كنت بدنا الآن ، لم يضرني ما زعمت أنه سم ، فغمض عينيك فغمض ، ثم
قال : افتح عينيك ، ففتح فنظر إلى وجه علي عليه السلام فإذا هو أبيض أحمر مشرب حمرة
فارتعد الرجل مما رآه وتبسم علي عليه السلام وقال : أين الصفار الذي زعمت أنه بي ؟
فقال : والله لكأنك لست من رأيت قبل ، كنت مصفارا فأنت الآن مورد ، قال علي
بن أبي طالب عليه السلام : فزال عني الصفار بسمك الذي زعمت أنه قاتلي ، وأما ساقاي
*
_________________________________________________________
ص 46 ) ( 1 ) في المصدرين : فلا حيلة لى اه .
( 2 ) " : تحتضنه .
( 3 ) انقصف : انكسر .
( 4 ) في المصدرين : فدواؤه .
( 5 ) خاس اللحم : فسدت رائحته .
( 6 ) في المصدرين ، فقال له على بن ابى طالب عليه السلام .
( 7 ) " : فأعطاه اياه ، فقال له .
( 8 ) قمح السويق : استفه والشراب : اخذه في راحته فلطعه .
*
[ 47 ]
هاتان - ومد رجليه وكشف عن ساقيه - فإنك زعمت أني أحتاج أن أرفق ( 1 ) ببدني
في حمل ما أحمل عليه لئلا ينقصف الساقان ، وأنا أدلك أن طب الله عزوجل خلاف
طبك ، وضرب بيده إلى اسطوانة خشب غليظة ( 2 ) على رأسها سطح مجلسه الذي
هو فيه ، و ( في ) فوقه حجرتان إحداهما فوق الآخر ، وحركها أو احتملها ( 3 ) فارتفع السطح والحيطان و فوقهما الغرفتان ، فغشي على اليوناني ، فقال أميرالمؤمنين
عليه السلام : صبوا عليه ماء ( 4 ) فأفاق وهو يقول : والله ما رأيت كاليوم عجبا ، فقال له
علي عليه السلام : هذه قوة الساقين الدقيقين واحتمالهما في طبك هذا يا يوناني ! .
فقال اليوناني : أمثلك كان محمدا صلى الله عليه واله ؟ فقال علي عليه السلام : فهل علمي إلا من
علمه وعقلي إلا من عقله وقوتي إلا من قوته ؟ لقد أتاه ثقفي كان أطب العرب فقال
له : إن كان بك جنون داويتك ! فقال له محمد صلى الله عليه واله : أتحب أن اريك آية تعلم بها
غناي عن طبك وحاجتك إلى طبي ؟ قال : نعم ، قال : أي آية تريد ؟ قال : تدعو
ذلك العذق - وأشار إلى نخلة سحوق - فدعاها فانقلع أصلها من الارض وهي تخد
في الارض خدا ( 5 ) ، حتى وقفت بين يديه ، فقال له : أكفاك ؟ قال : لا ، قال :
فتريد ماذا ؟ قال : تأمرها أن ترجع إلى حيث جاءت ( 6 ) وتستقر في مقرها الذي
انقلعت منه ، فأمرها فرجعت واستقرت في مقرها .
فقال اليوناني لاميرالمؤمنين عليه السلام : هذا الذي تذكره عن محمد صلى الله عليه واله غائب
عني ، وأنا أقتصر منك على أقل من ذلك ، أنا أتباعد عنك فادعني وأنا لا أختار
الاجابة ، فإن جئت بي إليك فهي آية ، فقال أميرالمؤمنين عليه السلام : هذا إنما يكون
*
_________________________________________________________
ص 47 ) ( 1 ) في المصدرين : احتاج إلى أن ارفق .
( 2 ) " : عظيمة .
( 3 ) " : واحتملها .
( 4 ) في المصدرين بعد ذلك : فصبوا عليه ماءا .
( 5 ) خد الارض : شقها وأثرفيها .
( 6 ) في المصدرين : حيث جاءت منه .
*
[ 48 ]
آية لك وحدك لانك تعلم من نفسك أنك لم ترد وأني أزلت اختيارك من غير أن
باشرت مني شيئا أو ممن أمرته بأن يباشرك أو ممن قصد إلي ذلك ، وإن ( 1 ) لم آمره
إلا ما يكون من قدرة الله القاهر ، وأنت يوناني ( 2 ) يمكنك أن تدعي ويمكن غيرك
أن يقول : أني قد واطأتك على ذلك ، فاقترح إن كنت مقترحا ما هو آية لجميع
العالمين ، قال له اليوناني : إذ جعلت الاقتراح إلي فأنا أقترح أن تفصل أجزاء
تلك النخلة و تفرقها وتباعد ما بينها ثم تجمعها وتعيدها كما كانت ، فقال علي عليه السلام :
هذه آية وأنت رسولي إليها - يعني إلى النخلة - فقل لها : إن وصي محمد رسول الله
صلى الله عليه واله يأمر أجزاءك أن تتفرق وتتباعد ، فذهب فقال لها ، فتفاصلت وتهافتت و
تبترت ( 3 ) وتصاغرت أجزاؤها ، حتى لم تر عين ولا أثر ، حتى كأن لم يكن هناك
نخلة قط ، فارتعدت فرائص اليوناني وقال : ياوصي محمد قد أعطيتني اقتراحي الاول
فأعطني الآخر ، فأمرها أن تجتمع وتعود كماكانت ، فقال : أنت رسولي إليها بعد ( 4 )
فقل لها : يا أجزاء النخلة إن وصي محمد رسول الله صلى الله عليه واله يأمرك أن تجتمعي وكما
كنت تعودي .
فنادى اليوناني فقال ذلك فارتفعت في الهواء كهيئة الهباء المنثور ، ثم
جعلت تجتمع جزء جزء منها حتى تصور لها القضبان والاوراق والاصول والسعف
والشماريخ والاعذاق ( 5 ) ثم تألفت وتجمعت واستطالت وعرضت واستقل ( 6 )
أصلها في مقرها ، وتمكن عليها ساقها ، وتركب على الساق قضبانها ، وعلى القضبان
أوراقها ، وفي أمكنتها أعذاقها ، وقد كانت في الابتداء شماريخها متجردة ( 7 ) لبعدها
*
_________________________________________________________
ص 48 ) ( 1 ) في تفسير الامام : وانى .
( 2 ) في المصدرين : يايونانى .
( 3 ) أى تقطعت وفى الاحتجاج : وتنثرت .
( 4 ) في المصدرين : فعد .
( 5 ) السعف : جريد النخل .
الشمروخ : العذق عليه بسر أو عنب .
وعذق النخل كالعنقود
من العنب .
( 6 ) في المصدرين : واستقر .
( 7 ) في الاحتجاج : متفردة .
وفي التفسير : مجردة .
*
[ 49 ]
من أوان الرطب والبسر والخلال ( 1 ) فقال اليوناني : واخرى احبها ( 2 ) أن تخرج شماريخها خلالها ، وتقلبها من خضرة إلى صفرة وحمرة وترطيب وبلوغ أناه ( 3 )
ليؤكل وتطعمني ومن حضر منها ، فقال عليه السلام ( 4 ) : أنت رسولي إليها بذلك فمرها به
فقال له اليوناني ما أمره أميرالمؤمنين عليه السلام فأخلت وأبسرت واصفرت واحمرت
وترطبت وثقلت أعذاقها برطبها ، فقال اليوناني : واخرى احبها يقرب من
يدي أعذاقها أو تطول يدي لتنالها ، وأحب شئ إلي أن تنزل إلي أحدها وتطول
يدي إلى الاخرى التي هي اختها ، فقال أميرالمؤمنين عليه السلام : مد اليد التي تريد
أن تنالها وقل : يا مقرب البعيد قرب يدي منها ، واقبض الاخرى التي تريد أن
يترك ( 5 ) إليك العذق منها وقل : يا مسهل العسير سهل لي تناول ما يبعد عني منها
ففعل ذلك وقاله فطالت يمناه فوصلت إلى العذق ، وانحطت الاعذاق الاخر فسقطت
على الارض وقد طالت عراجينها ( 6 ) ثم قال أميرالمؤمنين عليه السلام : إنك إن أكلت
منها ثم لم تؤمن بمن أظهر لك عجائبها عجل الله عزوجل من العقوبة التي يبتليك
بها ما يعتبر به عقلاء خلقه وجهالهم ، فقال اليوناني : إني إن كفرت بعد ما رأيت
فقد بالغت في العناد وتناهيت في التعرض للهلاك ، أشهد أنك من خاصة الله صادق
في جميع أقاويلك عن الله ، فأمرني بما تشاء أطعك ( 7 ) .
أقول : تمام الخبرفي أبواب احتجاجاته عليه السلام وقد مضى كثير من معجزاته
ومناقبه صلوات الله عليه في أبواب معجزات الرسول صلى الله عليه واله .
_________________________________________________________
ص 49 ) ( 1 ) بضم الخاء : الرطب .
( 2 ) في المصدرين : احب .
( 3 ) الاناء : حلول الوقت .
النضج .
( 4 ) في المصدرين : ومن حضرك منها فقال على عليه السلام .
( 5 ) في المصدرين : ان تنزل .
( 6 ) جمع العرجون : اصل العذق الذي يعوج ويبقى على النخل يابسا بعد ان تقطع عنه
الشماريخ .
( 7 ) الاحتجاج : 122 - 124 .
تفسير الامام : 67 - 69 .
*
[ 50 ]
19 - ختص محمد بن علي ، عن أبيه ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير
عن أبان الاحمر قال : قال الصادق عليه السلام : يا أبان كيف تنكر ( 1 ) الناس قول أمير -
المؤمنين عليه السلام لما قال : " لو شئت لرفعت رجلى هذه فضربت بها صدر ابن أبي سفيان
بالشام فنكسته عن سريره " ولا ينكرون تناول آصف وصي سليمان عرش بلقيس و
إتيانه سليمان به قبل أن يرتد إليه طرفه ؟ أليس نبينا صلى الله عليه واله أفضل الانبياء ووصيه
أفضل الاوصياء ؟ أفلا جعلوه كوصي سليمان ؟ حكم الله بيننا وبين من جحد حقنا
وأنكر فضلنا ( 2 )
1 - وجدت في بعض الكتب : حدثنا محمد بن زكريا العلائي ، قال : حدثنا
محمد بن الحسن الصفار المعروف بابن المعافا ، عن وكيع ، عن زاذان ، عن سلمان
الفارسي رضي الله عنه قال : كنا مع مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام فقلت : ياأميرالمؤمنين
احب أن أرى من معجزاتك شيئا ، قال صلوات الله عليه : أفعل إن شاء الله عزوجل
ثم قام ودخل منزله وخرج إلي وتحته فرس أدهم ، وعليه قباء أبيض وقلنسوة
بيضاء ، ثم نادى : يا قنبر أخرج إلي ذلك الفرس ، فأخرج فرسا آخر أدهم ، فقال
صلوات الله عليه وآله : اركب يابا عبدالله ، قال سلمان : فركبته فإذا له جناحان
ملتصقان إلى جنبه ، قال : فصاح به الامام صلوات الله عليه فتعلق في الهواء ، وكنت
أسمع حفيف أجنحة الملائكة وتسبيحها تحت العرش ، ثم خطونا على ساحل بحر
عجاج مغطمط الامواج ، فنظر إليه الامام شزرا ( 3 ) فسكن البحر من غليانه ، فقلت
*
_________________________________________________________
ص 50 ) ( 1 ) في المصدر : ينكر .
( 2 ) الاختصاص : 212 و 213 .
( 3 ) شزر اليه : نظر اليه بجانب عينه مع اعراض أو غضب .
*