والمصاعب وجلبت لهم الويلات والخطوب، وألقتهم في شرّ عظيم، إذ تبيّن التآمر علناً لإقصاء الامام عليٍّ عن الحكم وتسليم زمام الاُمّة الإسلامية بيد المنحرفين من دون واعز من الضمير أو حرص على المصير.
فلمّا يئس عمر من حياته وأيقن برحيله عن الدنيا أثر الطعنات التي أصابته قيل له: استخلف علينا، قال: والله لا أحملكم حيّاً وميّتاً، ثمّ قال: إن استخلف فقد استخلف من هو خير منّي ـ يعني أبا بكر ـ وإن أدع فقد ودع من هو خير منّي ـ يعني النبيّ ((صلى الله عليه وآله وسلم)) ـ(1)، ثمّ أبدى أسفه وحسرته على بعض من شاركه مسيرته للخلافة فقال: لو كان أبو عبيدة حيّاً لاستخلفته لأنّه أمين هذه الاُمّة، ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً لاستخلفته لأنّه شديد الحبّ لله، فقيل له: يا أمير المؤمنين لو عهدت عهداً.
قال: قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن أنظر فاُولّي رجلاً أمركم هو أحراكم أن يحملكم على الحقّ ـ وأشار إلى الإمام عليّ ((عليه السلام)) ـ ورهقتني غشية فرأيت رجلاً دخل جنّة قد غرسها، فجعل يقطف كلّ غضة ويانعة فيضمّه إليه ويصير تحته، فعلمت أنّ الله غالب أمره، ومتوفّ عمر، فما اُريد أن أتحمّلها حيّاً وميّتاً عليكم هؤلاء الرهط الذين قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) عنهم: إنّهم من أهل الجنّة، وهم: عليّ وعثمان وعبد الرحمن وسعد والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله، فليختاروا منهم رجلاً، فإذا ولّوا والياً فأحسنوا مؤازرته وأعينوه(2)، وأمرهم أن يحبس هؤلاء الستّة حتى يولّوا أحدهم خلال أيام ثلاث وأن يضرب عنق المخالف لاتّفاق الأغلبية أو الجناح المخالف للذي فيه عبد الرحمن بن عوف، وأن يصلّي صهيب بالناس ثلاثة أيام حتى تجتمع الاُمّة
(1) الإمامة والسياسة: 41.
(2) الكامل في التأريخ: 3 / 65، وتأريخ الطبري: 5 / 223.