(أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام

دون أن يتخطّاها قيد أنملة أو ينحرف عنها قيد شعرة باعتراف محبّيه وخصومه.
3 ـ لقد كان صلوات الله عليه كما وصفه ضرار بن ضمرة الكناني لمعاوية بن أبي سفيان حتى أبكاه وأبكى القوم وجعله يترحّم عليه، قال ضرار:
«كان والله بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلاً ويحكم عدلاً، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، ويستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته، وكان غزير الدمعة طويل الفكرة، يقلّب كفّه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما جشب، وكان فينا كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه ويأتينا إذا دعوناه، وينبّئنا إذا استنبئناه، ونحن والله مع تقريبه إيّانا وقربه منّا لا نكاد نكلّمه هيبةً له، فإن ابتسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظّم أهل الدين ويقرّب المساكين، لا يطمع القويّ في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله، وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأنّي أسمعه الآن وهو يقول: ياربّنا ياربّنا.. يتضرّع اليه ثم يقول: يا دنيا غرّي غيري، إليّ تعرّضتِ أم إليَّ تشوّقتِ، هيهات هيهات، قد طلّقتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعمرك قصير وخطرك كبير وعيشك حقير، آه آه من قلّة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق».
نعم هكذا عُرِف ابن أبي طالب علماً وايماناً وزهداً وشجاعةً ومهابةً وتواضعاً وخشيةً لله وإعراضاً عن الدنيا وإقبالاً على الآخرة.
4 ـ لقد آزر الإمام ((عليه السلام)) رسول الله منذ بداية الدعوة، وجاهد معه جهاداً لا مثيل له في تأريخ الدعوة المباركة حتى تفرّى الليل عن صُبحه وأسفر الحقّ عن محضه ونطق زعيم الدين وخرست شقاشق الشياطين بعد أن مُني بذؤبان

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   كتب متفرقة