العرب ومردة أهل الكتاب.
وقد شهدت الزهراء ((عليها السلام)) وهي ممن عاصرت جلّ مراحل الدعوة بمواقف المرتضى الفريدة حتى قالت: «إنّ النبيّ ((صلى الله عليه وآله وسلم)) كلّما فَغَزَت فاغزة من المشركين كان يقذف أخاه (عليّاً) في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمُصه ويُخمد لَهَبَها بسيفه مكدوراً في ذات الله مجتهداً في أمر الله قريباً من رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) سيّد أولياء الله مشمّراً ناصحاً مجدّاً كادحاً وأنتم في رفاهيّة من العيش وادعون فاكهون آمنون، تتربَّصون بنا الدوائر وتتوكّفون الأخبار وتنكصون عن النزال وتفرّون عن القتال»(1).
5 ـ وبعد أن خطا الرسول الاعظم ((صلى الله عليه وآله وسلم)) لتغيير المجتمع الجاهلي خطواته المدهشة وفي تلك الفترة القصيرة التي كانت بحاجة كبيرة الى المواصلة وكما هو منطق الدعوات التغييرية الشاملة ـ وكما كان يستهدفه الإسلام من هدم كلّ صروح الجاهلية وتصفية شوائبها في شتّى بقاع الأرض وإرساء قواعد الدين الحنيف في المجتمع الانساني باستلام زمام الحكم والسياسة والاقتصاد والتربية والتعليم وبناء الانسان بناءً حقيقياً على الهدي الربّاني السليم ـ كان الطريق أمام الاسلام لبلوغ أهدافه الكبرى شاقاً وطويلاً يتطلّب التخطيط الكامل والقيادة الواعية التي لا تقلّ عن شخصية الرسول القائد إيماناً وكمالاً وإخلاصاً ودرايةً وحنكةً، وكان من الطبيعي للرسالة الخاتمة أن تخطّط لمستقبل هذه الدعوة التي تعتبر عصارة دعوات الأنبياء جميعاً ووريثة جهودهم وجهادهم المتواصل عبر التأريخ.. وهكذا كان إذ اختار النبي الخاتم ((صلى الله عليه وآله وسلم)) بأمر من الله سبحانه شخصاً رشّحه عمق وجوده في
(1) من خطبتها المعروفة أَمام أبي بكر وعمر وسائر المهاجرين والانصار في مسجد الرسول ((صلى الله عليه وآله وسلم)) بعد غصبهم للخلافة.