«والله ما فعلتها إلاّ لأنّك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه، دقَّ الله بينكما عطر منشم».
ثمّ التفت ((عليه السلام)) إلى الناس ليوضّح لهم خطأهم المتكرّر في الاستخلاف ورأيه في مصير الدعوة، فقال:
«أيّها الناس، لقد علمتم أنّي أحقّ بهذا الأمر من غيري، أما وقد انتهى الأمر إلى ما ترون، فوا الله لاُسالمنّ ما سَلِمَتْ اُمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلاّ عليّ خاصة، التماساً لأجرِ ذلك وفضلهِ، وزهداً فيما تنافَسْتُموه من زُخرفه وزِبْرجه».
إنّ الامام ((عليه السلام)) دخل مع الباقين في الشورى وهو يعلم بما ستؤول إليه، محاولةً منه لإظهار تناقض عمر ومن سار على نهجه عند وفاة النبيّ ((صلى الله عليه وآله وسلم)) حين كان يرى أنّه لا تجتمع الخلافة والنبوّة في بيت واحد، أمّا الآن فقد رشّح الإمام ((عليه السلام)) للخلافة.
روي عن أمير المؤمنين: «ولكنّي أدخل معهم في الشورى لأنّ عمر قد أهَّلني الآن للخلافة، وكان قبل ذلك يقول: إنّ رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) قال: إنَّ النبوّة والإمامة لا يجتمعان في بيت، فأنا أدخل في ذلك لاُظهر للناس مناقضة فعله لروايته»(1).
وبايع الإمام ((عليه السلام)) عثمان بن عفّان سعياً منه أن يصلح الاُمّة ويوجّهها، وأن يحافظ على كيانها، فلم يبخل على الاُمّة بالنصيحة والهداية والتربية، فإن اُبعدت الخلافة عنه ((عليه السلام)) فإنّه لم يدّخر وسعاً إلاّ وبذله يوضّح الحقّ ويُرشد إليه، ويهدي السبيل الصحيح ويُدلّ عليه، ويعين الحاكم حين يعجز، ويعلّمه اِذ يجهل، ويردعه إذ يطيش.
(1) شرح النهج لابن أبي الحديد: 1 / 186.