الأجلاّء أمثال عمار بن ياسر وأبي ذر، بل حتّى الذين وقفوا موقف المعارض لخلافة أمير المؤمنين لم يرضوا على عثمان سوء إدارته وفساد حكومته، ويمكن لنا أن نجمل طبيعة حكم عثمان وملامحه فيما يلي.
1 ـ أن عثمان وصل الى الحكم وقد تجاوز السبعين عاماً، وكان وصولاً لأرحامه ولوعاً بحبّهم وإيثارهم، فقد روي عنه قوله: لو أن بيدي مفاتيح الجنّة لأعطيتها بني اُميّة حتى يدخلوا من عند آخرهم. كما أنّ عثمان عاش غنيّاً مترفاً قبل الإسلام، وظلّ على غناه في الإسلام، فلم يكن ليتحسّس معاناة الفقراء وآلام المحرومين، فكانت شخصيته مزدوجةً في التعامل مع الجماهير المحرومة التي تطالبه بالعدل والسوية، فيعاملها بالشدّة والقسوة، كما في تعامله مع عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وأبي ذر وغيرهم.
وأمّا من جهة أقربائه فقد أدناهم وقلّدهم الاُمور، فاستعمل الوليد بن عقبة بن أبي معيط على الكوفة وهو ممّن اُخبر النبيّ ((صلى الله عليه وآله وسلم)) أنّه من أهل النار، وعبد الله بن أبي سرح على مصر، ومعاوية بن أبي سفيان على الشام، وعبد الله بن عامر على البصرة، وصرف الوليد بن عقبة عن الكوفة وولاّها سعيد بن العاص(1).
وكان عثمان ضعيفاً أمام مروان بن الحكم، يسمع كلامه وينفّذ رغباته، حتى أنّه عندما تألّبت الأمصار على عثمان وتأزّمت الأوضاع تدخّل الإمام ليهدّئ الحالة ويرجع الثائرين ـ الذين جاؤوا يطالبون بإصلاح السياسة الإدارية والمالية وتبديل الولاة ـ الى بلدانهم، وأخذ من عثمان شرطاً أن لا يطيع مروان ابن الحكم وسعيد بن العاص.
(1) أنساب الأشراف للبلاذري: 5 / 49، وحلية الأولياء: 1 / 156، وتأريخ اليعقوبي: 2 / 160 وتأريخ الطبري: 5 / 442، وشيخ المضيرة أبو هريرة: 166، والغدير: 8 / 238 ـ 286 والنص والاجتهاد: 399.