(أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام

روي: أنّ عمار بن ياسر خرج بين الصفوف فقال: إنّي لأرى وجوه قوم لا يزالون يقاتلون حتى يرتاب المبطلون، والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لكنّا على الحقّ وكانوا على الباطل. ثمّ تقدم نحو جيش معاوية وهو يرتجز:

نحن ضربناكم على تنزيله***واليوم نضربكم على تأويله

ضرباً يزيل الهام عن مقيله***ويذهل الخليل عن خليله

أو يرجع الحقّ الى سبيله

فتوسّط فيهم ببسالته التي قاتل بها مع رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) صادقاً مخلصاً، فاشتبكت عليه الرماح فطعنه أبو الغاوية وابن جون السكسكي، وروي أنّهما اختصما في رأس عمار الى معاوية وعبد الله بن عمرو بن العاص جالس فقال لهم: ليطب به أحدكما نفساً لصاحبه، فإنّي سمعت رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) يقول له: «يا عمّار تقتلك الفئة الباغية»(1).
وكان الإمام قلقاً لا يقرّ له قرار حين برز عمار للقتال في ذلك اليوم، وأكثر من السؤال عليه حتى جاءه خبر استشهاده، فأسرع الى مصرعه كئيباً حزيناً تفيض عيناه دمعاً، فقد غاب عنه الناصر الناصح والأخ الأمين، ثمّ صلّى عليه الامام ((عليه السلام)) ودفنه.
وسرى خبر استشهاد عمار بين الجيشين فوقعت الفتنة بين صفوف جيش معاوية، لما يعلمون من مكانة عمار وحديث الرسول ((صلى الله عليه وآله وسلم)) له... ولكنّ المكر والحيلة كانا بالمرصاد لكلّ ساذج جاهل، فأشاع معاوية أنّ الذي قتل عماراً من جاء به، وأذعن بسطاء أهل الشام لهذه الضلالة(2).


(1) العقد الفريد: 4 / 341، وتأريخ الطبري: 5 / 653، ووقعة صفّين: 340.
(2) تأريخ الطبري: 5 / 653.

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   كتب متفرقة