وأقبل الناس يقولون قد رضي أمير المؤمنين، والإمام ((عليه السلام)) ساكت لا يفيض بكلمة مطرق الرأس حزيناً، فقد انطلت الخديعة على جيشه فتمرّد عليه ولم يعد باستطاعته أن يفعل شيئاً، وقد أدلى ((عليه السلام)) بما مني به بقوله: «لقد كنت أمسِ أميراً فأصبحت اليوم مأموراً، وكنت بالأمسِ ناهياً فأصبحت اليوم منهياً»(1).
التحكيم وصحيفة الموادعة :
لم تتوقّف محنة الإمام ((عليه السلام)) بتخاذل الجيش، وكان بالإمكان أن يحقّق مكسباً سياسياً عن طريق المفاوضات التي دُعي إليها لو أطاعه المتمرّدون في اختيار الممثّلين عنه الى التحكيم، فأراد الإمام ((عليه السلام)) ترشيح عبد الله بن عباس أو مالك الأشتر لما يعلم عنهما من اخلاص ووعي، وأصرّ المخدوعون على ترشيح أبي موسى الأشعري، فقال الامام ((عليه السلام)): «إنّكم قد عصيتموني في أوّل الأمر فلا تعصوني الآن، إنّي لا أرى أن اُولّي أبا موسى فإنّه ليس بثقة، قد فارقني وخذّل الناس عنّي ـ بالكوفة عند الذهاب لحرب الجمل ـ ثمّ هرب منّي حتى أمّنته بعد أشهر»(2).
وتمكّن معاوية وابن العاص من مأربهم في تفتيت جيش الإمام ((عليه السلام))، يساعدهم في ذلك الأشعث بن قيس من داخل قوات الإمام.
حضر عمرو بن العاص ممثّلاً عن أهل الشام بدون معارضة من أحد لتسطير بنود الاتّفاق مع أبي موسى الأشعري، ولم يقبل عمرو كتابة اسم «أمير المؤمنين» في الصحيفة، فقال الإمام ((عليه السلام)): إنّ هذا اليوم كيوم الحديبية إذ قال سهل بن عمر للنبي: لست رسول الله، ثمّ قال ((عليه السلام)): فقال لي رسول
(1) راجع الكامل في التأريخ: 3 / 317، وتاريخ الطبري: 5 / 662، ووقعة صفّين: 491.
(2) تأريخ الطبري: 5 / 663، الكامل في التأريخ: 3 / 319، وقعة صفّين: 499.