هو شأنه في كلّ معركة ولمّا انتهى الإمام ((عليه السلام)) إليهم بعث لهم رسولاً يطلب منهم قتلة عبد الله بن خباب وقتلة رسوله الحارث بن مرّة، فردّوا عليه مجمعين: كلّنا قتلناهم وكلّنا مستحمل لدمائكم ودمائهم.
وبعث الإمام ((عليه السلام)) قيس بن سعد وأبا أيوب الأنصاري لينصحوا القوم عساهم أن يفهموا واقع الأحداث، ويجنّبوا الاُمة مزيداً من الدماء، ثمّ أتاهم الإمام ((عليه السلام)) فقال لهم:
«أيّتها العصابة التي أخرجها عداوة المراء واللجاجة، وصدّها عن الحقّ الهوى، وطمع بها النزق، وأصبحت في الخطب العظيم، إنّي نذيرلكم إن تصبحوا تلعنكم الاُمّة غداً صرعى بأثناء هذا الوادي، وبأهضام هذا الغائط بغير بيّنة من ربّكم ولا برهان مبين» ثمّ بيّن لهم ((عليه السلام)) أنّه كره التحكيم وعارضه، وشرح سبب معارضته بوضوح لهم، ولكنّهم أنفسهم أجبروا الإمام على قبول التحكيم، وإنّ الحكمين لم يحكما بالقرآن والسنّة، وها هو الإمام يعدّ العدّة لملاقاة معاوية ثانيةً، فلا معنى لخروج المارقين، ولم يرعوي المارقون لقول الإمام وطالبوه بتكفير نفسه وإعلان توبته، فقال ((عليه السلام)):
«أصابكم حاصب ولا بقي منكم وابر أبعد إيماني برسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) وهجرتي معه وجهادي في سبيل الله أشهد على نفسي بالكفر، لقد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين» ثمّ انصرف عنهم، وتقدّم الخوارج فاصطفّوا للقتال.. وعبّأ الإمام ((عليه السلام)) جيشه لملاقاتهم، وفي محاولة أخيرة أمر الامام أبا أيوب الأنصاري أن يرفع راية أمان للخوارج، ويقول لهم: «من جاء إلى هذه الراية فهو آمن ومن انصرف الى الكوفة والمدائن فهو آمن.. إنّه لا حاجة لنا فيكم إلاّ فيمن قتل إخواننا».
فانصرفت منهم مجاميع كثيرة، وقال الإمام ((عليه السلام)) لأصحابه: كفّوا عنهم حتى يبدؤوكم بقتال.