ومع ذلك فقد سبق وقصّروا، وقد تقدّم وأخّروا، لأنّ كلامه ((عليه السلام)) الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي، وفيه عبقة من الكلام النبويّ.
ورأيت كلامه يدور على أقطاب ثلاثة: أوّلها الخطب والأوامر، وثانيها الكتب والرسائل، وثالثها الحِكَم والمواعظ، وقال عن تسميته ومحتوياته: «ورأيت من بعد تسمية هذا الكتاب بـ«نهج البلاغة» إذ كان يفتح للناظر فيه أبوابها ويقرّبه عليه طِلاّبها، فيه حاجة العالم والمتعلّم وبغية البليغ والزاهد، ويمضي في أثنائه من عجيب الكلام في التوحيد والعدل وتنزيه الله سبحانه وتعالى عن شَبَه الخلق ما هو بلال كل غلّة وشفاء كل علّة وجلاء كل شبهة».
وقال أيضاً: «ومن عجائبه ((عليه السلام)) التي انفرد بها وأمن المشاركة فيها: أنّ كلامه الوارد في الزهد والمواعظ والتذكير والزواجر إذا تأمّله المتأمّل وفكّر فيه المتفكّر لم يعترضه الشكّ في انّه كلام من لاحظ له في غير الزهادة ولا شغل له بغير العبادة.. ولا يكاد يوقن بأنّه كلام من ينغمس في الحرب مصلّتاً سيفه فيقطّ الرقاب ويجدّل الأبطال.. وهو مع تلك الحال زاهد الزهّاد وبدل الأبدال. وهذه من فضائله العجيبة وخصائصه اللطيفة التي جمع بها بين الأضداد...»(1).
وقال السيّد محسن الأمين العاملي: وهذا الكتاب قد حوى من نفائس الكلام ما استحقّ به أن يسمّى نهج البلاغة، واشتهر في جميع الأقطار والأمصار والأعصار اشتهار الشمس في رائعة النهار، وشرح نيفاً وثلاثين شرحاً من أعاظم العلماء»(2).
ثمّ قال: «لكن تناوله جماعة بالإنكار، فقال بعضهم: إنّه كلّه من كلام
(1) من مقدّمة الشريف الرضي لنهج البلاغة.
(2) وهذا الرقم الى عصر السيد محسن الأمين طبعاً، وتلته شروح كثيرة وترجم الى مختلف اللغات.