فأيقنت أنّي حيث انتهى بي القولُ منسوب الى العجز، مقصّر عن الغاية، فانصرفتُ عن الثناء عليك الى الدعاء لك، ووكلتُ الإخبار عنك الى علم الناس بك.
وما أقول في رجل أقرّ له أعداؤه وخصومه بالفضل، ولم يمكنهم جَحْدُ مناقبه، ولا كتمانُ فضائله، وفقد علمتَ أنّه استولى بنو اُميّة على سلطان الإسلام في شرق الأرض وغربها، واجتهدوا بكلّ حيلة في إطفاء نوره، والتحريض عليه، ووضع المعايب والمثالب له، ولعنوه على جميع المنابر، وتوعّدوا مادحيه، بل حبسوهم وقتلوهم، ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة أو يرفع له ذكراً، حتى حظروا أن يسمّى أحد باسمه، فما زاده ذلك إلاّ رفعةً وسموّاً...
وما أقول في رجل تُعزى اليه كلّ فضيلة، وتنتهي اليه كلّ فرقة، وتتجاذبه كلّ طائفة، فهو رئيس الفضائل وينبوعها، وأبو عُذْرِها، وسابق مضمارها، ومجلّي حَلْبتها، كلّ من بزغ فيها بعده فمنه أخذ، وله اقتفى، وعلى مثاله احتذى.
وإنّ أشرف العلوم وهو العلم الالهي، من كلامه ((عليه السلام)) اقتبس وعنه نقل واليه انتهى ومنه ابتدأ... وعلم الفقه هو أصله وأساسه وكلّ فقيه في الإسلام فهو عيال عليه ومستفيد من فقهه... وعلم تفسير القرآن عنه اُخذ ومنه فُرّع.. وعلم الطريقة والحقيقة وأحوال التصوّف.. إنّ أرباب هذا الفنّ في جميع بلاد الإسلام اليه ينتهون، وعنده يقفون.. وعلم النحو والعربية قد علم الناس كافة أنّه هو الذي ابتدعه وأنشأه، وأملى على أبي الأسود الدؤلي جوامعَه واُصولَه...