(أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام

فنكفيهما عنه، قال العباس: نعم.

فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له: إنّا نريد أن نخفّف عنك من عيالك حتّى ينكشف عن النّاس ما هم فيه، فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلاً فاصنعا ماشئتما، فأخذ رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) عليّاً ((عليه السلام)) فضمّه إليه وكان عمره يومئذ ستة أعوام، وأخذ العبّاس جعفراً، فلم يزل عليّ بن أبي طالب مع رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) حتى بعثه الله نبيّاً، فاتّبعه عليّ((عليه السلام)) فآمن به وصدّقه، ولم يزل جعفر عند العبّاس حتّى أسلم واستغنى عنه(1).
وقد قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) بعد أن اختار عليّاً ((عليه السلام)): «قد اخترت من اختاره الله لي عليكم عليّاً»(2).
وهكذا آن لعليّ ((عليه السلام)) أن يعيش منذ نعومة أظفاره في كنف محمّد رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) حيث نشأ وترعرع في ظل أخلاقه السماويّة الساميّة، ونهل من ينابيع مودّته وحنانه، وربّاه ((صلى الله عليه وآله وسلم)) وفقاً لما علّمه ربّه تعالى، ولم يفارقه منذ ذلك التأريخ.
وقد أشار الإمام عليّ ((عليه السلام)) الى أبعاد التربية التي حظي بها من لدن اُستاذه ومربّيه النبيّ الأكرم ((صلى الله عليه وآله وسلم)) ومداها وعمق أثرها، وذلك في خطبته المعروفة بالقاصعة: «وقد علمتم موضعي من رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة(3)، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمّني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسّني جَسده، ويشمّني عَرْفه(4)، وكان يمضع الشيء ثمّ يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في


(1) تأريخ الطبري: 2 / 397، وشرح ابن أبي الحديد: 13 / 198، وينابيع المودة: 202، وكشف الغمة: 1 / 104، ورواه غيرهم كثير مع اختلاف يسير.
(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1 / 15 ، نقلاً عن البلاذري والأصفهاني.
(3) الخصيصة: الخاصة.
(4) عرفه (بالفتح): رائحته، وأكثر استعماله في الطيب.

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   كتب متفرقة