وجاءت بشارات بولادة الإمام علي (عليه السلام) في الإنجيل إذ قال عيسى
(عليه السلام) : « إنَّ الإليا متوقّع أنْ يأتي »([230]).
وإليا هو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وصي محمد (صلى الله
عليه وآله) .
الفرق بين ولادة فاطمة ومريم ؟
دعا الله تعالى فاطمة بنت أسد من بيتها الى الكعبة المقدّسة للولادة
فيه ولم تكن سدنة الكعبة تسمح لأحد بالنوم فى جوف الكعبة ولا الدخول إليها إلاّ في
أوقات محدّدة . ولمّا انشقّ جدار الكعبة دخلته فاطمة بنت أسد وانغلق الجدار وباءت
محاولات السدنة لفتحه بالفشل والخيبة .
وحاولت الحكومات عبر التاريخ رأب صدع جدار الكعبة الواقع في الباب
اليماني فلم تتمكّن أبداً !
وبقيت الكعبة مغلقة ثلاثة أيّام لا يقوى على فتحها أحد .
ثم فتح الجدار مرّة أُخرى فجاءت فاطمة بنت أسد بوليدها (عليه السلام)
واجتمع الناس .
أمّا مريم الطاهرة فلم يسمح الباري تعالى بولادتها فى بيت المقدس وكانت
فيه وطلب تعالى منها الخروج فولدته في أطراف المدينة :
(فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً * فَأَجَاءَهَا
الَْمخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا
وَكُنتُ نَسْياً مَنْسِيّاً * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ
جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ
تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً)([231]).
ثم عادت مريم بوليدها الى مدينة القدس .
مَن سمَّاه عليّاً النبي أم أبو طالب ؟
جاء في كتاب خصائص العشرة للزمخشريّ : أنَّ النَّبيِّ (صلى الله عليه
وآله) تولّى تسميته بعليٍّ ، وتغذيته أيّاماً من ريقه المبارك ، يمصّه
لسانه ، فعن فاطمة بنت أسد أمِّ عليٍّ (عليه السلام)قالت :
لمّا ولدته سمّاه (صلى الله عليه وآله) عليّاً ، وبصق في فيه ، ثمَّ إنّه ألقمه
لسانه ، فما زال يمصّه حتّى نام »([232]).
ولادة فاطمة
جاء في تاريخ ولادة أُمّ الحسنين (عليهم السلام) إنّها ولدت في السنة
الخامسة بعد البعثة النبوية الشريفة ، وقد انعقدت نطفتها من ثمر الجنّة الذي جاء
به جبرائيل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الإسراء والمعراج([233])،
وكانت تحدّث أُمَّها من بطنها([234]).
وقد أحبّ الله تعالى ابنة النبي الوحيدة فاطمة (عليها السلام) وفضّلها
على باقي نساء الأُمّة .
وقال النبي (صلى الله عليه وآله) : « إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما
آذاها ويغضبني ما أغضبها »([235]).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « أما ترضين أن تكوني سيّدة
نساء أهل الجنّة »([236]).
وإذا سافر رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان آخر عهده بفاطمة ، وإذا
رجع بدأ ببيت فاطمة (عليها السلام) أيضاً([237]).
وكانت فاطمة نور من الله تعالى في الارض إذ قالت عائشة :
كنَّا نخيط ونغزل وننظم الإبرة بالليل في ضوء وجه فاطمة سلام الله
عليها([238]).
صبا الإمام علي (عليه السلام) ورضاعه
قال الإمام (عليه السلام) تعريفاً بنفسه : « ولقد علمتم موضعي من رسول
الله (صلى الله عليه وآله)بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة ; وضعني في حجره
وأنا وليد ، يضمّني إلى صدره ، ويكفني في فراشه يمسّني جسده
ويشمّني عرفه ، وكان يمضغ الشّيء ثمَّ يلقمنيه ; وما وجد لي كذبة في
قول ، ولا خطلة في فعل ، ولقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله) من لدن أن كان
فطيماً أعظم ملك من ملائكته ، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله
ونهاره ، ولقد كنت أتَّبعه اتّباع الفصيل إثر أُمّه ، يرفع لي في كلِّ يوم من
أخلاقه علماً ، ويأمرني بالاقتداء به ; ولقد كان يجاور في كلِّ سنة
بحراء ، فأراه ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخديجةُ ، وأنا ثالثهما ; أرى نور
الوحي والرِّسالة ، وأشمّ ريح النّبوَّة ، ولقد سمعت رنَّة الشَّيطان حين نزل
الوحي عليه (صلى الله عليه وآله) ، فقلت : يا رسول الله ! ما هذه الرَّنَّة ؟
فقال : هذا الشَّيطان قد آيس من عبادته ; إنَّك تسمع ما أسمع ، وترى ما
أرى ، إلاّ أنَّك لست بنبيٍّ ولكنَّك لوزير ، وإنَك لعلى خير »([239]).
قال ابن أبي الحديد : وروي عن جعفر بن محمّد الصّادق (عليهما السلام)
قال : « كان عليُّ (عليه السلام) يرى مع رسول الله (صلى الله عليه
وآله) قبل الرسالة الضّوء ، ويسمع الصّوت ; وقال (صلى الله عليه
وآله)له : لولا أنِّي خاتم الأنبياء لكنت شريكاً في النّبوَّة ، فإن لا
تكن نبيّاً فإنَّك وصيّ نبيٍّ ووارثه ، بل أنت سيِّد الأوصياء وإمام
الأتقياء »([240]).
وعاش الإمام علي (عليه السلام) في كنف رسول الله (صلى الله عليه وآله)
في صباه مثلما عاش النبي محمّد (صلى الله عليه وآله) في كنف عمّه أبي
طالب .
فكان علي (عليه السلام) يهتدي بهدى رسول الله و يتربّى بتربيته
المعصومة عن الخطأ ويتخلّق بأخلاقه فكان علي (عليه السلام) كما أراد محمد (صلى
الله عليه وآله) في كل شيء .
إضافة إلى أنّهما كانا من نور واحد كما قال النبي (صلى الله عليه وآله)
: « كنت أنا وعلي نوراً واحداً قبل أن يخلق الله تعالى آدم فلمّا خلق الله تعالى
آدم انقسم ذلك النور إلى قسمين فقسم أنا وقسم علي »([241]).
التربية النبويّة لعلي (عليه السلام)
لقد تعلّق أبو طالب برسول الله (صلى الله عليه وآله) فاعتنى به عناية
خاصّة ليس لها نظير في عالم العرب فقد أصرّ على أخذه إلى الشام وعمره (صلى الله
عليه وآله) تسع سنين خوفاً عليه واهتماماً به ثمّ اعتنى به وحامى عنه وعن دينه
بجاهه وأولاده بجسمه وروحه اللذان أعطاهما في هذا السبيل ، فعاش رسول الله (صلى
الله عليه وآله) مع عمّه الصدّيق إثنين وأربعين عاماً في حماية كاملة ودعم تامّ .
وتبعاً لتلك التربية السليمة الهادفة فقد أخذ رسول الله (صلى الله عليه
وآله) عليّاً من عمّه أبي طالب فربّاه في حجره الشريف وغذّاه بيده الشريفة وهذّبه
بنفسه الزكيّة وعلّمه علمه السماوي وزوّجه ابنته فاطمة (عليها السلام) سيّدة نساء
العالمين .
قال محمد بن إسحاق عن تربية رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه
السلام) : كان ممّا أنعم اللهُ عليه أن كان في حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قبل الإسلام وذلك أنَّ قريشاً أصابتهم أزمة شديدة ، وكان أبو طالب ذا عيال كثير
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للعبّاس عمّه ، (وكان من أيسر بني هاشم) : ياعبّاس
إنَّ أخاك أبا طالب كثير العيال ، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة ، فانطلق
بنا إليه لنخفّف من عياله ، آخذ من بنيه رجلاً وتأخذ أنت رجلاً فنكفهما عنه([242]).
قال العبّاس : نعم . فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا إنّا نريد أن
نخفّف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه .
فقال لهما أبو طالب : إذا تركتما عقيلاً وطالباً فاصنعا ما شئتما .
فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) فضمّه إليه ،
وأخذ العبّاس جعفراً فضمّه إليه ، فلم يزل الإمام علي مع رسول الله (صلى الله عليه
وآله) حتى بعثه الله تعالى نبيّاً فاتّبعه الإمام علي (عليه السلام)
وآمن به وصدّقه ، ولم يزل جعفر عند العبّاس حتى أسلم واستغنى عنه([243]).
فكان الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) تلميذاً مخلصاً لرسول الله
(صلى الله عليه وآله) تعلّم منه أخلاقه وآدابه وعلمه ، وأصبح ختنه ووصيّه وخليفته
ووزيره .
وأضحى منه مثل هارون من موسى (عليه السلام) لا يخالف رسول الله (صلى
الله عليه وآله) في نصّ ولا يعارضه في أمر .
فقال فيه النبي (صلى الله عليه وآله) : « علي إمام المتقين وقائد الغرّ
المحجّلين يوم القيامة »([244]).
فمنزلة الإمام علي (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله)
تختلف عن منزلة سائر الأصحاب ; ففي طول مدّة حياة الإمام علي (عليه
السلام) مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) والممتدة لثلاثة وثلاثين سنة كان فيها
الإمام علي (عليه السلام) يعيش في كنف أُستاذ البشريّة محمد (صلى الله عليه وآله)
ويستقي من علومه ويتهذّب بسلوكه وأخلاقه .
الباب الثاني : أحداث مكّة بعد البعثة
الفصل الاول : السابقون الى الإسلام
إسلام علي (عليه السلام)
أنَّ عليّاً ولد مسلماً على الفطرة إذ كان مربّاه منذ طفولته في بيت
الرَّسول الذي عصمه الله وعصم من كان في بيته من شرك الجاهليّة وضلالها([245]).
قال العقّاد : وكاد عليُّ أن يولد مسلماً ، بل لقد ولد مسلماً على
التحقيق إذا نحن نظرنا إلى ميلاد العقيدة والرُّوح ، لأنَّه فتح عينيه على الإسلام
، ولم يعرف قطُّ عبادة الأصنام ، فهو قد تربَّى في البيت الّذي خرجت منه الدَّعوة
الإسلامية ، وعرف العبادة في صلاة النَّبيِّ ...([246]).
قال المقرِيزيُّ ما هذا ملخَّصه : وأمّا عليُّ بن أبي طالب فلم يشرك
بالله قط ، وذلك أنَّ الله تعالى أراد به الخير فجعله في كفالة ابن عمِّه سيِّد
المرسلين محمّد (صلى الله عليه وآله) ، فعندما أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
الوحي وأخبر خديجة وصدَّقت كانت هي وعليُّ بن أبي طالب وزيد بن حارثة يصلّون معه
... فلم يحتج عليُّ أن يدعى ، ولا كان مشركاً حتّى يوحِّد فيقال : أسلم ; بل كان
عندما أوحى الله إلى رسوله (صلى الله عليه وآله) عمره ثماني سنين ،
وقيل : سبع ، وقيل : إحدى عشرة سنة ، وكان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في
منزله بين أهله كأحد أولاده ، يتَّبعه في جميع أحواله([247]).
حديث المأمون
وقال المأمون في حديث احتجاجه على أربعين فقيهاً في مناظرته إيَّاهم
إنَّ أمير المؤمنين أولى بالنَّاس بالخلافة : ياإسحاق ! أيُّ الآمال كان أفضل يوم
بعث الله رسوله ؟
قلت : الإخلاص بالشَّهادة . قال : أليس السَّبق إلى الإسلام ؟ قلت :
نعم ، قال : اقرأ ذلك في كتاب الله تعالى يقول : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ *
أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)([248]).
إنَّما عنى من سبق إلى الإسلام ، فهل علمت أحداً سبق عليّاً إلى
الإسلام ؟ قلت : ياأمير المؤمنين ! إنَّ عليّاً أسلم وهو حديث السِّنِّ
لا يجوز عليه الحكم ، وأبو بكر أسلم وهو مستكمل يجوز عليه الحكم([249]).
قال : أخبرني أيّهما أسلم قبل ؟ ثمَّ أُناظرك من بعده في الحداثة
والكمال ، قلت :عليُّ أسلم قبل أبي بكر على هذه الشَّريطة .
فقال : نعم ، فأخبرني عن إسلام عليٍّ حين أسلم لا يخلو من أن يكون رسول
الله (صلى الله عليه وآله) دعاه إلى الإسلام أو يكون إلهاماً من الله .
قال : فأطرقت .
فقال لي : ياإسحاق لا تقل : إلهاماً فتقدِّمه على رسول الله (صلى الله
عليه وآله) لأنَّ رسول الله لم يعرف الإسلام حتّى أتاه جبرئيل عن الله تعالى ، قلت
أجل ، بل دعاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأنّ رسول الله لم يعرف
الإسلام حتّى أتاه جبرئيل عن الله تعالى ، قلت : أجل ، بل دعاه رسول
الله (صلى الله عليه وآله) إلى الإسلام .
قال : ياإسحاق ! فهل يخلو رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين دعاه إلى
الإسلام من أن يكون دعاه بأمر الله أو تكلّف ذلك من نفسه ؟
قال : فأطرقت .
فقال : ياإسحاق ! لا تنسب رسول الله إلى التكلّف ، فإنَّ الله يقول :
(وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ)([250]).
قلت : أجل ، ياأمير المؤمنين ! بل دعاه بأمر الله .
قال : فهل من صفة الجبّار ـ جلَّ ذكره ـ أن يكلّف رسله دعاء من لا يجوز
عليه حكم ؟
قلت : أعوذ بالله .
فقال : أفتراه في قياس قولك ياإسحاق ، « إنَّ عليّاً أسلم صبيّاً لا
يجوز عليه الحكم » قد تكلّف رسول الله (صلى الله عليه وآله) من دعاء
الصِّبيان ما لا يطيقون ؟ فهل يدعوهم السَّاعة ويرتدُّون بعد ساعة فلا يجب عليهم
في ارتدادهم شيء ولا يجوز عليهم حكم الرَّسول (صلى الله عليه وآله) ؟ أترى
هذا جائزاً عندك أن تنسبه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ قلت : أعوذ بالله([251]).
قال ياإسحاق ! فأراك إنَّما قصدت لفضيلة فضَّل بها رسول الله (صلى الله
عليه وآله) عليّاً على هذا الخلق أبانه بها منهم ليعرِّف مكانه وفضله ; ولو كان
الله تبارك وتعالى أمره بدعاء الصبيان لدعاهم كما دعا عليّاً !
قلت : بلى ، قال : فهل بلغك أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعا
أحداً من الصبيان من أهله وقرابته لئلاّ تقول : إنَّ عليّاً ابن عمِّه ؟
قلت : لا أعلم ولا أدري فعل أو لم يفعل ، قال : ياإسحاق ! أرأيت ما لم
تدره ولم تعلمه هل تسال عنه ؟
قلت : لا ، قال : فدع ما قد وضعه الله عنّا وعنك »([252]).
نظر العلماء في إسلام علي (عليه السلام)
قال جورج جرداق : فإنَّ عليَّ بن أبي طالب قد ولد مسلماً ، لأنَّه من
معدن الرَّسول مولداً ونشأة ومن ذاته خلقاً وفطرة ، ثمَّ إنَّ الظَّرف الّذي أعلن
فيه عمّا يكمن في كيانه من روح الإسلام ومن حقيقته لم يكن شيئاً من ظروف الآخرين
ولم يرتبط بموجبات العمر ، لأنَّ إسلام عليٍّ كان أعمق من ضرورة الارتباط بالظّروف
إذ كان جارياً من روحه كما تجري الأشياء من معادنها والمياه من ينابيعها([253]).
قال العلاّمة الشيخ خليل : ويوم جهر النَّبيُّ بدعوته كان عليُّ أوَّل
النّاس إسلاماً ، وأسبقهم إيماناً ، بل الواقع الصَّحيح أنَّه (عليه
السلام) لم يكن أوَّل النّاس إسلاماً ، وأسبقهم إيماناً ، بل كان أوَّل النّاس
إعلاناً لإسلامه وجهراً بإيمانه لأنَّ ذينك الإسلام والإيمان كانا كامنين في أعماق
قلبه في كلِّ كيانه يعيشهما بعمق وتأمّل وهو في كنف الرَّسول (صلى الله عليه وآله)
يستمدُّ منه هدياً وإيماناً تماماً كما يستمدُّ القمر من الشَّمس نوراً وضياءً ،
وإذا لعليٍّ قدر ما لم يقدّر لسواه من البشر ...([254]).
قال محمّد بن طلحة الشَّافعيُّ : لمّا نزل الوحي على رسول الله (صلى
الله عليه وآله) وشرَّفه الله سبحانه وتعالى بالنّبوَّة كان عليٌّ يومئذ لم يبلغ
الحلم وكان عمره إذ ذاك في السنة الثّالثة عشرة ، وقيل أقلُّ من ذلك ، وقيل أكثر ;
وأكثر الأقوال وأشهرها أنَّه لم يكن بالغاً ، فإنَّه أوَّل من أسلم
وآمن برسول الله (صلى الله عليه وآله) من الذّكور ، وقد ذكر (عليه السلام) وأشار
إليه في أبيات قالها بعد ذلك بمدَّة مديدة ، نقلها عنه الثِّقات ورواها النَّقلة
الأثبات :
محمّد النَّبيُّ أخي وصنوي *** وحمزة سيِّد الشّهداء عمِّي
وجعفر الّذي يضحي ويمسي *** يطير مع الملائكة ابن أُمّي
وبنت محمّد سكني وعرسي *** منوط لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمد ولداي منها *** فأيّكم له سهم كسهمي
سبقتكم إلى الإسلام طرّاً *** غلاماً ما بلغت أوان حلمي
وأوجب لي ولايته عليكم *** رسول الله يوم غدير خمِّ
فويل ، ثمَّ ويل ، ثمَّ ويل *** لمن لقي الإله غداً بظلمي([255])
أقول : ذكر هذه الأبيات بتمامها شيخنا العلاّمة الأمينيُّ (رحمه الله)
في كتابه([256])،
إلاّ أنَّه قال بدل « غلاماً ما بلغت أوان حلمي » : « على ما كان من فهمي وعلمي »
; وأضاف في الهامش بيتين آخرين ، وقال : « وفي رواية الطبرسيُّ بعد هذا البيت :
وصلّيت الصَّلاة وكنت طفلاً *** مقرّاً بالنَّبيِّ في بطن أُمّي
ثمَّ قال (رحمه الله) : (هذه الأبيات كتبها الإمام (عليه السلام) إلى
معاوية لمّا كتب معاوية إليه : إنَّ لي فضائل : كان أبي سيِّداً في الجاهليَّة ،
وصرت ملكاً في الإسلام ، وأنا صهر رسول الله وخال المؤمنين وكاتب الوحي) .
فقال أميرالمؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ : « أبالفضائل يبغي عَلَيَّ ابن
آكلة الأكباد ! اكتب يا غلام : محمّد النَّبيُّ أخي وصنوي ... الى آخره
»([257]).
والإمام علي (عليه السلام) عَبَدَ الله تعالى سبع سنين قبل الناس([258])
ويجب أن تكون هذه العبادة بعد البعثة النبويّة لا قبلها لأنّ عبدالمطّلب وأبو طالب
كانوا يعبدون الله تعالى أيضاً على دين الحنيفية . وأبو طالب حي في تلك المدّة الزمنيّة
. إذن عَبَدَ الإمام علي (عليه السلام) الله تعالى سبع سنين مع النبي
(صلى الله عليه وآله) بعد البعثة النبويّة قبل الناس .
فكان سنّ علي (عليه السلام) عند البعثة عشر سنين (10 سنة) وعَبَدَ الله
تعالى سنة قبل الناس ، فأصبح عمره 17 سنة والناس لم يعبدوا الله تعالى
بعد .
وهو بالغ عاقل ثم دخل الناس في الإسلام تباعاً . وفي رواية أموية كاذبة
: وبعد خمسين رجلاً دخل أبو بكر في الإسلام([259]). والرواية تبيّن دخول
أبي بكر في الإسلام متأخّراً .
والصحيح دخل أبو بكر في الإسلام متأخّراً قبل الهجرة بسنة ونصف ، ففي
أيّام الحصار الاقتصادي لبني هاشم في الشعب كان كافراً .
وإلى زمن معاوية كان الصحابة يعترفون بأسبقيّة الإمام علي (عليه
السلام) في الإسلام .
ولمّا جاء معاوية سعى لطمس فضائل الإمام علي (عليه السلام) في كل
المجالات وتفضيل رجال السقيفة عليه .
فلعن معاويةُ الإمامَ على منابر المسلمين([260])
أربعين سنة واخترع قضية عدم بلوغه الحلم في زمن البعثة ، وقدَّم إسلام أبي بكر
سنوات عديدة لتفضيله على الإمام (عليه السلام) في الخلافة .
في حين لم يقل أبو بكر ذلك في السقيفة ولم يسمع الصحابة بهذا في عصر
الخلفاء .
والإمام علي (عليه السلام) عَبَدَ الله تعالى سبع سنين قبل الناس([261]).
ويجب أن تكون هذه العبادة بعد البعثة النبويّة لا قبلها لأن هاشماً
وعبدالمطّلب وأبو طالب كانوا يعبدون الله تعالى أيضاً على دين الحنيفية . وأبو
طالب حي في تلك المدّة الزمنية . إذن عَبَدَ الإمام علي (عليه السلام) تعالى سبع
سنين مع النبي (صلى الله عليه وآله) (قبل الناس) بعد البعثة النبوية .
فكان سن علي (عليه السلام) عند البعثة عشر سنين (10 سنة) وعَبَدَ الله
تعالى سنة قبل الناس ، فأصبح عمره 17 سنة والناس لم يعبدوا الله تعالى
بعد .
وهو بالغ عاقل ثم دخل الناس في الإسلام تباعاً . وفي رواية الطبري :
وبعد خمسين رجلاً دخل أبو بكر في الإسلام([262]).
والصحيح دخل أبو بكر في الإسلام متأخّراً قبل الهجرة بسنة ونصف لأنّه
كان كافراً أثناء حصار شعب أبي طالب .
ولم يسلم إلاّ بعد موت أبي طالب .
وإلى زمن معاوية كان الصحابة يعترفون بأسبقيّة الإمام علي (عليه
السلام) في الإسلام .
ولمّا جاء معاوية سعى لطمس فضائل الإمام علي (عليه السلام) في كل المجالات
وتفضيل الخلفاء عليه .
فلعن معاويةُ الإمامَ على منابر المسلمين([263])
أربعين سنة ، وقدَّم إسلام أبي بكر سنوات عديدة لتفضيله على الإمام (عليه السلام)
.
في حين لم يقل أبو بكر ذلك في السقيفة ولم يسمع الصحابة بهذا في عصر
الخلفاء .
فنزل قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ
الْمُقَرَّبُونَ)([264]).
في الإمام علي (عليه السلام)([265]).
ومن السابقين عبدالله بن مسعود وجعفر بن أبي طالب وأبوه وأبو ذرّ
وعمّار .
عبادة علي (عليه السلام) في حِراء
وكان عبدالمطّلب قد رفض عبادة الأصنام ووحّد الله تعالى([266]).
وركن إلى عبادة الله تعالى في غار حراء ، وإطعام الطير والوحش هناك([267]).
فكان يصعد حراء في شهر رمضان ويطعم المساكين جميع الشهر([268]).
لذلك سمّته قريش بإبراهيم الثاني([269]).
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « إنّ الله يبعث جدّي
عبدالمطّلب أُمّةً واحدة في هيئة الأنبياء وزي الملوك »([270]).
فغار حراء يستحق الزيارة للعبادة فيه والسير على خطى محمد (صلى الله
عليه وآله)وأجداده .
وظاهر الأمر أنّ عبد مناف ، وهاشماً ، وعبدالمطّلب ، وعبدالله ، وأبا
طالب وسائر أجداد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد عبدوا الله عزَّ وجلَّ في غار
حراء ، وأصبح ذلك الغار مقدّساً مطهّراً يستحق نزول القرآن الكريم فيه([271]).
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجاور بحراء في كل سنة شهراً ،
(وهو غار صغير في جبل النور الواقع في شمال غربي مكّة) فيذكر الله تعالى ويزكّي
نفسه من الكبر والرياء والحسد والعجب وحبّ الدّنيا ، ويتفكّر في خلق الله عزّوجلّ
، ويصوم .
وكان الإمام علي (عليه السلام) معه كالتابع والتلميذ([272])
يطعم في ذلك الشهر من جاءه من المساكين ، فإذا قضى جواره من حراء كان أوّل ما يبدأ
به إذا انصرف أن يأتي باب الكعبة قبل أن يدخل بيته فيطوف به سبعاً أو ما شاء الله
من ذلك ، ثم يرجع إلى بيته حتى جاءت السنة التي أكرمه الله تعالى فيها بالرسالة ،
فجاور في حراء في شهر رمضان ومعه أهله خديجة والإمام علي بن أبي طالب (عليه
السلام) وخادم لهم فجاءه جبرئيل بالرسالة : اقرأ([273]).
وكان الإمام علي (عليه السلام) يعبد الله تعالى في حِراء مع رسول الله
(صلى الله عليه وآله)([274]). في ذلك الشهر يصلّي ويصوم معه .
أوّل صلاة جماعة في الكعبة
قال تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا
مَعَ الرَّاكِعِينَ)([275]).
أنّها نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وعلي بن أبي طالب
(عليه السلام) ، وهما أوّلْ مَن صلّى وركع([276]).
ورواه بهذا اللفظ جماعة من كبار مفسّري ومحدّثي الفريقين منهم([277]):
ابن شهر اشوب([278]).
والعلاّمة المفسّر السيد هاشم البحراني([279]).
والمحدّث ابن البطريق([280]).
والعلاّمة المجلسي في (بحار الانوار 36 / 166) عن كتاب (المستدرك) لابن
البطريق .
وممّن رواه من علماء العامّة :
الحافظ الحاكم الحسكاني في (شواهد التنزيل) 1 / 85 ح124 ط الأعلمي ـ
بيروت .
الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (فيما نزل من القرآن في علي (عليه السلام))
جمع المحمودي في (النور المشتعل) 40 ط وزارة الإرشاد الإسلامي طهران .
والعلاّمة المحدّث الخوارزمي في (المناقب) 189 ط تبريز .
والعلاّمة الكازروني في (صفوة الزلال المعين) على ما في (مناقب الكاشي)
35 مخطوط .
والعلاّمة مير محمّد صالح الترمذي في (مناقب مرتضوي) 53 ط بمبي ، أخرجه
عن المحدّث الحنبلي وابن مردويه .
والعلاّمة الأمرتسري في (أرجح المطالب) 37 ط لاهور ، أخرجه عن الطبراني
وأبي نعيم وابن المغازلي وسبط بن الجوزي .
وراجع (إحقاق الحق) 3 / 299 و14 / 276 و20 / 23 .
والنسائي في الخصائص 3 ، والطبري في تاريخه 2 / 212 وابن عبدالبرّ في
الاستيعاب 3 / 33 ، وابن سيد الناس في عيون الأثر 1 / 93 ، وابن الأثير في تاريخه
2 / 22 ، والحلبي في السيرة الحلبية 1 / 288 ، وابن حجر في مجمع الزوائد 9 / 102 ،
والحمويني في فرائد السمطين 47 .
وقوله تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا
لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ)([281]).
جاء في تفسير هذه الآية : الخاشع : الذليل في صلاته ، المُقبِلُ عليها
، يعني : رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) .
رواه الحاكم الحسكاني في (شواهد التنزيل) 1 / 89 ح126 ط الأعلمي ـ
بيروت بإسناد له عن الحبري .
ورواه المفسّر الثقة فرات الكوفي في تفسيره 4 ط المطبعة الحيدرية ـ
النجف . والحافظ ابن شهر آشوب في (المناقب) 2 / 20 ط المطبعة العلمية ـ قم ، وراجع
(إحقاق الحقّ) 3 / 536 و14 / 381 .
والحبري فيما نزل من القرآن في علي 238 .
والسيوطي في الدرّ المنثور 4 / 68 ، 313 ، والبحراني في حلية الإبرار 2
/ 186 ، والعسكري (عليه السلام) في تفسيره 220 .
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)([282]).
أجمع العلماء على نزولها في علي (عليه السلام)([283]).
ونزلت في علي (عليه السلام) : (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ
لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)([284]).
فقال علي (عليه السلام) : « أنا أذان الله تعالى في الدنيا »([285]).
وكانت أوّل صلاة جماعة في الكعبة تدلّ على أهميّة الجماعة والإتّحاد .
ومكانة المرأة البارزة في الإسلام ودورها فيه . وعدم إعارة النبي (صلى الله عليه
وآله) الأهتمام لطغاة مكّة وجبابرتها وتصميمه على المضي قدماً في رسالته .
قال عفيف : جئت في الجاهلية إلى مكّة فنزلت على العبّاس بن عبدالمطّلب
، فلمّا طلعت الشمس وحَلَّقت في السماء وأنا أنظر إلى الكعبة ، أقبل شابٌّ فرمى
ببصره إلى السماء ثم استقبل الكعبة([286]).
فأقام مستقبلها ، فلم يلبث حتى جاء غلام فقام عن يمينه ، قال : فلم
يلبث حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما ، فركع الشابُّ ، فركع الغلام والمرأة ، فرفع
الشاب فرفع الغلام والمرأة ، فخرّ الشاب ساجداً فسجدا معه .
فقلت : ياعبّاس أمر عظيم .
فقال : أمر عظيم أتدري مَن هذا ؟
فقلت : لا .
قال : هذا محمّد بن عبدالله بن عبدالمطّلب ابن أخي ، أتدري مَن هذا معه
؟
قلت : لا .
قال : هذا علي بن أبي طالب بن عبدالمطّلب (عليه السلام) ابن أخي .
أتدري مَن هذه المرأة التي خلفهما ؟
قلت : لا .
قال : هذه خديجة بنت خويلد زوجة ابن أخي .
وهذا (النبي (صلى الله عليه وآله)) حدّثني أنّ ربّك ربّ السماء أمرهم
بهذا الذي تراهم عليه وأيْمُ الله ما أعلم على ظهر الأرض كلّها أحداً على هذا
الدين غير هؤلاء الثلاثة([287]).
وهذه الرواية تثبت أنّ هؤلاء الثلاثة فقط كانوا على دين الإسلام ثم
أنذر (صلى الله عليه وآله) عشيرته فأسلم بعضهم وعلى رأسهم جعفر بن أبي
طالب قبل إسلام الصحابة([288]).
ولم يصلِّ الإمام علي (عليه السلام) خلف شخص قطّ غير رسول الله .
الرسول (صلى الله عليه وآله) يعيّن عليّاً (عليه السلام) خليفة ووصيّاً
قبل إسلام أبي بكر
لقد أبلغ النبي (صلى الله عليه وآله) عشيرته الأقربين قبل غيرهم فيكون
إسلامهم قبل غيرهم .
فلمّا نزلت آية : (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ)([289]).
جمع النبي (صلى الله عليه وآله) من بني عبدالمطّلب أربعين رجلاً أحدهم
يأكل الجذعة([290])ويشرب
الفرق([291])
فصنع لهم مدّاً من طعام فأكلوا حتّى شبعوا وبقي الطعام كأنّه لم يمسّ ،
ثمّ دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعة ثم قال لهم : اشربوا بسم الله . فشربوا حتّى
رووا وبقي الشراب كأنه لم يمسّ ، فبدرهم أبو لهب فقال : هذا ما سحركم به الرجل .
فسكت النبي (صلى الله عليه وآله) ولم يتكلّم .
فتصدّى له أبو طالب قائلاً : ياعورة ، واللهِ لننصرنّه ثم لنعينّنه([292]).
وخاطب رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) قائلاً : ياابن أخي إذا أردت أن
تدعو إلى ربّك فأعلمنا حتّى نخرج معك بالسلاح([293]).
وهذا يثبّت إسلام أبي طالب في ذلك اليوم المشهور ثم طلبه من ابنه جعفر
الاشتراك في صلاة الجماعة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأطاعه([294]).
ثم أنذرهم الرسول (صلى الله عليه وآله) كما أمره الله تعالى ودعاهم إلى
عبادة الله تعالى ، وأعلمهم تفضيل الله تعالى إيّاهم واختصاصه لهم إذ بعثه بينهم
وأمره أن ينذرهم . وقال الرسول (صلى الله عليه وآله) : « يابني عبدالمطّلب إنّي
لكم نذير من الله عزَّوجلَّ ، إنِّي أتيتكم بما لم يأت به أحد من العرب ، فإن
تطيعوني ترشدوا وتفلحوا ، وتنجحوا ، إنَّ هذه مائدة أمرني الله تعالى بها ،
فصنعتها لكم كما صنع عيسى بن مريم (عليه السلام) لقومه ، فمن كفر بعد ذلك منكم
فإنّ الله يعذّبه عذاباً شديداً ، لا يعذّبه أحداً من العالمين ، واتّقوا الله
تعالى واسمعوا ما أقول لكم »([295]).
وقال (صلى الله عليه وآله) : « أيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن
يكون أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي » فأحجم القوم إلاّ علياً وهو أصغر
القوم يومئذ (سناً) حيث قام وقال :
« أنا يارسول الله » .
فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : « أنت »([296]).
ونزلت سورة المسد : (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَب وَتَبَّ ...) فكنّاه
الله تعالى بأبي لهب دلالة على استقراره في نار ذات لهب واسمه عبدالعزّى بن
عبدالمطّلب([297]).
ومن حينها بدأت العداوة بين بني هاشم وأبي لهب ، فأعلن أبو طالب
الإسلام ، وتمسّك أبو لهب بالكفر .
وأصبح الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) خليفة النبي (صلى الله
عليه وآله) ووصيّه ووزيره ووارثه([298]).
قبل إسلام أبي بكر وعمر وعثمان .
وروى أحمد بن حنبل الحديث المذكور من طريق رجال الصحاح وهم شريك
والأعمش والمنهال وعبّاد عن الإمام علي (عليه السلام)([299]).
ووفق نصّ الإسكافي أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) قال : « هذا أخي
ووصيي وخليفتي من بعدي »([300]).
وقد ذكر الطبري ذلك الحديث في تفسيره وفي تاريخه([301])
إلاَّ أنّ ناسخ تفسيره حرَّف الرواية إذ جاء فيها قوله (صلى الله عليه وآله) : «
فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ، وكذا وكذا إلى أن قال : إنَّ هذا
أخي وكذا وكذا»([302]).
وقد سار البعض على تحريف الناسخ ومنهم ابن كثير الأموي الهوى فترك
تاريخ الطبري في تلك الواقعة وأخذ بتفسيره بالرغم من اعتماده على تاريخ الطبري في
كتبه([303]).
وتبع محمد حسنين هيكل ابن كثير في ذلك فمحى من سيرته في الطبعة الثانية
ما ذكره في الطبعة الأُولى عبارة « وخليفتى فيكم » واقتصر على قوله : « فأيّكم
يؤازرني على هذا الأمر »([304])؟
ومن المدهش أنّ رجال الحزب القرشي في شتّى صنوف مهنهم لا يحترمون
محمّداً وآل محمّد (صلى الله عليه وآله) فقد ركع هؤلاء للمادّة والهوى وتعصّبوا
فامتنعوا عن ذكر قصّة تبليغه (صلى الله عليه وآله) لعشيرته الأقربين ، وكأنّ
معاوية ويزيداً ما زالا حاكمين إلى الآن يدعمان منهجهما الحزبي القرشي رغم مرور
قرون عديدة ، وتبدّل الأوضاع واختلاف الزمان .
وفي رواية : عندما نزلت : (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ)([305]).
جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بني عبدالمطّلب مرّتين ، في المرّة
الأُولى لم يسمح أبو لهب للنبي (صلى الله عليه وآله) بالكلام وفي المرّة الثانية
قال (صلى الله عليه وآله) : « يابني عبدالمطّلب ، إنّي والله ما أعلم شابّاً في
العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به ، قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني
الله تعالى أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر ، على أن يكون أخي
ووصيي وخليفتي فيكم » ، فأحجم القوم عنها جميعاً وقال علي : « أنا يانبي الله أكون
وزيرك ، فأخذ برقبتي » ، ثمّ قال :
« إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا »([306]).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله) : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى
إلاّ أنّه لا نبي بعدي »([307]).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي : « أنت أمير المؤمنين ، ويعسوب
الدين ، وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين »([308])، وفاروق الأُمّة ،
ومنار الهدى ، وإمام الأولياء .
وروى الحاكم في مستدركه على الصحيحين قول النبي (صلى الله عليه وآله) :
« أُوحي إليّ في علي ثلاث ، إنّه سيّد المسلمين ، وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ
المحجّلين »([309]).
المسلمون الأوائل
ذهب كثير من الناس إلى أنّ علياً (عليه السلام) لم يشرك بالله شيئاً
فيستأنف الإسلام بل كان تابعاً للنبي (صلى الله عليه وآله) في جميع أفعاله مقتدياً
به ، وبلغ على ذلك فعصمه الله تعالى وسدّده ووفّقه لتبعيّته لنبيّه (عليه السلام)([310]).
فكان الإمام علي بن أبي طالب أوّل من أسلم وهو القائل : « أنا عبد الله
وأخو رسوله ، وأنا الصدِّيق الأكبر لا يقولها بعدي إلاّ كاذب مفتر ، صلّيت مع رسول
الله (صلى الله عليه وآله) قبل الناس سبع سنين »([311]).
وقال البعض إنَّ خديجة أوّل من أسلم وأوّل مخلوق آمن به([312]).
والصحيح أنّ خديجة أوّل من آمن به من النساء ولكن بعد الإمام علي (عليه
السلام) . والإمام علي (عليه السلام) أوّل من آمن به من الناس إذ جاء ذلك عن سلمان
وأبي ذر وخباب وجابر وأبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم والتزمه ابن اسحاق والزهري([313]).
وقد أيّد وأكّد ذلك الصحابة الأوائل قبل العهد الأموي([314]).
لماذا أسلم أبو بكر متأخراً ؟
قال النبي (صلى الله عليه وآله) : « أوّلكم وروداً عَلَىَّ الحوض
أوّلكم إسلاماً الإمام علي بن أبي طالب »([315]).
ولقد حاول الأمويون تقديم خديجة على أمير المؤمنين (عليه السلام) ليس
حبّاً لها بل طمساً لفضائله (عليه السلام) . ثم حاولوا محاولة أُخرى لتقديم أبي
بكر عليه لكنّها فشلت إذ ادّعى العلماء إسلام أبي بكر بعد سنوات من البعثة النبوية
أي بعد إسلام أكثر من خمسين رجلاً([316]).
وبالضبط بعد رحلة الإسراء والمعراج التي كانت قبل الهجرة بسنة ونصف
برواية الواقدي([317]).
أي أسلم أبو بكر وسنّ الإمام علي (عليه السلام) إثنان وعشرون سنة وقبل
الهجرة بسنة ونصف([318]).
قال أبو القاسم الكوفي : (إنَّ أبا بكر قد أسلم بعد سبع سنين من
البعثة)([319]).
ونقل الطبري عن محمد بن سعد قلت لأبي : أكان أبو بكر أوّلكم إسلاماً ؟
فقال : لا ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين([320]).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله) هذا علي : « أوّل من آمن بي وصدّقني
وصلّى معي »([321]).
ومشكلة حكوماتنا في التاريخ تتمثّل في رغبتها في جعل سلاطين البلدان هم
الأوائل في كلّ شىء ! ولو تفحّصنا الأمر لوجدناه صحيحاً ... أليس كذلك ؟
وقد أسلم أبو بكر بناءً على نصيحة كاهن في الشام أخبره بوقت خروج
النبي (صلى الله عليه وآله) وأمره باتّباعه([322]).
كيف سبق علي (عليه السلام) الناس في الصلاة سبع سنين ؟
وقال المسعودي : ذهب كثير من الناس إلى أنّه (الإمام علي (عليه
السلام)) لم يشرك بالله شيئاً فيستأنف الإسلام ، بل كان تابعاً للنبي (صلى الله
عليه وآله) في جميع أفعاله مقتدياً به وبلغ وهو على ذلك ، وإنّ الله تعالى عصمه
وسدّده ووفّقه لتبعيته لنبيّه (عليه السلام) ... ومنهم من رأى أنَّه أوّل من آمن
وأنّ الرسول دعاه وهو موضع التكليف بظاهر قوله عزَّوجلَّ : (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ
الاَْقْرَبِينَ)([323]).
وكان بدؤه بعلي (عليه السلام) إذ كان أقرب الناس إليه وأتبعهم له([324]).
وقال السيوطي : إنَّه (علي (عليه السلام)) أوّل من أسلم ونقل بعضهم
الإجماع عليه([325]).
وقد جاء في الروايات بأنّ علياً (عليه السلام) سبق الناس في الصلاة سبع
سنين وهي لا تخالف رواية صلاته قبل الناس بثلاث سنين ، لأنّه (عليه السلام) سبق
الناس بعد البعثة بثلاث سنين وسبقهم قبل البعثة بأربع سنين فيكون المجموع سبع سنين
.
إذ قال علي بن الحسين بن علي (عليهم السلام) : « لقد آمن بالله تبارك
وتعالى وبرسوله (صلى الله عليه وآله) وسبق الناس كلّهم إلى الإيمان
بالله وبرسوله وإلى الصلاة ثلاث سنين »([326]).
وقال أبو جعفر الإسكافي : ضمّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً
(عليه السلام) إلى نفسه سنة القحط والمجاعة وعمره يوم ذاك ثماني سنين ، فمكث معه
سبع سنين إلى أن أتاه جبرئيل بالرسالة وقد أصبح بالغاً كامل العقل والإدراك فأسلم
بعد إعمال الفكر والنظر ، وورد في كلامه أنّه صلّى قبل الناس سبع سنين ، وعنى بذلك
السنين السبع التي التحق فيها بالرسول (صلى الله عليه وآله) قبل مبعثه ، ولم يكن
حينذاك دعوة ولا نبوّة ، وإنّما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يتعبّد على ملّة إبراهيم ودين الحنيفية والإمام علي يتابعه فلمّا بلغ الحلم
وبُعث النبي (صلى الله عليه وآله) دعاه إلى الإسلام فأجابه عن نظر ومعرفة لا عن
تقليد([327]).
والمسلمون الأوائل هم :
جعفر وزوجته أسماء بنت عميس وعقيل([328]) وعبيدة بن الحارث([329])
ثم أسلم زيد بن حارثة([330])، وأبو ذر جندب بن جنادة([331])،
وعمّار بن ياسر العنسي([332])، ومصعب بن عمير([333])،
وأبوه وأُمّه ، وخباب بن الأرت([334]) وبلال والزبير بن
العوام ، وعبدالله بن مسعود([335])، وخالد بن سعيد بن
العاص وامرأته أمينة بنت خلف بن أسعد([336]).
وحاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ([337]). وعتبة بن غزوان([338]).
وعبيدة بن الحارث بن المطّلب([339]).
وأبو حذيفة مهشم بن عتبة بن ربيعة([340]). وعتبة بن مسعود أخا
عبدالله بن مسعود([341]).
وخالد وعامر وعاقل وإياس بنو البكير بن عبد ياليل([342]).
والأرقم بن أبي الأرقم([343])، وعبدالله بن جحش
وأخوه أبو أحمد بن جحش([344])، وخنيس بن حذافة بن قيس([345])،
وعمرو بن عنبسة السلمي([346])، وعامر بن ربيعة العنزي([347])،
وحاطب بن الحرث بن معمر وامرأته فاطمة بنت المجلل([348])، والسائب بن عثمان بن
مظعون([349])،
والمطّلب بن أزهر بن عبد عوف وامرأته رملة بنت أبي عوف بن صبيرة([350]).
وأوّل شهيد في الإسلام سميّة أُمّ عمّار حين ربطت بين بعيرين ووجىء
قلبها بحربة وقتل زوجها ياسر([351]).
وكلّ هؤلاء قد أسلموا قبل أبي بكر([352]).
وفي يوم شهادة النبي (صلى الله عليه وآله) عصى أبو بكر الأمر النبوي
بحملة أُسامة .
وشارك عمر وصحبه في قولهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) يهجر .
أي أنّه مجنون واغتصب خلافة الرسول (صلى الله عليه وآله) ، وأمر
باقتحام بيت فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله)([353]).
وسبب إسلامه المتأخّر يعود إلى ثقافته وتربيته في بيت عبدالله بن جدعان
السيء الذكر .
فلم يخرج من هذا البيت إلاّ رجل أوجع الناس وخالف الشريعة لأنّهم لم
يشاهدوا في هذا البيت في طفولتهم إلاّ الأعمال المنكرة والمنبوذة .
والمتربّون في هذا البيت :
عمرو بن العاص مع أُمّه النابغة .
وطلحة بن عبيدالله مع أُمّه الصعبة .
صهيب الرومي([354]).
هل أسلم أبو بكر وعمر وعثمان آخر المسلمين في مكّة ؟
وردت الروايات الصحيحة في إسلام عمر وعثمان بعد أبي بكر ، ولأبي بكر
فضل في إسلام عثمان .
وجاءت روايات صحيحة في إسلام أبي بكر بعد خمسين مسلماً في مكّة([355])،
علماً بأنّ المسلمين المهاجرين إلى مكّة كانوا حوالي خمسين رجلا إذ حصلت المؤاخاة
بين المهاجرين والأنصار في المدينة والمهاجرون في خمسة وأربعين رجلا([356]).
فنفهم بأنّ أبا بكر وعمر وعثمان قد أسلموا آخر الناس في مكّة وقبل
الهجرة النبويّة إلى المدينة بزمن قليل .
الدلائل والعبر
في النواحي التربوية والعقائدية والفقهية :
سعى عبدالمطّلب وأبو طالب إلى صيانة النبي (صلى الله عليه وآله) من
المخاطر الاجتماعية وواظب محمّد على تهذيب نفسه وضبط أهوائه وتحكيم طاعته لله
تعالى فجزاه الله الجزاء الأوفى فقد آتاه الباري الحكم صبيّاً مثل يحيى (عليه
السلام) وساعده الله تربوياً بالملائكة والمعاجز الإلهية فلا يستطيع أحد إطعامه
الشيء الحرام فأصبح معصوماً بالتربية .
ثم تربّى في بيته الإمام علي (عليه السلام) منذ نعومة أظفاره ولم
يفارقه أبداً مثلما لم يفارق أبو طالب محمّداً (صلى الله عليه وآله) ثم تربّت في
بيته فاطمة (عليها السلام) .
ومن الجهة الأُخرى ربّى طغاة قريش الوليد بن المغيرة وأبو سفيان وأبو
جهل أفرادهم على التربية المضادّة المتمثّلة في تكذيب آيات الله ووصم النبي (صلى
الله عليه وآله)بالجنون .