ففي كلّ هذه الأحاديث نجد علاقة الأُبوّة موجودة بين رسول الله (صلى الله عليه وآله)وفاطمة  (عليها السلام) فقط ولا نجد ذكراً لهذه العلاقة بينه (صلى الله عليه وآله) وبين ربيبتيه زينب ورقيّة ! لا في مكّة ولا في المدينة !

وورد في رواية : جاءت فاطمة (عليها السلام) بكسرة خبز في معركة الخندق فرفعتها إليه ، فقال : ما هذه يافاطمة([539]).

وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا سافر كان آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة (عليها السلام) ، وأوّل من يدخل عليه إذا قدم فاطمة (عليها السلام)([540]).

وأنّ فاطمة سلام الله عليها شكت ما تلقى من أثر الرحى فأتى النبي (صلى الله عليه وآله) سبيٌ فانطلقت فلم تجده فوجدت عائشة فأخبرتها ، فلمّا جاء النبي (صلى الله عليه وآله) أخبرته بمجي فاطمة ، فجاء النبي (صلى الله عليه وآله) إليها([541]).

ومئات الأحاديث الأُخرى المشابهة المثبتة لعلاقة الأُبوّة بين محمّد (صلى الله عليه وآله) وابنته فاطمة  (عليها السلام) ، ولا يوجد مثل هذه الأحاديث بين النبي (صلى الله عليه وآله) من جهة وزينب ورقيّة من جهة أُخرى .

فهل غفل الناس عن سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) مع رقيّة وأُمّ كلثوم ، أم كان قصد الأمويون إضفاء لقب ذي النورين على عثمان الأموي !

وإذا كانت أُمّ كلثوم آخر من تزوّج من بنات النبي (صلى الله عليه وآله) ، وبقيت بنتاً تعيش مع أبيها كما يدَّعون ، فلماذا لم نَرَ لها ذكراً مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثلما جاء من الروايات في فاطمة (عليها السلام) وأبيها (صلى الله عليه وآله) ؟!

وذكر رقيّة اقتصر على حياتها مع عثمان بن عفّان وكذلك اقتصر ذكر زينب على حياتها مع أبي العاص .

ولا يوجد ذكر لأُمّ كلثوم مع النبي (صلى الله عليه وآله) وعثمان ، ممّا يبطل قضيّة وجود هذه المرأة في الدنيا ! فهي من مختلقات الأمويين . ولو كان لها وجود لخطبها الأنصار والمهاجرون في المدينة ، ولم يذكر ذلك أحد ، ولو كانت تعيش لوحدها مع رسول الله  (صلى الله عليه وآله) في المدينة لذكرت الروايات سيرتها في المدينة معه بنصوص صحيحة .

ولادة الحسن (عليه السلام)
وفي منتصف شهر رمضان من السنة الثالثة للهجرة ولد الإمام الحسن ابن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فأخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأدخل لسانه في فيه ، يُمصّه إيّاه ، وأذّن في اُذنه اليمنى وأقام في اُذنه اليسرى ، وحلق رأسه وتصدّق بوزن شعره فضّة ، وطلى رأسه بالخَلوق([542]). وعقّ الرسولُ (صلى الله عليه وآله) عنه بكبشين ، وهو أوّل ولد لعلي وفاطمة (عليهما السلام) ولم يسمّه الإمام علي (عليه السلام) قائلا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) : « ما كنت لأسبقك باسمه  » .

فأوحى الله تعالى إليه : « إنّ علياً بمنزلة هارون من موسى ، فسمّه باسم ابن هارون .

قال النبي (صلى الله عليه وآله) : وما كان اسمه ؟ قال الله تعالى : شبّر . قال النبي (صلى الله عليه وآله) : لساني عربي » .

قال : سمّه الحسن ، فسمّاه الحسن »([543]).

ولا يعقل أن يقول الله تعالى : شبّر ، فيعترض عليه النبي (صلى الله عليه وآله) قائلا : إنّ لساني عربي ، وكيف لا يعرف الله تعالى لسانه ! فهو بعيد عن العظمة الإلهية والأخلاق المحمّدية !!

وتربّى الحسن (عليه السلام) تربية إسلامية رائدة في حضن جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وحضن أبيه أمير المؤمنين  علي (عليه السلام) ، وحضن سيّدة نساء العالمين فاطمة (عليها السلام) . فكان مثالا للمسلم المخلص في تقواه وسلوكه وعمله .

وقد نزلت في أهل بيت محمّد والإمام علي وفاطمة والحسن والحسين (عليه السلام) آية التطهير : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) بإجماع المسلمين([544]).

وآية المباهلة : (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)([545]).

وقال النبي (صلى الله عليه وآله) فيه : « من آذى هذا فقد آذاني »([546]).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « الحسن منّي وأنا منه »([547]).

وقد عرف الحسن (عليه السلام) بالسخاء والعلم والحلم والشجاعة وحبّ العبيد والفقراء([548]).

وقد شدّد معاوية الهجمة على الحسن لمنافسته إيّاه في السلطة إذ كان معاوية عاهد الحسن (عليه السلام) على إرجاع الحكم إليه بعد وفاته ، وهذا النص حرّك معاوية لتجنيد كلّ قواه للحطّ من منزلة الحسن (عليه السلام) في أنظار الناس فظهر زيف كثير في هذا المجال ، فكانت الهجمة الحكومية على الإمام الحسن (عليه السلام) اجتماعية وسياسية بينما كانت الهجمة على الإمام الحسين (عليه السلام) عسكرية .

وحاول الأمويون بشتّى الوسائل الجاهليّة من الكذب والإفتراء الحطّ من منزلته في قلوب الناس مثلما فعلوا بجدّه من قبل . فوصموه بالجبن ومخالفته لأبيه (عليه السلام)وكثرة زيجاته وأنّه رجل مطلاق وغير ذلك . وانتشر هذا الزيف في كتب المخالفين لأهل البيت (عليه السلام)([549]).

ولمّا فشلت أعمالهم تلك توسّل معاوية بالإغتيال ، فوعدوا زوجته جعدة بنت الأشعث بالمال الكثير وزواجها من يزيد بن معاوية فقتلته بالسمّ([550]).

ولادة الحسين (عليه السلام)
وبعد سنة على ولادة الإمام الحسن (عليه السلام) ولد الإمام الحسين (عليه السلام) في الثالث من شعبان من السنة الرابعة للهجرة في المدينة المنوّرة([551]) وأذّن النبي (صلى الله عليه وآله) في أُذنه اليمنى وأقام في أُذنه اليسرى ، وبكى عليه وسمّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) حسيناً وعقّ عنه كبشاً ، وحلق شعره وتصدّق بوزنه فضّة ، وختنه في اليوم السابع من ولادته ، ولم يسمّ الناس في الجاهلية أولادهم بالحسن والحسين (عليهما السلام) فاسماهما من أسماء الجنّة([552]) ولم يولد مولود لستّة أشهر عاش غير عيسى والحسين (عليهما السلام)([553]).

وكان الحسين (عليه السلام) مثالا للتضحية في سبيل الإسلام ، إذ قدّم في هذا الطريق دمه وماله وولده وأهله وصحبه .

فتأثّر بحركته المسلمون والكافرون فقال غاندي زعيم الهند : تعلّمت من ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) كيف أكون مظلوماً فانتصر .

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه : « حسين منّي وأنا من حسين »([554]) و « حسين أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء »([555]).

وأخبر جبريل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمقتل الحسين (عليه السلام) والأرض التي يقتل فيها وأعطاه تربة حمراء من تربة كربلاء([556]) وأعطى رسول الله (صلى الله عليه وآله) تلك التربة لأُمّ سلمة قائلاً : « إذا تحوّلت هذه التربة دماً فاعلمي أنّ ابني الحسين قد قتل »([557]).

والحسن والحسين (عليهما السلام) من ذريّة النبي (صلى الله عليه وآله) بمصداق من كتاب الله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيَْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى ... وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ)([558]) فعيسى من ذرّية إبراهيم بأُمّه والحسن والحسين من ذرّية محمّد (صلى الله عليه وآله)بأُمهما .

ويوم مقتل الحسين (عليه السلام) لم يقلب حجر إلاّ وجد تحته دم عبيط([559]).

وقال الزهري وعبدالملك بن مروان : ما رفع بالشام حجر يوم قتل الحسين ابن الإمام علي (عليه السلام) إلاّ عن دم([560]).

لذلك قال الصادق (عليه السلام) : « من زار قبر الحسين عارفاً بحقّه كتب الله له في علّيين  » ، و « إنّ حول قبر الحسين (عليه السلام) سبعين ألف ملك شعثاً غبراً يبكون عليه إلى يوم القيامة »([561]).

وقال الرسول (صلى الله عليه وآله) في الحسنين (عليهما السلام) : « الحسنان سبطا هذه الأُمّة »([562]).

والحسنان صفوة الله([563]) والحسنان خير الناس جدّاً وجدّةً وأباً وأُمّاً([564]).

وقال رسول الله في أهل البيت : « أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق »([565]).

 

الباب  الثاني : الجهاد

الفصل الأوّل : بدر الكبرى

غزوة بدر الكبرى
وهي أوّل معركة عظمى للمسلمين ضدّ قوّات قريش الكافرة وفيها حاول كلّ طرف منهم الإنتقام من الطرف الثاني وتبعد أرض المعركة عن المدينة 160 كيلومتراً جنوب المدينة .

وكان سن النبي (صلى الله عليه وآله) فيها 55 سنة ، وسن الإمام علي (عليه السلام) 25 سنة .

قال ابن دحلان : وكان خروجهم يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان على رأس تسعة عشر شهراً من هجرة النبي (صلى الله عليه وآله) وخرجت معه الأنصار ولم تكن قبل ذلك خرجت معه وكان عدّة البدريين ثلاثمائة وثلاثة عشر ، وسبب هذه الغزوة التعرّض للعير التي خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في طلبها حتّى بلغ العشيرة ووجدها سبقته ، فلم يزل مترقّباً قفولها أي رجوعها من الشام ، فعند قفولها ندب المسلمين أي دعاهم([566]).

وقال : هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعلّ الله أن ينفلكموها ، فانتدب ناس أي أجابوا وثقل آخرون ، ولم يحفل بهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أي لم يهتمّ بهم بل قال : من كان ظهره أي ما يركبه حاضراً فليركب معنا ولم ينتظر من كان ظهره غائباً عنه .

وكان أبو سفيان لقي رجلا فأخبره أنّه (صلى الله عليه وآله) قد كان عرض لعيره في بدايته ، وأنّه ينتظر رجوع العير فلمّا رجع وقربت العير من أرض الحجاز صار يتجسّس الأخبار ويبحث عنها ، ويسأل من لقي من الركبان تخوّفاً من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فسمع من بعض الركبان أنّه استنفر أصحابه لك ولعيرك فخاف خوفاً شديداً فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري بعشرين مثقالا ليأتي مكّة وأن يجدع بعيره ويحوّل رحله ويشقّ قميصه من قبله ومن دبره ، إذا دخل مكّة ويستنفر قريشاً ويخبرهم أنّ محمّداً قد عرض لعيرهم هو وأصحابه ،  فخرج ضمضم سريعاً إلى مكّة([567]).

وكانت تلك العير فيها أموال قريش ، حتّى قيل إنّه لم يبق بمكّة قرشي ولا قرشية له مثقال فصاعداً إلاّ بعث به في تلك العير إلاّ حويطب بن عبدالعزّى .

ويقال : إنّ في تلك العير خمسين ألف دينار وألف بعير وتقدّم أنّ قائدها أبو سفيان ، وكان معه مخرمة بن نوفل وعمرو بن العاص ، وكان جملة من معه سبعة وعشرين رجلا .

الماء سلاح الكفّار في بدر
لقد منع طغاة قريش الماء عن عبدالمطّلب وصحبه لقتلهم عطشاً في الصحراء فنبع الماء تحت قدميه بأمر الله تعالى([568]).

وعطش النبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمون في بدر عطشاً شديداً فجاء الامام علي  (صلى الله عليه وآله)بالماء من بدر رغم الحرس الكثير الموجود هناك([569]).

روى مسلم عن أنس بن مالك : نزل المسلمون على كثيب أعفر تسوخ فيه الأقدام وحوافر الدواب .

وسبقهم المشركون إلى ماء بدر فأحرزوه وحفروا القلب لأنفسهم ليجعلوا فيها الماء من الآبار المعيّنة ، فيشربوا منها ويسقوا دوابهم . ومع ذلك ألقى الله في قلوبهم الخوف حتّى صاروا يضربون وجوه خيلهم إذا صهلت من شدّة الخوف . وألقى الله تعالى ، الأمنة والنوم على المسلمين بحيث لم يقدروا على منعه وأصبح المسلمون بعضهم محدث وبعضهم جنب لأنَّهم لمّا ناموا احتلم أكثرهم وأصابهم الظمأ ، وهم لا يصلون إلى الماء لسبق المشركين اليه .

ووسوس الشيطان لبعضهم وقال : تزعمون أنّكم على الحقّ وفيكم نبي (صلى الله عليه وآله)وأنّكم أولياء الله وقد غلبكم المشركون على الماء ، وأنتم عطاشى وتصلُّون محدثين مجنبين  ، وما ينتظر أعداؤكم ، إلاّ أن يقطع العطش رقابكم ، ويذهب قواكم ، فيتحكّموا فيكم كيف شاؤوا ؟! فأرسل الله عليهم مطراً سال منه الوادي فشرب المسلمون واتّخذوا الحياض على عدوة الوادي ، واغتسلوا وتوضّأوا وسقوا الركاب وملأوا الأسقية وأطفأ المطرُ الغبارَ ولبد الأرض حتّى ثَبَتَتْ عليها الأقدام والحوافر وزالت عنهم وسوسة الشيطان ، وقد أشار سبحانه إلى ذلك بقوله : (إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ)([570]).

ولمّا سيطر النبي (صلى الله عليه وآله) على عيون بدر لم يمنعه الكافرين فأصبحت سنّة محمّدية معروفة .

وفي الحديبية فشل سعد بن أبي وقّاص في المجيء بالماء خوفاً من الكفّار وجاء به الإمام علي (عليه السلام)([571]).

لقد استخدمت قريش سلاح الماء ضدَّ النبي (صلى الله عليه وآله) في معركة بدر وضدَّ الإمام علي (عليه السلام) في معركة صفّين وضدَّ الحسين (عليه السلام) في واقعة كربلاء([572]).

بينما أوصل الإمام علي (عليه السلام) الماء إلى عثمان يوم حاصروه([573]).

ولمّا سيطرت قوّات معاوية بن أبي سفيان على نهر الفرات في معركة صفّين منعت الماء عن جيش الإمام علي (عليه السلام) ، فقال له عمرو بن العاص الذي كان في معركة بدر مع المشركين : سوف تأخذ قوّات الإمام علي (عليه السلام) منك السيطرة على الماء . وفعلا تقدّمت قوّات أمير المؤمنين (عليه السلام) وسيطرت على الماء فخاف معاوية من العطش ، فقال له عمرو بن العاص : إنّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) سوف لا يمنع عنك الماء رغم منعك الماء عنه وعن جيشه ، لأنّه لا يحارب من أجل الماء ، وفعلا تمَّ ما ذكره([574]).

لقد تعلَّم عمرو بن العاص هذا المبدأ من معركة بدر الكبرى يوم سيطرت قوّات قريش الكافرة على الماء ومنعت قوّات المسلمين منه ، فحارب النبي (صلى الله عليه وآله)الكفّار وسيطر على الماء ولم يمنع قريشاً منه .

وكان الحسين (عليه السلام) قد سقى قوّات الحرّ بن يزيد الرياحي المحاصرة له وعددهم ألف مقاتل([575])، مثلما فعل أبوه (عليه السلام) في صفّين([576])، ومثلما فعل (صلى الله عليه وآله) جدّه في بدر .

ولأنّ رجال الحزب القرشي وسليلهم معاوية استخدموا الماء سلاحاً في المعارك فقد غيّر الأمويون سيرة معركة بدر تبعاً لنظريتهم فوصفوا النبي (صلى الله عليه وآله) بمانع الماء عن كفّار قريش !

اغتيال طالب بن أبي طالب 2هـ
لقد أخرجت قريش بني هاشم قهراً إلى معركة بدر ، وهم العبّاس وعقيل ونوفل بن الحارث وطالب بن أبي طالب . وأراد بنو هاشم الرجوع ، فاشتدَّ عليهم أبو جهل قائلا : لا تفارقنا هذه العصابة حتّى نرجع([577]).

وأراد طالب الرجوع مع بني زهرة فجرت بينه وبين القرشيين ملاحاة ، وقالوا  : واللهِ لقد عَرَفنا أنَّ هواكم مع محمد (صلى الله عليه وآله) فرجع طالب فيمن رجع إلى مكَّة ... ولم يوجد في القتلى ، ولا في الأسرى ، ولا فيمن رجع إلى مكَّة فكان مفقود الأثر([578]).

وكان طالب قد قال :

ياربّ إمّا يغزون طالِبٌ *** في مقنَب من هذه المقانِبِ

فليكن المسلوبَ غيرَ السالِبِ *** وليكُن المغلوبَ غيرَ الغالِبِ

وظاهر الأمر إسلام طالب بن أبي طالب فقد قال :

وخير بني هاشم أحمدٌ *** رسول الإله إلى العالمِ([579])

وكانت قريش قد قالت : لا تَدَعوا أحداً من عدوّكم خلفكم([580]).

ولمّا كانت قريش قد ألحَّت في ضرورة حضور أعدائها من بني هاشم الحرب  ، وعدم السماح لأعدائها بالحضور خلف الجبهة ، فقد كادوا طالب بن أبي طالب العائد إلى خلف الجبهة وقتلوه .

ولكي لا يثبتَ غَدرُهم ، ولا يُعرف قاتله ، فقد ادَّعَوا اختطافَ الجنّ له([581]).

وكلّما غدرت قريش بفرد ، وخافوا عشيرته ، إدّعوا ذلك الإدّعاء الخاوي ، فعندما قتل محمد بن مسلمة (مأمور عمر الخاص) سعد بن عبادة في الشام ، إدّعت الدولة قتل الجنّ له ! وأشاعت عائشة ذلك وسطَّروا شعراً على لسان الجنّ :

قد قتلنا سَيِّد الـ *** ـخزرج سعدَ بن عُبادَةْ

ورميناه بسهميـ *** ـنِ فلم نُخْطِئ فؤاده([582])

ومن الأشخاص الذي قُتِلوا غدراً بين مكّة والمدينة أيضاً عبدالرحمن بن أبي بكر([583]) إذ دفنه معاوية حيّاً فكان الثلاثة قد قتلوا غيلة بواسطة الحزب القرشي !

أحداث المعركة
لقد أفسد أبو جهل على الناس رأي عتبة وبعث إلى عامر بن الحضرمي قائلا  : هذا حليفك يريد الرجوع بالناس ، وقد رأيت ثارك بعينك فقم فأنشد مقتل أخيك فقام عامر وحثا التراب على رأسه وصرخ وا عمراه وا عمراه ، فحميت الحرب في 17 رمضان وتهيّأوا للقتال والشيطان معهم لا يفارقهم في صورة سراقة يقول لهم : لا غالب لكم اليوم من الناس وإنّي جار لكم ، فخرج الأسود المخزومي ، وكان شرساً سيء الخُلُق([584]).

فلمّا أقبل قصده حمزة بن عبدالمطّلب (رضي الله عنه) فضربه دون الحوض فوقع على ظهره تشخب رجله دماً .

والأسود هذا هو الأسود بن عبدالأسد المخزومي أخو عبدالله بن عبدالأسد المخزومي زوج أُمّ سلمة والأسود أوّل قتيل قُتِل يوم بدر من المشركين .

ثمّ إنّ عتبة بن ربيعة التمس بيضة أي خوذة يدخلها في رأسه فما وجد في الجيش بيضة تسع رأسه لعظمه  فاعتجر ببرد له (أي تعمّم به) ، ثمّ خرج بين أخيه شيبة بن ربيعة وإبنه الوليد بن عتبة حتّى انفصل من الصف ودعا إلى المبارزة فخرج إليه فتية من الأنصار وهم : عوف ومعاذ إبنا الحرث الأنصاريان النجّاريان ، وأُمّهما عفراء بنت عبيد بن ثعلبة الأنصاري ، وعبدالله بن رواحة فقال عتبة ومن معه لهم : من أنتم ؟

قالوا : رهط من الأنصار([585]).

قالوا : ما لنا بكم من حاجة أكفاء كرام إنّما نريد قومنا . ثمّ نادى مناديهم : يامحمّد ، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا ، فناداهم أن ارجعوا إلى مصارفكم ، وليقم إليهم بنو عمّهم . ثمّ قال (صلى الله عليه وآله) : « قم ياعبيدة بن الحرث قم ياحمزة ، قم يا علي » ، فلمّا قاموا ودنوا منهم قالوا : من أنتم لأنَّهم كانوا متلثّمين لمّا خرجوا فتسمّوا لهم ، قال ابن إسحاق : فقال عبيدة : عبيدة ، وقال حمزة : حمزة ، وقال الإمام علي : علي ، قالوا نعم ، أكفاء كرام ، فبارز عبيدة وكان أسنّ القوم المسلمين شيبة وكان أسنّ الثلاثة وبارز حمزة عتبة . واتّفقوا على أنّ علياً برز للوليد ، فقتل الإمام علي الوليد وقتل حمزة عتبة واختلف عبيدة وشيبة بضربتين كلاهما أثخن صاحبه ، فكرّ حمزة والإمام علي بأسيافهما على شيبة فدنفا عليه واحتملا صاحبهما فحازاه إلى أصحابه ، وكانت الضربة التي أصابت عبيدة في ركبته فمات منها لمّا رجعوا بالصفراء وقبره معروف بين الصفراء والحمراء ، ولمّا احتملوا عبيدة جاؤوا به إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ومخّ ساقه يسيل ، وأضجعوه إلى جانب موقفه (صلى الله عليه وآله) ، فأفرشه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قدمه الشريف فوضع خدّه عليها ، وقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « أشهد أنّك شهيد » ، بعد أن قال له عبيدة : ألست شهيداً ؟

إنّ إقدام عتبة وشيبة والوليد على طلب المبارزة يكذب تردّدهم في الحرب ويدلّل على إصرارهم عليها ! ومجيء حكيم بن حزام بأُمّه إلى المعركة يظهر حقدهما العميق على الإسلام والمسلمين .

ونزلت في يوم بدر : (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا)([586]).

في ستّة نفر من المؤمنين والكفّار تبارزوا يوم بدر وهم حمزة وعبيدة والإمام علي (عليه السلام) والوليد وعتبة وشيبة([587]) ونزلت فيهم آيات أُخرى([588]).

وسمّى الكفّار عليّاً (عليه السلام) يوم بدر بالموت الأحمر لشجاعته وبطولته([589]).

روى سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص ص11 عن ابن عباس : نزلت في علي  (عليه السلام) يوم بدر : (الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ) .

هم  عتبة ، وشيبة ، والوليد بن المغيرة : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)علي  (عليه السلام) .

وفيهم نزل : (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) .

قال : (هم الذين بارزوا يوم بدر علي وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة ...)([590]).

قتل الإمام علي (عليه السلام) للعاص بن سعيد الأموي
والعجيب في معركة بدر أنّها كانت بين طائفتين واحدة إسلامية والثانية كافرة وفي الجانبين يوجد أفراد  يودون انتصار أعدائهم أي أنّهم مكرهون على الحرب المذكورة فطلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) عدم قتل بني هاشم لأنَّهم أُكرهوا على الحرب .

فلم يقتل المسلمون العباس وعقيل وغيرهم .

وفي الجانب الآخر أمرت قريش بعدم قتل المتعاونين معها من المسلمين فلم يقتل العاص بن سعيد الكافر عمر بن الخطّاب([591]).

وهذه الأُمور عادية في معظم الحروب في العالم .

إذ قال عمر : مررت به (العاص بن سعيد) يوم بدر فرأيته يبحث للقتال كما يبحث الثور بقرنه ، وإذا شِدقاه قد أزبَدا كالوزغ ، فلمّا رأيتُ ذلك هِبْتُه ورُغْتُ عنه .

فقال العاص : إلى أين ياابن الخطّاب ؟

وصمد له عليٌّ (عليه السلام) ، فوالله ما رِمتُ مكاني حتّى قَتلَهُ([592]).

وكان الإمام  علي بن أبي طالب (عليه السلام) وسعيد بن العاص في ذلك المجلس فقال الإمام علي (عليه السلام) لعمر : اللهمّ غفراً ، ذهب الشرك بما فيه ، ومحا الإسلام ما تقدّم فما لك تَهيّج الناس ! فكفّ عمر([593]).

لقد أراد عمر تحريك مشاعر سعيد العصبيّة ضدّ الإمام علي (عليه السلام) .

الفارّون من معركة بدر
كان المسلمون 61 أوسيّاً و170 خزرجيّاً و82 مهاجراً .

والذي وصموه بالفرار في معركة بدر هو عثمان بن عفّان ، وقد وصفه بذلك عبدالرحمن بن عوف([594]); إذ تغيَّب عثمان بن عفّان عن حضور هذه المعركة ، فذمَّه لاحقاً ابن عوف والإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وطلحة بن عبدالله([595]).

وكما تغيَّب عثمان عن حضور معركة بدر فقد تغيَّب عن حضور بيعة الرضوان في الحديبية([596]).

وحاول الأمويون إخفاء هذا الأمر وتبريره ، فقالوا : إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قد أبقى عثمان عند زوجته لمرضها ونحن نعلم بأنَّ علاقته مع رقيّة كانت غير جيّدة ، ولم تكن رقيّة مريضة .

وافترى الأمويون رواية مرض رقيّة في أيّام معركة بدر لأمرين .

الأوّل : التستّر على فرار عثمان في معركة بدر .

وثانياً : التستّر على قضيّة اغتيال عثمان لرقيّة بعد معركة أُحد([597])!

وإنّ فرار عثمان في المعارك اللاحقة يكشف عن هويته الجهادية ، قال عبدالرحمن بن عوف مخاطباً عثمان : أبلغه عنِّي أنِّي لم أغِب عن بدر ، ولم أفِرّ يوم عيين (أُحد)([598]).

وتبعاً لأوامر معاوية في إيجاد مناقب مزوَّرة للخلفاء ومنع ذكر الإمام علي  (عليه السلام) فقد جاء : إنّ علياً قال : مَن أشجع الناس ؟

قالوا : أنت . قال : أشجع الناس أبو بكر ، لمّا كان يوم بدر جعلنا لرسول الله  (صلى الله عليه وآله) عريشاً فقلنا مَن مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) أي من يكون معه لئلاّ يهوي إليه أحد من المشركين فوالله ما دنا منّا أحد إلاّ أبو بكر شاهراً بالسيف([599]).

لقد حاول الراوي التمويه على كذبه بذكر الرواية على لسان الإمام علي  (عليه السلام) ! وإلاّ فهزائم أبي بكر في الحروب واضحة ومعروفة عند كُتّاب السيرة ، واعترف أبو بكر بهزيمته في أُحد باكياً كما سترى ، وإنّ النبي (صلى الله عليه وآله) أعرض عن قولي أبي بكر وعمر في معركة بدر ، الداعين للهزيمة([600]). ولم يشاركا في معركة بدر وانحرفا جانباً وفرَّ عثمان  ، إذ قد تغيّب عن معركة بدر عثمان بن عفّان وطلحة بن عبدالله وسعيد بن زيد([601]).

ولإخفاء قضيّة فرار طلحة وسعيد قالوا : إنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) أعطاهما من غنائم بدر  .

لكن السيوطي أنكر ذلك قائلاً : وضرب النبي (صلى الله عليه وآله) سهماً لعثمان يوم بدر ، ولم يضرب لأحد غاب غيره([602]).

ولكنّنا أثبتنا فرار عثمان أيضاً : إذ قال الإمام علي (عليه السلام) لعثمان وطلحة وباقي أهل الشورى : أفيكم أحد كان له سهم في الحاضر وسهم في الغائب ؟

قالوا : لا([603]).

وعيَّر عبدالرحمن بن عوف عثمان من فراره في بدر ، وهو الذي آخى الرسول  (صلى الله عليه وآله) بينه وبين عثمان قائلاً : إنّي لم أفرّ يوم عينين (أُحد) ولم أتخلّف يوم بدر وبيعة الرضوان([604]) وفرَّ عثمان مرَّة ثانية في أُحد وثالثة في بيعة الرضوان فأحبّته قريش وولعت به .

وقال عثمان للناس عند عبدالله بن مسعود : قدمت عليكم دويبة سوء ، من يمشي على طعامه يقيء ويسلّح .

فقال ابن مسعود : لست كذلك ولكن صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بدر ويوم بيعة الرضوان([605]) يعرّض بفراره في بدر .

وهناك صحابيان آخران اعترضا على عثمان فراره في بدر وأُحد والرضوان([606]).

والأكاذيب التي طرحت لمواجهة هذا الأمر صنعوها ونشروها في زمن الحكم الأموي فقالوا زيفاً : تخلّف لمرض رقيّة ، ولمّا وجدوا هذا لا ينفع قالوا تخلّف لمرضه بالجدري([607]).

وكانت أُمّ أبي أُمامة بن ثعلبة مريضة فأمره النبي (صلى الله عليه وآله) بالمقام عند أُمّه ، وضرب له بأجره وسهمه ، فرجع (صلى الله عليه وآله) من بدر .

وقد توفّيت فصلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) على قبرها([608]) فسرق الأمويون هذه الرواية لصالح عثمان !

واشترك عموم الصحابة في معركة بدر الكبرى في السنة الثانية في السابع عشر من رمضان وهي أوّل معركة للمسلمين ضدَّ كفَّار قريش ، وكان في الصف المعادي أبو سفيان ومعاوية وابن العاص وخالد .

وكانت هذه الحرب مناسبة جيّدة لاحتكاك قريش بالمهاجرين والأنصار ...

ولم يؤمّر رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الإمام علي (عليه السلام) أحداً([609])، وكان حامل راية المسلمين العقاب في معركة بدر الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)([610]).

وساهمت الملائكة في المعركة إلى جانب المسلمين ، واشتاق المسلمون إلى الجنّة ودعا رسول الله لهم بالنصر وحثى التراب في عيون الكفرة قائلاً : شاهت الوجوه . وقال عمير بن الحمام : لئن حييت حتّى آكل تمراتي إنّها لحياة طويلة ثم رمى التمرات من يده وقاتل حتى قُتِل([611]).

وتخلَّف  عن معركة بدر هارباً أسيد بن حضير الأوسي([612])، وهو من رجال السقيفة !

وهرب أيضاً النعمان بن بشير بن سعد وهو من المنافقين أيضاً وابنه النعمان كذلك .

أُمّ المؤمنين سودة تحرِّض الكفّار على حرب المسلمين
كانت بعض نساء النبي مثل بعض نساء الأنبياء ضعيفات الدين سيّئات الأخلاق عاصيات لرسول الله مثل سودة وحفصة وعائشة .

وقالت سودة أُمّ المؤمنين لأسرى قريش كلاماً سيّئاً جاء فيه : أعطيتم بأيديكم كما تفعل النساء ألا متّم كراماً .

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا سَوْدة أعلى الله ورسوله تحرّضين([613]

وكانت سودة صديقة لعائشة ومثيلتها في شراسة الطبع وعدم الإعتناء بالنبي وأهدافه ومصالحه فطلّقها النبي وأرجعها فأعطت يومها وليلتها لعائشة([614]).

وهي مع عائشة وحفصة يمثّلون المثلّث المعادي لأهل بيت النبوّة .

نظرية النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) في الأسرى
ومن ضمن الأسرى كان العبّاس بن عبدالمطلّب وعقيل بن أبي طالب قالوا : وفيهم شياطين قريش مثل عقبة بن أبي معيط ، الذي أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقتله([615]). وهذا من الأكاذيب .

اذ قُتل في المعركة عقبة بن أبي معيط اليهودي بيد الإمام علي ولأنّه يهودي فقد اختلق له كعب الأحبار وتلاميذه (أبو هريرة وعبدالله بن عمرو بن العاص) قصة فيها طابع المظلومية مثلما صنعوا ذلك مع قتلى نبوخذ نصّر وأسرى معركة بني قريظة([616])، فقالوا : قتله رسول الله وهو أسير([617]).

ومبدأ النبي يؤكّد عدم قتل الأسرى والجرحى والفارّين والنساء والكاشفين عوراتهم ، وقد سار الإمام على هذا المبدأ([618]) في كلّ حروبه في الحجاز والعراق والشام([619]).

الرواية الكاذبة فى قتل الأسرى
أطلق النبي سراح الشاعر أبي عزّة في معركة بدر الكبرى .

ولمّا وصل مكّة قال : سحرت محمّداً ، ورجع لما كان عليه من الإيذاء بشعره  ! ولمّا كان يوم أُحد خرج مع المشركين يحرّض على قتال المسلمين ، فأُسر فأمر النبي  (صلى الله عليه وآله) بضرب عنقه .

فقال : اعتقني وأطلقني فإنّي تائب .

فقال (صلى الله عليه وآله) : لا يلدغ المؤمن من جحر مرّتين ، فضربت عنقه([620]).

والصحيح : لم يقتل النبي الأسرى في جميع المعارك ، وقتل المسلمون أبا عزّة الجمحي في أرض المعركة .

فغيَّر معاوية ذلك ليصحّح أعماله في قتل الأسرى !

وأطلق النبي (صلى الله عليه وآله) سراح الأسيرة الوحيدة أُمّ حكيم بنت حزام مع ابنها الطاغية حكيم ثمّ أسلمت وبايعت عند فتح مكّة فهي وابنها من الطلقاء([621]).

ولم يقتلهما النبي رغم أعمالهما المنكرة في مكة وفي الحرب ! اعتمادا على المبدأ الإلهي في عدم قتل الأسرى .

والقسم الثاني من الأسرى أطلق سراحهم مقابل فداء دفعه أهلهم مثل الوليد بن الوليد المخزومي . ومنَّ (صلى الله عليه وآله) على الآخرين فأطلق سراحهم منهم أبو عزّة عمرو الجمحي الشاعر الذي كان يؤذي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشعره فحرّره لعياله وأخذ عليه عهداً أن لا يظاهر عليه أحداً .

وعن عبدالرحمن بن عوف قال : لقيت أُميّة بن خلف وكان صديقاً لي في الجاهلية ومعه ابنه علي آخذاً بيده ، وكان معي أدراع استلبتها من القوم فأنا أحملها ، فلمّا رآني أُميّة ناداني باسمي الأوّل ياعبد عمرو ، فلم أُجبه ، فناداني ياعبد الإله فأجبته ، وذلك أنّه كان قال لي : لمّا سمّاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) عبدالرحمن أترغب عن اسم سمّاك به أبوك ؟ فقلت : نعم ، فقال : الرحمن لا أعرفه ولكنّي أُسمّيك بعبد الإله ، فلمّا ناداني بعبد الإله قلت نعم .

ثمّ قال : هل لك فيّ فأنا خير لك من هذه الأدراع التي معك ؟ قلت : نعم ، فطرحت الأدراع من يدي وأخذت بيده وبيد ابنه علي وهو يقول : ما رأيت كاليوم قطّ  ، ثمّ قال لي : ياعبد الإله من الرجل منكم المعلّم بريشة نعامة في صدره أي كانت في درعه بحيال صدره !

قلت : ذلك حمزة بن عبدالمطّلب ، قال : ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل .

قال عبدالرحمن : ثمّ خرجت أمشي بهما ، فوالله إنّي لأقودهما إذ رآه بلال معي ، وكان هو الذي يعذِّب بلالا بمكّة على أن يترك الإسلام كما تقدّم ، فقال بلال : ياأنصار رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا أُميّة بن خلف رأس الكفر لا نجوت إن نجا ، فقلت : يابلال أبأسيري تفعل ذلك ؟ قال : لا نجوت ، إن نجا ، فأحاطوا بنا ، فأصلت بلال السيف (أي سلّه من غمده) وضرب رجل علي بن أُميّة ، فوقع وصاح أُميّة صيحة ما سمعت مثلها قطّ وقَتَلَ أُميّة بن خلف([622]).

وهذه من افتراءات القرشيين لأنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان ينصح بعدم قتل الأسرى والفارّين والجرحى .

ولو حصل ذلك فهو دون علم النبي (صلى الله عليه وآله) وإذنه([623]).

وقُتِل من سادات قريش سبعون رجلا وأُسِر منهم سبعون رجلا ، وأخذ الفداء من ثمانية وستّين رجلا ، وإفتدى العبّاس نفسه وابني أخيه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث وحليفاً لهما من بني فهر .

وقال رسول الله في الليلة التي بات فيها العبّاس أسيراً : لقد أسهرني أنين العبّاس عمّي في القدّ منذ الليلة .

ومن الأسرى مالك بن عبيدالله أخو طلحة فمات أسيراً ، وأُسر من بني مخزوم وحلفائهم أربعة وعشرون رجلاً ، ومن بني عبد شمس وحلفائهم اثنا عشر رجلاً منهم أبو العاص بن الربيع زوج زينب ربيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعمرو بن أبي سفيان([624]).

وكان الفداء من ألف إلى أربعة آلاف درهم على قدر أموالهم ، والأسير الذي ليس عنده مال دفع اليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم ، فإذا حذقوا فهو فداؤه([625]).

وهذا أعظم دليل على دعم رسول الله (صلى الله عليه وآله) للعلم إذ أعطاه مكانة عظيمة لم تكن معروفة في ذلك الزمان .

وبلّغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمسلمون الإسلام لهؤلاء الأسرى فأسلم العباس ، وعقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث بن عبدالمطّلب والوليد بن الوليد بن المغيرة والظاهر أنّ إسلامهم كان سرّاً إذ لا تقبل قريش بوجود مسلمين بين صفوفها([626]).

وكان سهيل بن عمرو الأسير مقروناً إلى ناقة النبي (صلى الله عليه وآله) ففرّ منه على أميال من المدينة وأُلقي القبض عليه([627]).

ومن عادة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمينن  علي (عليه السلام) أن لا يقتلا مدبراً([628]).

وكانت العلاقة بين عمر والعبّاس قد ساءت بعد البعثة الإسلامية لأنّ عمر من المؤذين للرسول (صلى الله عليه وآله) والمسلمين والعبّاس من المدافعين عنه (صلى الله عليه وآله) ، ومثلما ضرب حمزة أبا جهل لأذيّته النبي (صلى الله عليه وآله) فقد صفع العبّاس عمرَ دفاعاً عن النبي (صلى الله عليه وآله)([629])، ومن يومها اشتدَّت العداوة بين عمر والعبّاس ، ولمّا أسر المسلمون العبّاس في معركة بدر قال عمر : يارسول الله دعني حتّى أقتله([630]).

وكان النبي (صلى الله عليه وآله) قد نهى عن قتل بني هاشم لأنَّهم مكرهون على الحرب في بدر  ، ولمّا فشل عمر في محاولة قتل العبّاس في الأسر حاول الانتقام منه من طريق آخر إذ تولّى شدَّ وثاقه .

فقال العباس له : ما يحملك على شدِّ وثاقي إلاّ لطمي إيّاك في رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنين العبّاس ، فقالوا : يارسول الله ما يمنعك من النوم ؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « وكيف أنام وأنا أسمع أنين عمّي العبّاس فأطلقه الأنصار  »([631]).

ولمّا وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمر على السعاية أتى العبّاس في صدقة ماله فضيّق عليه عمر . وفي زمن حكمه استولى عمر على بيت العبّاس غصباً وأضافه إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)([632]).

الذين قتلهم الإمام في بدر
وعن قتلى المشركين قال الواقدي : (فجميع من يحصى قتله تسعة وأربعون رجلا (في معركة بدر) منهم من قتله أمير المؤمنين  علي (عليه السلام) ، وشرك في قتله إثنان وعشرون رجلا)([633]) وقالوا قُتل منهم سبعون وأسر سبعون([634]).

ومن الذين قتلهم الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في بدر كان نوفل بن خويلد من شياطين قريش وهو أخو خديجة ، وعمير بن عثمان التميمي ، وعبدالله بن المنذر المخزومي ، والعاص بن منبه بن الحجّاج ، وأبو العاص بن قيس السهمي([635]). وحنظلة بن أبي سفيان ، والعاص بن سعيد بن العاص ، وعامر بن عبدالله ، وعقيل بن الأسود بن المطّلب ، والنضر بن الحارث بن كلدة ، وزيد بن مليص ، وعمير بن عثمان بن تيم  ، ويزيد بن تميم ، وأبو قيس بن الوليد ، ومسعود بن أبي أُميّة ، وعبدالله بن أبي رفاعة ، وحاجب بن السائب بن عويمر ، وأوس بن المغيرة بن لوذان ، ونبيه بن الحجّاج([636]).

وأبو مسافع الأشعري ، وقيس بن الفاكه بن المغيرة وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة ، ومعاوية بن عامر([637])، وعبيدة بن سعيد بن العاص([638]).

وطعيمة بن عدي والوليد بن عتبة وشيبة بن ربيعة ، ولوذان بن ربيعة ، وعاصم بن أبي عوف([639]).

والحارث بن زمعة ، وعثمان بن عبيدالله ، أخو طلحة بن عبيدالله ، وحذيفة بن أبي حذيفة بن المغيرة ، وعمرو بن مخزوم ، ومنبه بن الحجّاج السهمي ، وعلقمة بن كلدة ، وهشام بن أبي أُميَّة بن المغيرة فذلك خمسة وثلاثون رجلا([640]).

وقتل المسلمون خمسة وثلاثين رجلا([641]).

وقتل الإمام في المعركة عقبة بن أبي معيط اليهودي .

لكن الأمويين حرَّفوا الواقعة وقالوا : قتله النبي (صلى الله عليه وآله) أسيراً بعد المعركة !

فقال ابن إسحاق : أكثر قتلى المشركين يوم بدر كان بيد الإمام علي (عليه السلام)([642]).

وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقبر قتلى المشركين السبعين في القليب وردمها عليهم .

وحزن أهالي القتلى المشركين لكنّ أبا سفيان منعهم من البكاء ومنع الشعراء من ندب القتلى لئلاّ يخفّف ذلك من غيظهم .

مَن شرب الخمر مِن الملسمين حزناً على قتلى بدر ؟
وشرب أبو بكر وعمر الخمر بعد بدر وكانت محرّمة أساساً في أوّل البعثة([643])حزناً عليهم استمراراً لفعل الجاهلية وقالا هذا الشعر في رثاء قتلى بدر من الكفّار :

وكائن بالقليب قليب بدر *** من الفتيان والعرب الكرام

أيوعدنا ابن كبشة أن سنحيا *** وكيف حياة أصداء وهام

أيعجز أن يرد الموت عنِّي *** وينشرني إذا بليت عظامي

فقل لله يمنعني شرابي ***  وقل لله يمنعني طعامي([644])

ولأجل هؤلاء القتلى حقد القرشيّون على علي وأولاده فقتلوهم في كل مكان  .

وظهرت ميولهما بصورة عفوية لا يملك الإنسان السيطرة عليها .

وهذا التعاطف بين هذين الرجلين وقريش هو الذي أوصلهما الى الحكم بعد السقيفة من قبل قريش .

حقد قريش على الإمام علي (عليه السلام)
وبقيت قريش الكافرة حاقدة على الإمام علي (عليه السلام) فقتلت النبي محمّداً وفاطمة وعلياً والحسن والحسين وأولادهما .

وحقد معاوية على أهل بدر فرفض تحكيمهم قائلاً : لا أحكم رجلاً من أهل بدر([645]) فأرسل عمرو بن العاص المحارب لأهل بدر .

وانتقم يزيد بن معاوية لقتلى بدر فقتل الحسين بن علي (عليه السلام) وصحبه وسبى عائلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يكتف القرشيون بثأرهم في معركة أُحد وما فعلوه بحمزة وباقي الشهداء إذ قال يزيد بن معاوية :

ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلّوا واستهلّوا فرحاً *** ثم قالوا يايزيد لا تشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم *** وعدلناه ببدر فاعتدل

لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم *** من بني أحمد ما كان فعل([646])

واستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلاً ستّة من المهاجرين([647]).

الغنائم
وتمثّلت الغنائم في مئة وخمسين من الإبل وثلاثين فرساً وسلاحاً ومتاعاً وانطاعاً وادماً كثيراً([648]) ولم يأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته شيئاً من الخمس لحاجة الناس إلى تلك الغنائم ، قيل وأوّل خمس أخذه في غزوة بني قنيقاع([649]) وقالوا حتّى في الوقائع الأُخرى لم يأخذ (صلى الله عليه وآله) الخمس ، وهو مردود عليهم([650]) ولم يأخذ الإمام علي والحسنان (عليهم السلام) الخمس في خلافة أبيهم (عليه السلام)([651]).

بطولة علي (عليه السلام)
وذكر البخاري بطولة علي (عليه السلام) في بدر في كتاب بدء الخلق ـ باب قتال أبي جهل ـ : عن علي (عليه السلام) ، أنّه قال : « أنا أوّل من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة » .

وقال قيس بن عبّاد : وفيهم أُنزلت : (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ)([652]).

قال : هم الذين تبارزوا يوم بدر : حمزة وعلي (عليهما السلام) وعبيدة بن الحارث وشيبة بن ربيعة وعتبة والوليد بن عتبة([653]).

وقال محمّد بن إدريس الشافعي : دخل رجل من بني كنانة على معاوية بن أبي سفيان ، فقال له : هل شهدت بدراً ؟

قال : نعم ، قال : مثل من كنت ؟ قال : غلام قمدود ، مثل عطباء الجلمود ، قال  : فحدّثني ما رأيت وحضرت ، قال : ما كنّا شهوداً إلاّ كأغياب وما رأينا ظفراً أوشك منه ، قال : فصف لي ما رأيت ، قال : رأيت في سرعان الناس علي بن أبي طالب (عليه السلام) غلاماً شابّاً ليثاً عبقرياً يفري الفرى لا يثبت له أحد إلاّ قتله ، ولا يضرب شيئاً إلاّ هتكه لم أر من الناس أحداً قطّ أنفق يحمل حمله ويلتفت التفاته ، إلى أن قال  : وكأنّ له عينان في قفاه وكان وثوبه وثوب وحش([654]).

عن أبي ذرّ قال : لمّا كان أوّل يوم البيعة لعثمان اجتمع المهاجرون ، والأنصار في المسجد وجاء علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأنشأ يقول : « إنّ أحقّ ما ابتدأ به المبتدأون  ، ونطق به الناطقون ، حمد الله والثناء عليه بما هو أهله ، والصلاة على النبي محمّد » .

فقال : « الحمد لله المتفرّد بدوام البقاء » (وساق الخطبة إلى أن قال) ثمّ قال علي  (عليه السلام) : « أُناشدكم الله إنّ جبرئيل نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال : يامحمّد لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ علي فهل تعلمون هذا كان لغيري ؟ » قالوا : لا([655]).

عن أبي جعفر محمّد بن علي (عليه السلام) قال : « نادى ملك من السماء يوم بدر يقال له رضوان أن لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ علي » . (قال) خرّجه الحسن بن عرفة العبدي([656]).