ولو كان أبو بكر مطهّراً بالقرآن لسمح له الرسول (صلى الله عليه وآله) بفتح باب على المسجد مع الإمام علي (عليه السلام) ، ولم يؤخّره تسع سنين ! ولو فُتِح باب أبي بكر لفتح باب عمر وعثمان وابن الجرّاح !

حديث الطائر
قال أنس بن مالك : كنت أخدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقُدِّم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فرخ مشوي فقال : « اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير » فجاء الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثلاث مرّات وأنس يردّه فسمع صوته رسول الله (صلى الله عليه وآله)فدعاه واعتذر أنس بأنّه أراده أن يكون من قومه وأكل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)([1243]).

والذين أفردوا قصّة الطائر في كتاب منفصل هم الحاكم وابن جرير الطبري وابن عقدة وأبو نعيم الأصبهانى وابن مردويه والذهبي .

وقد حارب المعادون لأهل البيت (عليهم السلام) الحاكمَ لتصحيحه رواية الطائر المشوي  .

وقال الإمام علي (عليه السلام) يوم الشورى : « أنا صاحب الطائر المشوي »([1244]).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « النظر إلى الإمام علي (عليه السلام) عبادة »([1245]).

تسبيح الحصى في يد الإمام (عليه السلام)
وعن أنس : إنّه ] النبي (صلى الله عليه وآله) [ أخذ كفّاً من الحصى فسبّحنّ في يده ، ثمّ صبّهنّ في يد علي (عليه السلام) فسبّحنّ في يده ، حتّى سمعنا التسبيح في أيديهما ! ثمّ صبّهنّ في أيدينا فما سبّحت([1246]).

الإمام وإحياء الشجرة اليابسة
عن الحارث الأعور الهمداني : خرجنا مع أمير المؤمنين حتّى انتهينا إلى العاقُول بالكوفة على شاطئ الفرات ، فإذا نحن بأصل شجرة ، وقد وقع أوراقها وبقي عودها يابساً ، فضربها بيده المباركة وقال لها : ارجعي بإذن الله خضراء ذات ثمر ! فإذا هي تخضرّ بأغصانها مثمرة مورقة وحمْلها الكمّثرى الذي لا يرى مثله في فواكه الدنيا ! وطعمنا منه وتزوّدنا وحملنا .

فلمّا كان بعد أيّام عدنا إليها فإذا هي خضراء فيها الكمّثرى([1247]).

لقاء الخضر
وقال الإمام (عليه السلام) : رأيت الخضر (عليه السلام) في المنام قبل بدر بليلة ، فقلت له : علّمني شيئاً أُنصَر به على الأعداء ، فقال : « قل : ياهو يامن لا هو إلاّ هو » . فلمّا أصبحت قصصتها على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقال لي : « ياعلي ، عُلّمت الأسم الأعظم  »  . فكان على لساني يوم بدر([1248]).

قال الإمام علي (عليه السلام) : دخلت الطواف في بعض الليل فإذا أنا برجل متعلّق بأستار الكعبة وهو يقول : يامن لا يمنعه سمع عن سمع ، ويامن لا تغلطه المسائل ، ويامن لا يبرحه إلحاح الملحّين ، ولا مسألة السائلين ; ارزقني برد عفوك وحلاوة رحمتك !

قال : فقلت له : ياهذا ، أعِد عليَّ ما قلت . قال : قال لي : أوَسمعته ؟! قلت : نعم  . قال لي : والذي نفس الخضر بيده ـ قال : وكان هو الخضر ـ لا يقولها عبد خلف صلاة مكتوبة إلاّ غفر الله له ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر ، ورمل عالج ، وورق الشجر ، وعدد النجوم ، لغفرها الله له([1249]).

أقبل أمير المؤمنين صلوات الله عليه ذات يوم ومعه الحسن بن علي وسلمان الفارسي ، وأمير المؤمنين متّكئ على يد سلمان (رضي الله عنه) ، فدخل المسجد الحرام فجلس ، إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللباس ، فسلّم على أمير المؤمنين وجلس بين يديه وقال : ياأمير المؤمنين ، أسألك عن ثلاث مسائل ... ثمّ قام فمضى ، فقال أمير المؤمنين للحسن (عليهما السلام) : ياأبا محمّد ، اتّبعه فانظر أين يقصد . قال  : فخرجت في أثره ، فما كان إلاّ أن وضع رجله خارج المسجد حتّى ما دريت أين أخذ من الأرض ! فرجعت إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فأعلمته ، فقال : ياأبا محمّد ، تعرفه ؟ قلت  : لا ، والله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم ، فقال : هو الخضر (عليه السلام)([1250]).

ولمّا قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) جاء الخضر (عليه السلام) فوقف على باب البيت وفيه علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) قد سُجّي([1251]) بثوبه ، فقال : السلام عليكم ياأهل بيت محمّد ، كلّ نفس ذائقة الموت ، وإنّما توفّون أُجوركم يوم القيامة ، إنّ في الله خلفاً من كلّ هالك ، وعزاءً من كلّ مصيبة ، ودركاً من كل فائت ، فتوكّلوا عليه ، وثقوا به ، وأستغفر الله لي ولكم .

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : هذا أخي الخضر (عليه السلام) ، جاء يعزّيكم بنبيّكم  (صلى الله عليه وآله)([1252]).

لمّا جلس علي (عليه السلام) في الخلافة وبايعه الناس خرج إلى المسجد ... فصعد المنبر ... ثمّ قال : يامعشر الناس ! سلوني قبل أن تفقدوني . فقام إليه رجل من أقصى المسجد متوكّئاً على عصاه ، فلم يزل يتخطّى الناس حتّى دنا منه فقال : ياأمير المؤمنين ، دلّني على عمل إذا عملته نجّاني الله من النار . قال له : اسمع ياهذا ثمّ افهم ثمّ استيقن ! قامت الدنيا بثلاثة : بعالم ناطق مستعمل لعلمه ، وبغنيّ لا يبخل ولم يصبر الفقير ، فعندها الويل والثبور ، وعندها يعرف العارفون بالله أنّ الدار قد رجعت إلى بدئها ; أي الكفر بعد الإيمان .

أيّها السائل ! فلا تغترّنّ بكثرة المساجد وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة وقلوبهم شتّى .

أيّها السائل ! إنّما الناس ثلاثة : زاهد وراغب وصابر .

فأمّا الزاهد فلا يفرح بشيء من الدنيا أتاه ، ولا يحزن على شيء منها فاته ; وأمّا الصابر فيتمنّاها بقلبه ، فإن أدرك منها شيئاً صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها ; وأمّا الراغب فلا يبالي من حلّ أصابها أم من حرام .

قال له : ياأمير المؤمنين ، فما علامة المؤمن في ذلك الزمان ؟ قال : ينظر إلى ما أوجب الله عليه من حقّ فيتولاّه ، وينظر إلى ما خالقه فيتبرّأ منه وإن كان حميماً قريباً . قال : صدقت والله ياأمير المؤمنين !

ثمّ غاب الرجل فلم نره ، فطلبه الناس فلم يجدوه ، فتبسّم علي (عليه السلام) على المنبر ثمّ قال : ما لكم ! هذا أخي الخضر (عليه السلام)([1253]).

وبينما النبي موسى (عليه السلام) كان يسأل الخضر كما ذكر القرآن الكريم كان الخضر يسأل الإمام علياً (عليه السلام) ، فلاحظ المنزلة العظيمة لوصي المصطفى محمّد (صلى الله عليه وآله) .

 

الفصل الثاني : الأحاديث النبويّة في علي (عليه السلام)

الإمام علي العصا السحريّة للنبي (صلى الله عليه وآله)
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : كان الإمام علي لي كالعصا السحرية لموسى (عليه السلام)([1254]).

وهذا الحديث النبوي يبيّن أهمية أمير المؤمنين الإمام علي  للإسلام والمسلمين ولولاه لما قام عمود الدين .

وقال خاتم الانبياء : « قام الإسلام بسيف الإمام علي ومال خديجة » .

أهل البيت كسفينة نوح
قال أبو ذرّ وهو آخذ بباب الكعبة : أيّها الناس من عرفني فأنا من عرفتم ، ومن أنكرني فانا أبو ذرّ ، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلَّف عنها غرق »([1255]).

وقد جاء عن عبّاد بن عبدالله الأسدي قال : بينما أنا عند الإمام علي بن أبي طالب  (عليه السلام) في الرحبة ، أتاه رجل فسأله عن هذه الآية : (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِّن رَّبِّهِ وَيَتلُوهُ شَاهِدٌ مِّنهُ)([1256]).

فقال : ما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلاّ قد نزلت فيه طائفة من القرآن ، والله لان يكونوا يعلمون ما سبق لنا أهل البيت على لسان النبي الأُمِّي أحبُّ إليَّ من أن يكون لي ملء هذه الرحبة ذهباً وفضّةً ، والله إنَّ مثلنا في هذه الأُمّة كمثل سفينة نوح في قوم نوح ، وإنّ مثلنا في هذه الأُمّة كمثل باب حطّة في بني اسرائيل قال : أخرجه أبو سهل القطّان في أماليه ، وابن مروديه وهكذا جاء : « مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلَّف عنها هلك ، ومثل باب حطّة في بني اسرائيل »([1257]).

أهل البيت أمان للأُمّة
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأُمّتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها أُمّة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس »([1258]).

وقد قال الرسول (صلى الله عليه وآله) ذلك الحديث بلفظ آخر ; فقد خرج النبي (صلى الله عليه وآله) ذات ليلة وقد أخَّر صلاة العشاء حتّى ذهب من الليل هنيئة أو ساعة والناس ينتظرون في المسجد فقال : ما تنتظرون ؟

فقالوا : ننتظر الصلاة فقال (صلى الله عليه وآله) : إنّكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها ثم قال  : أما إنّها صلاة لم يصلّها أحد ممّن كان قبلكم من الأُمم ، ثم رفع رأسه إلى السماء فقال : « النجوم أمان لأهل السماء فإن طمست النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون . وأهل بيتي أمان لأُمّتي ، فاذا ذهب أهل بيتي أتى أُمّتي ما يوعدون »([1259]).

الناس مسؤولون عن ولاية أمير المؤمنين
قال الله تعالى : (وَقِفُوهُم إِنَّهُم مَّسئُولون) .

أي إنّهم مسؤولون عن ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)([1260]).

لذا قال شمس الدين بن العربي :

رأيت ولائي آل طه فريضة *** على رغم أهل البعد يورثني القربا

فما طلب المبعوث أجراً على الهدى *** بتبليغه إلاّ المودَّة في القربى

وقال ابن الصبّاغ المالكي([1261]).

هم العروة الوثقى لمعتصم بها *** مناقبهم جاءت بوحي وإنزال

وهم آل بيت المصطفى فودادهم *** على الناس مفروضٌ بحكم وإسجال

أهل البيت هم حبل الله والصراط المستقيم
وقال الله سبحانه : (وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا)([1262]).

وقد أخرج الثعلبي في تفسيرها عن جعفر الصادق (عليه السلام) أنّه قال : « نحن حبل الله  »([1263]).

وفي كتاب المناقب عن ابن عبّاد قال : كنّا عند النبي (صلى الله عليه وآله) إذ جاء أعرابي فقال : يارسول الله سمعتك تقول : (وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ) فما حبل الله الذي نعتصم به ؟

فضرب النبي يده في يد الإمام علي (عليه السلام) وقال (صلى الله عليه وآله) : « تمسّكوا بهذا هو حبل الله المتين » .

والحبل هنا يعني الشيء الذي يرتبط به الناس مع الله سبحانه لذلك قال تعالى  : (وَابتَغُوا إِلَيهِ الوَسِيلَةَ)([1264]).

وقال الشاعر الحميري :

إنّا وجدنا له فيما نخبره *** بعروة العرش موصولا بها سببا

حبلا متيناً بكفَّيه له طرق *** سدّ العراج إليه العقد والكربا

من يعتصم بالقوي من حبله فله *** أن لا يكون غداً في حال من عطبا([1265])

وجاء في تفسير وكيع بن الجراح عن سفيان الثوري عن السدي عن أسباط ومجاهد عن عبدالله بن عباس في قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّرَطَ الْمُسْتَقِيمَ) .

قال : قولوا معاشر العباد : أرشدنا الى حبِّ النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته([1266]).

أهل البيت هم العروة الوثقى والنبأ العظيم
قال تعالى : (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) .

يعني ولاية الإمام علي بن أبي طالب . فقد قال الإمام الرضا (عليه السلام) : « من أحب أن يتمسّك بالعروة الوثقى فليتمسّك بحبّ الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) » .

وقال ابن حمّاد :

هو العروة الوثقى هو الجنب إنّما *** يفرّط فيه الخاسر العمه الغفل([1267])

وقال عزّوجل : (عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ عَنِ النَّبَاءِ العَظِيمِ الَّذِي هُم فِيهِ مُختَلِفُونَ)([1268]).

روى علقمة أنّه خرج يوم صفّين رجل من عسكر الشام وعليه سلاح ومصحف فوقه وهو يقول : عمَّ يتساءلون ، فأردت البراز فقال (عليه السلام) : مكانك ، وخرج بنفسه وقال : أتعرف النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون ؟ قال : لا . قال والله إنّي أنا النبأ العظيم الذي فيه اختلفتم وعلى ولايتي تنازعتم وعن ولايتي رجعتم بعدما قبلتم وببغيكم هلكتم بعدما بسيفي نجوتم ، ويوم غدير قد علمتم ويوم القيامة تعلمون ما عملتم ثم علاه بسيفه فرمى رأسه بيده([1269]).

وقال عمرو بن العاص لمعاوية :

نصرناك من جهلنا ياابن هند *** على النبأ الأعظم الأفضل([1270])

وقال تعالى : (لاََقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)([1271]).

وهو علي (عليه السلام)([1272]).

قال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) : « أنت النبأ العظيم والصراط المستقيم وأنت المثل الأعلى »([1273]).

لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق
قال أنس بن مالك : كان الرجل بعد يوم خيبر (بعد معرفتهم بقول النبي (صلى الله عليه وآله)لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق) يحمل ولده على عاتقه ، ثم يقف على طريقه  (عليه السلام) فإذا نظر اليه ، أومأ بإصبعه ، يابني أتحبُّ هذا الرجل ؟ فإن قال : نعم ، قبّله وإن قال : لا خرق به الارض ، وقال له : الحق بأُمّك([1274]).

وقال جابر بن عبدالله الأنصاري وأبو سعيد الخدري : كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ببغضهم علياً (عليه السلام)([1275]).

وقال الشاعر الحميري :

وجاء عن ابن عبدالله أنّا *** به كنّا نميّز مؤمنينا

فنعرفهم بحبِّهم علياً *** وإنَّ ذوي النفاق ليعرفونا

ببغضهم  علي ألا فبعداً *** لهم ماذا عليه ينقمونا

وممّا قالت الأنصار كانت *** مقالة عارفين مجرّبينا

ببغضهم الإمام علي الهادي عرفنا *** وحقّقنا نفاق منافقينا([1276])

في حين قال الشاعر إسماعيل بن أبي الحسان عبّاد بن العباس بن عبّاد بن أحمد بن إدريس الطالقاني المشهور :

حبّ علي بن أبي طالب *** يميِّز الحرّ من النغل

لا تعذلوه واعذلوا أُمّه *** إذ آثرت جاراً على البعل([1277])

إصرار علي (عليه السلام) على النصّ الإلهي المظلوم
كان عليَّ كرّم الله وجهه ولمدّة ستّة أشهر بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) يدعو الأنصار إلى بيعته مذكّراً لهم حاثّاً إيّاهم إلى الإلتزام بنصّ رسول الله له بالخلافة وبيعتهم له في الغدير ، فلا بيعة على بيعة ، ولا بيعة مخالفة لنصّ ، ولا بيعة ناسخة لنص .

وكان يأخذ معه في مطالبته تلك فاطمة سيّدة نساء العالمين والحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة ، تلك المجموعة التي ذكرها الله سبحانه في القرآن : أهل البيت ، آل ياسين ، آل ابراهيم([1278]).

وهذه المطالبة الحقّة من أهل البيت (عليهم السلام) يشاركهم فيها بنو هاشم تبيّن أن لا نسخ لنصّ ببيعة ، فالنصّ من الله سبحانه والبيعة من الناس وكلام الله تعالى فوق كلام الناس ، وقد توضّح في هذا الكتاب أن لا بيعة عامّة في السقيفة بل بيعة خاصَّة مدبَّرة أبطالها رجال عصبة قريش ليتداولوا السلطة فيما بينهم .

ذكر الطبري وابن الأثير في تاريخيهما والبخاري ومسلم في صحيحيهما : أنّ علياً لم يبايع مدّة ستّة أشهر ، وفي هذه المدّة الطويلة كان جليس بيته لا يشترك معهم في عمل ولا جمعة ولا جماعة وهو يدعو الأنصار لبيعته ويذكّرهم بعهد رسول الله  (صلى الله عليه وآله) وذلك منه مطالبة بإحياء نصّ لا تطمسه بيعة([1279]).

آية البلاغ وولاية الإمام علي (عليه السلام)
قال تعالى : (يأيُّها الرسُولُ بَلِّغ مَآ أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَّبِّكَ وإِن لَّم تَفعَل فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتَهُ واللهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)([1280]).

وكانت سورة المائدة آخر سورة في القرآن الكريم ، لأنّ آية البلاغ نزلت في غدير خم بعد عودة الرسول (صلى الله عليه وآله) من حجّة الوداع ، وقد أيّد ذلك أحمد بن حنبل والترمذي وابن مردويه والبيهقي عن ابن عمر والحاكم .

وقد ذكر البيهقي في سننه عن جبير بن نفير قائلا : حججت فدخلت على عائشة فقالت لي : ياجبير تقرأ المائدة ؟ فقلت : نعم . فقالت : أما إنّها آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها من حلال فاستحلّوه وما وجدتم من حرام فحرِّموه »([1281]).

وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس قال : نزلت سورة المائدة على رسول الله  (صلى الله عليه وآله) في المسير في حجة الوداع وهو راكب على راحلته فبركت به راحلته من ثقلها([1282]).

وآية البلاغ قد نزلت في الأيّام الأخيرة من حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) وهي في السورة الأخيرة من القرآن الكريم ... ودقيقاً أنّها نزلت قبل ست وأربعين آية باقية من القرآن الكريم ، وفي يوم الغدير (18 ذي الحجّة) قبل ثلاثة وأربعين يوماً من وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) (طبقاً لرواية ابن شهر آشوب في المناقب بأنّ وفاته (صلى الله عليه وآله) في اليوم الثاني من صفر) .

وبذلك يرد قول من قال : إنَّ سورة المائدة قد نزلت في بداية البعثة النبويّة لتحريف تفسيرها .

وعلى رأس القائلين إنّها نزلت في مكَّة بداية البعثة هو أبو هريرة الوضّاع الذي دخل الإسلام متأخّراً طبقاً لروايته من أنّه دخل الإسلام في السنة السابعة للهجرة النبويّة .

وقد ادّعى أبو هريرة قائلا : كنّا إذا صحبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سفر تركنا له أعظم دوحة وأظلّها فينزل تحتها ، فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلَّق سيفه فيها ، فجاء رجل فأخذه فقال : يامحمّد من يمنعك منِّي ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : الله يمنعني منك ضع عنك السيف فوضعه فنزلت : (واللهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)([1283]).

كما أخرج الترمذي وأبو نعيم عن عائشة أنَّها قالت : كان النبي يُحْرَس حتّى نزلت هذه الآية : (واللهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) .

فهذه الروايات تفيد أنَّها نزلت في بداية الدعوة والبعض يقول : إِنَّها نزلت في عهد أبي طالب ...

ولمّا كانت الأدلّة تثبت أنَّ السورة مدنية وآخر سورة في القرآن الكريم فبذلك تبطل تلك الأحاديث ويظهر زيفها .

وواضح من منطوق الآية أنّها نزلت في أواخر أيّام الدعوة بقوله تعالى : (وإِن لَّم تَفعَل فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتَهُ) .

والظاهر أيضاً أهميّة المطلب وخطورته وأنّه ليس مجرد حراسة كما تخيّله أبو هريرة ...

والظاهر أَنَّ المطلب كان من الأهميّة بمكان يجعله من أُصول الدين ، وأنَّه إن لم يبلّغه كإنّما لم يبلِّغ الإسلام كلّه ...

والحراسة ليست تبليغاً بل طلب لواحد أو اثنين من المسلمين أن يحرساه وما هي الرابطة بين حراسة النبي (صلى الله عليه وآله) في أواخر أيّامه وتبليغ الإسلام كلَّه إلى المسلمين !

إذاً لا يستقيم المطلب إلاّ مع تفسير أنّها نزلت في حقّ تبليغ خلافة وولاية الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) العظمى للمسلمين .

وتبرز أهميّة الموضوع من قوله (صلى الله عليه وآله) في ولاية الإمام علي بن أبي طالب  (عليه السلام)  : « اللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه » .

وهل يعقل أنّ الله تعالى لم يحرسه في أيّام الشدَّة والمحنة وتبليغ الإسلام وأخذ بحراسته قبل وفاته بثلاثة وأربعين يوماً ؟

أنّ اليد الأموية وبواسطة الوضّاع أبي هريرة وغيره قد حاولت تحريف فضائل ومناقب أهل البيت (عليهم السلام) بشتّى الصور .

وبعدما فرغوا من البيعة في حرّ الحجاز الشديد في الغدير نزلت آية : (اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلاَمَ دِيناً)([1284]).

ونزلت في يوم الغدير أيضاً آية : (وَإن يُكَذِّبُوكَ فَقَد كَذَّبَت قَبلَهُم قَومُ نُوح وَعَادٌ وَثَمُودُ وَقَومُ إِبراهِيمَ وَقَومُ لُوط وَأَصحَابُ مَديَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَملَيتُ لِلكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذتُهُم فَكَيفَ كَانَ نَكِيرِ)([1285]).

والذين أيّدوا نزول هذه الآيات في غدير خم هم : الفخر الرازي في تفسيره الكبير 12 / 50 ، وابن عساكر في تاريخ دمشق 2 / 86 ، والحافظ أبو نعيم في كتابه نزول القرآن 86 ، والشهرستاني في الملل والنحل 70 ، وابن سعيد السجستاني في كتابه الولاية ، والحمويني في كتابه فرائد السمطين 1 / 158 ، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 8 / 290 ، والخوارزمي الحنفي في المناقب 135 ح152 ، والسيوطي في تفسيره الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 2 / 259 ، وابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية 5 / 213 ، والآلوسي في تفسير روح المعاني 6 / 61 ، وابن كثير في تفسيره وذكره أيضاً علماء ومفسّرون آخرون من أهل السنّة والشيعة .

وقد حاول رجال السقيفة تغيير كلّ ما يتعلّق بيوم الغدير الذي اجتمع فيه مائة ألف مسلم أو يزيدون قرب ذلك الماء بعد حجّة الوداع فقالوا : إِنَّ الحديث يعني إخبار الناس بأنّ علياً ناصرهم ومحبّهم ... !!

وعلى ضوء رأي هؤلاء يصبح قول الرسول (صلى الله عليه وآله) في حرّ الصحراء لغواً لا معنى له  ، فقولهم بأنَّ علياً (عليه السلام) ناصرهم ؟! ناصرهم على مَن ؟ ولا أدري ماذا تخيّل صانع التأويل ، هل إنّه (عليه السلام) ناصرهم على المؤمنين والمتّقين ؟ أم على المنافقين ، فان كان ناصرهم على الكافرين والمنافقين فهذا معروف وبديهي من مجموع حروبه .

وهكذا تتوضّح سلامة تفسير الآيات النازلة في يوم الغدير التي فسّرها ورواها ثقات أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ...

 

الفصل الثالث : علي وأُمارة الحجّ

 من ذهب أميراً على الحجّ في السنة التاسعة ؟
في السنة التاسعة للهجرة بعث النبي (صلى الله عليه وآله) أبا بكر أميراً على الحجّ وقراءة سورة براءة : (بَرَاءةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلى الَّذِينَ عاهَدتُّهم مِّنَ المُشرِكِينَ، فَسِيحُوا فِي الأَرضِ أَربَعَةَ أَشهُر واعلَمُوا أَنَّكُم غَيرُ مُعجِزِي اللهِ وأنَّ اللهَ مُخزِي الكَافِرِين)([1286]).

(وَأَذَانٌ مِنْ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الاَْكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِىءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَاب أَلِيم * إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * فَإِذَا انسَلَخَ الاَْشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَد فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)([1287]).

وبلغ عدد المسلمين الراغبين في الحجّ ثلاثمائة مسلم وبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله)معهم عشرين بدنة ولمّا وصل المسلمون إلى ذي الحليفة وهو الميقات المعروف بمسجد الشجرة([1288]) نزل جبرئيل على النبي (صلى الله عليه وآله) يخبره : « لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك » . فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : « عليٌّ منِّي وأنا منه ، ولا يؤدّي إلاّ أنا أو علي »([1289]).

وقد روى أحمد بن حنبل في مسنده عن أبي بكر أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) بعثه ببراءة لأهل مكَّة : لا يحجّ بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا تدخل الجنّة إلاّ نفس مسلمة ، ومن كان بينه وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) عهد فأجله إلى  مدّته ، والله بري من المشركين ورسوله ، فسار بها (أبو بكر) ثلاثاً ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) : إلحقه فرُد عليَّ أبا بكر وبلّغها أنت ، ففعل .

فلمّا قدم أبو بكر على النبي (صلى الله عليه وآله) بكى وقال : يارسول الله هل حدث فيَّ شيء ؟

قال النبي (صلى الله عليه وآله) : ما حدث فيك إلاّ خير ، ولكن أُمرت أن لا يبلّغها إلاّ أنا أو رجل منِّي([1290]).

وحكاه في الكنز في تفسير سورة التوبة([1291]).

وروى أحمد بن حنبل بسنده عن الإمام علي (عليه السلام) قائلاً : لمّا نزلت عشر آيات من سورة براءة على النبي (صلى الله عليه وآله) ، دعا النبي (صلى الله عليه وآله) أبا بكر فبعثه بها ، ثمّ دعاني النبي (صلى الله عليه وآله)فقال لي :

أدرك أبا بكر ، فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه ، فاذهب به إلى مكَّة ، فاقرأه عليهم ، فلحقته بالجحفة فأخذت الكتاب منه .

ورجع أبو بكر إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ، فقال : يارسول الله هل نزل فيَّ شيء ؟

قال النبي (صلى الله عليه وآله) : لا ، ولكن جبرئيل جاءني فقال : لن يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك ، ونقله في الكنز عن أبي الشيخ وابن مردويه ، ونحوه في الكشّاف أيضاً([1292]).

وروى الحاكم عن ابن عمر حديثاً قال فيه : أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث أبا بكر وعمر ببراءة إلى  أهل مكّة فانطلقا ، فإذا هما براكب فقال : مَن هذا ؟

قال : أنا علي ياأبا بكر ، هات الكتاب الذي معك ، فأخذ الإمام علي (عليه السلام)الكتاب فذهب به ، ورجع أبو بكر وعمر إلى المدينة فقالا : ما لنا يارسول الله ؟

قال النبي (صلى الله عليه وآله) : ما لكما إلاّ خير ، ولكن قيل لي لا يبلّغ عنك إلاّ أنت أو رجل منك([1293]).

وقد روى عودة أبي بكر وبكاءه وذهاب الإمام علي بن أبي طالب أميراً على الحجّ أحمد بن حنبل وأبو يعلى من رواية أبي إسحاق عن يزيد بن منبع عن أبي بكر([1294]). وحرّف ابن هشام سيرة ابن إسحاق حفظاً للأمانة الشرعية([1295])!

وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقّاص : أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث أبا بكر ببراءة إلى أهل مكّة ثم بعث علياً (عليه السلام) على أثره ، فأخذها منه ، فكأنَّ أبا بكر وجد في نفسه ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : ياأبا بكر إنّه لا يؤدِّي عنِّي إلاّ أنا أو رجل منِّي .

وجاء في تفسير البرهان عن ابن شهر آشوب أنّه رواه الطبرسي والبلاذري والترمذي والواقدي والشعبي والسدّي والثعلبي والواحدي والقرطبي والقشيري والسمعاني وأحمد بن حنبل وابن بطة ومحمد بن إسحاق وأبو يعلى الموصلي والأعمش وسماك بن حرب في كتبهم عن عروة بن الزبير وأبي هريرة وأنس وأبي رافع وزيد بن نفيع وابن عمر وابن عباس واللفظ له : إنّه لمّا نزل (بَرَاءَةٌ مِنْ اللهِ وَرَسُولِهِ) إلى تسع آيات ، أنفذ النبي (صلى الله عليه وآله) أبا بكر إلى مكَّة لأدائها .

فنزل جبرئيل وقال : إنّه لا يؤدّيها إلاّ أنت أو رجل منك ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله)لأمير المؤمنين : اركب ناقتي العضباء والحق أبا بكر ، وخذ براءة من يده .

ولمّا رجع أبو بكر إلى النبي (صلى الله عليه وآله) جزع . وقال : يارسول الله إنّك أهَّلتني لأمر طالت الأعناق إليه ، فلمّا توجّهت إليه رددتني منه ؟

فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : الأمين هبط إليَّ عن الله تعالى : إنّه لا يؤدِّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك ، وعلي منِّي ولا يؤدِّي عنِّي إلاّ  علي .

وكلام الله تعالى : لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك مطلقة تسمح لعلي (عليه السلام). بتبليغ الأحكام الإبتدائية مثل تلك التي جاءت في سورة براءة بمنع طواف العريان ، ومنع دخول المشركين البيت الحرام .

ووجد أتباع الخط الأموي في ذلك الفعل الإلهي تضعيف لخطّهم فتحرّكوا لتحريف ذلك النهج الإلهي فقالوا كذباً : بأنَّ أبا بكر استمرّ في أمارة الحجّ والإمام علي (عليه السلام) مأمور تحت إمارته .

وقالوا : إنّ أمر الله هذا جاء وفق عادة عرب الجاهلية أن لا يبلّغ في العهود إلاّ شخص من قبيلته .

لقد أراد ابن شهاب الزهري الأموي إرضاء الحكم الأموي عنه فقال : إنّما أمر النبي علياً (عليه السلام) بتبليغ براءة دون غيره لأنّ عادة العرب أن لا يتولّى العهود إلاّ سيّد القبيلة وزعيمها أو رجل من أهل بيته يقوم مقامه كأخيه أو ابن عمه فأجراهم على عادتهم([1296]).

وهذا من أكاذيب الزهري التي ليس لها دليل إذ كان الوكيل عند العرب كالأصيل !

أقول أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان رسولا لله وزعيماً للبشرية وليس مثل رئيس قبيلة صغيرة ! ولم تكن في عادة الجاهلية أن لا يبلّغ عن زعيم القبيلة إلاَّ فرد منها بل يمكن ذلك لكل حليف أو صديق . والأخطر من ذلك أن سورة براءة قول الله تعالى وليس قول رئيس قبيلة كما يزعمون ، وقول الله سبحانه لا يبلِّغه إلاّ المطهّرون من أفراد أهل البيت (عليهم السلام) من الذين قرنهم الله تعالى مع القرآن في قوله (صلى الله عليه وآله) : « إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي » .

ولماذا هذا التضعيف للقول الإلهي بأنّه جاء وفقاً لمعايير الجاهلية ! ولو كان الأمر هكذا لما جاء اللهُ بشريعة وقوانين مخالفة لتعاليم وعادات الجاهلية !

وقد كذَّب أبو بكر هؤلاء الكتَّاب بما فعله بعد رجوعه من بكائه وجزعه وكآبته وإنّه وجد في نفسه وما قاله للرسول (صلى الله عليه وآله) : هل نزل فيَّ شيء ؟ ولو بقي أبو بكر أميراً لما فعل هذا .

وقد كان أبو بكر وعمر في مرَّات عديدة مأمورين ، تحت قيادة أحد الصحابة مرَّة في حملة ذات السلاسل تحت قيادة عمرو بن العاص وقيادة الإمام علي (عليه السلام)ومرَّة تحت قيادة أبي عبيدة بن الجرّاح ، ومرَّة في السنة العاشرة عندما استعمل النبي  (صلى الله عليه وآله) سباع بن عرفطة الغفاري على ما في سيرة ابن هشام ورواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم . ومرَّة تحت قيادة أُسامة بن زيد إلى الشام فبقي أبو بكر وعمر يناديان أُسامة بالأمير طول مدّة حياتهما([1297]).

وبذلك يكون عمرو بن العاص وأبو عبيدة بن الجراح وأُسامة بن زيد قد ترأّسوا على جيوش من جنودها أبو بكر وعمر ، وهذا يثبت أنّهما مع عثمان بن عفّان من عامّة أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) ، لم يميّزهم عن غيرهم سوى السلطة السياسية التي سيطروا عليها في انقلاب السقيفة .

بينما لم يتزعَّم شخص على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووصيّه الإمام علي بن أبي طالب  (عليه السلام) .

وأيّد علي بن إبراهيم القمّي رجوع أبي بكر إلى المدينة وذهاب الإمام علي  (عليه السلام) أميراً على الحج([1298]) إذ قال النبي (صلى الله عليه وآله) : لا ينبغي لأحد أن يبلِّغ هذا إلاّ رجل من أهلي .

فقال صاحب المنار إنّ قوله (صلى الله عليه وآله) أو رجل منّي في رواية السدي قد فسرتها الروايات الأُخرى عند الطبري وغيره بقوله (صلى الله عليه وآله) أو رجل من أهل بيتي وهذا النصّ الصريح يثبت تأويل كلمة منّي بأنّ معناها أنّ نفس الإمام علي (عليه السلام) كنفس رسول الله  (صلى الله عليه وآله) وإنّه مثله وإنّه أفضل من كل أصحابه([1299]) وهذا واضح في أنّ علياً (عليه السلام) لا يكون مأموراً أبداً .

وفي كتاب المستجاد للعلاّمة الحلّي أنّ النبي محمّداً (صلى الله عليه وآله) أبلغ علياً (عليه السلام) أن يخيّر أبا بكر بين الذهاب معه أي (مأموراً) أو الرجوع فرجع أبو بكر([1300]).

وأيّد السهيلي رجوع أبي بكر إلى المدينة وذهاب الإمام علي بن أبي طالب  (عليه السلام) ببراءة([1301]).

وصحح سبط بن الجوزي ذهاب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أميراً على الحج ورجوع أبي بكر إلى المدينة قائلاً : ودفع النبي (صلى الله عليه وآله) ناقته العضباء فأدرك أبا بكر بذي الحليفة فأخذ منه الآيات فرجع أبو بكر إلى رسول الله فقال : بأبي أنت وأُمّي هل نزل فيَّ شيء ؟

فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : لا ولكن لا يبلّغ عنّي غيري أو رجل منّي([1302]).

وهناك مئات المصادر الأُخرى تذكر رواية أخذ الإمام علي بن أبي طالب  (عليه السلام) سورة براءة من أبي بكر ورجوع أبي بكر إلى المدينة وخوفه من نزول قرآن فيه أو وجده من ذلك ، ومن الذين ذكروا تبليغ الإمام علي (عليه السلام) لسورة براءة وأذانه وحجّه بالناس : أبو محمد إسماعيل السدي الكوفي المتوفَّى سنة 128هـ ومحمد بن اسحاق المتوفَّى سنة 151هـ ، وإمام الحنابلة أحمد بن حنبل المتوفَّى سنة 241هـ ، وأبو محمد عبدالله الدارمي صاحب السنن المتوفّى سنة 255هـ ، وأبو عبدالله بن ماجة القزويني صاحب السنن المتوفَّى سنة 273هـ وأبو عيسى الترمذي صاحب الصحيح المتوفَّى سنة 279هـ ، واليعقوبي المتوفى سنة 292هـ([1303]) والحافظ أبو عبدالرحمن أحمد النسائي صاحب السنن المتوفَّى سنة 303هـ ، وعبدالله البغوي صاحب المصابيح المتوفَّى سنة 317هـ ، وسليمان بن أحمد الطبراني المتوفَّى سنة 360هـ ، وعلي بن عمر الدارقطني المتوفَّى سنة 385هـ ، والحاكم النيسابوري صاحب المستدرك المتوفَّى سنة 405هـ ، وجار الله الزمخشري ، وإبن أبي الحديد ، والسخاوي ، وجلال الدين السيوطي ، والقسطلاني ، وابن حجر الهيثمي .

وأثبت الطبري رجوع أبي بكر إلى المدينة([1304]) وأُضيف إلى الكتاب عودته مرّة أُخرى أميراً على الحجّ ! الأمر الذي يرفضه العقل . لأنّ أبا بكر إذا عاد إلى المدينة ورجع مرّة أُخرى إلى مكّة لاحتاج إلى عشرة أيّام على الأقل . ولا يوجد دليل أصلاً على أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) بعثه مرّة أُخرى أميراً على الحاج . كما لم ينقل لنا أي راو وجود محادثة ثانية بين الإمام علي (عليه السلام) وأبي بكر : هل جئت ياأبا بكر أميراً أو مأموراً ؟

وفي زمن حياة محمّد (صلى الله عليه وآله) لم يتأمّر أحد على علي (عليه السلام) أبداً .

لقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرتين :  « علي منّي وأنا منه » مرّة في معركة أُحد يوم فرَّ عنه أصحابه وبقي  الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال جبريل : « وأنا منكما » .

فقال محمد بن إسحاق في المغازي قال الزهري : إنّما قال جبرئيل إنّ هذه لهي المواساة لأنّ الناس فرّوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم أُحد حتّى عثمان بن عفّان فإنّه أوّل من فرّ ودخل المدينة وفيه نزل : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا)([1305]).

ومرّة أُخرى قال الرسول (صلى الله عليه وآله) : « الإمام علي منّي وأنا منه عندما أرسل علياً  (عليه السلام) أميراً على الحجّ في السنة التاسعة »([1306]).

ووجب بسورة براءة ستر العورة أي لا يحجّ بعد هذا العام عريان ولا يقرب المسجد بعد هذا العام مشرك وكان الكفّار يطوفون بالبيت عراة .

وقال تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ)([1307]).

ممّا يلزم ستر العورة وكان الرجال يطوفون عراة ليس على رجل منهم ثوب بالليل يعظّمون بذلك الحرمة ويقول بعضهم : أطوف بالبيت كما ولدتني أُمّي ليس عَلَيَّ شيء من الدنيا خالطه الظلم فكره رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يحجّ ذلك العام([1308]).

وكان المشركون يحجّون مع المسلمين ويعارضهم المشركون بإعلاء أصواتهم ليغلّطوهم بذلك بقولهم لا شريك لك إلاّ شريكاً هو لك تملكه وما ملك([1309]).

وحدّد لهم الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) المدّة قائلاً : ومن كان بينه وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) عهد فأجله مدّته .

فقال بعض الكفّار : نحن نبرأ من عهدك وعهد ابن عمّك .

فقال الإمام علي (عليه السلام) : لولا أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرني أن لا أُحدث شيئاً حتّى آتيه لقتلتك فلمّا عادوا أرعب الله تعالى المشركين فدخلوا في الإسلام طوعاً وكرها([1310]).

وكان العهد بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمشركين عاماً وخاصّاً فالعام أن لا يصدّ أحد عن البيت جاءه ، ولا يخاف أحد في الأشهر الحرم ، فانتقض ذلك بسورة براءة .

والخاص بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين قبائل من العرب إلى آجال مسمّاة([1311]).

ولأوّل مرّة يبلّغ شخص سورة قرآنية بدل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يكن ذلك الرجل إلاّ الإمام علي (عليه السلام) . وليس لإنسان آخر هذه المنقبة فعلي (عليه السلام) نفس محمّد (صلى الله عليه وآله)إلاّ النبوّة .

ومن المسائل السياسية في هذه الواقعة أنّ أبا بكر جزع وبكى وأصابته الكآبة إثر عزله ، والمسؤولية السياسية لا تستحقّ ذلك لأنّها خدمة ومسؤولية في عنق المسلم ومتى زاغ الإنسان عن هذه النظرة يبدأ الإنحراف ويحصل له ما فعله طلحة والزبير في معركة الجمل لامتناع الإمام علي (عليه السلام) عن توليتهما على الكوفة والبصرة .

واستمرّ أبو بكر في نظرته للمسؤولية من هذا الباب فدفعه جزعه للامتناع عن المشاركة في مراسم دفن رسول البشرية ، وسلبَ فاطمة فدكاً وأمر بالهجوم على بيتها .

وبعد ما فعل هذا كلّه ندم أبو بكر قائلاً : وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة([1312]).

 

الباب الرابع : الخصال العلميّة

الفصل الأوّل : بلاغة الإمام (عليه السلام)

قال الشريف الرضي في الإمام علي (عليه السلام) : كان أمير المؤمنين (عليه السلام) مشرِّع الفصاحة وموردها ومنشأ البلاغة ومولدها ومنه (عليه السلام) ظهر مكنونها وعنه أخذت قوانينها وعلى أمثلته حذا كلّ قائل خطيب وبكلامه استعان كلّ واعظ بليغ ، ومع ذلك فقد سبق وقصروا ، وقد تقدّم وتأخّروا لأنّ كلامه الكلام الذي عليه مصلحة من العلم الإلهي وفيه عبقة من الكلام النبوي([1313]).

أقوال في نهج البلاغة

الشيخ محمد عبدة يصف نهج البلاغة :
قال محمد عبدة : ذلك الكتاب الجليل هو جملة ما اختاره السيّد الشريف الرضي (رحمه الله) من كلام سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه جمع متفرّقه وسمّاه بهذا الاسم نهج البلاغة ، ولا أعلم اسماً أليق بالدلالة على معناه منه ، وليس في وسعي أن أصف هذا الكتاب بأزيد ممّا دلّ عليه اسمه ، ولا أن آتي بشيء في بيان مزيّته فوق ما أتى به صاحب الاختيار كما سترى في مقدّمة الكتاب .

ولولا أنّ غرائز الجبلّة وفواضي الأُمّة تفرض علينا عرفان الجميل لصاحبه وشكر المحسن على إحسانه لما احتجنا إلى التنبيه على ما أودع نهج البلاغة خصوصاً وهو لم يترك غرضاً من أغراض الكلام إلاّ أصابه ولم يدع للفكر ممرّاً إلاّ جابه([1314]).

قال محمد عبده ذكر صاحب اليتيمة عن الشريف الرضي هو أشعر الطالبيين ولو قلت انه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق .

قال بعض واصفيه : كان شاعراً مفلقاً فصيح النظم ضخم الألفاظ قادراً على القريض([1315]).

ومات الشريف الرضي سنة 404 هجرية .

وقال محمد عبده : رأيت كلامه (عليه السلام) يدور على أقطاب ثلاثة أوّلها الخطب والآوامر وثانيها الكتب والرسائل وثالثها الحكم والمواعظ .

وتشيّع محمد عبدة يرجع الى تأثّره بنهج البلاغة الذي شرحه .

ظهير الدين علي بن زيد البيهقي :
هذا الكتاب النفيس « نهج البلاغة » مملوٌّ من ألفاظ يتهذّب بها المتحدث ، ويتدرّب بها المتكلّم ; فيه من القول أحسنه ، ومن المعاني أرصنه ، كلامٌ أحلى من نَغَمِ القيان ، وأبهى من نَِعَم الجنان ، كلامٌ مَطلعه كسنة البدر ، ومَشرعُه مَورد أهل الفضل والقدر ، وكلماتٌ وشيُها خَبرٌ ، ومعانيها فِقرٌ ، وخطبٌ مقاطعها غُرر ، ومباديها درر ، استعاراتها تحكي غمرات الألحاظ المِراض ، ومواعظها تعبّر عن زهرات الرياض ، جمع قائل هذا الكلام بين ترصيع بديع ، وتحنيس أنيس ، وتطبيق أنيق  .

فللّه درّ خاطر عن مخائل الرّشد ماطرٌ ، وعين الله على كلام إمام ورث الفضائل كابراً عن كابر ، ولا غرو للروض الناضر إذا انهلّت فيه عزالي الأنواء أن يخضرّ رباه ، ويفوح ريّاه ، ولا للساري في مسالك نهج البلاغة أن يُحمد عند الصباح سراه .

ولا شكّ أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) كان باب مدينة العلوم ، فما نقول في سقط انفضّ من زند خاطره الوادي ، وغيض بدا من فيض نهره الجاري ، لا بل في شعلة من سراجه الوهّاج ، وغرفة من بحره الموّاج ، وقطرة من سحاب علمه الغزير ، ولا ينبِّئك مثل خبير .

الدكتور زكي مبارك :
لا مفرّ من الاعتراف بأنّ « نهج البلاغة » له أصل ، وإلاّ فهو شاهد على أن الشيعة كانوا من أقدر الناس على صياغة الكلام البليغ .

إنّي لأعتقد أنّ النظر في كتاب « نهج البلاغة » يورث الرّجولة والشهامة وعظمة النفس ; لأنّه من روح قهّار واجه المصاعب بعزائم الأُسود .

الأديب الشهير الأستاذ أمين نخلة :
إذا شاء أحد أن يشفي صبابة نفسه من كلام الإمام فليقبل عليه في « النهج » من الدفّة إلى الدفّة وليتعلّم المشي على ضوء « نهج البلاغة » .

الأُستاذ عباس محمود العقّاد :
في كتاب « نهج البلاغة » فيض من آيات التوحيد والحكمة الإلهية تتّسع به دراسة كل مشتغل بالعقائد ، وأُصول التأليه وحكم التوحيد .

الأُستاذ محمد أمين النواوي :
... حفظ علي (عليه السلام) القرآن كلّه ، فوقف على أسراره ، واختلط به لحمه ودمه ، والقارئ يرى ذلك في « نهج البلاغة » ويلمس فيه مقدار استفادة علي (عليه السلام) من بيانه وحكمته ، وناهيك بالقرآن مؤدّباً ومهذّباً ، يستنطق البكي الأبكم فيفتق لسانه بالبيان الساحر ، والفصاحة العالية ، فكيف إذا كان مثل علي في خصوبته ، وعبقريته  ، واستعداده ممّن صفت نفوسهم ، وأعرضوا عن الدنيا ، وأخلصوا للدين ، فجَرَت ينابيع الحكمة من قلوبهم ، متدفّقة على ألسنتهم ، كالمحيطات تجري بالسلس العذب من الكلمات ؟

وهل كان الحسن البصري في زواجر وعظه ، وبالغ منطقه إلاّ أثراً من علي  (عليه السلام) ، وقطرة من محيط أدبه ; ففتن الناس بعبادته ، وخلّب ألبابهم بجمله ، فكيف يكون الأُستاذ العليم ، والإمام الحكيم ، علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

لقد كان عليّ (عليه السلام) في خطبه المتدفّقة يمثّل بحراً ضخماً من العلماء الربّانيّين وأُسلوباً جديداً لم يكن إلاّ لسيّد المرسلين ، وطرق بحوثاً من التوحيد لم تكن تخضع في الخطابة إلاّ لمثله ، فهي فلسفة سامية لم يعرفها الناس قبله ، فدانت لبيانه وسلست في منطقه وأدبه .

وخاض في أسرار الكون ، وطبائع الناس ، وتشريح النفوس ، وبيان خصائصها وأصنافها ، وعرض لمداخل الشيطان ومخارجه ، وفتن الدنيا وآفاتها ، في الموت وأحواله ، وفي بدء الخلق ، ووصف الأرض ، وفي شأن السماء وما يعرج فيها من أملاك ، وما يحفّ بها من أفلاك ، كما عرض لملك الموت ، وأطال في وصفه .

وخطب عليّ (عليه السلام) في السياسة ، وفي شؤون البيعة والعهد والوفاء ، واختيار الأحقّ وما أحاط بذلك من ظروف وصروف ، كتحكيم صفّين وما تبعه من آثار سيئة وتفرّق الكلمة .

ولم يفته أن ينوّه في خطبه بأنصار الحقّ ، وأعوان الخير ، والدعوة إلى الجهاد ، وفيها محاجّة للخوارج ، ونصحه لهم ولأمثالهم باتّباع الحقّ . وغير ذلك ممّا يكفي فيه ضرب المثل ، ولفت النظر .

غير أنّ ناحية عجيبة امتاز بها الإمام ، هي ما اختصّ الصفوة من الأنبياء ومن على شاكلتهم ، كانت تظهر في بعض تجلّياته ، وأشار إليها في بعض مقاماته ، ولم يسلك فيها سواه إلاّ أن يكون رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقد ذكر كثيراً من مستقبل الأُمّة ، وأورد ما يكون لبعض أحزابها كالخوارج وغيرهم ، ومن ذلك وصفه لصاحب الزنج وذكر الكثير من أحواله ، وذلك من غير شكّ لونٌ من الكرامات .

هذا إلى أنه طرق نواحي من القول كانت من خواصّ الشعر إذ ذاك ، وكلّه ضمّنها خطبه ; فوصف الطبّ ، وعرض للخفّاش وما فيه من عجائب ، والطاووس وما يحويه من أسرار ، وما في الإنسان من عجائب الخلق ، وآيات المبدع الحق . وأُحيلك في ذلك كلّه على « نهج البلاغة » .