كلام بعض العلماء في ذكر أسباب تخلف القوم :

و قد ذكر بعض العلماء أن أسباب القوم في تأخرهم عن نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد البيعة له معروفة و أن الذي أظهروه من الأعذار في خلافه خداع منهم و تمويه و ستر على أنفسهم مما استبطنوه منه خوفا من الفضيحة فيه , فقال : أما سعد بن مالك ; فسبب قعوده عن نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام) الحسد له و الطمع الذي كان منه في مقامه الذي يرجوه فلما خاب من أمله حمله الحسد على خذلانه و المباينة له في الرأي .

قال : و الذي أفسد سعدا و أطمعه فيما ليس له بأهل و جرأة على مسامات أمير المؤمنين (عليه السلام) , عمر بن الخطاب , بإدخاله إياه في الشورى و تأهيله إياه للخلافة و إيهامه لذلك أنه محل للإمامة فأقدم عليه و أفسد حاله في الدنيا و الدين حتى خرج منها صفرا مما كان يرتجيه.

و أما أسامة بن زيد : فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان ولاه في مرضه الذي توفي فيه على أبي بكر و عمر و عثمان فلما مضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لسبيله انصرف القوم عن معسكره و خدعوه بتسميته مدة حياتهم له بالإمرة مع

[98]

تقدمهم عليه بالخلافة و صانعوه بذلك بما خالفوه فيه من السمع له و المسير معه و الطاعة و اغتر بخداعهم و تقبل منهم مصانعتهم و كان يعلم أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يسمح له بالخداع و لا يصانعه مصانعة القوم و يحذفه من التسمية التي جعلوها له و لا يرفعه عن منزلته و يسير به سيرته في عبيده و موالي نعمته إذ كان ولاؤه بالعتق الذي كان من إنزاعه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبيه بعد استرقاقه فصار كذلك بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غير أنه منه في الولاء فكره الانحطاط عن رتبته التي رتبها القوم فيه و لم يجد إلى التخلص من ذلك إلا كفر النعمة و المباينة لسيده و الخلاف لمولاه فحمل نفسه على ذلك لما ذكرناه.

و أما محمد بن مسلمة : فإنه كان صديق عثمان بن عفان و خاصته و بطانته فحملته العصبية له على معاونة الطالبين بثأره و كره أن يتظاهر بالكون في حيز المحاربين لهم المباينين طريقهم و لم ير بمقتضى الحال و لا شيعه وريده معاونة أعدائه و لا سمحت نفسه بذلك فأظهر من العذر بتأخره عن نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام) بخلاف باطنه منه مماكرة و سترا للقبيح من سريرته.

و أما عبد الله بن عمر : فإنه كان ضعيف العقل كثير الجهل ماقتا لأمير المؤمنين وراثة الخلف عن السلف ما يرثونه من المودة و العداوة و كان أمير المؤمنين (عليه السلام) قد أشجاه مع ذلك بهدر دم أخيه عبيد الله لقتله الهرمزان و أجلاه عن المدينة و شرده عن البلاد لا يأمن على نفسه من الظفر به فيسقط قودا فلم تسمح نفسه

[99]

بطاعة أمير المؤمنين (عليه السلام) و لا أمكنه المقت من الانقياد له لنصرته و تجاهل بما أبداه من الحيرة في قتال البغاة و الشك في سبب ذلك و حجته.

و روي هذا الكلام بعينه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في أسباب تأخر القوم عنه فإن صحت الرواية بذلك فهو أوكد لحجته و إن لم تثبت كفى في برهانه أن قائله من أهل العلم له صحة فكر و صفاء فطنة.

على أنا لو سلمنا لخصومنا ما ادعوه من امتناع سعد و ابن مسلمة و أسامة و ابن عمر من بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) و كراهتهم لها و اعتزالهم إياها و أضفنا إليهم في ذلك أمثالهم ممن ظاهره بالعداوة كزيد بن ثابت و حسان بن ثابت و مروان بن الحكم بن أبي العاص و عبد الله بن الزبير و ولد عثمان بن عفان ; و جماعة ممن كان معهم في الدار يوم الحصار ; و سفهاء بني أمية المعروفين بمقت بني هاشم و عداوتهم و المباينة لهم في الجاهلية و الإسلام بالخلاف ; لما قدح فيما اعتمدنا من دليل إمامته (عليه السلام) الذي بنينا القول فيه على مذاهب الخصوم من الحشوية و المرجئة و الخوارج و أهل الاعتزال و قاعدتهم في ثبوت البيعة بالاختيار من أهل الرأي إذ كنا لم نقل في ذلك بإجماع كافة أهل الإسلام و إنما اعتمدنا ما يثبت عند العقل على أمور القوم في بيعة أهل الفضل منهم و الاجتهاد و استظهرنا في التأكيد لذلك بذكر إجماع المهاجرين الأولين و عيون الأنصار و فضلاء المسلمين ممن حوته المدينة يومئذ

[100]

و التابعين بإحسان و الخيرة الصالحين من أهل الحجاز و العراق و مصر و غيرها من البلاد الذين كانوا حاضرين بالمدينة يومئذ لأنهم كانوا بأجمعهم سوى من يعتصم بخلافه الخصوم و محصور عددهم لقلتهم رضوا بإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) و رغبوا إليه في تولي الأمر و سألوه و رأوا أن لا يستحق لها سواه و تابعوه على الطوع منهم و الإيثار و بذلوا نفوسهم من بعد البيعة له في الجهاد و اعتقدوا أن التأخر عن طاعته في قتال أعدائه ضلال موبق و فسق مخرج عن الإيمان.

و البيعة عند مخالفينا تتم ببعض من ذكرناه إذ كانوا خمسه نفر على قول فريق منهم .

أو أربعة على قول آخرين .

أو اثنين على مذهب فريق آخر .

بل تتم عند أكثرهم بواحد حسبما قدمناه .

فكيف يخل مع ذلك بدليلنا الذي ذكرناه في إمامته (عليه السلام) خلاف النفر الذين تعلق بذكرهم في القعود عن القتال من تعلق أو بما ظهر بعد البيعة من خلاف مرتكبها و مباينة معاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص بعد الذي كان من مراسلتهما أمير المؤمنين (عليه السلام) بالبيعة و الطاعة بشرط إقرارهما على ما ولاهما عليه عثمان من الأعمال ; فلما أبى ذلك خوفا من الله تعالى و تقوى تظاهرا بالخلاف لو لا أن خصومنا جهال أغمار لا معرفة لهم بوجوه النظر و لا علم لهم بالأخبار .

[101]

باب ذكر جماعة ممن بايع أمير المؤمنين (عليه السلام) :

و نحن نذكر الآن من جملة مبايعي أمير المؤمنين (عليه السلام) الراضين بإمامته الباذلين أنفسهم في طاعته بعد الذي أجملناه من الخبر عنهم حتى يعرف المنصف بوقوفه على أسمائهم تحقيق ما وصفناه من غايتهم في الدين و تقدمهم في الإسلام و مكانهم من نبي الهدى (صلى الله عليه وآله وسلم) و أن الواحد منهم لو تولى العقد لإمام لانعقد الأمر به خاصة عند خصومنا فضلا عن جماعتهم و على مذهبهم فيما يدعونه من ثبوت الإمامة بالاختيار و آراء الرجال و تضمحل بذلك عنده شبهات الأموية فيما راموه من القدح في دليلنا بما ذكروه من خلاف من سموه حسبما قدمناه.

فممن بايع أمير المؤمنين (عليه السلام) بغير ارتياب ودان بإمامته على الإجماع والاتفاق واعتقد فرض طاعته والتحريم لخلافه ومعصيته الحاضرون معه في حرب البصرة و هم ألف و خمسمائة رجل من وجوه المهاجرين الأولين السابقين إلى الإسلام و الأنصار البدريين العقبيين و أهل بيعة الرضوان من جملتهم سبعمائة من المهاجرين و ثمانمائة من الأنصار سوى أبنائهم و حلفائهم و مواليهم و غيرهم من بطون العرب و التابعين بإحسان على ما جاء به الثبت من الأخبار .

[102]

بيعة المهاجرين :

فمن جملة المهاجرين:

1- عمار بن ياسر رضي الله عنه : صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و وليه و أخص الأصحاب كان به و الثقة قبل البعثة و بعدها و أنصر الناس له و أشدهم جهادا في طاعته المعذب في الله تعالى اسمه أبوه و أمه في أول الإسلام الذي لم يكن لأحد من الصحابة في المحنة ما كان له و لا نال أحد منهم في الدين من المكروه و الصبر على الإسلام كما ناله لم تأخذه في الله لومة لائم و المقيم مع شدة البلاء على الإيمان الذي اختص من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمدائح لم يسبقه فيها سواه من صحابته كلها مع شهادته له بالجنة مع القطع و البيان لإنذار من قتله و التبشير لقاتله بالنار على ما اتفق عليه أهل النقل من حملة الآثار.

فمن ذلك : .

قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) :إن الجنة لتشتاق إلى عمار و أنها إليه أشوق منه إليها .

[103]

و قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : بشروا قاتل عمار و سالبه بالنار .

و قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : عمار جلدة بين عيني و أنفي .

و قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا تؤذوني في عمار .

و قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : عمار ملي‏ء إيمانا و علما .

في أمثال ذلك من المدائح و التعظيمات التي اختص بها على ما ذكرناه.

2- ثم الحصين بن الحارث بن عبد المطلب.

3- و الطفيل بن الحارث المهاجران البدريان.

4- و مسطح بن أثاثة.

5- و جهجاح بن سعيد الغفاري.

6- و عبد الرحمن بن حنبل الجمحي.

7- و عبد الله.

8- و محمد ابنا بديل الخزاعي.

9- و الحارث بن عوف أبو واقد الليثي.

[104]

10- و البراء بن عازب.

11- و زيد بن صوحان.

12- و يزيد بن نويرة الذي شهد له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالجنة.

13- و هاشم بن عتبة المرقال.

14- و بريدة الأسلمي.

15- و عمرو بن الحمق الخزاعي و هجرته إلى الله و رسوله معروفة و مكانه منه (صلى الله عليه وآله وسلم) مشهور و مدحه (صلى الله عليه وآله وسلم) له مذكور.

16- و الحارث بن سراقة.

17- و أبو أسيد بن ربيعة.

18- و مسعود بن أبي عمر.

19- و عبد الله بن عقيل.

20- و عمرو بن محصن.

21- و عدي بن حاتم.

22- و عقبة بن عامر.

و من في عدادهم ممن أدرك عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

23- كحجر بن عدي الكندي.

24- و شداد بن أوس.

في نظرائهما من الأصحاب و أمثال من تقدم ذكره من المهاجرين على طبقاتهم في التقى و مراتبهم في الدين ممن يطول بتعداد ذكره الكلام فيه .

[105]

بيعة الأنصار :

و من الأنصار :

1- أبو أيوب خالد بن زيد صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

2- و خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين.

3- و أبو الهيثم بن التيهان.

4- و أبو سعيد الخدري.

5- و عبادة بن الصامت.

6- و سهل.

7- و عثمان ابنا حنيف.

8- و أبو عياش الزرقي فارس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد.

9- و زيد بن أرقم.

10- و سعيد.

11- و قيس ابنا سعد بن عبادة.

12- و جابر بن عبد الله بن حزام.

13- و مسعود بن أسلم.

14- و عامر بن أجبل.

15- و سهل بن سعيد.

16- و النعمان بن عجلان.

[106]

17- و سعد بن زياد.

18- و رفاعة بن سعد.

19- و مخلد.

20- و خالد ابنا أبي خالد.

21- و ضرار بن الصامت.

22- و مسعود بن قيس.

23- و عمرو بن بلال.

24- و عمارة بن أوس.

25- و مرة الساعدي.

26- و رفاعة بن رافع بن مالك الزرقي.

27- و جبلة بن عمرو الساعدي.

28- و عمرو بن حزم.

29- و سهل بن سعد الساعدي.

في أمثالهم من الأنصار الذين بايعوا البيعتين و صلوا القبلتين و اختصوا من مدائح القرآن و الثناء عليهم من نبي الهدى (عليه السلام) بما لم يختلف فيه من أهل العلم اثنان و ممن لو أثبتنا أسماءهم لطال بها الكتاب و لم يحتمل استيفاء العدد الذي حددناه .

[107]

بيعة بني هاشم :

و من بني هاشم أهل بيت النبوة و معدن الرسالة و مهبط الوحي و مختلف الملائكة (عليه السلام) .

1- الحسن.

2- و الحسين سبطا نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله وسلم) و سيدا شباب أهل الجنة (عليه السلام) .

3- و محمد بن الحنفية.

4- و عبد الله بن جعفر.

5- و محمد.

6- و عون أخواه.

7- و عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

8- و الفضل.

9- و قثم.

10- و عبيد الله إخوته.

11- و عتبة بن أبي لهب.

12- و عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب.

13- و عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.

و كافة بني هاشم و بني عبد المطلب .

[108]

بيعة سائر الشيعة :

و من يلحق بهم في الذكر من أوليائهم و عليه شيعتهم و أهل الفضل في الدين و الإيمان و العلم و الفقه و القرآن المنقطعين إلى الله تعالى بالعبادة و الجهاد و التمسك بحقائق الإيمان.

1- محمد بن أبي بكر ربيب أمير المؤمنين (عليه السلام) و حبيبه.

2- و محمد بن أبي حذيفة وليه و خاصته المستشهد في طاعته.

3- و مالك بن الحارث الأشتر النخعي سيفه المخلص في ولايته.

4- و ثابت بن قيس النخعي.

5- و كميل بن زياد.

6- و صعصعة بن صوحان العبدي.

7- و عمرو بن زرارة النخعي.

8- و عبد الله بن الأرقم.

9- و زيد بن الملفق.

10- و سليمان بن صرد الخزاعي.

11- و قبيصة بن جابر.

12- و عبد الله.

[109]

13- و محمد ابنا بديل الخزاعي.

14- و عبد الرحمن بن عديس البلوى.

15- و أويس القرني.

16- و هند الجملي.

17- و جندب الأزدي.

18- و الأشعث بن سوار.

19- و حكيم بن جبلة.

20- و رشيد الهجري.

21- و معقل بن قيس بن حنظلة.

22- و سويد بن الحارث.

23- و سعد بن مبشر.

24- و عبد الله بن وال.

25- و مالك بن ضمرة.

26- و الحارث الهمداني.

27- و حبة بن جوين العرني.

ممن كانوا بالمدينة عند قتل عثمان و أطبقوا على الرضا بأمير المؤمنين (عليه السلام) فبايعوه على حرب من حارب و سلم من سالم و أن لا يولوا في نصرته الأدبار فحضروا معه في مشاهده كلها لا يتأخر عنه منهم أحد حتى مضى الشهيد منهم على نصرته و بقي المتأخر منهم على حجته حتى مضى أمير المؤمنين (عليه السلام) لسبيله و كان من بقي منهم بعده على ولايته و الاعتقاد لفضله على الكافة و إمامته و إذا كان الأمر في بيعته حسب ما ذكرناه و الإجماع ممن سميناه و نعتناه على الرضا به و الطاعة له و الاعتقاد

[110]

كما وصفناه بطل اعتراض المعترض في ثبوت إمامته بتأخر من سميناه من البيعة و تفردهم عن الحرب معه و وضح بحصر عددهم أن الإجماع كان من كافة أهل الهجرة عليه إذ لو كان هناك سوى النفر المعدودين في خلاف أمير المؤمنين (عليه السلام) لشركهم في الرأي و ذكرهم الناس في جملتهم و أحصوهم في عددهم و ألحقوهم بهم فيما انفردوا به من جماعتهم و لم يكن لغيرهم ذكر في ذلك فصح ما حكمنا به من اتفاق المهاجرين و الأنصار و أهل بدر و أهل بيعة الرضوان و التابعين بإحسان على إمامته (عليه السلام) كما قدمناه فيما سلف و ذكرناه و المنة لله .

[111]

حرب الجمل