طواف أمير المؤمنين (عليه السلام) على القتلى و تكلمه معهم :
و لما انجلت الحرب بالبصرة و قتل طلحة و الزبير و حملت عائشة إلى قصر بني خلف ركب أمير المؤمنين (عليه السلام) و تبعه أصحابه و عمار رحمه الله يمشي مع ركابه حتى خرج إلى القتلى يطوف عليهم فمر بعبد الله بن خلف الخزاعي و عليه ثياب حسان مشتهرة , فقال الناس : هذا و الله رأس الناس .
فقال (عليه السلام) : ليس برأس الناس و لكنه شريف منيع النفس .
ثم مر بعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد , فقال : هذا يعسوب القوم و رأسهم صريعا كما ترونه .
ثم جعل يستعرض القتلى رجلا رجلا , فلما رأى أشراف قريش صرعى في جملة القتلى , قال : جدعت أنفي , أما و الله لقد كان مصرعكم لبغيضا إلي و لقد تقدمت إليكم و حذرتكم عض السيوف و كنتم أحداثا لا علم لكم بما ترون و لكن الحين
[392]
و مصارع السوء نعوذ بالله من سوء المصرع .
ثم سار حتى وقف على كعب بن سور القاضي و هو مجدل بين القتلى و في عنقه المصحف , فقال : نحو المصحف و ضعوه في مواضع الطهارة .
ثم قال : أجلسوا إلي كعبا .
فأجلس , و رأسه ينخفض إلى الأرض , فقال : يا كعب بن سور قد وجدت ما وعدني ربي حقا ; فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ؟
ثم قال أضجعوا كعبا .
فتجاوزه , فمر , فرأى طلحة صريعا , فقال أجلسوا طلحة .
فأجلس , و قال له : يا طلحة بن عبيد الله , قد وجدت ما وعدني ربي حقا , فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ؟
ثم قال : أضجعوه .
فوقف رجل من القراء أمامه و قال يا أمير المؤمنين ما كلامك هذه الهام ؟ قد صديت لا تسمع لك كلاما و لا ترد جوابا .
فقال (عليه السلام) : و الله إنهما ليسمعان كلامي كما تسمع أصحاب القليب كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ; و لو أذن لهما في الجواب لرأيت عجبا .
و مر بمعبد بن المقداد بن عمرو و هو في الصرعى , فقال : رحم الله أبا هذا , إنما كان رأيه فينا أحسن من رأي هذا .
فقال عمار : الحمد لله الذي أوقعه و جعل خده الأسفل , إنا و الله يا أمير المؤمنين لا نبالي بمن عند عن الحق من ولد و والد .
[393]
فقال (عليه السلام) : رحمك الله يا عمار و جزاك عن الحق خيرا .
و مر بعبد الله بن ربيعة بن دراج و هو في القتلى , فقال : هذا البائس ما كان أخرجه نصر عثمان و الله ما كان رأي عثمان فيه و لا في أبيه بحسن .
و مر بمعبد بن زهير بن أمية , فقال : لو كانت الفتنة برأس الثريا لتناولها هذا الغلام , و الله ما كان فيها بذي نخيرة و لقد أخبرني من أدركه أنه يلوذ خوفا من السيف حتى قتل البائس ضياعا .
و مر بمسلم بن قرظة , فقال : البر أخرج هذا , و لقد سألني أن أكلم عثمان في شيء يدعيه عليه بمكة فلم أزل به حتى أعطاه ; و قال لي : لو لا أنت ما أعطيته , إن هذا ما علمت بئس العشيرة , ثم جاء لحينه ينصر عثمان .
ثم مر بعبد الله بن حميد بن زهير , قال : هذا أيضا ممن أوضع في قتلانا يطلب بزعمه دم عثمان و لقد كتب إلي كتبا أوذي عثمان منها فأعطاه شيئا فرضي عنه .
و مر بعبد الله بن حكيم بن حزام , فقال : هذا خالف أباه في الخروج علي و إن أباه حيث لم ينصرنا بايع و جلس في بيته ما ألوم أحدا إذا كف عنا و عن غيرنا و لكن الملوم الذي يقاتلنا .
و مر بعبد الله بن المغيرة بن الأخنس , فقال : أما هذا فقتل أبوه يوم قتل عثمان
[394]
في الدار فخرج غضبا لمقتل أبيه و هو غلام لا علم له بعواقب الأمور .
و مر بعبد الله بن عثمان بن الأخنس بن شريق , فقال : أما هذا فإني أنظر إليه و قد أخذ القوم السيوف و إنه لهارب يعدو من السيف فنهيت عنه فلم يسمع نهيي حتى قتل .
و كان هذا ممن مقت علي و إنه من فتيان قريش أغمار لا علم لهم بالحرب خدعوا و استزلوا فلما وقعوا ألحجوا فقتلوا .
ثم أمر (عليه السلام) مناديه ; فنادى : من أحب أن يواري قتيله فليواره .
ثم قال (عليه السلام) : واروا قتلانا في ثيابهم التي قتلوا فيها فإنهم يحشرون على الشهادة و إني لشاهد لهم بالوفاء .
[395]
حرب الجمل