القول في اختلاف الأمة في فتنة الجمل و أحكام القتال فيها :
أما المتولون للقتال في هذه الفتنة فقد أنبأنا عملهم فيها عن اعتقادهم و دلت ظواهرهم في ذلك على بواطنهم فيه إذ العلم يحيط بأن أمير المؤمنين عليا (عليه السلام) و ولده و أهله من بني هاشم و أتباعه من المهاجرين و الأنصار و غيرهم من المؤمنين لم يسلكوا فيما باشروه من الحرب و سعوا فيه من القتل و استباحة الدماء طريق المجرمين لذلك الطالبين به العاجل و التاركين به ثواب الآجل بل كان ظاهرهم في ذلك و المعلوم من حالهم و قصدهم التدين به و القربة إلى الله سبحانه بعمله و الاجتهاد فيه و أن تركه و الإعراض عنه موبق من الأعمال و التقصير فيه موجب لاستحقاق العقاب.
أ لا ترى إلى ما اشتهر :
من قول أمير المؤمنين (عليه السلام) و قد سئل عن قتاله للقوم : لم أجد إلا قتالهم أو الكفر بما أنزل على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .
[50]
و قول عمار بن ياسر رضي الله عنه :
أيها الناس و الله ما أسلموا و لكنهم استسلموا و أسروا الكفر فلما وجدوا له أعوانا أظهروه .
في أمثال هذين القولين من جماعة أجلة من شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) يطول بشرحها الكتاب فهم تلائم معاني كلامهم في ذلك ظواهر فعالهم و المعلوم من قصودهم و هذا ما لا مرية فيه بين العلماء و إنما يشتبه الأمر فيه على الجهلاء الذين لم يسمعوا الأخبار و لا عثروا بتأمل الآثار.
و كذلك الأمر محيط بأن ظاهر عائشة و طلحة و الزبير , و كثير ممن كان في حيزهم التدين ; بقتال أمير المؤمنين (عليه السلام) و أنصاره و , القربة إلى الله سبحانه و تعالى باستفراغ الجهد فيه , و أنهم كانوا يريدون - على ما زعموا - وجه الله و الطلب بدم الخليفة المظلوم عندهم المقتول بغير حق و أنهم لا يسعهم فيما أضمروه من اعتقادهم إلا الذي فعلوه ; فوضح من ذلك أن كلا من الفريقين يصوب رأيه فيما فعل و يخطئ صاحبه فيما صنع و يشهد لنفسه بالنجاة و يشهد على صاحبه بالضلال و الهلاك.
إلا أن أمير المؤمنين (عليه السلام) صرح بالحكم على محاربيه و وسمهم بالغدر و النكث و أخبر أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمره بقتالهم و فرض عليه جهادهم .
[51]
و لم يحفظ عن محاربيه فيه شيء و لا سمة له بمثل ذلك و إن كان المعلوم من رأيهم التخطئة له في القتال و الحكم عليه في مقامه على الأمر و الامتناع من رده شورى بينهم و تسليم قتلة عثمان إليهم بالزلل عن الحق و ترك الواجب عندهم و الصواب.
و كان مذهب سعد بن مالك أبي وقاص و عبد الله بن عمر و محمد بن مسلمة الأنصاري و أسامة بن زيد و أمثالهم ممن رأى القعود عن الحرب و التبديع لمن تولاها الحكم على أمير المؤمنين و الحسن و الحسين (عليهما السلام) و محمد بن علي (عليه السلام) و جميع ولد أبي طالب و كافة أتباع أمير المؤمنين (عليه السلام) من بني هاشم و المهاجرين و الأنصار و المتدينين بنصرته المتبعين له على رأيه في الجهاد بالضلال و الخطإ في المقال و الفعال و التبديع لهم في ذلك على كل حال ; و كذلك كان مذهبهم في عائشة و طلحة و الزبير و من كان على رأيهم في قتال أمير المؤمنين (عليه السلام) و أنهم بذلك ضلال عن الحق عادلون عن الصواب مبدعون في استحلال دماء أهل الإسلام , و لم يحفظ عنهم في الطائفتين و لا في إحداهما تسمية بالفسوق و لا إخراجهم بما تولوه من الحرب و القتال عن الإيمان .
[53]
حرب الجمل